مفهوم النهار في القرآن الكريم

1- مفهوم النهار

المقصود بالنهار الضياء الواسع الممتد ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والنهار ضد الليل، ويقال طرفي النهار: أي أوله وآخره.

2- كلمة النهار

    في

القرآن الكريم

وردت كلمة (النهار) وصيغها في القرآن الكريم ٥٧ مرة.  والصيغ التي وردت، هي:

– مفرد معرف

ورد ٥٤ مرة

قال اللهُ تعالى :

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ﴾

لقمان :٢٩

– مفرد نكرة

ورد  ٣ مرات

قال اللهُ تعالى :

﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا ﴾

نوح:٥

وجاء (النهار) في القرآن الكريم بمعني الوقت ما بين طلوع الفجر – أو الشمس- إلى غروب الشمس ، وهو: ضد الليل

3- الكلمات ذات الصلة

    بكلمة النهار

– اليوم

اليوم يطلق على مجموع فترتي النهار والليل.

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ﴾

النحل: 80

– الصباح

هو أول النهار، ويحدد بالفترة التي تسبق أو تَلِيَ شروق الشمس مباشرة. ويقابل الصباح في الأزمنة المساء.

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴾

التكوير 18

4 – القسم بالنهار

       في

 القرآن الكريم

تكرر في القرآن الكريم القسم بالنهار كله أو جزء منه ، وهذا يدل على أهمية النهار عند الخالق والمخلوق، فهو من أعظم الموجودات عند الخلق؛ لدوره في هدايتهم المتمثلة في تمكينهم من إبصار ما حولهم من خلال ضوء النهار، وهو كذلك من أعظم المخلوقات عند الخالق جل وعلا؛ لدوره في هداية الخلق المتمثل في إيصالهم إلى الحق من خلال تفكرهم فيمن خلق النهار.

وقد جاء القسم بالنهار في القرآن الكريم على ضربين، هما:

1- القسم بالنهار كله

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا ﴾

الشمس: ٣

﴿ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ ﴾

الليل: ٢

2- القسم بجزء من النهار

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَالْفَجْرِ ﴾

الفجر:١

﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ﴾

المدثر: ٣٤

﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴾

التكوير: ١٨

﴿ وَالضُّحَىٰ ﴾

الضحى: ١

﴿ وَالْعَصْرِ ﴾

العصر: ١

وقد جاء القسم بالنهار وأجزائه لعدة أغراض هي:

1- الحث على تزكية النفس، والتحذير من الفجور

يتضح ذلك من خلال قسمه جل وعلا بعدة أمور من ضمنها النهار الواضح المضيء على ضرورة تعويد النفس على فعل الخيرات واجتناب المنكرات

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا . وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا . وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا . وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا . وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا . وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا . وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾

الشمس :1 -١٠

2- التاكيد على تباين أعمال العباد

يظهر ذلك من خلال قسمه جل وعلا بعدة أمور منها النهار المضيء على اختلاف أعمال العباد، فمن أعمالهم ما هو صالح، ومنها ما هو طالح

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ . وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ . وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ . إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ ﴾

الليل:1- 4

3- سطوع نور الحق

يفهم ذلك من قسمه جل وعلا بالفجر الذي يرمز إلى زوال ظلمة البغي، وسطوع نور الحق، كما يجلي ضوء النهار ظلمة الليل

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ . وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ . وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ . هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ . أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ . إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ . الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ . وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ . وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ. الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ . فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ . فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ . إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾

الفجر: 1- 14

4- التخويف من عذاب الله تعالى

يتضح ذلك من قسمه جل وعلا بعدة أمور من ضمنها الصبح إذا أضاء على أن سقر ﴿جهنم﴾ ، هي إحدى الكبر ﴿ الأمور العظيمة﴾.

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ . إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ . نَذِيرًا لِلْبَشَرِ ﴾

المدثر: ٣4-٣٦

5- إثبات أن القرآن حق من عند الله تعالى

ويتجلى ذلك من خلال قسمه جل وعلا بعدة أمور منها الصبح إذا أشرق على أن القرآن منزلٌ بواسطة الوحي جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم.

قال اللهُ تعالى :

﴿  وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ . إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾

التكوير: ١8-١٩

6- التأكيد على عدم انقطاع الوحي عن رسول الله

يظهر ذلك من خلال قسم الله تعالى بالضحى، وبالليل إذا سكن ، على أن الله تعالى لم يترك محمدًا صلى الله عليه وسلم، ولم يبغضه، ولم يقله من المهمة التي أسندها إليه .

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَالضُّحَىٰ . وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ . مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ ﴾

الضحى: 1- 3

7- حث الناس على المسارعة إلى عمل الصالحات

يتضح ذلك من القسم بالعصر على أن الإنسان لفي خسارة، باستثناء المؤمنين المداومين على عمل الصالحات .

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

العصر: ١ –  3

5 – النهار آية كونية

مما لا شك فيه أن الله تعالى عندما خلق هذا الكون الفسيح أودع فيه من الآيات والأسرار ما يبهر العقول ويقودها إلى معرفة من أوجد تلك الآيات، وأودع تلك الأسرار، ومن هذه الآيات الكونية آية النهار التي قال الله تعالى في شأنها .

