مفهوم اليهود في القرآن الكريم

 

1- التعريف باليهود

اليهود هم من ينتسبون إلى الديانة اليهودية  .

قال الله تعالى :

( وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٖۖ )

الأنعام : ١٤٦

معناه: دخلوا اليهودية

وإنهم سموا يهودًا؛ لأن  من تاب ورجع إلى الحق فهو هائد

قال الله تعالى :

( وَٱكۡتُبۡ لَنَا فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِنَّا هُدۡنَآ إِلَيۡكَۚ )

الأعراف : ١٥٦

أي: تبنا ورجعنا إليك

2- كلمة اليهود

      في

   القرآن الكريم

وردت كلمة اليهود في القرآن الكريم ٢١ مرة . والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد ١١ مرة

قال الله تعالى :

( قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوٓاْ إِن زَعَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ أَوۡلِيَآءُ لِلَّهِ )

الجمعة: ٦

– الاسم النكرة

ورد  مرة  واحدة

قال الله تعالى :

( وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰ تَهۡتَدُواْۗ )

البقرة : ١٣٥

– الاسم المعرف

ورد  ٩ مرات

قال الله تعالى :

( وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغۡلُولَةٌۚ غُلَّتۡ أَيۡدِيهِمۡ )

المائدة : ٦٤

واليهود هم أتباع الديانة اليهودية، وهم من بني إسرائيل، وليس كل بني إسرائيل من اليهود.

3- الكلمات ذات الصلة

      بكلمة اليهود

– أهل الكتاب

أهل الكتاب هم من يجتمعون حول التوراة والإنجيل من اليهود والنصارى

قال الله تعالى :

( يأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ وَلَا تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ )

النساء : 171

– بنو إسرائيل

بنو إسرائيل هم ذرية يعقوب عليه السلام، وكانوا اثني عشر سبطًا.

قال الله تعالى :

( سَلۡ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ كَمۡ ءَاتَيۡنَٰهُم مِّنۡ ءَايَةِۭ بَيِّنَةٖۗ )

البقرة :٢١١

إسرائيل لقب أطلق على يعقوب بن إسحاق عليهما السلام.

قال الله تعالى :

( كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِلّٗا لِّبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسۡرَٰٓءِيلُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ )

آل عمران :٩٣

4 – الصلة بين بني إسرائيل واليهود

اليهود هم أتباع الديانة اليهودية، وهم من بني إسرائيل أي من ذرية يعقوب عليه السلام ، وليس كل بني إسرائيل طبعا من اليهود. ولعل الفرق يتضح جليًّا بين مصطلحي اليهود وبني إسرائيل من خلال آيات القرآن الكريم . فلقد ذكر مصطلح (بني إسرائيل) إحدى وأربعين مرةً في القرآن الكريم، والمتتبع للآيات التي ذكر فيها بنو إسرائيل في القرآن الكريم يجد أن ذكرهم قد قصد به أزمان وأوقات مختلفة: ومن الآيات ما تحدثت عنهم

1- بني إسرائيل قبل زمن سيدنا موسى عليه السلام

قال الله تعالى :

( كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِلّٗا لِّبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسۡرَٰٓءِيلُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ مِن قَبۡلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوۡرَىٰةُۚ قُلۡ فَأۡتُواْ بِٱلتَّوۡرَىٰةِ فَٱتۡلُوهَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ )

آل عمران: ٩٣

2- بني إسرائيل الذين عاصروا سيدنا موسى عليه السلام

قال الله تعالى :

( وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتَوۡاْ عَلَىٰ قَوۡمٖ يَعۡكُفُونَ عَلَىٰٓ أَصۡنَامٖ لَّهُمۡۚ قَالُواْ يَٰمُوسَى ٱجۡعَل لَّنَآ إِلَٰهٗا كَمَا لَهُمۡ ءَالِهَةٞۚ قَالَ إِنَّكُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ )

الأعراف: ١٣٨

3- بني إسرائيل بعد عهد سيدنا موسى عليه السلام

قال الله تعالى :

( أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ إِذۡ قَالُواْ لِنَبِيّٖ لَّهُمُ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكٗا نُّقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ قَالَ هَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ أَلَّا تُقَٰتِلُواْۖ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلَّا نُقَٰتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدۡ أُخۡرِجۡنَا مِن دِيَٰرِنَا وَأَبۡنَآئِنَاۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ تَوَلَّوۡاْ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ )

البقرة: ٢٤٦

4- بني إسرائيل الذين عاصروا سيدنا عيسى عليه السلام

قال الله تعالى :

( لَقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَۖ وَقَالَ ٱلۡمَسِيحُ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمۡۖ إِنَّهُۥ مَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ ٱلۡجَنَّةَ وَمَأۡوَىٰهُ ٱلنَّارُۖ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٖ )

المائدة: ٧٢

5- بني إسرائيل الذين عاشوا زمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى :

( إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَكۡثَرَ ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ )

النمل: ٧٦

وعن اختلاف بني إسرائيل بشأن عيسى عليه السلام

قال الله تعالى :

( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّـۧنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ فَـَٔامَنَت طَّآئِفَةٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٞۖ فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ)

الصف: ١٤

بناءً على تلك الأية ، يتضح جليًّا أن بني إسرائيل قد انقسموا إلى قسمين ظاهرين بديانتين مختلفتين، وهما اليهودية والنصرانية، فنبي الله عيسى عليه السلام هو من بني إسرائيل وأرسل إليهم رسولًا مصدقًا لما بين يديه من التوراة ، كما أوتي الإنجيل فيه هدىً ونور.

