مفهوم الشرب في القرآن الكريم
1- مفهوم الشرب
الشرب هو تناول كل مائع، ماء كان أو غيره.
– في صفة أهل الجنة
قال الله تعالى:
﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ﴾
الإنسان: ٢١
– في صفة أهل النار
قال الله تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ ﴾
يونس: ٤
2- كلمة الشرب
في
القرآن الكريم
وردت كلمة (شرب) في القرآن الكريم ٣٩ مرة. والصيغ التي وردت، هي:
– الفعل الماضي
ورد 3 مرات
قال الله تعالى:
﴿ إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾
البقرة:٢٤٩
– الفعل المضارع
ورد 6 مرات
قال الله تعالى:
﴿ مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ﴾
المؤمنون:٣٣
– الفعل الأمر
ورد 7 مرات
قال الله تعالى:
﴿ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ﴾
مريم:٢٦
– المصدر
ورد ١٥ مرة
قال الله تعالى:
﴿ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ ﴾
الواقعة:٥٥
– اسم الفاعل
ورد 5 مرات
قال الله تعالى:
﴿ نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ ﴾
النحل:٦٦
– اسم المكان
ورد 3 مرات
قال الله تعالى:
﴿ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ﴾
البقرة:٦٠
وجاء الشرب في القرآن على أربعة وجوه:
الأول – الشرب المعروف
قال الله تعالى:
﴿ إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾
البقرة: ٢٤٩
الثاني – الحظ والنصيب من الماء
قال الله تعالى:
﴿ قَالَ هَٰذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ﴾
الشعراء: ١٥٥
يعني: حظهم ونصيبهم من الماء.
الثالث- موضع الشرب
قال الله تعالى:
﴿ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ﴾
البقرة: ٦٠
الرابع – المخالطة وحب الشيء
قال الله تعالى:
﴿ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ﴾
البقرة: ٩٣
يعني: تمكن حب العجل من قلوبهم وخالطها.
3- الكلمات ذات الصلة
بكلمة الشرب
– الجرع
تناول المشروب جرعة جرعة على الاستمرار.
قال الله تعالى:
﴿ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ ﴾
إبراهيم: ١٧
– النهل
هو أول الشرب ، ولا يحصل منه الري غالبًا.
– الأكل
هو تناول الطعام، وقد يطلق ويراد به الطعام نفسه.
قال الله تعالى:
﴿ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ﴾
الرعد: 4
– الطعام
الطعام اسمٌ جامعٌ لكل ما يؤكل .
قال الله تعالى:
﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ﴾
آل عمران :93
4 – الشرب نعمة إلهية
نعم الله على عباده لا تعد ولا تحصى، فقد امتن الله على عباده بكثير من النعم، ومن هذه النعم نعمة الشرب .
– على لسان إبراهيم عليه السلام، وهو يخاطب قومه
قال الله تعالى:
﴿ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾
الشعراء: ٧٩
فالذي يطعم ويسقي هو رب العالمين، لا غيره.
والحق أن نعمة الشرب تحفها نعم كثيرة، منها ما يتعلق بالشرب في حد ذاته، ومنها ما يتعلق بأصناف الشاربين، ومنها ما يتعلق بالأشربة وهذا بيانها:
أولًا – ما يتعلق بالشرب
الشرب في ذاته نعمة إلهية، وهذه النعمة الإلهية تكتنفها نعمٌ أخرى عند التأمل، فإيجاد قدرة الشرب في الإنسان نعمة، وخلق الشراب وإيجادها نعمة، وتنوعها نعمة، والحصول عليها نعمة، واستساغتها نعمة والارتواء منها نعمة، والتلذذ بها نعمة؛ ولم يقف الأمر عند هذه النعم، بل خلق الله تعالى في جسم الإنسان أجهزة تعمل بإذن ربها، لا بإرادة من الإنسان، لتحول ما يشربه إلى عناصر يمتصها الدم؛ لينقل كل عنصر إلى الجزء الذي يحتاجه الجسم ولا يخطئ؛ ليتم بذلك تجدد قوة الجسم ونشاطه. ومن الآيات التي ورد فيها نعمة الشرب
قال الله تعالى:
﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾
البقرة : ٦٠
﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ ﴾
النحل: ١٠
﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾
الحجر: ٢٢
فهذه الآيات السابقة تتجلى هداياتها في بيان عظيم نعمة الشرب التي امتن الله بها على عباده، وإنزال الماء الذي فيه وبه قوام حياتهم.
