مفهوم المرأة في القرآن الكريم
1- مفهوم المرأة
هناك العديد من الألفاظ تدل على المرأة في القرآن الكريم في أوضاع مختلفة ، تعكس جانبا من الحضور المميز لها ، وهي
1- النساء
قال اللّهِ تعالى:
( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً )
النساء: 4
2- امرأة – المرأة
قال اللّهِ تعالى:
( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ )
التحريم: 11
3- الأنثى
قال اللّهِ تعالى:
( اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ )
الرعد: 8
4- الأم والوالدة
قال اللّهِ تعالى:
( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا )
النحل: 78
5- الزوج
قال اللّهِ تعالى:
( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ )
الأنبياء :90
6- الصاحبة
قال اللّهِ تعالى:
( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ )
عبس: 34- 36
7- الحليلة
قال اللّهِ تعالى:
( وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ )
النساء: 23
8- البنت
قال اللّهِ تعالى:
( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ )
النساء: 23
9- الأخت
قال اللّهِ تعالى:
( وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ )
النساء :12
وقد عرض القرآن الكريم الكثير من شؤون المرأة، فيما يزيد على عشر سور من القرآن الكريم، منها سورتان عرفت إحداهما بسورة (النساء الكبرى) وعرفت الأخرى بسورة (النساء الصغرى) وهي (سورة الطلاق)، كما نزلت (سورة مريم) تحمل اسم امرأة طاهرة اصطفاها الله تعالى على نساء العالمين .
2- مكانة المرأة
في
القرآن الكريم
جاء القرآن الكريم بحقوق مشروعة للمرأة لم يسبق إليها في دستور شريعة أو دستور دين ، و من تلك الحقوق الأتي
1- الاشتراك في مهمة الاستخلاف
وقد أكّد القرآن الكريم على أنّ الإنسان هو خليفة الله تعالى على الأرض، دون فرق في ذلك بين الرجل أو المرأة .
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
البقرة: 30
والمقصود بالخليفة في هذه الآية هو الإنسان،
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾
الأحزاب: 72
فالنوع البشري برمته هو الذي عُهد إليه بحمل الأمانة الإلهية .
2- التساوي في التكريم
إنسانيّة الإنسان هي موضع التقدير والاحترام، وليس للخصوصيته الذكوريّة أو الأنثوية دخل في ذلك .
قال الله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾
الإسراء: 70
فالتكريم – كما تنصّ الآية – هو لبني آدم جميعاً، ذكوراً كانوا أم إناثاً .
3- التساوي في القيمة الروحية والأخلاقية
أنّ المرأة تتشارك مع الرجل في القابليات والاستعدادات التي تمكّنها من الوصول إلى أعلى المراتب الإيمانيّة والروحيّة والمعنويّة .
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾
الأحزاب :35
إنّ هذه الآية ومن خلال ما تضمنته من تعاقب عطف النساء على الرجال في الأوصاف المذكورة فيها، تريد التأكيد على أنّ خصال وصفات الإسلام والإيمان والقنوت والصدق والصبر والتصدّق والصوم وحفظ الفروج وذكر الله تعالى ليست مما يختصّ به الرجال دون النساء، بل هي قيم وخصال يمكن أن يتصف بها الرجال والنساء على حدّ سواء.
4- التساوي في هوى النفس
ووساوس الشيطان
يتساوي الذكر والأنثى في الغرائز والأهواء، وفي قابليتهما معاً للرضوخ لضغط الغريزة أو الانسياق مع وساوس الشيطان.
قال الله تعالى:
﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴾
الأعراف: 20
والاثنان معاً انساقا مع تلك الوسوسة الشيطانية ووقعا ضحية لها وسقطا في حبالها .
قال الله تعالى:
﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ﴾
البقرة: 36
5- المساواة بين الذكر
والأنثى في العمل والجزاء
فالذكر والأنثى متساويين في ميزان العدل الإلهي ، من دون فرق أو تفاوت بينهما على أساس الهوية النوعية
قال الله تعالى:
﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴾
آل عمران: 195
﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾
النساء: 124
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
التوبة: 72
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
النحل: 97
6- المرأة بعضاً من الرجل
سما القرآن الكريم بالمرأة حتى جعلها بعضاً من الرجل وكيف حد من طغيان الرجل فجعله بعضاً من المرأة.
قال اللّهِ تعالى:
( أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ )
آل عمران : 195
( وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ )
النساء :25
7- يساهمان معاً في استمرار النوع البشري
فهما يشاركان معاً في استمرار هذه النفس وبقائها، من خلال ما أُعدّ لهما في نظام الخلق .