فاختلف بنو إسرائيل بشأن سيدنا عيسى عليه السلام، فمنهم من آمن به وصدقه وناصره، ومنهم من لم يؤمن به وكذبه وحاول قتله: فالقسم الأول من بني إسرائيل هم النصارى الذين قاموا بعد ذلك بنشر دينهم للعالمين، وما زالت الحملات التنصيرية التي يقوم بها هؤلاء شاهدًا على حرصهم على نشر دين النصرانية أو المسيحية التي حرفت وحادت عن طريق الحنيفية السمحاء.

والقسم الآخر من بني إسرائيل «وهم الأغلب» كذبوا عيسى عليه السلام وحاربوه وحاولوا قتله، فرفعه الله إليه، وهؤلاء بدورهم لم يقوموا بنشر دينهم كما فعل النصارى، بل حرصوا أشد الحرص على ألا يدخل في دينهم أحد، إلا أنه وفي فترات من التاريخ دخل الدين اليهودي مجموعة من الناس كيهود الخزر وغيرهم.

لذلك نجد في وقتنا الحالي أن عدد النصارى أكثر بكثير من عدد اليهود، مع العلم أنهم مع بداية افتراقهم كان عدد بني إسرائيل الذين اتبعوا الديانة النصرانية أقل بكثير من عدد بني إسرائيل الذين اتبعوا الديانة اليهودية، لذا عندما يطلق الحديث عن بني إسرائيل يتبادر للذهن مباشرةً أنهم هم اليهود.

5- نعم الله على بني إسرائيل

أنعم الله الكريم على بني إسرائيل بنعم خصهم بها دون العالمين، وقوبلت هذه النعم بالجحود والاستكبار والفساد في الأرض، وتنوعت هذه النعم وتعددت، وسنذكر منها أربعًا:

أولًا- التفضيل على عالمي زمانهم

من النعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل نعمة التفضيل على عالمي زمانهم، ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى في موضعين مختلفين من القرآن الكريم هذه النعمة .

قال الله تعالى :

( يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ )

البقرة : ٤٧

والتفضيل على العالمين هنا تفضيل مرهون بزمان معين، وليس في كل الأزمنة والعصور ، والتفضيل على العالمين انتهى بسبب جحودهم وكفرهم ونقضهم للعهود وقتلهم للأنبياء، فكان الجزاء الغضب واللعنة على من كفر منهم.

ثانيًا – أنبياء بني إسرائيل وكتبهم

أقام الله سبحانه وتعالى الحجة على الناس بأن أرسل الرسل؛ ليبلغوا رسالته، وأنزل معهم الكتب لتبين للناس طريق الهدى والصلاح في الدنيا والآخرة.

قال الله تعالى :

( رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا )

النساء: ١٦٥

فلقد أنعم الله على بني إسرائيل بأن بعث فيهم رسلًا من أنفسهم ومن أبناء جلدتهم، ابتداءً بيعقوب ويوسف ومن بعدهم موسى وهارون وداود وسليمان وإلياس واليسع وزكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام جميعًا، فبلغوا رسالة ربهم لبني إسرائيل الذين بادروهم إما بالتكذيب وإما بالقتل.

قال الله تعالى :

( لَقَدۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمۡ رُسُلٗاۖ كُلَّمَا جَآءَهُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُهُمۡ فَرِيقٗا كَذَّبُواْ وَفَرِيقٗا يَقۡتُلُونَ )

المائدة : ٧٠

أما الكتب التي أنزلت على بني إسرائيل فهي التوراة والزبور والإنجيل، ولقد قاموا بتحريف كتبهم وزوروها وكتموها.

قال الله تعالى :

 ( فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰبَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ )

البقرة: ٧٩

( وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ )

آل عمران: ١٨٧

ثالثًا – النجاة من بطش فرعون وإهلاك عدوهم

من نعم الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل أن أنجاهم مع سيدنا موسى عليه السلام من بطش فرعون وجنوده، ففرق الله بهم البحر فنجاهم وأغرق الله فرعون وجنوده.

قال الله تعالى :

( وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ . وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ )

البقرة:  ٤٩-٥٠

والمتأمل في هاتين الآيتين يجد الوصف الرباني لبلاء بني إسرائيل من رب العالمين، حيث وصفه سبحانه بأنه بلاء عظيم، عظيم لما فيه من زيادة في العذاب، وليس أي عذاب، بل سوء العذاب، وهذا البلاء عظيم لما فيه من قتل وذبح للأبناء فلذات الأكباد، وحتى أمر استحياء النساء فيه بلاء عظيم أيضًا، لما تتكبده المرأة في حياتها من كدر وهم لفقدها لابنها بالقتل والذبح.

وبعد أن وصف الله هذا البلاء بأنه عظيم بين سبحانه النعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل، حين أنعم الله عليهم بمعجزة لم تحدث إلا مرة واحدة في التاريخ، حيث فرق الله البحر وجعله فرقين كل فرق كالطود العظيم، وليس هذا فحسب بل أنعم الله عليهم بالنجاة، وبالسير بين الفرقين دون فرعون وقومه الذين طبق عليهم البحر فأغرقهم سبحانه وتعالى، كل ذلك وأنتم يا بني إسرائيل تشاهدون بأم أعينكم ما يحدث من نعم ومعجزات، ومع كل ذلك قابل كثير من بني إسرائيل هذه النعم بالجحود، فعبدوا العجل الذي صنعه لهم السامري، وخالفوا أمر ربهم ونبيه موسى عليه السلام.

رابعًا – تفجير ينابيع المياه لهم، وإنزال المن والسلوى عليهم

من النعم التي خص الله بها بني إسرائيل أن فجر لهم من الحجر ماءً نقيًا؛ ليشربوا منه من بعد الظمأ، وأن الله أنزل عليهم المن والسلوى بعد أن نجاهم من فرعون وجنوده.

