العلاقات الاجتماعية في القرآن الكريم

 

1- مفهوم العلاقات الاجتماعية

العلاقات الاجتماعية هي الروابط  والآثار المتبادلة التي تربط كل فرد من أفراد الأسرة، وكل أسرة بأسرة، وكل بلد ببلد ، والتي تنشأ نتيجة اجتماعهم وتبادل مشاعرهم واحتكاكهم ببعضهم بعضًا.

قال الله تعالى:

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )

الحجرات: 13

بيَّن الله عز وجل أن العلاقة بين البشر تقوم على أساس التعارف والتكامل، وأن ميزان الأفضلية هو التقوى والعمل الصالح .

2- تنوع العلاقات الاجتماعية

          في

       القرآن الكريم

عند غياب منهج كامل للعلاقات الاجتماعية نجد أن المشكلات تنبع، والخلافات تزداد، والأحقاد تنتشر، والخصومات تطفو على السطح، وكل إنسان ضد الثاني ضمن الأسرة الواحدة، بين الزوجين وبين الشريكين وبين الأخوين وبين الحيين وبين المدينتين . ولذلك جاء الدين بمنهج كامل لعلاج تلك الأحقاد والخصومات ؛ وذلك في العلاقات الاجتماعية الأتية :

أولا – العلاقات الأسرية

تعتبر الأسرة نواة المجتمع وركيزته الأساسية، فهو يصلح بصلاحها وتماسكها، ويفسد بتفككها وانحلالها. لذا اهتم الإسلام ببنائها على أسس متينة، تكفل قوتها واستمراريتها، لأداء دورها الفعال في تربية الأجيال وإعدادهم ليكونوا أعضاء صالحين نافعين لدينهم ووطنهم ومجتمعهم.

قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾

النساء: ١

أي: أيها الناس، احذروا ربكم في أن تخالفوه فيما أمركم وفيما نهاكم ؛ فإنه خلق جميع الأنام من شخص واحد، معرفًا عباده ومنبههم بذلك على أن جميعهم بنو رجل واحد وأم واحدة، وأن بعضهم من بعض، وأن حق بعضهم على بعض واجب وجوب حق الأخ على أخيه، لاجتماعهم في النسب إلى أب واحد وأم واحدة .

قال الله تعالى :

﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ﴾

الفرقان : ٥٤

أي: وهو الذي خلق مِن منيِّ الرجل والمرأة ذرية ذكورًا وإناثًا، فنشأ من هذا قرابة النسب وقرابة المصاهرة. وتشمل العلاقات الأسرية ، العلاقات الأتية :

1- العلاقة بين الزوجين

إن العلاقات الزوجية في الإسلام متينة ومهمة؛ لأنها تبنى على ميثاق أخذه الله عز وجل على الرجال والنساء، كما أخذته النساء على الرجال.

قال الله تعالى :

﴿ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾

النساء : ٢١

أي: إن المرأة قد أخذت هذا الميثاق الغليظ على هذا الرجل، وهذا الميثاق الغليظ تجب المحافظة عليه، وحينئذٍ فإن للعلاقات الزوجية شروطها وآدابها ؛ من إمساكهن بمعروف أو تسريحهن بإحسان؟

قال الله تعالى :

﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾

البقرة 229

حكم الله هو إمساك المرأة بالمعروف، وحسن العشرة ، أو تخلية سبيلها مع حسن معاملتها بأداء حقوقها، وألا يذكرها مطلقها بسوء.

قال الله تعالى :

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾

الروم : ٢١

ومن آياته الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق لأجلكم من جنسكم -أيها الرجال- أزواجًا؛ لتطمئن نفوسكم إليها وتسكن، وجعل بين المرأة وزوجها محبة وشفقة .

قال الله تعالى :

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾

الأعراف : ١٨٩

أي: هو الذي خلقكم -أيها الناس- من نفس واحدة، وهي آدم عليه السلام وخَلَق منها زوجها، وجعل بين الجنسين المحبة والشفقة ، ليتعاون الجنسان على أعباء الحياة، وتدوم الأسرة على أقوى أساس وأتم نظام، ويتم السكن والاطمئنان والراحة والهدوء .

قال الله تعالى :

﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ﴾

النحل : ٧٢

والله سبحانه جعل مِن جنسكم أزواجا؛ لتستريح نفوسكم معهن، وجعل لكم منهن الأبناء ومِن نسلهنَّ الأحفاد، تقر بهم أعينهم ويخدمونهم، ويقضون حوائجهم .

وقد جعل الإسلام للمرأة حقوقا على الزوج كما للزوج على المرأة حقوقًا،

قال الله تعالى :

﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

البقرة : ٢٢٨

أي: لهن من حقوق الزوجية على الرجال بمثل ما للرجال عليهن، ، وللرجال عليهن منزلة ليست لهن، وهي قيامه عليها في الإنفاق  ، فيحسن عشرتها بما هو معروف من عادة الناس أنهم يفعلونه لنسائهم، وهي كذلك، تحسن عشرة زوجها بما هو معروف من عادة النساء أنهن يفعلنه لأزواجهن من طاعة .