قال اللّهِ تعالى:
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا )
الحجرات: 13
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾
النساء: 1
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾
الأعراف: 189
فالأُنثى مثل الذكر يشكلان أساس المجتمع دون فرق بينهما
8- وجب الإحسان للوالدين معا
وتتساوى رعاية الإنسان لأبيه وأمه ، وقد تخص الأمهات بالتنويه في هذا المقام، فالواحدة هى التي تعاني من آلام الحمل والوضع ما لا يعانيه الآباء .
قال اللّهِ تعالى:
( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا )
الأحقاف: 15
9- المشاركة في المسؤوليّة
الرساليّة والاجتماعية
وإذا كانت المرأة مسؤولة مسؤولية خاصة فيما يختص بعبادتها فهي في نظر الإسلام أيضاً مسؤولة مسؤولية عامة فيما يختص بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والإرشاد إلى الفضائل والتحذير من الرذائل .
قال الله تعالى:
﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾
التوبة: 71
10- انخراطها في الاجتماع السياسي
وقد أقرّ القرآن مبدأ مشاركة المرأة في البيعة، بما تعبّر عنه وترمز إليه من انخراط الشخص في الاجتماع السياسي، فالبيعة بهذا المعنى لم تكن حكراً على الرجال، بل شملت النساء أيضاً، في الإشارة إلى
– بيعة الرجال
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾
الفتح :10
– بيعة النساء
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
الممتحنة: 12
11- حق الملكية الفردية للمرأة
والمرأةُ لها ذمة مالية مستقلة عن ذمة الرجل، فهي تملك وترث، وله الحق في اكتساب المال من موارده المشروعة في التجارة والزراعة والصناعة وغيرها، لا فرق في ذلك بينها وبين الرجل .
قال الله تعالى:
﴿ وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾
النساء: 32
﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾
النساء: 7
وبموجب الذمة الماليّة المستقلة للمرأة فإنّ لها الحق في أن تبيع وتشتري وتهب وتتبرع، ولا حجر عليها في أي تصرفٍ من التصرفات الماليّة. ومن هنا فقد وقف القرآن الكريم موقفاً صارماً من التعدي على أموال المرأة .
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ ﴾
النساء: 19
وكذلك فقد نهى عن أكل مهور النساء بغير حق، أو الضغط عليهنّ ليتنازلن عن المهور لقاء أن يطلقهنّ الرجل،
قال الله تعالى:
﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا . وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾
النساء: 20-21
12- المساواة في الحقوق والواجبات
القرآن الكريم ينصّ بشكل لا لبس فيه على أنّ للنساء – بشكل عام – من الحقوق مثل الذي عليهن .
قال الله تعالى:
( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ )
البقرة :228
للرجال على النساء منزلة زائدة من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف والقِوامة على البيت وملك الطلاق
قال اللّهِ تعالى:
( فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ )
البقرة: 229
3- نساء تحدث عنهن
القرآن الكريم
النساء فيهن الطالحات، كما فيهن الصالحات، وفيهن الكافرات كما فيهنّ المؤمنات، حالهنّ في ذلك حال الرجال، فهذه طبيعة الإنسان، فربّما اختار الطاعة والإيمان وربّما اختار الكفر والعصيان، ولهذا نجد أنّ القرآن الكريم كما حدثنا عن بعض الصالحات المؤمنات العاقلات، فإنّه أيضاً قد حدّثنا عن بعض النسوة اللواتي سقطن في فخّ الشيطان، وانحرفن وابتعدن عن الفطرة السليمة والخُلُقِ الأبي.