قال الله تعالى :

( وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۖ كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ )

البقرة: ٦٠

( يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ قَدۡ أَنجَيۡنَٰكُم مِّنۡ عَدُوِّكُمۡ وَوَٰعَدۡنَٰكُمۡ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلۡأَيۡمَنَ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰ . كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَلَا تَطۡغَوۡاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبِيۖ وَمَن يَحۡلِلۡ عَلَيۡهِ غَضَبِي فَقَدۡ هَوَىٰ . وَإِنِّي لَغَفَّارٞ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا ثُمَّ ٱهۡتَدَىٰ )

طه:  ٨٠-٨٢

رغم كل هذه النعم الواضحة البينة التي أنعم الله بها على بني إسرائيل وخصهم بها دون العالمين قابل كثير من بني إسرائيل تلك النعم بالجحود والإنكار والجدال والاستكبار، وانحرف كثير منهم انحرافات مقيتة في العقائد والسلوك والأخلاق.

6 – انحرافات اليهود

بين الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز الانحرافات والضلالات التي اتصف بها اليهود، سواءً كانوا من نسل بني إسرائيل أو ممن تهود معهم، كما أن هناك آيات أخرى تحدثت مباشرة عن انحرافات اليهود الذين عاصروا النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

أولًا – انحرافات في العقيدة

1-  قولهم: إن الله فقير

لم يكتف اليهود بالتجرؤ على أنبيائهم فحسب، بل بلغ الكبر والغرور فيهم أن قالوا في حق الله ما لا يليق به سبحانه وتعالى، ونعتوه بالفقر، سبحانه وتعالى عما يقولون، فهو الغني الكريم الجواد جل في علاه، ولقد أخبر الله سبحانه في كتابه عن سماعه لما افتراه اليهود

قال الله تعالى :

( لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ )

آل عمران: ١٨١

2- قولهم: يد الله مغلولة

أي جرأة تجرأ بها هؤلاء؟! وأي وقاحة وصلوا إليها بتجرئهم على الله سبحانه وتعالى، وبأبشع الأوصاف وأقبحها؟! كل هذا من أجل المال والنفقة، لقد تسرب حب المال في عروقهم، وتشبعت نفوسهم بالبخل والشح، فأخذوا يلقون التهم على الله سبحانه وتعالى الكريم المنان.

قال الله تعالى :

( وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغۡلُولَةٌۚ غُلَّتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْۘ بَلۡ يَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيۡفَ يَشَآءُۚ )

المائدة: ٦٤

قالت  اليهود يد الله محبوسة عن فعل الخيرات، بَخِلَ علينا بالرزق والتوسعة، وذلك حين لحقهم جَدْب وقحط. غُلَّتْ أيديهم، أي: حبست أيديهم هم عن فِعْلِ الخيرات، وطردهم الله من رحمته بسبب قولهم.

3- قولهم: عزير ابن الله

استحق اليهود القتال من الله، وذلك بافترائهم على الله عز وجل الذي لم يلد ولم يولد، فافتروا عليه بأن عزيرًا ابن الله، وعزير هو حبر من أحبار بني إسرائيل أوتي حفظ التوراة وعلمها.

قال الله تعالى :

( وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَى ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِۖ ذَٰلِكَ قَوۡلُهُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡۖ يُضَٰهِـُٔونَ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ )

التوبة: ٣٠

4- إيمانهم بالجبت والطاغوت

وهذا كفر بواح، ونفاق كبير، آمنوا بعبادة الأوثان والشيطان من دون الله، وفضلوا المشركين الكافرين على المؤمنين، وهم يعلمون علم اليقين بما آتاهم الله من الكتاب من هم الذين أهدى سبيلًا وطريقًا إلى الله.

قال الله تعالى :

( أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡجِبۡتِ وَٱلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰٓؤُلَآءِ أَهۡدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا )

النساء:  ٥١

ألم تعلم – أيها الرسول- أمر أولئك اليهود الذين أُعطوا حظًّا من العلم يصدقون بكل ما يُعبد من دون الله من الأصنام وشياطين الإنس والجن تصديقا يحملهم على التحاكم إلى غير شرع الله، ويقولون للذين كفروا بالله تعالى وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: هؤلاء الكافرون أقْومُ، وأعدلُ طريقًا من أولئك الذين آمنوا؟

5- عداوتهم لجبريل عليه السلام.

من فرط الحقد الذي يكنه اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم والعداوة التي عادوها له عليه الصلاة والسلام أن عادوا جبريل عليه السلام أيضًا الذي بدوره أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم بإذن ربه. في حق اليهود

قال الله تعالى :

( قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ . مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّلَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبۡرِيلَ وَمِيكَىٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوّٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ )

البقرة: ٩٧-٩٨

6- إنكارهم لإنزال الكتب والكفر بها

قال الله تعالى :

( وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ )

البقرة: ٩١

وهذا تناقض عجيب من اليهود، إذ يقولون أنهم يؤمنون بما أنزل إليهم من التوراة، ومع أن التوراة تأمرهم بأن يؤمنوا بما سيأتي من بعدهم من الكتب السماوية، إلا أنهم يخالفون هذا الأمر ويكفرون بتلك الكتب

ثانيًا-  انحرافات في الأخلاق والسلوك

النوع الثاني من الانحرافات بعد تلك الانحرافات العقائدية هي الانحرافات الأخلاقية والسلوكية ،ومنها

1- حسدهم للمسلمين

النعمة التي تمنى اليهود زوالها من عند المسلمين هي نعمة الإسلام والهداية، فأكثر اليهود يعلمون علم اليقين أن هذا الدين دين حق، وأن هذا الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، ولكنهم لم يتوقعوا أن يكون من غير ملتهم أو طائفتهم.