قال الله تعالى:
﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا . لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ﴾
الفرقان: ٤٨-٤٩
والآيات تخبرنا أن الله هو الذي رحم عباده وأدر عليهم رزقه، بأن أرسل الرياح مبشرات بين يدي رحمته وهو المطر، ومن بركته أنه أنزله ليحيي به بلدة ميتًا، فتختلف أصناف النوابت والأشجار فيها مما يأكل الناس والأنعام
ثانيًا – أصناف الشاربين
ذكر القرآن أثناء حديثه عن الشرب أصنافًا وأشخاصًا امتن الله عليهم بنعمة الشرب، وذكر القرآن لهؤلاء الأشخاص تكريم لهم، وبيان لعناية الله بهم.
1- البشرية جميعًا
فقد امتن الله في كتابه على البشرية جميعًا بنعمة الشرب، وكل الآيات التي تناولت الشرب في الدنيا في مقام الامتنان، هي نعمة على البشرية جميعًا، ومن هذه الآيات
قال الله تعالى:
﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ . أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ. لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾
الواقعة: ٦٨ – 70
2- بنو إسرائيل
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾
البقرة: ٦٠
فقد ذكر الله اليهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بنعمة من أجل نعمه على آبائهم، وهي إغاثتهم في التيه بالماء بعد أن اشتد بهم العطش، وهذه النعمة كانت نافعة لهم في دنياهم؛ لأنها أزالت عنهم الحاجة الشديدة إلى الماء ولولاه لهلكوا، وكانت نافعة لهم في دينهم؛ لأنها من أظهر الأدلة على وجود الله. وعلى قدرته وعلمه، ومن أقوى البراهين على صدق موسى عليه السلام في نبوته.
3- مريم عليها السلام
قال الله تعالى:
﴿ فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا . وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا . فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ﴾
مريم: ٢٤-٢٦
فقد ذكر سبحانه جانبًا من إكرامه لمريم عليها السلام في تلك الساعات العصيبة من حياتها بعد ولادتها عيسى عليه السلام، مبينًا أن الله لم ينسك ولم يتركك، بل أجرى لك تحت قدميك جدولًا ساريًا- الأرجح أنه جرى للحظته من ينبوع، أو تدفق من مسيل ماء في الجبل- وهذه النخلة التي تستندين إليها هزيها فتساقط عليك رطبًا ، فهذا طعام وذاك شراب.
4- أيوب عليه السلام
قال الله تعالى:
﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ . ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾
ص: ٤١-٤٢
فالآيات فيها بيان لنعمة الله على عبده أيوب عليه السلام باستجابة الدعاء، وإزالة ما به من الضر والمرض، وشفائه وسقيه من هذا الماء المبارك الذي أخرجه له من الأرض؛ جزاء لصبره على البلاء، وفي الآيات بيان أن من صبر على الضر فالله تعالى يثيبه ثوابًا عاجلًا وآجلًا.
ثالثًا – الأشربة
فقد أنعم الله على عباده بالأشربة المباحة، وقد نص القرآن على عدد من الأشربة التي امتن الله بها على عباده، وهي: الماء، والألبان، والعسل؛ من باب التنبيه على أهميتها، وبيان نعمة الله على عباده.