قال الله تعالى :

﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾

النساء : ١٩

ولتكن مصاحبتكم لنسائكم مبنية على التكريم والمحبة، وأداء ما لهن من حقوق. فإن كرهتموهن لسبب من الأسباب الدنيوية فاصبروا؛ فعسى أن تكرهوا أمرًا من الأمور ويكون فيه خير كثير.

قال الله تعالى :

﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ﴾

النساء : ٣٥

وإن علمتم – يا أولياء الزوجين- شقاقًا بينهما يؤدي إلى الفراق، فأرسلوا إليهما حكمًا عدلا من أهل الزوج، وحكمًا عدلا من أهل الزوجة؛ لينظرا ويحكما بما فيه المصلحة لهما، وبسبب رغبة الحكمين في الإصلاح، واستعمالهما الأسلوب الطيب يوفق الله بين الزوجين.

قال الله تعالى :

﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ﴾

النساء : ١٣٠

أي: فإن وصلت الحال إلى أنه لا يمكن اجتماعهما وإصلاحهما إلا على وجه المعاداة والمقاطعة ومعصية الله، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح، فرقا بينهما .

2- العلاقة مع الوالدين

بر الوالدين والإحسان إليهما من أعظم الأعمال إلى الله عز وجل، لذا قرن المولى سبحانه بر الوالدين والإحسان إليهما بتوحيده .

قال الله تعالى :

﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾

النساء : 36

﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا  ﴾

الإسراء : 23

﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ﴾

العنكبوت : 8

ففي هذه الآيات الثلاث يأمر الحق سبحانه وتعالى بالإحسان إلى الوالدين

قال الله تعالى :

﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾

لقمان : 15

وصاحبهما في الدنيا بالمعروف أي بالبر وحسن الصلة

3- العلاقة بين الوالدين والأبناء

نظَّم الإسلامُ العلاقةَ بين الوالدين  والأبناء، ابتداءً من

– اختيار الوالدين لبعضهم حتّى يكوّنوا أسرةً قادرةً على تنشةِ أبنائها تنشئةً سليمة .

قال الله تعالى :

﴿ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾

البقرة :221

– تربيةَ أبنائهم منذ صغرهم على ما أمر الله عز وجل به من حقوقٍ وواجبات وأخلاق .

قال الله تعالى :

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ ﴾

طه : 132

﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ . وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ . وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾

لقمان : 17- 19

4- العلاقة مع الأقارب

إن من العلاقات الاجتماعية صلة الرحم، والمراد بصلة الرحم ذي القرابة ، ولهم حقٌّ كبير في الإسلام، ولذلك فإن الله تعالى لعن الذين يقطعون الرحم .

قال الله تعالى :

﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ ﴾

محمد : ٢٢-٢٣

ولقد أمر الله بإعطاء ذي القربى الحق الذي أوجبه عليهم بسبب القرابة والرحم في أكثر من آية وجعل ذلك سببًا في مغفرة الذنوب .

قال الله تعالى :

﴿ فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ  وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

الروم : 38

﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ﴾

الإسراء : ٢٦

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾

النحل : ٩٠

كما حث المولى عز وجل المؤمنين على الوصية للأقارب الفقراء، وجعل ذلك من أوصاف المتقين .

قال الله تعالى :

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾

البقرة : ١٨٠

كما حث المولى عز وجل المؤمنين على الإحسان إليهم في المعاملة

قال الله تعالى :

﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ ﴾

النساء : 36

ثانيا- العلاقة مع المجتمع

إن الإنسان كائن اجتماعي لا يمكن عزله عن الآخرين، فقد نشأت بينه وبين أفراد المجتمع علاقات مختلفة نتيجة التفاعل، وتبدأ علاقة الفرد بأسرته أولًا ثم المجتمع الذي يحيط به ، وكلما اتسع نطاق المجتمع تنوعت وزادت علاقاته الاجتماعية، وبهذا يمكن القول بأن وظيفة العلاقات العامة وجدت مع وجود الإنسان نفسه. ومن تلك العلاقات الاجتماعية ،الأتي

1- العلاقة مع الجيران

حقُّ الجيران حقٌّ فرضه الإسلام، فجاء الأمر الصريح بالإحسان إلى الجار، واقتران حقِّهِ بتوحيد الله عز وجل وعدم الشرك به، وهذا من أقوى الأدلة على اهتمام الإسلام بحقوق الجار وتعظيم شأنه

قال الله تعالى :

﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ﴾

النساء : ٣٦

أي : واعبدوا الله وحده ولا تجعلوا معه شريكًا في الألوهية والعبادة، وأحسنوا إلى الوالدين إحسانًا لا تقصير فيه، وإلى أقربائكم وإلى اليتامى، والذين افتقروا بسبب عجزهم أو ذهاب الكوارث بأموالهم، وبالجار القريب النسب والجار الأجنبي والرفيق لك في عمل أو طريق أو جلوس .