قال الله تعالى :

( وَدَّ كَثِيرٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَٱعۡفُواْ وَٱصۡفَحُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ )

البقرة: ١٠٩

2- حرصهم على إضلال المؤمنين

لقد حرصت طائفة من أهل الكتاب على أن يردوا المسلمين عن دينهم وأن يخرجوهم عن ملة الإسلام، حتى لو كان هذا الخروج فيه شرك بالله، ولا زالت هذه الأمنية باقية إلى عصرنا هذا .

قال الله تعالى :

( وَدَّت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يُضِلُّونَكُمۡ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ )

آل عمران: ٦٩

3- كتمانهم لما أنزل الله

قال الله تعالى :

( وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ )

آل عمران: ١٨٧

( إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُوْلَٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ )

البقرة : ١٥٩

توعد الله سبحانه وتعالى العلماء الذين يكتمون ما أنزل الله، ومع أن الآية نزلت في علماء اليهود والنصارى إلا أنها وبمفهومها الشامل تشمل كل عالم «ولو كان مسلمًا» يكتم ما وهبه الله من علم بكتابه.

4- أخذهم الربا وأكلهم أموال الناس بالباطل

قال الله تعالى :

( فَبِظُلۡمٖ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ طَيِّبَٰتٍ أُحِلَّتۡ لَهُمۡ وَبِصَدِّهِمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيرٗا .  وَأَخۡذِهِمُ ٱلرِّبَوٰاْ وَقَدۡ نُهُواْ عَنۡهُ وَأَكۡلِهِمۡ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِۚ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا )

النساء: ١٦٠-١٦١

في هاتين الآيتين الكريمتين عقابان للذين هادوا، أحدهما في الحياة الدنيا والآخر في الحياة الآخرة، ففي الدنيا شمل العقاب كل الذين هادوا بتحريم طيبات من الطعام كان لهم حلالًا، وفي الآخرة سيكون العقاب للكافرين من الذين هادوا بأن أعد الله لهم عذابًا أليمًا، وما هـٰذان العقابان إلا لما اقترفوه من آثام وذنوب، فقد ظلموا أنفسهم بنقضهم للعهود والمواثيق مع الله، وظلموا أنبياءهم بالتكذيب والعصيان، كما صدوا أنفسهم وغيرهم عن سبيل الله كثيرًا، واستحلوا الربا وهو عليهم محرم، وأكلوا أموال الناس، وتعبير الأكل دليل النهم والطمع المتأصل فيهم، فلقد استباحوا أموال الناس وممتلكاتهم بالباطل والعدوان.

قال الله تعالى :

( وَتَرَىٰ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ . لَوۡلَا يَنۡهَىٰهُمُ ٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ عَن قَوۡلِهِمُ ٱلۡإِثۡمَ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ )

المائدة: ٦٢-٦٣

5- حرصهم على الحياة

قال الله تعالى :

( قُلۡ إِن كَانَتۡ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةٗ مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ . وَلَن يَتَمَنَّوۡهُ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ . وَلَتَجِدَنَّهُمۡ أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَوٰةٖ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ يُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةٖ وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن يُعَمَّرَۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ )

البقرة: ٩٤-٩٦

ومع أن المشركين لا يؤمنون بالآخرة، ويعتبرون حياتهم الدنيا هي الحياة، ولا حياة بعدها، ومع ذلك تجد هؤلاء اليهود هم أشد حرصًا منهم، بل هم أشد الناس حرصًا على حياة، وأي حياة تلك؟ لا يهم، المهم أنها حياة، بغض النظر عن كيفيتها أو صعوبتها، المهم أنها حياة، وهذا الحرص يفاجئك للوهلة الأولى، وخصوصًا أنهم يؤمنون بأن هنالك حياة أخرى، ولكن تلك المفاجأة تزول عند التأمل بما اقترفه هؤلاء من قتلهم للأنبياء وتكذيبهم لهم، ومن تجرئهم على الله، وغيرها من الأعمال المهينة التي ارتكبوها.

6- جبنهم عند اللقاء في الحرب

قال الله تعالى :

( وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ. لَن يَضُرُّوكُمۡ إِلَّآ أَذٗىۖ وَإِن يُقَٰتِلُوكُمۡ يُوَلُّوكُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ )

آل عمران: ١١0- 111

والمعنى: إن أهل الكتاب لن يضروكم يا معشر المؤمنين إلا ضررًا يسيرًا لا يبقى أثره فيكم ما دمتم مستمسكين بدينكم، فإن قاتلوكم وأنتم على هذه الحال أمدكم الله بنصره، وألقي في قلوبهم الرعب فيولونكم الأدبار انهزاما منكم، ثم لا ينصرون عليكم بل تنصرون أنتم عليهم

7- تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى

قال الله تعالى :

( لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَيۡنَهُمۡ شَدِيدٞۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ )

الحشر: ١٤

لا يواجهكم اليهود بقتال مجتمعين إلا في قرى محصنة بالأسوار والخنادق، أو من خلف الحيطان، عداوتهم فيما بينهم شديدة، تظن أنهم مجتمعون على كلمة واحدة، ولكن قلوبهم متفرقة؛ وذلك بسبب أنهم قوم لا يعقلون أمر الله ولا يتدبرون آياته.

8- يسعون في الأرض فسادًا

قال الله تعالى :

( وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغۡلُولَةٌۚ غُلَّتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْۘ بَلۡ يَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيۡفَ يَشَآءُۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗاۚ وَأَلۡقَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ كُلَّمَآ أَوۡقَدُواْ نَارٗا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادٗاۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ )

المائدة : ٦٤

من طباع اليهود الدنية إشعال الحروب بين الناس، فلا تهنأ لهم نفس أن يروا الناس متحابين ومتراحمين، ولا تقر لهم عين أن تكون الأرض مستقرة دون حروب وفتن، ولقد شهد التاريخ عليهم بذلك .

