مفهوم الألوهية في القرآن الكريم

1- مفهوم الألوهية

الألوهية هي مَا يَتَعَلَّقُ بِصِفاتِ الذَّاتِ الإلهيّة ، من كونه مستلزم لصفات الكمال .

قال الله تعالى:

﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

النحل: 60

﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾

الشورى: 11

فلا يستحق أن يكون معبودًا محبوبًا لذاته إلا هو، وكل عمل لا يراد به وجهه فهو باطل، وعبادة غيره وحب غيره يوجب الفساد .

قال الله تعالى:

﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾

الإسراء : 23

وتوحيد الألوهيَّة هو صرف جميع أنواع العبادة الظَّاهرة والباطنة لله تعالى دون شرك أو رياء كالخوف والرَّجاء والصَّلاة والزَّكاة.

2- الألوهية

    في

القرآن الكريم

وردت مادة (أله) في القرآن الكريم ٢٨٥١ مرة. والصيغ التي وردت هي:

– اسمًا مفردًا

ورد  111 مرة

قَال الله تعالى:

﴿ وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ ﴾

البقرة:١٦٣

– اسمًا مثني

ورد مرتين

قَال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾

النحل :٥١

– اسمًا مجموعًا

ورد  34 مرة

قَال الله تعالى:

﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾

الفرقان :٣

– لفظ الجلالة (الله)

ورد  ٢٦٩٩ مرة

قَال الله تعالى:

﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾

الإخلاص :١

– اللهم

ورد ٥  مرات

قَال الله تعالى:

﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ﴾

يونس :١٠

ويدور معنى الألوهية في القرآن الكريم هو الإيمان بأن هناك إله واحد يوجب  له العبادة .

3- الألفاظ ذات الصلة

– الربوبية

الربوبيّة تبنيٌ على معنى الربِّ ، والربُّ هو المُتكفِّل بخلق الموجودات وإنشائها، القائم على هدايتها وإصلاحها الذي نظّم معيشتها ودبّر لها أمورها ، ولا يطلق غير مضاف إلا على الله عز وجل وإذا أطلق على غيره أضيف، فقيل: رب الدين ورب المال .

قَال الله تعالى:

( قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ )

الرعد :16

– العبادة

العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث والأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل . والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة. وكذلك خشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضى بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك هي من العبادة لله .

قَال الله تعالى:

﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ﴾

البينة : 5

4 – الألوهية أصل التوحيد

لقد أقر المشركون بأن الله الخالق والرازق، ولكنهم أشركوا في توحيد الألوهية والعبادة.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ  فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ﴾

العنكبوت: ٦١

لذا كانت دعوة رسل الله جميعًا إلى توحيد الألوهية وعدم الإشراك في عبوديته أحدًا مما خلقه الله جل جلاله .

أولًا – حاجة العبد الفطرية إلى الله سبحانه وتعالى

لقد كرم الله عز وجل الإنسان بنور الفطرة التي يستطيع بها أن يعرف ربه، ويستدل بها على الصراط المستقيم الذي ارتضاه لنا وذلك من التدبر في آلائه ونعمه، وقضية الإيمان بخالق للإنسان والكون والحياة، قضية راسخة في الفطرة الإنسانية عميقة الجذور، عمق الشعور بالذات البشرية واحتياجاتها وعجزها وافتقارها إلى الملجأ والملاذ.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ ﴾

الأعراف: ١٧٢

الحديث هنا عن أقدم وأول ميثاق أخذه الله سبحانه وتعالى على كافة العباد، وهم لا يزالون في أصلاب آبائهم في عالم الذر، وهذا الميثاق هو ميثاق فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهو يتضمن في جوهره الإقرار بربوبية الله وبعبودية الإنسان، على أساس من التوحيد والإيمان، فما من إنسان إلا وولد على فطرته الأولى التي أرادها الله جل جلاله، ولم تتعرض فطرته لعوامل التشويه والإفساد، إلا وهو مقر بألوهية الله وربوبيته للعباد، ومعترف من أعماق قلبه بهذا الميثاق، وملتزم بجميع نتائجه وآثاره على الإطلاق، دون معارضة، ولا جحود أو تكبر، ودون أي حجج واهية.

قال الله تعالى:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ  ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

الروم: ٣٠

ومن أدلة حاجة العبد إلى ربه جل جلاله أنه يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى حين ييأس من كل شيء حوله، وحين يمسه الضر، وحين يفقد قوته.