2- العلاقة مع الضيوف

ومن العلاقات الاجتماعية في القرآن العلاقة مع الضيوف، فقد جعل الإسلام آدابًا للزيارة ودخول البيوت ينبغي على المسلمين التخلق بها منها، فلا يدخل إلا بعد السلام والاستئذان والاستئناس من صاحب الدار.

قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾

النور : ٢٧

ويجب إكرام الضيوف و الترحيب بهم ، عن ضيف إبراهيم عليه السَلَامٌ

قال الله تعالى :

﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ . إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا  قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ . فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ . فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴾

الذاريات : 24 -27

هل أتاك – أيها الرسول- حديث ضيف إبراهيم الذين أكرمهم- وكانوا من الملائكة الكرام- حين دخلوا عليه في بيته، فحيَّوه قائلين له: سلامًا، فردَّ عليهم التحية قائلا سلام عليكم، أنتم قوم غرباء لا نعرفكم. فعَدَلَ ومال خفية إلى أهله، فعمد إلى عجل سمين فذبحه، وشواه بالنار، ثم وضعه أمامهم، وتلَّطف في دعوتهم إلى الطعام قائلا ألا تأكلون؟

3- العلاقة الدينية

جعل الله أخوة المؤمن للمؤمنين صفة ملازمة للإيمان، وتربط بين المسلمين عـلـى أسـاس الديــــن، فـي حـب الله، وهـي أعظـــم وأسمــى الـروابط الإنـسانــيـة .

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾

الحجرات:10

و مـبادئ الأخــوة الإيـمانـيـة هـي

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾

الحجرات:10

إنما المؤمنون إخوة في الدين، فأصلحوا بين أخويكم إذا تنازعا، وخافوا الله في جميع أموركم؛ رجاء أن تُرحموا.

قال الله تعالى :

﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾

آل عمران : ١٠٣

أي: وتمسكوا جميعًا بكتاب ربكم وهدي نبيكم، ولا تفعلوا ما يؤدي إلى فرقتكم.

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾

الأنعام : ١٥٩

أي : إن الذين فرقوا الدين الحق الواحد بالعقائد الزائفة والتشريعات الباطلة، وصاروا بسبب ذلك أحزابًا، تحسبهم جميعًا وقلوبهم مختلفة، لست مؤاخذًا بتفرقهم وعصيانهم ولا تملك هدايتهم، فما عليك إلا البلاغ، والله – وحده – هو الذى يملك أمرهم بالهداية والجزاء، ثم يخبرهم يوم القيامة بما كانوا يفعلونه في الدنيا ويجازيهم عليه.

قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾  

الحجرات : ١١

كما نهى الله عن السخرية والهمز واللمز بالمؤمنين والتنابز بالألقاب

قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾

الحجرات: ١٢

كما حذر من سوء الظن والتجسس والغيبة؛ لأنها من الكبائر التي حرمها الله سبحانه وتعالى وتتنافى مع الأخوة الإيمانية

4- العلاقة مع غير المسلمين

أرست الشريعة الإسلامية قواعد التعامل مع غير المسلمين ، وإذا أردنا أن نجمل تعليمات الإسلام في معاملة المخالفين له – في ضوء ما يحل وما يحرم- فحسبنا آيتان من كتاب الله، جديرتان أن تكونا دستورًا جامعًا في هذا الشأن .

قال الله تعالى :

﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾

الممتحنة : ٨-٩

أي: لا يمنعكم الله من البر والإحسان وفعل الخير إلى الكفار الذين سالموكم ولم يقاتلوكم ، كصلة الرحم، ونفع الجار، والضيافة، ولم يخرجوكم من دياركم، ولا يمنعكم أيضا من أن تعدلوا فيما بينكم وبينهم، بأداء ما لهم من الحق، كالوفاء لهم بالوعد، وأداء الأمانة، وإيفاء أثمان المشتريات كاملة غير منقوصة، إن الله يحب العادلين، ويرضى عنهم، ويمقت الظالمين ويعاقبهم.

قال الله تعالى :

﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾

الشورى : ١٣

فالقرآن لا يناديهم إلا بـ «يا أهل الكتاب» و«يا أيها الذين أوتوا الكتاب» يشير بهذا إلى أنهم في الأصل أهل دين سماوي، فبينهم وبين المسلمين رحم وقربى، تتمثل في أصول الدين الواحد الذي بعث الله به أنبياءه جميعا.

قال الله تعالى :

﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾

العنكبوت : ٤٦

وإذا جادل المسلمون أهل الكتاب فليتجنبوا المراء الذي يوغر الصدور، ويثير العداوات .