9- أشد الناس عداوةً للمؤمنين

قال الله تعالى :

( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ )

المائدة: ٨٢

لتجدنَّ -أيها الرسول- أشدَّ الناس عداوة للذين صدَّقوك وآمنوا بك واتبعوك، اليهودَ؛ لعنادهم، وجحودهم، وغمطهم الحق،

10- قتل بعضهم بعضًا

قال الله تعالى :

( وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَآءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ . ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ )

البقرة: ٨٤-٨٥

واذكروا – يا بني إسرائيل- حين أَخَذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا في التوراة: يحرم سفك بعضكم دم بعض، وإخراج بعضكم بعضًا من دياركم، ثم اعترفتم بذلك، وأنتم تشهدون على صحته. ثم أنتم يا هؤلاء يقتل بعضكم بعضًا، ويُخرج بعضكم بعضًا من ديارهم، ويَتَقَوَّى كل فريق منكم على إخوانه بالأعداء بغيًا وعدوانًا.

7- تحريفات اليهود

لقد تمادى اليهود بالتحريف والتبديل والتزوير في كل شيء، ولم يسلم كتاب الله الذي أنزل عليهم من تحريفهم وتزويرهم، فغيروا من التوراة ما يناسب أهواءهم الفاسدة، فكان تحريفهم بطرق عدة، منها: كتمان ما لا يناسب أهواءهم، وكتابة ما يحلو لهم ونسبته إلى الله، وتقولهم على الله بهتانًا وزورًا، وتحريم ما لم يحرمه الله عليهم، ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى أن فريقًا منهم يقومون بتحريف كلام الله من بعد ما سمعوه وفهموه وعقلوه .

قال الله تعالى :

( أَفَتَطۡمَعُونَ أَن يُؤۡمِنُواْ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَسۡمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ )

البقرة: ٧٥

1- تحريف كلام الله عن مواضعه

قال الله تعالى :

( يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَلَمۡ تُؤۡمِن قُلُوبُهُمۡۛ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْۛ سَمَّٰعُونَ لِلۡكَذِبِ سَمَّٰعُونَ لِقَوۡمٍ ءَاخَرِينَ لَمۡ يَأۡتُوكَۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ مِنۢ بَعۡدِ مَوَاضِعِهِۦۖ يَقُولُونَ إِنۡ أُوتِيتُمۡ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمۡ تُؤۡتَوۡهُ فَٱحۡذَرُواْۚ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتۡنَتَهُۥ فَلَن تَمۡلِكَ لَهُۥ مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔاۚ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمۡۚ لَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٞ )

المائدة: ٤١

الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم على وجه التسلية والإخبار عن المنافقين واليهود، اليهود الذين سبق وأن بينا ما ذكر عنهم في آية سابقة بأنهم يسارعون في الإثم والعدوان، وهاهم في هذه الآية يبين الله سبحانه وتعالى أنهم يسارعون في الكفر، وهكذا هم اليهود يسارعون في الأعمال القبيحة بخلاف المؤمنين الذين يسارعون في الخيرات دائمًا، ومن أعمال الكفر التي سارع بها اليهود تحريفهم للتوراة وتبديلهم لبعض الكلمات حتى يوافق النص هواهم.

قال الله تعالى :

( وَلَقَدۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَبَعَثۡنَا مِنۡهُمُ ٱثۡنَيۡ عَشَرَ نَقِيبٗاۖ وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمۡۖ لَئِنۡ أَقَمۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَيۡتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرۡتُمُوهُمۡ وَأَقۡرَضۡتُمُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّكُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ فَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ . فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ لَعَنَّٰهُمۡ وَجَعَلۡنَا قُلُوبَهُمۡ قَٰسِيَةٗۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٖ مِّنۡهُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱصۡفَحۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ )

المائدة :١٢- ١٣

أخذ الله العهد والميثاق من بني إسرائيل لئن أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وآمنوا برسل الله ونصروهم وأنفقوا في سبيل الله ليجزينهم الله بذلك جنات تجري من تحتها الأنهار بعد أن يكفر الله عنهم ذنوبهم، ولكن كثيرًا من بني إسرائيل نقض العهد والميثاق مع الله، فحرفوا كتاب الله التوراة، وبدلوا بعض كلماته، تزويرًا وبهتانًا، ونسوا أو تناسوا جزءًا من عهد الله معهم، فلم يؤمن اليهود سواء الذين عاصروا البعثة أو من جاء بعدهم برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.

2- كتابة كتب من عند أنفسهم ثم نسبتها إلى الله

من تحريفهم لكتاب الله أن يكتبوا كتبًا من عند أنفسهم تتناسب مع أهوائهم، ويجنون من ورائها أثمانًا وأموالًا، والأخطر من ذلك كله هو نسبتها إلى الله سبحانه وتعالى، فيقولون للناس: هو من عند الله.