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾

يونس: ٢٢

﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ  فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ  وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ﴾

الإسراء: ٦٧

﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

يونس: ١٢

﴿ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴾

الروم: ٣٣

﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ﴾

الزمر: ٨

إن افتقار المخلوق إلى أن يكون عبدًا لله تبارك وتعالى هو افتقار ذاتي فطري، وهو حاجة ملحة لا يسدها حقًا إلا عبادة الله وحده لا شريك له، وهو الذي أودع في العبد هذه الحاجة الفطرية، أن يتضرع الناس ويلجؤون وقت الشدة إلى الله، ويعترفون أنه لا ملجأ ولا منجىً منه إلا إليه، وأنه هو الذي يغيث الملهوف، وينقذ المكروب ويكشف الغم هي فطرة، فطر الله سبحانه وتعالى عليها كل واحد.

ثانيًا – الألوهية أصل دعوة الرسل، ومنهجهم في الدعوة إليها

إن الله عز وجل خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له، وأرسل الرسل لبيان هذه الحكمة والدعوة إليها، وبيان تفصيلها وبيان ما يضادها، هكذا جاءت الكتب السماوية، فجميع الرسل عليهم السلام دعوا إلى توحيد الله عز وجل وإخلاص العبادة له.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾

النحل: ٣٦

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

الأنبياء: ٢٥

– عن نوح عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾

الأعراف: ٥٩

– عن محمدًا صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ. قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ . قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ ﴾

المؤمنون: ٨٤–٨٩

– عن يوسف عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ . مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ  ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

يوسف: ٣٩-٤٠

– عن هُودًا عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا  قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ . يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ . وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾

هود: ٥٠ – ٥٢

ووصية الأنبياء عليهم السلام عند وفاتهم التوحيد.

قال الله تعالى:

﴿ وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ . أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾

البقرة:  ١٣٢-١٣٣

مما سبق يتبين أن جميع الرسل عليهم السلام دعوا الناس إلى توحيد الله سبحانه وتعالى، وترك تأليه ما سواه، ورأينا أن الدعوة إلى عبادة الله جاءت ملازمة للدعوة إلى التوحيد؛ لأن التوحيد بلا عبادة عبث لا يجوز في دين الله عز وجل.

5 – أركان الألوهية

الألوهية صفة استحقاق، أي أن الله عز وجل مستحق للألوهية ، وللألوهية أركانًا تقوم عليها، و هي :

الأول – النفي

أي نفي ما يعبد من دون الله جل جلاله. وهو المراد بقولنا: (لا إله)

قال الله تعالى:

﴿ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ ﴾

البقرة : ١٦٣

وإلهكم – أيها الناس- إله واحد متفرد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وعبودية خلقه له، لا معبود بحق إلا هو، الرحمن المتصف بالرحمة في ذاته وأفعاله لجميع الخلق، الرحيم بالمؤمنين.

الثاني- الإثبات

وهو المراد بقولنا: (إلا الله) إثبات أن الله سبحانه وتعالى هو فقط المستحق للعبادة.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ﴾

البقرة : ١٦٣

﴿ إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ﴾

النحل : 22

أن الذي يستحق الطاعة، ويستوجب منا العبادة معبود واحد ورب واحد، لا رب للعالمين غيره، ولا يستوجب على العباد عبادة سواه، وأن كل ما سواه فهم خلقه، والواجب على جميعهم طاعته، والانقياد لأمره، وترك عبادة ما سواه من الأنداد والآلهة .

قال الله تعالى:

﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾

الإسراء: ٢٣

6 – نفي ألوهية غير الله

لقد أصر عدد كبير جدًا من السفهاء على عبادة غير الله جل جلاله على مر العصور، وكان الله سبحانه وتعالى يرسل أنبياءه لدعوتهم لتوحيد العبودية له جل جلاله، فنبهوا ووعظوا وأنذروا، وقد جاء في الكتاب الحكيم الكثير من الآيات القرآنية التي بينت فساد ما يعبدون بعدة طرق.

أولًا-  نفي النفع والضر عن المعبودات من دون الله

إن العبادة أعظم أنواع التعظيم، فلا تليق إلا بالله الواحد الأحد، خالق كل شيء ومليكه، الذي يضر وينفع، يحيي ويميت، وما يعبد من دون الله لا يضر ولا ينفع .