أولا – نماذج من النساء الصالحات
لقد ضربت النساء -كما ضرب الرجال- المثل والقدوة العالية في تقواهن لله تعالى. وهذه بعض النماذج التي تدلل على ذلك،
أ – زوجة فرعون عاشقة الله
ومن أبرز هذه الأسماء اللامعة التي يطالعنا بها القرآن الكريم زوجة فرعون ، وعن هذه المرأة الجليلة
قال الله تعالى:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾
التحريم : 11
ما أعظم هذه المرأة وما أرقى إيمانها! فبالرغم من أنّها كانت تعيش في قصر عظيم، حيث المال والجاه والرفاهيّة، وحيث الخدم والراحة والرياش، لكنّ ذلك كله لم يُغْرِها ولم يستهوها، فلم تسقط إرادتها ولم يَهِنْ عزمُها، ولم تَعْنِ لها دنيا فرعون وقصوره شيئاً، بل كانت روحُها معلّقةً بالمحل الأعلى، وكانت نفسها تحلّق مع الله تعالى، ولهذا تطلّعت إليه تعالى طالبةً منه أن يبني لها بيتاً عنده في الجنة بدلاً من القصور، وأن ينجيها من فرعون الطاغية وأعماله القبيحة، وهذا ما أهّلها لتكون قدوة صالحة ومثلاً أعلى يقدِّمُه القرآن الكريم ليس لخصوص النساء المؤمنات فحسب، بل وللمؤمنين جميعاً ذكوراً وإناثاً. إنّها – بحق – مثل أعلى في التضحية وصلابة الإيمان، وحجّة على كل الذين يضعفون أمام إغراءات الدنيا ويسقطون أمام التحديات والصعاب .
ب – مريم رمز العفة والطهارة
ويأتي على رأس النماذج النسائية التي قدمها لنا القرآن الكريم كبرهانٍ على أهليّة المرأة في الوصول إلى أعلى درجات القرب الروحي والمعنوي من الله تعالى: نموذج القديسة العفيفة مريم، والتي أهّلتها طهارتها وإيمانها وإخلاصها وصدقها لحمل كلمة الله تعالى ومعجزته الكبرى عيسى ابن مريم، وهو ما جعلها قدوة صالحة ومثلاً أعلى ضربه الله تعالى للذين آمنوا، رجالاً ونساءً .
قال الله تعالى:
﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴾
التحريم : 12
لقد بلغت السيدة مريم (ع) منزلة عظيمة لا يدانيها فيها أكثر الرجال، حتى لقد لاحظنا أنّ نبي الله زكريا(ع) الذي كفّله الله تعالى بتربيتها ورعايتها كان يَعْجَبُ من خدمة الملائكة لمريم ومجيئهم إليها بطعامٍ من عند الله تعالى
قال الله تعالى:
﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾
آل عمران :37
ومن مظاهر أو علامات الاهتمام القرآني بالسيدة مريم(ع) أنّ هناك سورة كاملة في القرآن الكريم تحمل اسمها(ع).
ت – امرأة عمران: أمُّ مريم وجدَّة المسيح
ومريم القديسة(ع) ما كان لها أن تكون كذلك، وتصبح قدوة لنساء العالمين لولا أنّها نشأت وترعرعت على يدي أمٍ مؤمنة طاهرة، وهي امرأة عمران التي بلغ حبّها لله تعالى أنّها وفي فترة حملها نذرت أن يكون ما في بطنها محرراً خالصاً لله تعالى. وقد تحقق نذرها، بطريقة لم تكن تتوقعها، فقد رزقها الله أنثى، الأمر الذي أثار استغرابها في بادئ الأمر، لأنّها توقعت أن يكون المولود ذكراً، على اعتبار أنّ الأنثى لم يكن يُسمح لها في الشريعة اليهودية بالانقطاع إلى الله تعالى في المعبد، لكنّها تقبّلت عطاء الله تعالى ورضيت بما قَدَّر وقضى، وسمّت مولودتها المباركة بـاسم «مريم»، وعملت جاهدة على تربيتها وإعدادها خير تربية، وكانت خلال ذلك تستعين بالله تعالى وتبتهل إليه بأن يعيذ ابنتها وذريتها من الشيطان الرجيم. وذرية مريم – كما هو معلوم – قد انحصرت بمولود وحيد وفريد، ولا نظير له من بعض الجوانب على وجه الأرض، وهو عيسى المسيح(ع)، وقد تقبل الله دعاء هذه المرأة الصالحة، فنشأت ابنتها مريم في كنف بيت الله تعالى وبكفالة ورعاية نبي الله زكريا(ع)، وكانت عين الله ترعاها من خلال ذلك كله، ما جعل من مريم(ع) قديسة عظيمة وأهّلها لحمل كلمة الله تعالى، وهو المسيح(ع)، الذي سيظلّ مدى الأزمان مقروناً باسم أمه الصالحة، فهو المسيح ابن مريم، ويكفيه ذلك عزاً وفخراً، ويكفيها ذلك شرفاً وكرامة .