قال الله تعالى :

( فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰبَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ )

البقرة: ٧٩

فلقد توعد الله علماء ورؤساء اليهود الذين يكتبون التوراة بأيديهم ويدعون بعد ذلك أنها من عند الله وما هي من عند الله، ويقولون على الله الكذب،

3- قولهم: لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا

من الغرور الذي وصل إليه اليهود أن تمنوا على الله الأماني، وجعلوا تلك الأماني حقائق لا بد أن تقع، فكان من أمنياتهم ما ذكره الله سبحانه وتعالى عنهم

قال الله تعالى :

( وَقَالُواْ لَن يَدۡخُلَ ٱلۡجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰۗ تِلۡكَ أَمَانِيُّهُمۡۗ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ )

البقرة: ١١١

تحدى الله كلًّا من اليهود والنصارى بأن يأتوا بحججهم وإثباتاتهم التي تثبت كلامهم هذا، حيث ادعى اليهود بأنه لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديًّا، وادعى النصارى أيضًا أنه لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيًّا، وما كان هذا إلا أماني وأوهامًا يعيشونها، فلا برهان لديهم ولا دليل، فالله سبحانه وتعالى قد وعد كل من أسلم وجهه لله وأذعن وانصاع لأمر الله بأن له الأجر والثواب من الله، فالجنة لا يستحقها الناس بانتماءاتهم فقط، فالتسليم لله والإحسان والعمل الصالح هي سبيل الجنة، بعد رحمة رب العالمين.

4- قولهم: نحن أبناء الله وأحباؤه

قال الله تعالى :

( وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحۡنُ أَبۡنَٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰٓؤُهُۥۚ قُلۡ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُمۖ بَلۡ أَنتُم بَشَرٞ مِّمَّنۡ خَلَقَۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ )

المائدة: ١٨

وهذا من غرور اليهود والنصارى أيضًا، فبعد أن بينا ادعاء كل منهما بأنه لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديًّا أو نصرانيًّا هاهم يدعون أيضًا بأنهم أبناء الله وأحباؤه.

5- قولهم: لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودة

ظن اليهود أنهم أبناء الله وأحباؤه، فأصابهم الغرور والكبر، فتوهموا بأنهم لن يدخلوا النار إلا أيامًا معدودة وسيحاسبون فيها حسابًا يسيرًا، فغرهم هذا الوهم إلى أن يكتبوا الكتاب بأيديهم، ثم يقولون: إنه من عند الله كما غر الوهم فريقًا منهم حين دعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم فأعرضوا عنه وتولوا.

ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى ادعاءهم هذا بأن النار لن تمسهم إلا أيامًا معدودة أو معدودات في موضعين مختلفين،

قال الله تعالى :

( وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَةٗۚ قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ )

البقرة : ٨٠

( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۖ وَغَرَّهُمۡ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ )

آل عمران : ٢٤

6- البهتان العظيم على مريم

لقد كذبوا وافتروا وظلموا بقولهم على مريم زورًا، فلقد اتهموها بالزنا لولادتها لعيسى عليه السلام من غير أب، وما أسهل أن يلقوا بالتهم بهتانًا وإفكًا! حتى لو كان الأمر يتعلق بشرفاء القوم وأطهرهم، فهم لا يتورعون عن فعل ذلك، بسبب الكفر الذي تشربته نفوسهم.

قال الله تعالى :

( وَبِكُفۡرِهِمۡ وَقَوۡلِهِمۡ عَلَىٰ مَرۡيَمَ بُهۡتَٰنًا عَظِيمٗا )

النساء: ١٥٦

ولقد برأ الله سبحانه وتعالى مريم عليها السلام

قال الله تعالى :

( وَمَرۡيَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَٰنَ ٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتۡ بِكَلِمَٰتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِۦ وَكَانَتۡ مِنَ ٱلۡقَٰنِتِينَ )

التحريم: ١٢

7- قولهم: إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم

قال الله تعالى :

( وَقَوۡلِهِمۡ إِنَّا قَتَلۡنَا ٱلۡمَسِيحَ عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُۚ مَا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٍ إِلَّا ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينَۢا )

النساء: ١٥٧

وبسبب قولهم -على سبيل التهكم والاستهزاء-: هذا الذي يدعي لنفسه هذا المنصب (قتلناه)، وما قتلوا عيسى وما صلبوه، بل صلبوا رجلا شبيهًا به ظنًّا منهم أنه عيسى. ومن ادَّعى قَتْلَهُ من اليهود، ومن أسلمه إليهم من النصارى، كلهم واقعون في شك وحَيْرَة، لا عِلْمَ لديهم إلا اتباع الظن، وما قتلوه متيقنين بل شاكين متوهمين.

8- اليهود والعقوبات الإلهية

ابتلى الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل بالنعم والحسنات تارةً، وبالبلاء والسيئات تارةً أخرى، لعلهم يرجعون إلى الله ويتوبون إليه، ولعلهم يتبعون الطريق القويم طريق الهدى والنور، ولقد فرقهم الله في الأرض وشتتهم، فكان منهم الصالحون، وهم قليل، وكان أكثرهم فاسقين.

قال الله تعالى :

( وَقَطَّعۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أُمَمٗاۖ مِّنۡهُمُ ٱلصَّٰلِحُونَ وَمِنۡهُمۡ دُونَ ذَٰلِكَۖ وَبَلَوۡنَٰهُم بِٱلۡحَسَنَٰتِ وَٱلسَّيِّـَٔاتِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ )

الأعراف: ١٦٨

ولقد عاقبهم الله سبحانه على انحرافاتهم، ومن تلك العقوبات:

أولًا – عقوبات دنيوية حلت بهم

1- أمرهم بقتل بعضهم بعضًا

الشرك بالله هو أعظم الظلم، ولقد ارتكب كثيرٌ من بني إسرائيل أعظم الظلم عندما عبدوا العجل من دون الله، وهذا الظلم العظيم جاء عوضًا عن الشكر الواجب عليهم، وخاصةً بعد أن شاهدوا بأعينهم كيف فرق الله البحر فأنجاهم وأغرق فرعون وجنوده، لذا كان العقاب عظيمًا ويتناسب مع عظم الظلم الذي ارتكبوه، ومع شدة هذا العقاب صاحبه توبة من عند الله.