5- العلاقة بين الحاكم والمحكوم

الحاكم له حق وعليه حق، أما الحق الذي عليه فهو أن يحكم هؤلاء الناس بحكم الله عز وجل ، وعلى المسلمين أمر يقابل هذا الأمر، فعليهم الطاعة لهذا الحاكم في حدود طاعة الله تعالى، فإذا لم تكن هناك طاعة لله في طاعته، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾

النساء : ٥٨-٥٩

فالآية في كل أمانة فعلى كل مؤتمن على شيء أن يحفظه ويرعاه حتى يؤديه إلى صاحبه، والآية تتناول حكام المسلمين أولًا فعليهم أن يحكموا بالقسط، وهو ضد الجور ومعناه: إيصال الحقوق إلى مستحقيها من أفراد الرعايا، والله يريد من أمة الإسلام -حكامًا ومحكومين- بأداء الأمانات والحكم بالعدل وأنه شيء حسن، وهو كذلك إذ قوام الحياة الكريمة هو النهوض بأداء الأمانات والحكم بالعدل.

ويجب العدل في الأحكام حتى ولو كان المحكوم عليهم من أقرب الناس للحاكم

قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾

النساء: ١٣٥

أي: ليكن من أخلاقكم وصفاتكم أيها المؤمنون القيام بالعدل حين شهادتكم، ولو كانت شهادتكم على أنفسكم، أو على والدين لكم أو أقربيكم، فقوموا فيها بالقسط والعدل، وأقيموها على صحتها بأن تقولوا فيها الحق، ولا تميلوا فيها لغني لغناه على فقير، ولا لفقير لفقره على غني، فتجوروا.

ومن أجمل مظاهر الحكم في الإسلام هو التزام مبدأ الشورى بين المسلمين حكامًا ومحكومين .

قال الله تعالى :

﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ﴾

الشورى: ٣٨

أي: يتشاورون فيما بينهم في الأمور الخاصة والعامة، ولا ينفردون برأي في كل أمر من القضايا العامة، كتولي الحكم وشؤون تدبير الدولة والتخطيط لمصالحها، وإعلان الحرب، وتولية الولاة والحكام والقضاة وغيرهم.

بل جاء الأمر الإلهي لنبيه بالشورى

قال الله تعالى :

﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾

آل عمران : ١٥٩

3- التكافل الاجتماعي

عني القرآن بالتكافل الاجتماعي ليكون نظامًا لتربية روح الفرد وضميره وشخصيته وسلوكه الاجتماعي، وليكون نظامًا لتكوين الأسرة وتنظيمها وتكافلها، ونظامًا للعلاقات الاجتماعية، ومن هنا فإن من مدلولاته البر والإحسان والصدقة. ومن صور التكافل الاجتماعي التي تعرض لها القرآن الكريم:

أولًا – الزكاة والصدقات

الزكاة فريضة إلزامية فرضها الله على كل مسلم دينًا، وجعل للدولة الحق في أخذها منه قهرًا إذا هو امتنع عن أدائها، وهي حق مقدر بتقدير الشارع في المال بشروط معينة، وهي تدل على معنى أخص من الصدقة التي لا تتحدد بمال معين أو قدر بذاته.

قال الله تعالى :

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾

التوبة : ١٠٣

أما الصدقة متروكة لاختيار الأفراد في قدرها، وفي من توجه إليه من المحتاجين، وذلك على خلاف الزكاة التي فرضها الله في أنواع المال التي حددها الشارع، وبين نصاب كل نوع، ومقدار الزكاة فيه.

قال الله تعالى :

﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾

البقرة : ٢١٥

تخاطب الآيات السابقة في وضوح لا لبس فيه أصحاب الأموال ممن أعطاهم الله شيئا سعة في الرزق، وتذكرهم بأن لهم إخوانًا من الأقارب واليتامى والمساكين والسائلين وفي الرقاب كل أولئك بحاجة ماسة إلى مد يد العون لهم ليعيشوا حياة لائقة .

قال الله تعالى :

﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

آل عمران : ١٨٠

أي: ولا يظن الذين يبخلون، أي: يمنعون ما عندهم مما آتاهم الله من فضله من المال والجاه والعلم وغير ذلك مما منحهم الله وأحسن إليهم به، وأمرهم ببذل ما لا يضرهم منه لعباده، فبخلوا بذلك وأمسكوه وضنوا به على عباد الله، وظنوا أنه خير لهم، بل هو شر لهم، في دينهم ودنياهم، وعاجلهم وآجلهم، وسيجعل ما بخلوا به طوقا في أعناقهم، يعذبون به

ثانيًا- التوزيع العادل للثروات

يؤكد القرآن الكريم حق كل فرد في حد أدنى من المعيشة يتمثل في الضروريات التي لابد من توفرها له وفقًا لتطور مستويات المعيشة ونفقاتها،ولكن الناس ليسوا متساوين في العلم والمعرفة والقدرات والتي يترتب على ذلك وجود طبقات ، وإن مشكلة المشاكل في عالمنا اليوم هو غياب أي توزيع عادل للثروات، وتـركز الثروات عند فئة قليلة من الناس في حين تعيش الأغلبية في فقر مدقع، وبذلك يزداد الغني غنىً والفقير فقرًا!!