قال الله تعالى:
﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ . فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾
آل عمران :35- 37
ج – ملكة سبأ حكيمة قومها
وملكة سبأ هي امرأة أخرى حدّثنا عنها القرآن الكريم، بكل تقدير واحترام بما يؤشر على أنّها كانت في مستوى رفيع من العقل والرشد، وهو الأمر الذي مكّنها من أن تقود قومها بكل حكمة وحنكة. لقد كانت بلقيس ذات ملك عظيم، كما وصفها الهدهد لسليمان(ع) .
قال الله تعالى:
( إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ )
النمل: 23
وحيث إنّها كانت تعيش في عصر نبي الله سليمان(ع)، فقد بعث إليها برسالة تدعوها إلى اتباعه والإيمان به، باعتباره نبياً من عند الله تعالى. ولما وصلها كتابُ سليمان(ع) تصرّفت بحكمة وحنكة، فجمعت الملأ من قومها وقرأت عليهم كتاب سليمان بعد أن وصفته بأنّه كتاب كريم، ثمّ طلبت منهم المشورة وإبداء الرأي، رافضة الانفراد باتخاذ قرار خطير ومصيري يتعلّق بها وبقومها .
قال الله تعالى:
﴿ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ . إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ . أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ . قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ ﴾
النمل: 29– 32
فماذا كان جواب قومها؟ إنّ المفاجأة تكمن هنا، فبدل أن يفكرَّ قومها معها ويشيروا عليها بالرأي الصائب، فإذا بهم يطلبون منها أن تفكر عنهم .
قال الله تعالى:
﴿ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ﴾
النمل :33
وهذا الموقف الغريب من قومها دفعها إلى اتخاذ قرار حكيم في كيفيّة الردّ على رسالة سليمان(ع)، وكان فحوى هذا القرار أن تُقدم على اختبار سليمان لتعرف ما إذا كان نبياً أو ملكاً، والاختبار يكون بإرسال هدية خاصة ومميّزة إليه، فإن كان مَلِكاً فمن المرجح أن يقبل الهدية ويرضى بالمساومة، كما هي عادة الملوك والزعماء، وأمّا إذا كان نبياً فهو لن يخضع للابتزاز ولن يقبل المداهنة والتنازل عن الرسالة الإلهية التي يحملها، لقاء هدية تُهدى إليه مهما كانت ثمينة
قال الله تعالى:
﴿ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ . وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴾
النمل : 34 – 35
وقد أصاب حدس تلك المرأة، فلما وصلت هديتها إلى سليمان(ع) لم يعجبه هذا الأسلوب في التعامل معه، ورأى ذلك تصرفاً غير لائق، أو نوعاً من المماطلة أو التمرد عليه، ولذلك اتخذ قراراً بإخضاعها وقومها لحكمه، وتحرّك جيش سليمان لتنفيذ المهمّة، فلما رأت بلقيس حجم القوّة التي أرسلها سليمان لمواجهتها وقومها عرفت أنّه لا قِبَلَ لها في مواجهته أو التغلّب عليه. وهنا برهنت بلقيس مرّة أخرى عن حكمتها ووعيها، إذ بين اتخاذ قرار بالمواجهة أو الجنوح إلى السلم، نراها جنحت إلى السلم والطاعة، رافضة المواجهة والحرب، لأنّها كانت تعي أنّ الحرب هي خيار انتحاري بالنسبة لها ولقومها.
وبعد أن رأت العديد من الدلائل على أنّ سليمان(ع) ليس مجرد ملك بل هو رسول مسدّد بالعناية الإلهية أعلنت إسلامها بجرأة تامة، متوجهةً إلى الله تعالى بالقول
قال الله تعالى:
﴿ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
النمل : 44
لقد ظَلَمَتْ نفسها فيما سلف بالكفر والابتعاد عن الله تعالى، ثم تابت وأسلمت لله تعالى وحسن إسلامها.
إنّ القرآن الكريم عندما يحدثنا عن تجربة بلقيس وقصتها، هذه القصة التي تدلّل على حكمتها ورجاحة عقلها، فهو يريد القول لنا: إنّ المرأة إذا توفرت لها الفرصة المناسبة في التعليم والتربية، فإنّها قد تفوق الرجال في حكمتها وحنكتها وقدرتها على تدبير الأمور.