قال الله تعالى :

( وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ )

البقرة:  ٥٤

2- ضرب الذلة والمسكنة عليهم

أراد الله لهم العزة وأبوا إلا الذلة والهوان، أراد الله لهم العزة بأن نجاهم من استعباد فرعون وقومه، كما أراد الله لهم العزة بأن يدخلوا الأرض المقدسة، وأراد الله لهم العزة بأن فجر لهم من الحجر ماءً، وأنزل لهم المن والسلوى من غير تعب وزرع، فأبى بنو إسرائيل إلا الذلة والهوان والفاقة، بأن استبدلوا الذي هو أدنى من الطعام بالذي هو خير، وذلك عندما تذمروا من أكل طعام واحد، وطلبوا البقل والقثاء والثوم والعدس والبصل.

قال الله تعالى :

( وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامٖ وَٰحِدٖ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيۡرٌۚ ٱهۡبِطُواْ مِصۡرٗا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ )

البقرة: ٦١

( ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ )

آل عمران: ١١٢

فاليهود على مر التاريخ وفي كل بقعة من بقاع الأرض هم قوم أذلاء مهانين من قبل الناس لسوء طبعهم وخلقهم، وهذا ما كتبه الله عليهم، إلا في حالتين، استثنى الله الذل عنهم وهما بعهد من الله وعهد من الناس، فإرادة الله وحكمته قد تقتضي أن يعيش اليهود في فترة من الفترات الزمنية أو في بقعة من البقاع بغير الذل والهوان الذي كتب عليهم، كما أن من طبيعة اليهود أنهم يسعون دائمًا إلى أخذ العهد والأمان والنصرة من الناس، ومثال على ذلك ما حدث في القرن الماضي، حيث سعى اليهود إلى توقيع اتفاقيات ووعود مع الدول العظمى في ذلك الوقت كي تساعدهم على إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين، وهذا هو الحبل والعهد مع الناس الذي يسعى اليهود لتحقيقه، وبالإضافة إلى الذل الذي كتب عليهم فلقد باءوا بغضب من الله، وضربت عليهم المسكنة أيضًا، كل ذلك كان بسبب الأفعال الشنيعة التي ارتكبوها، من كفر بآيات الله، وقتل للأنبياء بغير حق.

3- جعلهم قردة وخنازير

هذا جزاء الكبر والغرور والتمرد على رسل الله، أرادوا الاستعلاء فأخزاهم الله، ومسخهم على هيئة حيوانات دنيئة، فلقد ذكر أمر جعلهم قردة ثلاث مرات في القرآن الكريم، وفي مرة واحدة من هذه المرات الثلاث ذكر أمر جعلهم خنازير أيضًا.

قال الله تعالى :

( وَلَقَدۡ عَلِمۡتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعۡتَدَوۡاْ مِنكُمۡ فِي ٱلسَّبۡتِ فَقُلۡنَا لَهُمۡ كُونُواْ قِرَدَةً خَٰسِـِٔينَ )

البقرة: ٦٥

( فَلَمَّا عَتَوۡاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنۡهُ قُلۡنَا لَهُمۡ كُونُواْ قِرَدَةً خَٰسِـِٔينَ )

الأعراف: ١٦٦

( قُلۡ هَلۡ أُنَبِّئُكُم بِشَرّٖ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِۚ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيۡهِ وَجَعَلَ مِنۡهُمُ ٱلۡقِرَدَةَ وَٱلۡخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّٰغُوتَۚ أُوْلَٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ  )

المائدة : ٦٠

وهذا عقاب دنيوي استحقه كفار بني إسرائيل، فهم شٌٌّ مكانًا يوم القيامة في نار جهنم، وأضل الناس عن سواء السبيل والصراط المستقيم.

4- التيه في الأرض

ومعنى التيه في الأرض أي  يمشون متحيرين لا يدرون أين يقيمون ولا أين يتوجهون .

قال الله تعالى :

( قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ )

المائدة : ٢٦

5- بعث من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة

قال الله تعالى :

( وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبۡعَثَنَّ عَلَيۡهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَن يَسُومُهُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ )

الأعراف: ١٦٧

فبعث الله على اليهود في فترات من الزمان من يسومهم سوء العذاب، والذي سيظل نافذًا في عمومه، فيبعث الله عليهم بين آونة وأخرى من يسومهم سوء العذاب، وكلما انتعشوا وانتفشوا وطغوا في الأرض وبغوا جاءتهم الضربة ممن يسلطهم الله من عباده على هذه الفئة الباغية النكدة، الناكثة العاصية، التي لا تخرج من معصية إلا لتقع في معصية، ولا تثوب من انحراف حتى تجنح إلى انحراف

6- تحريم أصناف من الطعام

كان الطعام كله حلالًا لبني إسرائيل من بعد سيدنا يعقوب عليه السلام ومن قبله أيضًا، إلا ما حرمه سيدنا يعقوب على نفسه لمرضٍ أصابه، فاجتنب لحوم الإبل وألبانها، وقد يكون الأمر بأن اقتدى بنو إسرائيل بسيدنا يعقوب بتحريم بعض الطعام، وقد لا يكون، لكن من المؤكد أن بني إسرائيل قد عوقبوا بتحريم بعض الطيبات بسبب ظلمهم وبغيهم.