قال الله تعالى :

﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾

التوبة : ٣٤

ولذلك يحذر القرآن الكريم الذين يجمعون الأموال الطائلة ولا ينفقون منها ما يجب عليهم فيها من واجبات مالية بعذاب أليم .

قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾

النساء: ٢٩

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة: ١٨٨

فالثراء إن لم يكن بطريق مشروع كالتجارة أو الصناعة أو العمل المنتج فهذا أكل لأموال الناس بالباطل، وهو ما يعبر عنه في عصرنا بـ(الثراء غير المشروع) أو الثراء غير القانوني الناتج عن غسيل الأموال، أو الاستيلاء على أموال الآخرين بالغصب والاستيلاء على ممتلكات الناس دون حق.

قال الله تعالى :

﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾

الذاريات: ١٩

وفي مقابل تحذير القرآن الكريم من تراكم الثروات دون وجه شرعي أو أكل أموال الناس بالباطل يدعو الأغنياء والموسرين إلى دفع جزء من أموالهم للفقراء والمحتاجين والمساكين، وذلك من خلال الزكاة والخراج والصدقات والكفارات والنذور وغيرها من وجوه الإنفاق الواجب أو المندوب.

وأمر القرآن الكريم بالإنفاق كي لا تتراكم الثروات بيد مجموعة قليلة من الأغنياء.

قال الله تعالى :

﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾  

الحشر: ٧

كما حذر القرآن المبذرين للأموال

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾

الإسراء : ٢٧

فالإنسان مسؤول عن اكتسابه للأموال كما أنه مسؤول عن طريقة إنفاقه

ثالثًا – حقوق الضعفاء

وقد تحدث القرآن الكريم في آيات كثيرة عن مظاهر الضعف البشري، ومن أنواع الضعف البشري، هو الضعف بسبب الفقر أو المرض، وقد حث القرآن الكريم على دفع أسبابه، وحث المسلمين على القيام بواجب التكافل والتعاون.

وإن الناظر في كتاب الله الكريم يرى بكل وضوح مدى اهتمام المولى عز وجل بالفقراء والمساكين والمحتاجين، فقد أعطى هؤلاء الفقراء والضعفاء والمساكين من أرامل وأيتام عظيم العناية وشديد الاهتمام،

حيث نجد أن الله تعالى قد ذكرهم في كثير من سور القرآن الكريم، وما ذلك إلا لعلو منزلتهم عنده سبحانه وتعالى، وحتى يلفت أنظار المسلمين إليهم فلا يتساهلون في أمورهم ويبخسوا حقوقهم، فإن من أهم ألوان الحفاظ على الكرامة الإنسانية في الإسلام الحفاظ على حق الضعفاء ، ومنهم

١ – حقوق الأيتام

ولقد اهتم الإسلام باليتيم اهتمامًا بالغًا، من ناحية تربيته ومعاملته والحرص على أمواله وضمان معيشته، حتى ينشأ عضوًا بارزًا في المجتمع، ويقوم بمسؤولياته على أحسن وجه. فمن اهتمام القرآن الكريم بشأن اليتيم:

– عدم قهره، والحط من كرامته، والغض من شأنه

قال الله تعالى :

﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ . فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾

الماعون: ١-٢

أي: هل عرفت الذي يكذب بالبعث والجزاء؟ فذلك الذي يدفع اليتيم بعنف ويرده بزجر وخشونة.

– كما أمر بحفظ أموال اليتيم

قال الله تعالى :

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾

الأنعام: ١٥٢

– الابتعاد عن كل تصرف ضار بها.

قال الله تعالى :

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾

البقرة: ٢٢٠

ويسألونك -أيها النبي- عن اليتامى الذين مات آباؤهم وهم دون سن البلوغ كيف يتصرفون معهم في معاشهم وأموالهم؟ قل لهم: إصلاحكم لهم خير، فافعلوا الأنفع لهم دائمًا، وإن تخالطوهم في سائر شؤون المعاش فهم إخوانكم في الدين، وعلى الأخ أن يرعى مصلحة أخيه،

– كما نهى عن أكل أموال اليتيم ظلمًا

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾

النساء: ١٠

إن الذين يعتدون على أموال اليتامى فيأخذونها بغير حق إنما يأكلون نارًا تتأجج في بطونهم يوم القيامة، وسيدخلون نارا يقاسون حرها.