د – سارة وبشرى الملائكة
أنّ لسارة زوجة خليل الله إبراهيم(ع) مكانةً رفيعة عند الله تعالى، فقد كانت حاضرة في مجلس الملائكة الذين نزلوا لإبلاغ إبراهيم(ع) وإعلامه بأنّه قد تقرر نزول العذاب في قوم لوط(ع)، وقد شاهدت سارة في ذلك المجلس الملائكة وسمعت رسالتهم التي حملوها إلى إبراهيم(ع)، فتعجبت وضحكت، وهنا توجه الملائكة بالبشرى إليها حيث أبلغوها بأنّ الله تعالى سيرزقها بابن وهو إسحاق، وسيولد لها من نسله ابن آخر وهو يعقوب، ولما أبدت استغرابها وتعجبها من ذلك، على اعتبار أنّها امرأة عجوز وزوجها شيخ طاعن في السن، فأنّى لها أن تحمل وتلد! أجابها الملائكة بأنّ هذا تقدير الله تعالى، وهو مظهر من مظاهر رحمته ولطفه وكرمه بآل إبراهيم(ع)، هكذا كانت سارة – إذاً – جليسة الملائكة ومحدّثتهم وكانت – أيضاً – واحدة من أهل البيت الذين شملتهم الرحمة والبركات الإلهية،
قال الله تعالى:
﴿ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ . وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ . قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ . قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾
هود : 70 – 73
– أم موسى(ع)
كانت محلّ عناية الله تعالى ولطفه، فحملت بكليم الله موسى(ع)، ولمّا وضعته أوحى الله إليها أن تقوم بإرضاعه وإذا خافت عليه من جند فرعون الذين كانوا يقتلون الذكور من بني إسرائيل، فما عليها سوى أن تلقي بابنها في اليمّ والله تعالى يتكفل بحمايته وحفظه. ورغم صعوبة الأمر عليها، استجابت المرأة لأمر ربها ووضعت ابنها في تابوت صغير وألقته في اليم، ثقةً منها بوعد الله وتسليماً لأمره،
قال الله تعالى:
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾
القصص: 7
وسرعان ما شعرت أم موسى مع مرور الوقت، بالحنين يغمرها وبالشوق يشدّها إلى ابنها، وبلغ بها الوجد حداً كادت أن تفشي سرّ طفلها، مع ما يكتنف ذلك من المخاطر التي تتهدد حياته، لكنّ الله تعالى ربط على قلبها، وأمدّها بالصبر والتماسك .
قال الله تعالى:
﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
القصص: 10
ثانيا – نساء طالحات في القرآن الكريم
وعلى رأس هؤلاء تأتي
أ – امرأة نوح (ع)
قال الله تعالى:
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾
التحريم: 10
فامرأة نوح مثَلٌ للذين كفروا، وهي على رغم كونها زوجة لَصِيقة بزوجها نوح، لم تفتح قلبها لدعوته، وبقِيَتْ على ضلالات قومها، وتعلُّقها بأصنامهم المتعدِّدة، وكانت بذلك قد خانَتْ زوجها ودعوته، واستحقَّت بذلك عقوبتين:
الأولى: في الدنيا إذ غرقت مع الغارقين.
والثانية: في الآخرة؛ فكانت من أهل النار.
ب – امرأة لوط (ع)
وهي مثَلٌ آخَر للذين كفروا، ولم يغنِ عنها كونها زوجة لنبيٍّ من أنبياء الله ما دامَتْ غير مؤمنة برسالته، وأنها سيُصِيبها ما يُصِيب قومها من عذاب الله .
قال الله تعالى:
﴿ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾
النمل: 57
ت – امرأة أبي لهب
وهي زوجة عمِّ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم (عبدالعُزَّى) الذي كان يُؤذِي رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وتُشارِكه في ذلك زوجته، وهذه المرأة هي المعروفة بأمِّ جميل حمَّالة الحطب، كما وصَفَها القرآن الكريم، وقد خصَّها الله تعالى مع زوجها بإحدى قِصار السُّوَر وهي سورة المسد .
قال الله تعالى:
﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ . مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ . سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ . وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ . فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾
المسد: 1- 5
ثَ – امرأة العزيز
وهذه امرأةٌ شغل الحديث عنها آيات كثيرة من سورة يوسف، إنها امرأة كانت ترفلُ في ثيابِ الترف والنعيم، وتتسلح بقوةِ السلطان، وتنهل من متعِ الحياة؛ حلالها وحرامها، فلا يمنعها مانعٌ أخلاقي من مراودةِ فتاها يوسف في صباه وجماله، ويحطم كبرياءها بعفتِه وورعه، فتتهمه بما ترتكبُه من إثم
قال الله تعالى:
﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾
يوسف : 23
4- بعض المزاعم عن المرأة
أ – كيد المرأة
أن الكيد منسوب في النص القرآني إلى أطراف عديدة؛ فهو مسألة عامة لا تطال المرأة فقط، بل تطال الرجال أيضا. وقد يُنسب إلى الأنبياء، وقد يُنسب إلى الله تعالى بمعنى خاص .