1- أنواع الأشربة
أ – مشروبات مباحة
القرآن نص على بعض الأشربة، من باب التنبيه على أهميتها، وبيان نعمة الله على عباده ، وهذا بيانها:
1- الماء
الماء أصل الحياة، وعنصرها الذي لا تنشأ إلا به كما قدر الله، فقد خلق الله الإنسان والدواب وجميع الكائنات الحية من الماء ، كما قال في محكم كتابه
قال الله تعالى:
﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾
الأنبياء: ٣٠
وقد امتن الله على عباده بنعمة الماء وإنزاله من السماء، وجعله ينابيع في الأرض، يستخدمونه في أي وقت يشاءون لشربهم، وشرب أنعامهم وزروعهم، ولمنافعهم.
قال الله تعالى:
﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾
الحجر: ٢٢
أي: وسخرنا الرياح، رياح الرحمة تلقح السحاب، فينشأ عن ذلك الماء بإذن الله، فيسقيه الله العباد ومواشيهم وأرضهم، ويبقى في الأرض مدخرًا لحاجاتهم وضروراتهم ما هو مقتضى قدرته ورحمته.
قال الله تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ ﴾
النحل : ١٠
وامتن الله على عباده في كتابه بأنه أنزل لهم من السماء ماء طهورًا عذبًا فراتًا، صالحًا للشرب .
قال الله تعالى:
﴿ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا ﴾
المرسلات: ٢٧
أي: عذبًا سائغًا للشاربين.
ومن رحمة الله بعباده أنه لم يجعل ماء الشرب مالحًا، تكرهه النفوس، مع قدرته على ذلك، فامتن على عباده بهذه النعمة .
قال الله تعالى:
﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ . أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ. لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾
الواقعة: ٦٨-٧٠
فالآيات السابقة تتجلى هداياتها في بيان أن من نعم الله على الإنسان ﴿ نعمة الماء﴾ ، فهو آية من آيات الله، خلق الله منه الكائنات، لا غنى للناس عنه؛ وهو سبب بقائهم، وأساس حياتهم، منه يشربون ويزرعون ويأكلون، وفيه منافع لهم ولأنعامهم.
2- ألبان الأنعام
من النعم التي امتن الله بها على العباد نعمة شرب ألبان الأنعام على اختلافها ما بين إبل وبقر وغنم، وقد امتن الله على عباده بهذه النعمة في كتابه .
قال الله تعالى:
﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ ﴾
النحل: ٦٦
3- العسل
من الأشربة المباحة التي امتن الله بها على عباده شراب العسل الذي يخرج من النحل .
قال الله تعالى:
﴿ وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ . ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
النحل: ٦٨ – ٦٩
فالله يخبر عباده بأنه جعل لهم آية في خلق هذه النحلة الصغيرة، التي هداها الله هذه الهداية العجيبة، ويسر لها المراعي، ثم الرجوع إلى بيوتها التي أصلحتها بتعليم الله لها، وهدايته لها ، ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ، مختلف الألوان بحسب اختلاف أرضها ومراعيها، فيه شفاء للناس من أمراض عديدة. فهذا دليل على كمال عناية الله تعالى، وتمام لطفه بعباده، وأنه الذي لا ينبغي أن يحب غيره ويدعي سواه.
ثانيًا – مشروبات محرمة
التحريم لم يأت في شريعة الإسلام إلا لشيء كانت مفسدته خالصة أو غالبة، وجميع المحرمات لا تخلو من أن تكون على واحد من الوصفين، والله ما حرم شيئًا على عباده إلا وفي هذا التحريم مصلحة لهم؛ لذلك حرم عليهم بعض الأشربة لضررها وخبثها، وقد ذكر القرآن من هذه الأشربة المحرمة الخمر والدم.
1- الخمر
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾
المائدة : ٩٠-٩١
هذه الآيات هي المرحلة الأخيرة التي مر بها تحريم الخمر، وتخبرنا الآيات أنه بعد أن نهى الله سبحانه فيما سلف عن تحريم ما أحل الله من الطيبات، وأمر بأكل ما رزق الله من الحلال الطيب، وكان من جملة الأمور المستطابة عند العرب الخمر والميسر، لا جرم أن بين عز اسمه أنهما غير داخلين فيما يحل، بل هما مما يحرم.