ورعاية اليتيم وكفالته واجبة في الأصل على ذوي الأرحام والأقرباء، ويجب على المسلمين أن يتعاونوا فيما بينهم لإقامة دور لرعاية الأيتام، لتشرف المؤسسات الإسلامية على تربيتهم والإنفاق عليهم، ويكون ذلك أبعد لهم عن الانحراف والتشرد والضياع، وتساهم كفالة اليتيم في بناء مجتمعٍ سليم خالٍ من الحقد والكراهية تسوده روح المحبة والود.

2- رعاية المنكوبين والمكروبين

حثت الشريعة الإسلامية على إغاثة المنكوب والتفريج عن المكروب.

قال الله تعالى :

﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة: ٢٨٠

ولا شك أن المجتمع المسلم حين يتربى على هذه المعاني فإن أفراده ينطلقون في مضمار التعاون الكامل والتكافل الشامل والإيثار الكريم، ويأخذون بيد من أصابته مصيبة في ماله ونفسه.

3- الفقراء والمساكين

قد استفاض القرآن الكريم في الاهتمام بالفقراء والمساكين، والفرق بينهما أن الفقراء هم الذين لهم شيء لا يقوم بهم والمساكين هم الذين لا شيء لهم أصلا. ولقد ذكرهم الله تبارك وتعالى عند بيان أصناف المستحقين للزكاة وللصدقات .

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾

التوبة : ٦٠

فكان الفقراء والمساكين هم أُولى الفئات المستحقة للزكاة وللصدقات.

4- الوالدان عند الكبر

وهم طائفة خاصة من المسنين يجب إفرادها لعظيم قدرها ولضرورة التنبيه عليها .

قال الله تعالى :

﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾

الإسراء: ٢٣

5- يتامى النساء خاصة

وقد قال الله تبارك وتعالى في حقهن وفي التحذير من عدم إيتائهن ما كتب لهن .

قال الله تعالى :

﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا ﴾

النساء : ١٢٧

6- الأسرى

قال الله تعالى :

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾

الإنسان : ٨

7- الغارمون

الغارم هو المدين دينًا ليس عنده ما يسدد به دينه ، استحق أن يعطى من مال الزكاة ما يستعين به على قضاء دينه، أما إذا كانت استدانته لشراء أرض تكون مصدر ثراء له، أو لشراء سيارة ليكون من أهل السعة أو الترف، فلا يستحق أن يعطى من الزكاة .

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾

التوبة: ٦٠

8- ابن السبيل

هو من كان في سفر وضاق به الحال وغدا بلا مال، وإن كان في الأصل ربما من أهل اليسار، ولكنه صار بحالته الجديدة من أهل الصدقات، ومن الضعفاء المستحقين للمساعدة والمعونة.

قال الله تعالى :

﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾

البقرة : ٢١٥

9- السائلون

والسائل يحمل ضعفًا بين جنباته بما جعل به يده هي السفلى، فإن كان فقيرًا فضعفه واضح، وإن كان غنيًا فيما يظهر لك فلعل لديه ما ألجأه إلى ذلك، فلا تزيدن عليه بعد ذل السؤال ذلا آخر من الانتهار .

قال الله تعالى :

﴿ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾

الضحى : ١٠

4- الانحراف المجتمعي وعلاجه

أصبحت ظاهرة الانحراف والجريمة في الفترة الأخيرة التي تحول فيها المجتمع الدولي إلى قرية صغيرة بسبب انتشار وسائل الاتصال والتقدم التكنولوجي السريع ظاهرة خطيرة جديرة بالرصد والدراسة والتحليل خاصة إذا ما تعلق الانحراف بالأحداث الذين يشكلون عماد المستقبل للمجتمع.

إن مجتمعا تكثر فيه الأمراض الاجتماعية؛ كالعنف والجريمة والإدمان والانحرافات الجنسية واستغلال الطفولة، سيكون هو حتمًا مريضًا، وبحاجة إلى إعادة تنظيم من خلال تفعيل الرعاية الاجتماعية، وتأمين الاحتياجات الخاصة بالفرد وبالمجتمع؛ تأمينًا لحالات الاكتفاء والإشباع.

أولا – معالجة الطبقية

المتأمل في القرآن الكريم يقف على العديد من الآيات القرآنية، التي ألمحت إلى ظاهرة التفاوت الطبقي بين الناس ، وموقف القرآن من ظاهرة التفاوت الطبقي: تتلخص في مايلي ..

قال الله تعالى :

﴿ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ﴾

النحل : ٧١

أي: فجعلكم متفاوتين فيه فوسع على بعض عباده وبسط حتى جعل له من الرزق ما يكفي ألوفًا مؤلفة من بني آدم، وضيقه على بعض عباده وقتر حتى صار لا يجد القوت إلا بسؤال الناس والتكفف لهم، وكثر لواحد وقلل على واحد، وذلك لحكمة بالغة تقصر عقول العباد عن تعقلها والاطلاع على حقيقة أسبابها.