قال الله تعالى:

﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ  ﴾

يونس: ١٨

﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ  ﴾

الفرقان: ٥٥

﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ﴾

الإسراء : ٥٦

﴿ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾

المائدة : ٧٦

إن المشركين بالله يعبدون من دونه آلهة لا تضر ولا تنفع، ويتركون عبادة من أنعم عليهم بالكثير من النعم التي لا تعد ولا تحصى، ، وهي من الضعف والهوان بحيث لا تستطيع أن تجلب لهم نفعًا، ولا أن تدفع عنهم ضرًا، بل هي من المهانة بحيث لا تستطيع أن تجلب لنفسها نفعًا ولا تدفع عنها شرًا .

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾

الأعراف :  ١٨٨

فإن الضار والنافع هو الله سبحانه وتعالى، لا من يعبدون من دونه، ومن لم يقدر على النفع والضر لا يكون إلهًا، والله وحده هو السميع العليم.

ثانيًا –  نفي الاستجابة

من طرق القرآن الكريم لإثبات الألوهية لله وحده ونفيها عمن سواه التطرق إلى عجزها عن مناصرة من يعبدها وعدم الاستجابة لهم، وهنا بيان لعجز من يدعى من دون الله إما لعدم قدرته على السماع أصلًا، أو لعدم استجابته إن سمع الدعاء، وهذا يدل بلا أدنى شك على عدم استحقاقها للعبادة من دون الله .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾

الأعراف: ١٩٤

والأمر هنا للتحدي أو للتعجيز، وليس للطلب أو الإباحة، فلقد تحداهم الله عز وجل أن يدعوهم، فإن استجابوا لكم فصدقت دعواكم لهم بالألوهية، ولكن هيهات أن تجيبهم صخور صماء، ولو سمعوا ما استجابوا لهم، وما أجابوهم، ويوم القيامة يتبرؤون منهم ومن عبادتهم لها، فهنا تسفيه لمعتقدات المشركين وإقامة الحجة عليهم.

ويذكر الله تعالى أن التعجيز يقع في الآخرة أيضًا.

قال الله تعالى :

﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا ﴾

الكهف: ٥٢

لقد وصف كتاب الله موقف المشركين الحرج يوم القيامة، ممن كانوا يزعمون أنهم شركاء لله، عندما يأمر الله المشركين به أن ينادوا ما كانوا يعبدون من دونه عز وجل ليشفعوا فيهم، وينقذوهم من العذاب الشديد، ثم يدعونهم فلا يستجيبون لهم ولا يلبون نداءهم، بل يتجاهلونهم بالمرة، كأنهم لا يعرفونهم، أو كأن بينهم عداوة متأصلة من قديم، فجعل بين الداعين من المشركين والمدعوين من الشياطين، مهلكًا مشتركًا وهو النار التي يصلونها جميعًا .

قال الله تعالى :

﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ﴾

سبأ: ٢٢

فهو خطاب توبيخ وتقريع المشركين لدعوة ما زعموا أنها آلهة لهم من دون الله سبحانه وتعالى لتنفعهم وتذب عنهم، ولكنهم لا يملكون دفع ضر في أي أمر من الأمور، أو حتى جلب منفعة، وليس لهم قدرة على خير ولا شر، فليس للآلهة في السماوات والأرض مشاركة لا بالخلق ولا بالملك ولا بالتصرف، فما لله من هؤلاء من معين على خلق شيء، بل الله المنفرد بالخلق والإيجاد، فهو الذي يعبد، وعبادة غيره محال.

ثالثًا – المعبودات من دون الله عبيد لله تعالى

إن مقياس الألوهية هو الخلق والتكوين، فإن كان الله هو الخالق المكون فهو المالك لما خلق وكون، وهو وحده المستحق للعبادة سبحانه وتعالى، والله عز وجل مالك السماوات والأرض وخالقهما، وخالق الإنسان فكيف يعبد غيره؟!؛ ولذا قال جل جلاله مستنكرًا ما عليه الضالون ممن أشركوا بالله عز وجل غيره من المخلوقات أو الجمادات .