2- الدم المسفوح
ورد تحريم الدم في أربع آيات من القرآن ، منها
قال الله تعالى:
﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
الأنعام: ١٤٥
فالله يخبر عباده المؤمنين في الآية الأولى أنه حرم عليهم بعض الأطعمة وغيرها؛ لما لها من ضرر اعتقادي أو دنيوي عليهم، ومن هذه المحرمات الدم المسفوح ، وهو الدم الجاري المهراق من البهيمة بعد ذبحها .
5- الشرب والابتلاء
أقام الله الدنيا على الابتلاء
قال الله تعالى:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾
الملك : ٢
والله له أن يبتلي عباده بما يشاء، وله الحكمة البالغة في ذلك، والابتلاء يكون بالخير والشر .
قال الله تعالى:
﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾
الأنبياء: ٣٥
فالابتلاء يكون بالنعم أيضًا، وقد ابتلى الله بعض عباده ببعض النعم، ومن هذه النعم التي ابتلى الله بها بعض عباده نعمة الماء وشربه، وقد قص القرآن ذلك علينا من قصة بني إسرائيل، وقصة ثمود.
أولًا – بنو إسرائيل
ورد ابتلاء بني إسرائيل بنعمة الماء وشربه
قال الله تعالى:
﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾
البقرة: ٢٤٩
والآيات قبل ذلك تحكي قصة الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى عليه السلام إذ طلبوا من نبيهم أن يعين لهم ملكًا يقاتلون معه في سبيل الله، وأخبرهم نبيهم أن الله قد اختار طالوت ملكًا عليهم، فلما خرج طالوت بجنوده لقتال العمالقة قال لهم: إن الله ممتحنكم على الصبر بنهر أمامكم تعبرونه؛ ليتميَّز المؤمن من المنافق، فمن شرب منكم من ماء النهر فليس مني، ولا يصلح للجهاد معي، ومن لم يذق الماء فإنه مني؛ لأنه مطيع لأمري وصالح للجهاد، إلا مَن ترخَّص واغترف غُرْفة واحدة بيده فلا لوم عليه. فلما وصلوا إلى النهر انكبوا على الماء، وأفرطوا في الشرب منه، إلا عددًا قليلا منهم صبروا على العطش والحر، واكتفوا بغُرْفة اليد، وحينئذ تخلف العصاة.
ثانيًا- قوم ثمود
أرسل الله صالحًا عليه السلام إلى قومه ثمود، فدعاهم صالح إلى عبادة الله وحده، وأن يطيعوه فيما بلغهم من رسالة ربهم فأبوا وكذبوا، وكانت البشرية جيلًا بعد جيل تطلب خارقة معجزة من الرسول تدل على أنه حقًا مرسل من الله .
قال الله تعالى:
﴿ مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ . قَالَ هَٰذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ . وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ. فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ . فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
الشعراء: ١٥٤- 156
قالت ثمود لنبيها صالح: ما أنت إلا فرد مماثل لنا في البشرية من بني آدم، فكيف تتميز علينا بالرسالة؟ فأت بحجة واضحة تدل على ثبوت رسالتك، إن كنت صادقًا في دعواك أن الله أرسلك إلينا. قال لهم صالح- وقد أتاهم بناقة أخرجها الله له من الصخرة-: هذه ناقة الله لها نصيب من الماء في يوم معلوم، ولكم نصيب منه في يوم آخر. ليس لكم أن تشربوا في اليوم الذي هو نصيبها، ولا هي تشرب في اليوم الذي هو نصيبكم، ولا تنالوها بشيء مما يسوءها كضَرْبٍ أو قتل أو نحو ذلك، فيهلككم الله بعذابِ يومٍ تعظم شدته؛ بسبب ما يقع فيه من الهول والشدة. فنحروا الناقة، فأصبحوا متحسرين على ما فعلوا لَمَّا أيقنوا بالعذاب، فلم ينفعهم ندمهم. فنزل بهم عذاب الله الذي توعدهم به صالح عليه السلام، فأهلكهم. إن في إهلاك ثمود لَعبرة لمن اعتبر بهذا المصير، وما كان أكثرهم مؤمنين.