قال الله تعالى :

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾

الإسراء: ٢١

وكما جعل التفاوت بين عباده في المال جعله بينهم في العقل والعلم والفهم والجهل وقوة البدن وضعفه والحسن والقبح والصحة والسقم وغير ذلك من الأحوال.

قال الله تعالى :

﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾

النساء : ٣٢

أي: تمسكوا بأهداب القناعة؛ ولا تطمحوا بأعينكم إلى ما خص الله تعالى به غيركم؛ فهو جل شأنه مالك الملك؛ يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء؛ بيده الخير كله وهو حث على عدم الحقد والحسد.

قال الله تعالى :

﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾

الزخرف: ٣٢

فهذه الآيات ونحوها تقرر حقيقة واقعة وهي: أن الله سبحانه قد فضل الناس بعضهم على بعض بشتى أنواع التفضيل، والقرآن الكريم حين يقرر ظاهرة التفاوت بين الناس إنما يفعلها لحكمة وهي إعمار الأرض، ولا يمكن أن تستقيم الحياة إلا بهذا التفاوت؛ وذلك أن التفاوت ضروري لتنوع الأدوار المطلوبة لعمارة هذه الأرض .

قال الله تعالى :

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ﴾

الأنعام : ١٦٥

أي: ورفع بعضكم فوق بعض درجات في العلم، والعمل، والغنى والفقر، ليبلوكم جميعا، كل بما عنده، فيختبر الغني، هل يؤدي زكاة ماله؟ هل يتصدق بالفضل من ماله؟ هل يعطف على الفقير والمحتاج والمسكين أم هو نهم جشع صلد صلب كالحجر؟ نعم ويبلو الفقير هل يصبر ويرضى أم يشكو ويكفر؟

قال الله تعالى :

﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾

هود: ٦١

أي: طلب منكم عمارتها، ولو كان جميع الناس نسخًا مكررة ما أمكن أن تقوم الحياة في هذه الأرض على النحو المطلوب، ولبقيت أعمال كثيرة لا نجد لها من يقوم بها.

ومع أن القرآن قد أقر هذه الظاهرة الإنسانية – ظاهرة التفاوت بين الناس- إلا أنه سعى للحد قدر المستطاع من هذا التفاوت، وهذا بيان ذلك:

– طلب من الغني الإنفاق على الفقير، ومد يد العون له

قال الله تعالى :

﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾

المنافقون: ١٠

بالمقابل، طلب من الفقير أن لا يتمنى ما فضل الله به غيره من الناس

قال الله تعالى :

﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾

النساء : ٣٢

– ومدح المتعففين من الفقراء

قال الله تعالى :

﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا  وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾

البقرة: ٢٧٣

﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾

الزخرف: ٣٢

استعلاء طبقة على طبقة، أو استعلاء فرد على فرد، كلا! إن كل البشر مسخر بعضهم لبعض، ودولاب الحياة يدور بالجميع، ويسخر بعضهم لبعض في كل وضع، وفي كل ظرف، فالله فاضل بينهم فجعل بعضهم أفضل من بعض في الدنيا بالرزق والرياسة والقوة والحرية والعقل والعلم.

ثم ذكر العلة لرفع درجات بعضهم على بعض وهي ليستخدم بعضهم بعضًا فيستخدم الغني الفقير، والرئيس المرؤوس والقوي الضعيف،  والعاقل من دونه في العقل والعالم الجاهل وهذا في غالب أحوال أهل الدنيا، وبه تتم مصالحهم وينتظم معاشهم، ويصل كل واحد منهم إلى مطلوبه.

فإن كل صناعة دنيوية يحسنها قوم دون آخرين فجعل البعض محتاجًا إلى البعض لتحصل المواساة بينهم في متاع الدنيا ويحتاج هذا إلى هذا ويصنع هذا لهذا ويعطي هذا هذا.

الخلاصة: مما تقدم يتبين أن القرآن الكريم أقر ظاهرة التفاوت بين الناس، واعتبر ذلك من المقتضيات الملازمة لاستمرار هذه الحياة، ودعا في الوقت نفسه إلى تقليل هذه التفاوت قدر المستطاع، لكنه لم يسع إلى إلغائه؛ لأن في ذلك إلغاء لسنة من سنن الحياة، ما يعني التناقض بين ما قرره القرآن وبين السنن التي أقام الله عليها هذا الكون.

ثانيا- الجرائم المجتمعية

إن المجتمع المريض الذي يحول دون إشباع حاجات أفراده والذي يفيض بأنواع الحرمان والإحباطات والصراعات، والذي يشعر فيه الفرد بنقص الأمن وبعدم الأمان، وإن التنافس الشديد بين الناس وعدم المساواة والاضطهاد والاستغلال، يضاف إلى ذلك وسائل الإعلام غير الموجهة التي تؤثر تأثيرا سيئًا على أخلاقيات أفراد المجتمع، وغيرها من الأسباب قد يدفع بالعديد إلى ممارسة بعض أنواع السلوك الممنوع أو المرفوض اجتماعيًا، ومن هذه الجرائم المجتمعية:

1- القتل

قال الله تعالى :

﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾

الإسراء: ٣٣

وهذا شامل لكل نفس حرم الله قتلها من صغير وكبير وذكر وأنثى ومسلم وكافر له عهد، إلا بالحق كالنفس بالنفس .