قال الله تعالى :

﴿ أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ .  وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ ﴾

الأعراف: ١٩١-١٩٢

أيشرك هؤلاء المشركون في عبادة الله مخلوقاته، وهي لا تقدر على خَلْق شيء، بل هي مخلوقة؟ . ولا تستطيع أن تنصر عابديها أو تدفع عن نفسها سوءًا، فإذا كانت لا تخلق شيئًا، بل هي مخلوقة، ولا تستطيع أن تدفع المكروه عمن يعبدها، ولا عن نفسها، فكيف تُتَّخذ مع الله آلهة؟ إنْ هذا إلا أظلم الظلم وأسفه السَّفَه.

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ  فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾

الأعراف: ١٩٤

إن الذين تعبدون من غير الله -أيها المشركون- هم مملوكون لربهم كما أنكم مملوكون لربكم، فإن كنتم كما تزعمون صادقين في أنها تستحق من العبادة شيئًا فادعوهم فليستجيبوا لكم، فإن استجابوا لكم وحصَّلوا مطلوبكم، وإلا تبين أنكم كاذبون مفترون على الله أعظم الفرية.

قال الله تعالى :

﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ﴾

الفرقان:  ٣

واتخذ مشركو العرب معبودات من دون الله لا تستطيع خَلْق شيء، والله خلقها وخلقهم، ولا تملك لنفسها دَفْعَ ضر أو جلب نفع، ولا تستطيع إماتة حي أو إحياء ميت، أو بعث أحد من الأموات حيًا من قبره.

7- منهج القرآن في إثبات الألوهية

لقد انتهج القرآن الكريم العديد من المناهج لإثبات الألوهية، وجميع هذه المناهج والأدلة يمكن فهمها واستيعابها لجميع البشر وعلى جميع المستويات؛ لأنها من لدن عليم خبير، فلا يكون عذر لبشر بعد إقامة الأدلة على وحدانية الله، في وجود العقل، وتكوين الفطرة.

أولًا – المنهج الفطري

يقرر القرآن الكريم حقيقةً كبيرةً، وهي أن الإنسان قد خلقه الله على فطرة سليمة تتجه إلى بارئها وتلجأ إليه، فقد جبلت النفـوس على معرفة خالقهـا سبحانه وتعالى، منذ أن أخذ الله جل جلاله العهـد والميثاق علـى أبنـاء آدم يتضمن الاعتراف على أنفسهم أن الله ربهم ومالكهم وأنه لا إله إلا الله، وذلك حين خلق آدم وأخذ من ظهور ذريته ذريتهم في عالم الذرة .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا  أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ ﴾

الأعراف: ١٧٢

وكل مولود في هذا الوجود يولد على الفطرة؛ ولذلك يخاطب الله تعالى الإنسان ويذكره بهذه الفطرة بأسلوب وجداني حي؛ ليوقظ إحساسه بالأمور الإيمانية والعقيدة، وأهمها: توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة.

قال الله تعالى:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ  ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

الروم :30

﴿ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾

يس :22

ولقد سلك القرآن الكريم المنهج الفطري للتعرف على الله وإثبات ألوهيته، بعرض  بعض المواقف من الحياة  .

قال الله تعالى:

﴿ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾

النمل : 63

﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ﴾

الإسراء :67

﴿ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾

الأنعام : 63

من ينقذكم من مخاوف ظلمات البر والبحر؟ أليس هو الله تعالى الذي تدعونه في الشدائد متذللين جهرًا وسرًّا؟

ثانيًا – المنهج العقلي

لقد اهتم القرآن الكريم بالعقل كثيرًا، حيث تواردت النصوص التي تحض على التفكير، وتذم الذيـن يعطلون عقولهم عما خلقت من أجله من تفكر سليم وعقل صحيح .

قال الله تعالى:

﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾

العنكبوت: ٤٣

﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾

الأنفال: ٢٢

فالإسلام ينوه تنويهًا كبيرًا بالعقل ويعلي من مكانته وقيمته، ونجد شاهدًا على ذلك في الآيات القرآنية التي تنزلت بشأنه، فالعقل هو هبة الله جل جلاله للإنسان؛ ولذلك جعله الله سبحانه وتعالى سببًا للتكليف، ومناطًا للمسؤولية.