1- الله سبحانه وتعالى
وردت وصفا لله سبحانه وتعالى مع المقابلة بين الكيد الالهى وكيد المخلوقات، وبغير مقابلة في آيات.
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا . وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴾
الطارق 15- 16
﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾
الأعراف: 183
2- الشيطان
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾
النساء: 76
3- الإنسان
وبعضها منسوب إلى
– الرجال
ومن الرجال الذين نسبت اليهم صالحون مؤمنون، ومنهم كفرة مفسدون
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ ﴾
غافر: 37
( قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا )
يوسف: 5- 6
يمارس إبراهيم أبو الأنبياء الكيد في صراعه ضد الوثنية
قال الله تعالى:
﴿ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾
الأنبياء: 57
– النساء
جاء وصف النساء بالكيد في ثلاث مواضع من القرآن الكريم، مرتين على لسان يوسف عليه السلام، ومرة على لسان العزيز في سورة يوسف .
قال الله تعالى:
﴿ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾
يوسف: 28
﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾
يوسف: 50
﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ . فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾
يوسف: 33- 34
ومن الواضح أن الكيد قد يكون في الشر، وقد يكون في الخير، وقد يكون سلبيا، وقد يكون إيجابيا، ولكن استخدامه أكثر في السياقات السلبية. وقد يكون الكيد ضعيفا، وقد يكون قويا، وقد يكون عظيما.
2- نقص دين المرأة
الزعم القائل بأن المرأة ناقصة دين راجع إلي عدم إداء النِّسَاءَ الصلاة في أيام حيضها . فالحائض لا تطهر مهما اغتسلت ، ويدل على ذلك أمر الله تعالى للرجال .
قال الله تعالى:
( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ )
البقرة : 222
فالمرأة غير مكلفة بالصلاة في أيام حيضها لأنه
قال الله تعالى:
( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا )
البقرة : 286
فعدم إداء ما ليست مكلفة به لا ينقص دينها.
3- شهادة المرأة
يعتبر في الفقه التقليدي شهادة امرأتين مساوية لشهادة رجل واحد.
أ – الشهادة على الدين
ويُستدل على ذلك من الأية الأتية
قال الله تعالى:
( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى )
البقرة :282
أن الإسلام لم يجعل شهادة الرجل مساوية لشهادة امرأتين بصفة مطلقة، أن الشهادة مبنية على أساس من الخبرة والمعرفة، وليس على أساس الذكورة والأنوثة. لإنه في أمور البيع والشراء والتعاملات الاقتصادية بصفة عامة كان ولا يزال اشتغال المرأة بها محدودا، وخبراتها فيها قليلة مقارنة بخبرات الرجل المنغمس فيها يوميا بصفة مستمرة، ولذلك كان التوجيه القرآني هنا إلى أن شهادة الرجل الواحد تعادل شهادة امرأتين من منطلق أن خبرة الرجل هنا تعادل خبرة امرأتين، فليست القضية عدم ثقة في المرأة أو انتقاصاً من شأنها، ولكنها مسألة خبرة بالحياة العملية، ويمكن للمرأة أن تكتسب هذه الخبرات، وللقاضي أن يقبل شهادة المرأة الواحدة طالما اطمأن إلى ذلك، إذ لا يعقل أن يقبل شهادة رجل أمي ذي خبرة محدودة، ويرفض شهادة امرأة متعلمة ومتمرسة بالحياة العملية.
ب – الشهادة على الوصية
والآية الواردة في الشهادة على الوصية تجعل الموضوع أكثر وضوحا، وتبين لنا أن الحكم السابق متعلق بكتابة الدَّين وبعدد الشهود معا.
قال الله تعالى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ )
المائدة : 106
وفي هذه الآية يأمر الله تعالى أن يكون الشاهدان مؤمنين عدلين بدون أية تفرقة بين المرأة والرجل. وفي أثناء السفر يكفي أن يشهد اثنان من غير المسلمين. ويمكن أن يكون كلا الشاهدين إمرأتين أو رجلين، كما يمكن أن يكونا من غير المسلمين، وكذلك يجوز أن يكون أحدهما رجلا والآخر إمرأة، حسب الظروف الخاصة بالسفر.
أحدث التعليقات