2- الفساد في الأرض

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ . إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

المائدة: ٣٣-٣٤

وهذا بيان من الله عز ذكره عن حكم الفساد في الأرض، وهو ما يعرف بحد الحرابة، أعلم عباده ما الذي يستحقه المفسد في الأرض من العقوبة والنكال .

3- السرقة

قال الله تعالى :

﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

المائدة : ٣٨-٣٩

4- الرشوي

قال الله تعالى :

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة: ١٨٨

نهانا الله أن نأكل أموال بعضنا بالباطل وبدون وجه حق، ونهانا أن نلقى بالأموال إلى الحكام مستعينين في ذلك بالدفاع الباطل، والرشوة التي تعطى لبعض أصحاب النفوس القذرة الحقيرة من الحكام ليصل صاحبها إلى غرضه، ولا شك أن كثرة التقاضي بالباطل وشيوع الرشوة في الأمة مقبرة لها .

5- الزنا

قال الله تعالى :

﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

النور: ٢

6- شرب الخمر

الخمر تذهب الرشد، وتضعف العقل، وتجعل المرء يقع فيما لا يحسن، فما كان المؤمنون ليرضوا عن الخمر ، فكان التحريم النهائي

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾

المائدة : ٩١

ثالثًا – علاج الانحراف المجتمعي

لقد تعامل الإسلام مع مشكلة الانحراف المجتمعي بنظرة واقعية ؛ ومن طرق الوقاية من الانحراف وعلاجه التي أشار إليها القرآن الكريم ،الأتي:

1- الوسائل التعبدية

مراقبة الله في السر والعلن وليعلم كل إنسان ما في نفسه، ولابد أن يقف ضد شهواته ورغباته .

قال الله تعالى :

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾

ق : ١٦

2- الوسائل الأخلاقية

قيام كل فرد بمسؤولياته سواء في البيت أو المدرسة أو المجتمع أو السلطات الحاكمة

قال الله تعالى :

﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾

البقرة : 177

ليس الخير عند الله تعالى في التوجه في الصلاة إلى جهة المشرق والمغرب ، وإنما الخير كل الخير هو إيمان من آمن بالله ، وآمن بيوم البعث والجزاء، وبالملائكة جميعًا، وبالكتب المنزلة كافة، وبجميع النبيين من غير تفريق، وأعطى المال تطوُّعًا مع شدة حبه  ذوي القربى، واليتامى ، والمساكين الذين أرهقهم الفقر، والمسافرين المحتاجين الذين بَعُدوا عن أهلهم ومالهم، والسائلين الذين اضطروا إلى السؤال لشدة حاجتهم، وأنفق في تحرير الرقيق والأسرى، وأقام الصلاة، وأدى الزكاة المفروضة، والذين يوفون بالعهود، ومن صبر في حال فقره ومرضه. أولئك المتصفون بهذه الصفات هم الذين صدقوا في إيمانهم، وأولئك هم الذين اتقَوا عقاب الله فتجنبوا معاصيه.

قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾

التحريم : ٦

يا أيها الذين آمنوا ، احفظوا أنفسكم بفعل ما أمركم الله به وترك ما نهاكم عنه، واحفظوا أهليكم بما تحفظون به أنفسكم من نار وقودها الناس والحجارة، يقوم على تعذيب أهلها ملائكة أقوياء قساة في معاملاتهم، لا يخالفون الله في أمره، وينفذون ما يؤمرون به.

3- الوسائل العقابية

إنزال العقوبات الشرعية بالمفسدين والمنحرفين والمجرمين، وعدم التهاون معهم؛ لما يسببونه من أضرار ومفاسد دينية وأخلاقية تدمر المجتمع .

قال الله تعالى :

﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

البقرة : ١٧٩

وضعت الحدود في الإسلام في ظل نظام متكامل يضع الضمانات للجميع، ويتخذ أسباب الوقاية قبل أن يتخذ أسباب العقوبة

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

النور: ١٩

إن الذين يحبون شيوع الفاحشة في المسلمين من قَذْف بالزنى أو أي قول سيِّئ لهم عذاب أليم في الدنيا بإقامة الحد عليهم، وغيره من البلايا الدنيوية، ولهم في الآخرة عذاب النار إن لم يتوبوا، والله- وحده- يعلم كذبهم، ويعلم مصالح عباده، وعواقب الأمور، وأنتم لا تعلمون ذلك.

 

 

Share This