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

النحل : 78

ولو تأمل الإنسان بعقله وفكره آيات الله الباهرة المبثوثة في الأرض والسماء وفي النفس والآفاق، لأيقن بأن وراء هذه الآيات قدرة الله سبحانه وتعالى، وأنها دليل على الإله الأوحد الذي تجب طاعته، والالتزام بأمره ونهيه، وخلع ما يعبد من دونه من الأنداد والشركاء، فهو المتفرد بالألوهية، فليست نفوسكم مخلوقة بالصدفة ولا بالطبيعة، وإنما خالقها الله القادر على كل شيء، وعلى البعث وإعادة الحياة.

قال الله تعالى:

﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ . وَفِي أَنْفُسِكُمْ  أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾

الذاريات : ٢٠-٢١

ففي مجال الألوهية يعرض القرآن الكريم جملة من آيات الله الكونية البارزة في خلقه، ووصف طائفة من نعمه السابغة، من آيات القدر والخلق، ومظاهر الموت والحياة والزرع والماء والنار، هذه النعم التي يتقلب فيها الإنسان ليل نهار، صباح مساء دون أن يحسب لها حسابًا.

قال الله تعالى:

﴿ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ . أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ . أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ . نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ . عَلَىٰ أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ . وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَىٰ فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ. أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ . أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ . لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ . إِنَّا لَمُغْرَمُونَ . بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ . أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ . أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ . لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ . أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ . أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ  .نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ . فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾

الواقعة: ٥٧ – ٧٤

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا . وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا . وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا . وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا . وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا .  وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا . وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا. وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا . وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا. لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا . وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ﴾

النبأ : ٦ – ١٦

وبالأسلوب العقلي المنطقي تأتي أدلة الوحدانية، فتأتي الآيات القرآنية تباعًا لتبين أنه لو كان للكون خالقان لكان لا يجري تدبيرهما على نظام، ولا يتسق على إحكام واحد، ولكان العجز يلحق أحدهما؛ لتنازع الإرادتين بين سلب وإيجاب، وذلك لو أراد أحدهما مثلًا إحياء جسم، وأراد الآخر إماتته، فإما أن تنفذ إرادتهما فتتناقض؛ لاستحالة تجزؤ الفعل إن فرض الاتفاق، أو لامتناع اجتماع الضدين إن فرض الاختلاف، وإما لا تنفذ إرادتهما فيؤدي إلى عجزهما، أو لا تنفذ إرادة أحدهما فيؤدي إلى عجزه، والإله لا يكون عاجزًا ويسمى هذا الدليل دليل التمانع، أي: امتنعت الثنوية لامتناع الفساد، فكانت الوحدانية.

قال الله تعالى:

﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾

المؤمنون: ٩١

لو أن مع الله آلهة أخرى، إذًا لطلبَتْ تلك الآلهة طريقًا إلى مغالبة الله ذي العرش العظيم. تنزَّه الله وتقدَّس عَمَّا يقوله المشركون وتعالى علوًا كبيرًا.

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا . سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾

الإسراء: ٤٢-٤٣

ولما كان المشاهد غير ذلك؛ إذ كل شيء في هذا الكون يسير بنظام محكم دقيق، دل الأمر على أن لهذا الكون كله إلهًا واحدًا قادرًا، وإذا كان كذلك فعلم عقلًا أنه إله واحد، بيده ملكوت كل شيء، ويقدر على كل شيء، فسبحان الله ما أبلغها من حجة وأوجزها لمن عقل وتدبر.

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِنْ فُطُورٍ . ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾

الملك 3- 4

فالنتيجة النهائية لهذا المنطق أن الله واحد لا شريك له، له وحده تجب العبادة والخشية والخضوع.

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾

النحل: ٥١

فالآيات القرآنية قد جاءت متضمنة الأدلة العقلية، صافية من كل كدر، فما على العقل إلا فهمها وإدراكها، وعدم التكبر والعناد.

8 – حقوق الألوهية

إن للألوهية حقوقًا واجبة على العباد، وإن من أهم حقوق الألوهية ما يلي:

أولًا – التوحيد

وهو الإقرار بوحدانية الله سبحانه وتعالى وعدم الإشراك به، وذلك بالاعتقاد الراسخ بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، والعمل بمقتضاه.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ﴾

المائدة:  ٧٣

﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ﴾

التوبة : ٣١

ثانيًا- العبادة

ومن حق الألوهية أيضًا القيام لها بالعبادة، والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، سواءٌ أعمال القلوب أو أعمال الجوارح، كلها يجب أن تكون على وفق الشرع، ويجب أن يكون الحب والخضوع والذل والتعظيم في أداء العبادات لله وحده.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

الذاريات: ٥٦

إن الله جل جلاله أرسل رسله، وأنزل كتبه، وخلق السماوات والأرض؛ ليعرف ويعبد ويوحد، ويكون الدين كله له، والطاعة كلها له .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾

البينة:  ٥

إن تشريع الأحكام حق لله عز وجل وحده، ولا يجوز الحكم بغير ما أنزل الله؛ لأنه إخلال بالألوهية، فإن طاعة البشر في التشريعات والأحكام المخالفة لحكم الله شرك في الألوهية.