6 – أحكام تتعلق بالشرب
بعد تأمل لما ورد في حديث القرآن عن الشرب، نتلمس بعض الأحكام المتعلقة بالشرب، ومنها:
1- عدم التحليل والتحريم بالأهواء
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾
النحل: ١١6
فالآية فيها بيان أن التحليل والتحريم حق لله، وليس لغيره، والذي يشرع بتحليل أو تحريم من نفسه مدع، ومفتر، وكذاب، وليس له إلا العذاب الأليم؛ جزاء تعديه على حق الله.
2- الشكر
ومن النعم التي يجب شكر الله عليها نعمة الشرب والأشربة التي أباحها الله لعباده، وقد ورد الحث على الشكر في غير آية من الآيات التي تحدثت عن نعمة الشرب.
قال الله تعالى:
﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ . أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ. لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾
الواقعة: ٦٨-٧٠
وهذه الآيات فيها عدد من النعم، فيها نعمة الماء وإنزاله من السحاب، ونعمة شربه، ونعمه كونه عذبًا فراتًا، لم يجعله الله ملحًا، فبعد أن عدد الله على عباده النعم في هذه الآيات، حثهم على الشكر.
قال الله تعالى:
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ . وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ . وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴾
يس: ٧١-٧٣
فقد ذكر الله عباده في هذه الآيات بعدد من النعم من خلق الأنعام، وتمليكها لهم، وتسخيرها للركوب والأكل، وشرب ألبانها، وغير ذلك من المنافع، ثم حضهم على شكر هذه النعم
3- عدم الإسراف
نهى الله عباده عن الإسراف في كل أمور حياتهم، ومما ورد النهي فيه عن الإسراف موضوع الشرب، فقد قال تعالى آمرًا عباده بالأكل والشرب من الطيبات، ناهيًا عن الإسراف
قال الله تعالى:
﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾
الأعراف : ٣١
والإسراف: تجاوز الحد المتعارف في الشيء ، والإسراف إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي، والشره في المأكولات الذي يضر بالجسم، وإما أن يكون بزيادة الترفه في المآكل والمشارب ، وإما بتجاوز الحلال إلى الحرام.
4- عدم العتو والإفساد في الأرض
أنعم الله على عباده بالنعم الكثيرة ليستعملوها في عمارة الأرض، وطاعة ربهم، ونهى الله عباده عن استغلال النعم في العتو والإفساد في الأرض، وقد ورد النهي عن ذلك أيضًا في حديث القرآن عن الشرب
أ – في قصة بني إسرائيل
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾
البقرة : ٦٠
والآية ترشدنا إلى أن حق النعمة مقابلتها بالشكر، وعدم تسخيرها في الفساد والإفساد، والبطر والتكبر.
5- التفكر والاعتبار
أمر الله عباده في آيات كثيرة بإعمال العقول والتفكر في نعم الله، للوصول إلى معرفة الله وعبادته، ومن النعم التي أمر الله عباده بالتفكر فيها نعمة الماء وشربه .
قال الله تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ. يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
النحل : ١٠-١١
والآيات فيها حث على ضرورة التفكر والتأمل في نعمة الشرب، وما يكتنفها من النعم؛ وصولًا من وراء ذلك إلى وحدانية الخالق وعبادته، والإيمان بقدرته وإبداعه.