قال الله تعالى :

( فَبِظُلۡمٖ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ طَيِّبَٰتٍ أُحِلَّتۡ لَهُمۡ وَبِصَدِّهِمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيرٗا )

النساء: ١٦٠

( وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٖۖ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ وَٱلۡغَنَمِ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ شُحُومَهُمَآ إِلَّا مَا حَمَلَتۡ ظُهُورُهُمَآ أَوِ ٱلۡحَوَايَآ أَوۡ مَا ٱخۡتَلَطَ بِعَظۡمٖۚ ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِبَغۡيِهِمۡۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ )

الأنعام: ١٤٦

( كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِلّٗا لِّبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسۡرَٰٓءِيلُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ مِن قَبۡلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوۡرَىٰةُۚ قُلۡ فَأۡتُواْ بِٱلتَّوۡرَىٰةِ فَٱتۡلُوهَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ )

آل عمران : ٩٣

بسبب الظلم كان التحريم، بسبب ظلمهم لأنفسهم، وظلمهم لأنبيائهم، وظلمهم لغيرهم من الناس بأكل أموال الناس بالباطل، واستباحتهم لأنفسهم بأخذ الربا وهو محرم عليهم، وبصدهم عن سبيل الله، حرم الله عليهم من الطيبات ما كان حلالًا لهم، وما كان ذلك إلا عقابًا منه سبحانه وتأديبًا لهم.

ثانيًا – عقوبات دنيوية تنتظرهم

1- بعث من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة

عقوبة بعث من يسومهم سوء العذاب هي من ضمن العقوبات التي تنتظرهم حتى يوم القيامة

قال الله تعالى :

( وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبۡعَثَنَّ عَلَيۡهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَن يَسُومُهُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ )

الأعراف : ١٦٧

2- دخول عباد الله المؤمنين عليهم المسجد وإهلاكهم على أيديهم

قال الله تعالى :

( وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا . فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا . ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا . إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا . عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يَرۡحَمَكُمۡۚ وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ وَجَعَلۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَٰفِرِينَ حَصِيرًا )

الإسراء: ٤-٨

ومما يؤكد أن مرة الإفساد والعلو الثانية لم تحدث بعد

قال الله تعالى :

( وَقُلۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ لِبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱسۡكُنُواْ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ جِئۡنَا بِكُمۡ لَفِيفٗا )

الإسراء: ١٠٤

ومعنى اسكنوا الأرض أي: كل الأرض، فلقد انتشر بنو إسرائيل في كل بقاع الأرض وتشتتوا بها، وهاهم الآن يجتمعون لفيفًا في أرض فلسطين، مختلطين من قبائل شتى، ويأتون من كل حدب وصوب، ومن شتى بلاد المعمورة.

ثالثًا- عقوبات أخروية

فبعد كل تلك الانحرافات وما تبعها من عقوبات دنيوية حلت بهم أو ستحل بهم تأتي العقوبات الأخروية التي لا يقدرون عليها، ولا يطيقونها، وسنذكر منها:

1- لا يكلمهم الله، ولا يزكيهم

قال الله تعالى :

( إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ )

البقرة: ١٧٤

ولقد توعد الله سبحانه كل من يكتم شيئًا من الكتاب من أجل مال أو غرض من الدنيا توعده سبحانه بالعذاب الأليم، ولن يكلمه الله ولن يزكيه.

2- في نار جهنم

قال الله تعالى :

( إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ شَرُّ ٱلۡبَرِيَّةِ )

البينة: ٦

توعد الله سبحانه الذين كفروا من اليهود والنصارى بنار جهنم خالدين فيها؛ لأنهم شر خلق الله، بكفرهم وعنادهم واستكبارهم، وعدم اتباعهم لما أنزل عليهم من الحق، فجحدوا وكفروا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكتفوا بذلك، بل عادوه ومن اتبعه، وحاربوهم وألبوا عليهم الأعداء والمشركين.

رابعًا- عقوبات في الدارين

وهناك أنواع من العقاب تلازمهم في الدارين، أي: في الدنيا والآخرة، وهي:

1- غضبٌ الله عليهم

وهذه آيات توضح غضب الله سبحانه وتعالى على كفار بني إسرائيل، وعلى اليهود من بعدهم.

قال الله تعالى :

( ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ )

آل عمران: ١١٢

( بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦٓ أَنفُسَهُمۡ أَن يَكۡفُرُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بَغۡيًا أَن يُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٖۚ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٞ مُّهِينٞ )

البقرة:  ٩٠

تكاثرت أعمال الكفر عند اليهود وتوالت وتتابعت، فاستوجبوا بذلك غضب الله ولعنته عليهم لعنة بعد لعنة، ولأن الكبر والغرور سبب كفرهم كان العقاب من الله الذل والإهانة في العذاب.

2- لعنة الله عليهم

لقد استحق اليهود لعنة الله، فلقد لعنهم الله في أكثر من موضع في القرآن الكريم، لكفرهم بالقول والعمل.

قال الله تعالى :

( وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَقَلِيلٗا مَّا يُؤۡمِنُونَ )

البقرة:  ٨٨

( إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُوْلَٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ )

البقرة : ١٥٩

يقولون بحق أنفسهم سوءًا، فهم لا يريدون أن يسمعوا الحقيقة التي تخالف هواهم، فكان عذرهم أن قلوبهم مغطاة مغلفة وفي أكنة، وهذا عذر أقبح من ذنب، فلقد استحقوا اللعنة لكفرهم وكبرهم وضلالهم.

3- سخط الله عليهم

قال الله تعالى :

(  ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسۡخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضۡوَٰنَهُۥ فَأَحۡبَطَ أَعۡمَٰلَهُمۡ ) 

محمد: ٢٨

( تَرَىٰ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ يَتَوَلَّوۡنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ لَبِئۡسَ مَا قَدَّمَتۡ لَهُمۡ أَنفُسُهُمۡ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَفِي ٱلۡعَذَابِ هُمۡ خَٰلِدُونَ )

المائدة: ٨٠

Share This