قال الله تعالى:

﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

الشورى: ٢١

9- مدعو الألوهية في القرآن

إن ادعاء الألوهية جريمة كبرى في حق الله تعالى، ولا شك أن للشيطان والهوى الأمارة بالسوء دورًا فاعلًا في هذا الادعاء الباطل، ولا شك أن مصير هؤلاء الـمدعين ومتبعيهم إلى سخط الله وعذابه في الدنيا والآخرة، وبيان ذلك فيما يلي:

أولًا – مدعو الألوهية

1- نمرود بن كنعان ملك بابل أول ملك في الأرض

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ  ﴾

البقرة:  ٢٥٨

هل رأيت -أيها الرسول- أعجب مِن حال هذا الذي جادل إبراهيم عليه السلام في توحيد الله تعالى وربوبيته؛ لأن الله أعطاه المُلْك فتجبَّر وسأل إبراهيمَ: مَن ربُّك؟ فقال عليه السلام: ربي الذي يحيي الخلائق فتحيا، ويسلبها الحياة فتموت، فهو المتفرد بالإحياء والإماتة، قال: أنا أحيي وأميت، أي أقتل مَن أردتُ قَتْلَه، وأستبقي مَن أردت استبقاءه، فقال له إبراهيم: إن الله الذي أعبده يأتي بالشمس من المشرق، فهل تستطيع تغيير هذه السُّنَّة الإلهية بأن تجعلها تأتي من المغرب؛ فتحيَّر هذا الكافر وانقطعت حجته، شأنه شأن الظالمين لا يهديهم الله إلى الحق والصواب.

2- فرعون مصر

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾

القصص: ٣٨

وقال فرعون لأشراف قومه: يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري يستحق العبادة، فأشْعِل لي -يا هامان- على الطين نارًا، حتى يشتد، وابْنِ لي بناء عاليًا؛ لعلي أنظر إلى معبود موسى الذي يعبده ويدعو إلى عبادته، وإني لأظنه فيما يقول من الكاذبين.

ثانيًا – أسباب دعاواهم

– كانوا ظالمين

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ  قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

البقرة: ٢٥٨

﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْۚ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ  وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ

الأنفال : ٥٤

﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ  . فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ  فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ

القصص: 39 – ٤0

شأن هؤلاء الكافرين في ذلك كشأن آل فرعون الذين كذبوا موسى، وشأن الذين كذبوا رسلهم من الأمم السابقة فأهلكهم الله بسبب ذنوبهم، وأغرق آل فرعون في البحر، وكل منهم كان فاعلا ما لم يكن له فِعْلُه من تكذيبهم رسل الله وجحودهم آياته، وإشراكهم في العبادة غيره.

ثالثًا – مصيرهم

قال الله تعالى:

﴿ فَحَشَرَ فَنَادَىٰ . فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ . فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ . إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَىٰ ﴾

النازعات: ٢٣-٢٤

فجمع أهل مملكته وناداهم، فقال: أنا ربكم الذي لا ربَّ فوقه، فانتقم الله منه بالعذاب في الدنيا والآخرة، وجعله عبرة ونكالا لأمثاله من المتمردين. إن في فرعون وما نزل به من العذاب لموعظةً لمن يتعظ وينزجر.

رابعًا – مصير متبعيهم

وكذلك من أتبعهم في هذه الدنيا ، لعنة وطردًا وإبعادًا عن الرحمة، يلعنهم الناس والملائكة إلى يوم الدين، وهم يوم القيامة من المطرودين المبعدين عن رحمة الله عز وجل.

قال الله تعالى:

﴿ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾

الأعراف: ١٣٦

﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ. فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ . فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ ﴾

الزخرف: ٥٤–٥٦

 

Share This