7- مشروبات أهل الجنة
وصفة شربها
الجنة هي دار النعيم التي أعدها الله لعباده المؤمنين، وأنواع النعيم في الجنة لا حصر لها ولا عدد، ومن هذا النعيم مشروبات أهل الجنة، وقد ذكر الله في كتابه عددًا من مشروبات أهل الجنة، وصفة شربهم، وبيان ذلك فيما يأتي:
أولًا- مشروبات أهل الجنة
أخبرنا الله أن في الجنة أنهارًا، وعيونًا
قال الله تعالى:
﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾
البقرة: ٢٥
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾
الحجر: ٤٥
ومن هذه الأنهار والعيون تأتي أشربة أهل الجنة ، وقد نص القرآن على بعض مشروبات أهل الجنة، وهذا بيانها:
1- الماء
قال الله تعالى:
﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ ﴾
محمد: ١٥
فالمراد بيان أن ماء الجنة لا يتغير لا في الحال ولا في المستقبل ، وإنما هو ماء طيب لذيذ، تشتهيه النفوس.
ووصف الله ماء الجنة
قال الله تعالى:
﴿ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ ﴾
الواقعة: ٣١
أي: جارٍ في منازلهم، من غير أخدود، ولا يحتاجون فيه إلى جلب من الأماكن البعيدة، ولا الإدلاء في بئر.
2- اللبن
قال الله تعالى:
﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ﴾
محمد: ١٥
ذكر اللبن بعد الماء. وقد نفى الله عز وجل آفة اللبن، وهي فساده بتغير طعمه إلى الحموضة كما تتغير ألبان الدنيا .
3- الخمر
قال الله تعالى:
﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ﴾
محمد: ١٥
ونفى القرآن عن خمر الآخرة ما هو موجود في خمر الدنيا، فليس فيها حموضة ولا مرارة، وليس في شربها ذهاب عقل ولا صداع ولا وجع بطن، ولا آفة من آفات الخمر
قال الله تعالى:
﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ . بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ . لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ ﴾
الصافات: ٤٥-٤٧
﴿ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ . لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ ﴾
الواقعة: ١8- 19
﴿ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ ﴾
الطور: ٢٣
وقد أخبر الله أن خمر الجنة تمزج بالكافور
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ﴾
الإنسان : ٥
وأخبر تارة أن الخمر تمزج بالزنجبيل
قال الله تعالى:
﴿ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا ﴾
الإنسان: ١٧
وفي آية أخرى وصف الله شراب أهل الجنة من الخمر
قال الله تعالى:
﴿ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ . خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾
المطففين: ٢٥-٢٦
والرحيق: اسم للخمر الطيبة الصافية، الخالية من كل ما يكدر أو يذهب العقل. وهذه الخمر مختوم على إنائها بخاتم، بحيث لم تمسها يد قبل أيديهم.
4- العسل
قال الله تعالى:
﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ﴾
محمد: ١٥
والآيات التي تحدثت عن شراب أهل الجنة تتجلى هداياتها في بيان عظيم نعمة الله على أهل الجنة، وأن إيمانهم كان سببًا في نيلهم هذه المكانة العظمى، كما فيها تحفيز وتشويق النفوس لهذا النعيم.
ثانيًا – صفة شراب أهل الجنة
كما ذكر القرآن أشربة أهل الجنة، وعدد أنواعًا منها، فقد ذكر أيضًا صفة شربهم؛ بيانًا لهذا النعيم، وتشويقًا للنفوس، وصفة شراب أهل الجنة هي:
1- شراب هنيء
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ . فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ . كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
الطور: ١٧-١٩
والهنيء: كل ما لا يلحق فيه مشقة، ولا يعقب وخامة، ولا تنغيص فيه، ولا نكد، ولا كدر، ولا أذي .
2- شراب لذيذ
من أوصاف شراب أهل الجنة أنه لذيذ، وقد جاء هذا في وصف خمر الجنة .
قال الله تعالى:
﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ . بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ﴾
الصافات: ٤5- 46
أي : ليست كريهة الطعم والرائحة كخمر الدنيا، بل هي حسنة المنظر والطعم والرائحة والفعل .
8 – مشروبات أهل النار
وصفة شربها
النار دار العقاب التي أعدها الله للكفار والعصاة، وقد أعد فيها من العذاب أنواعًا، ومن أنواع العذاب في جهنم شراب أهل النار، وقد ذكر القرآن أنواعًا من شراب أهل النار، ووصف شربهم، وفيما يأتي بيان ذلك.
أولًا- مشروبات أهل النار
ذكر القرآن عددًا من أشربة أهل النار، منها:
1- الحميم
وقد ذكره القرآن في عدة آيات، منها
قال الله تعالى:
﴿ لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴾
الأنعام: ٧٠
والحميم هو الماء الحار، الشديد الحرارة والغليان. وهذا الحميم قد وصفه الله بعدة أوصاف، وهي:
أ – يصهر البطون والجلود
قال الله تعالى:
﴿ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ. يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ﴾
الحج: ١٩-٢٠
أي: يذيب ما في بطونهم، ويشوي جلودهم.
ب – يقطع الأمعاء
قال الله تعالى:
﴿ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ﴾
محمد: ١٥
فهذا الماء الحار يقطع أمعاءهم .
2- الصديد
قال الله تعالى:
﴿ مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ ﴾
إبراهيم : ١٦
ومِن أمام هذا الكافر جهنم يَلْقى عذابها؛ ويُسقى فيها من القيح والدم الذي يَخْرج من أجسام أهل النار.
3- المهل
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ . طَعَامُ الْأَثِيمِ . كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ﴾
الدخان: ٤٣-٤٥
وقد ذكر الله لهذا المهل في القرآن أوصافًا، وهي:
أ – يشوي الوجوه
فأهل النار حين يستغيثون من الظمأ لاحتراق أفئدتهم يغاثوا بماء كالمهل يشوي وجوهم ويذيبها من فرط حرارته.
قال الله تعالى:
﴿ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ﴾
الكهف: ٢٩
ب – يغلي في البطون
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ . طَعَامُ الْأَثِيمِ . كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ﴾
الدخان: ٤٣-٤٥
والمعنى أن هذه الشجرة إذا طعمها الكافر في جهنم، صارت في جوفه تفعل كما يفعل المهل السخن من الإحراق والإفساد.
4- الغساق
قال الله تعالى:
﴿ هَٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ﴾
ص: ٥٧
الغساق الذي يخرج من أجساد المحروقين ويسيل.
5- شراب من عين آنية
قال الله تعالى:
﴿ تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً . تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ﴾
الغاشية: ٤-٥
أي: متناهية في الحر
والآيات السابقة تبرز هداياتها في بيان شراب أهل النار وأوصافه؛ تفظيعًا لحالهم، وبيانًا لما هم فيه من شدة العذاب، وأن سبب دخولهم النار هو كفرهم برب العباد، كما تشير إلى تحذير الخلق من هذا المصير والجزاء.
ثانيًا- صفة شرب أهل النار
وصف الله شرب أهل النار بوصفين، هما:
1- شرب الهيم
قال الله تعالى:
﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ . لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ . فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ . فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ . فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ . هَٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ ﴾
الواقعة: ٥١-٥٦
أي: إن هذا الشراب الجهنمي يقبل عليه الذين أكلوا من هذا الطعام الزقومي، يقبلون عليه في سعار مجنون، أشبه بالإبل الهيم، أي : العطاش، التي حبست عن الماء أيامًا، فإذا وردت عليه عبت منه في نهم شديد، لتنقع غلتها، وتروي ظمأها.
2- التجرع وعدم الاستساغة
قال الله تعالى:
﴿.مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ . يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ ﴾
إبراهيم: ١6-١٧
ومِن أمام هذا الكافر جهنم يَلْقى عذابها؛ ويُسقى فيها من القيح والدم الذي يَخْرج من أجسام أهل النار. يحاول المتكبر ابتلاع القيح والدم وغير ذلك مما يسيل من أهل النار مرة بعد مرة، فلا يستطيع أن يبتلعه؛ لقذارته وحرارته، ومرارته .
أحدث التعليقات