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ  فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ﴾

الإسراء: ١٢

والآية تدل على أن النهار من أعظم ما أنعم الله تعالى به على عباده، كما تدعو إلى التفكر في هذه النعمة العظيمة، وتفصيل ذلك كما سيتم ذكره في النقاط الآتية :

أولًا: النهار نعمة إلهية

مما لا شك فيه أن الله تعالى قد أغدق على عباده بالنعم الظاهرة والباطنة.

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

النحل: ١٨

ومن المعلوم أن من بين هذه النعم نعمة النهار، وتتجلى هذه النعمة من خلال آثارها الجليلة، والتي منها ما يأتي:

1- أن النهار آية من آيات الله تعالى التي تهدي إلى الإيمان

قال اللهُ تعالى :

﴿ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ . وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ . وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾

الجاثية: ٣ – ٥

تشير هذه الآيات الكريمات إلى الدلالات الواضحة التي أودعها الله تعالى في هذا الكون الفسيح، والتي تقود أصحاب العقول النيرة إلى الإيمان بالله تعالى وحده ، ومن ضمن الدلالات الكونية التي ذكرتها الآيات الكريمات آية النهار.

2- أن النهار يشتمل على مواقيت للعبادة

قال اللهُ تعالى :

﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾

الإسراء :٧٨

يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بإقامة الصلوات ويخص بالذكر صلاة الفجر، ثم يعلل ذلك التخصيص بأن صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار.

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ  ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾

البقرة: 187

وكلوا واشربوا حتى يتبَيَّن ضياء الصباح من سواد الليل، بظهور الفجر ، ثم أتموا الصيام بالإمساك عن المفطرات إلى دخول الليل بغروب الشمس.

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴾

غافر: ٥٥

توجيه الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بلزوم الاستغفار والتسبيح، وخصوصًا في آخر النهار وأوله.

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾

الأعراف: ٢٠٥

الآية السابقة تخصص أجزاء من النهار بالذكر، وتتمثل هذه الأجزاء ببداية النهار ونهايته، ولعل ذلك راجع إلى إبراز النهار لآيات الله تعالى الباهرة في هذا الكون، فأثناء سعي العباد في الأرض نهارًا يمرون على العديد من الآيات الكونية التي تستدعي منهم الذكر والتسبيح.

3- أن النهار هام لطلب الأرزاق، وحساب الأوقات

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ﴾

الإسراء: ١٢

يبين الله تعالى في هذه الآية الكريمة أهمية الليل والنهار للاستدلال على وجود الله تعالى وعظمته أن الله تعالى قد جعل النهار مضيئًا لسببين، الأول: حتى يتمكن الناس من طلب الأرزاق، الثاني: حتى يعلم الناس الأوقات.

قال الله تعالى:

( وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا )

النبأ :11

وجعل الله النهار مشرقا بالضياء ليتمكن الناس من التصرف فيه، والسعي في طلب الرزق والمعاش.

ثانيًا: التفكر في آية النهار

حثَّ القرآن الكريم على إعمال العقول في كل أمر يحتاج إلى التفكير والتأمل والتدبر، و الهدف من هذا الحث في التفكر في مخلوقات هذا الكون هو لإكتشاف خصائصها والطريقة التي تعمل من خلالها لتقوم بالوظيفة التي خلقت من أجلها. وإذا ما تمكن البشر من فهم أسرار هذه المخلوقات فلا مناص لهم من التسليم بأن هذه المخلوقات لا بد أنها قد صممت وخلقت من لدن خالق عليم خبير.

قال اللهُ تعالى :

 ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )

آل عمران 190 – 191

ومن الآيات التي دعا القرآن الكريم إلى تدبرها آيات النهار

قال اللهُ تعالى :

﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾

يونس:٦٧

هو الذي جعل لكم – أيها الناس- الليل لتسكنوا فيه وتهدؤوا من عناء الحركة في طلب المعاش، وجعل لكم النهار؛ لتبصروا فيه، ولتسعَوْا لطلب رزقكم. إن في اختلاف الليل والنهار وحال أهلهما فيهما لَدلالةً وحججًا على أن الله وحده هو المستحق للعبادة، لقوم يسمعون هذه الحجج، ويتفكرون فيها.

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

الرعد: ٣

وهو سبحانه الذي جعل الأرض متسعة ممتدة، وهيأها لمعاشكم، وجعل فيها جبالا تُثبِّتُها وأنهارًا لشربكم ومنافعكم، وجعل فيها من كل الثمرات صنفين اثنين، فكان منها الأبيض والأسود والحلو والحامض، وجعل الليل يغطي النهار بظلمته، إن في ذلك كله لَعظات لقوم يتفكرون فيها، فيتعظون.

قال اللهُ تعالى :

﴿  قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾

القصص: ٧٢

قل لهم: أخبروني إن جعل الله عليكم النهار دائمًا إلى يوم القيامة، مَن إله غير الله يأتيكم بليل تستقرون وتهدؤون فيه؟ أفلا ترون بأبصاركم اختلاف الليل والنهار؟

ثالثًا: علاقة النهار بالليل

1- اختلاف الليل والنهار

بمعنى أن هذا يجيء، ثم يذهب، ويخلفه الآخر، ويعقبه، ولا يتأخر عنه لحظة.

قال اللهُ تعالى :

( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون )

البقرة:164

( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب )

آل عمران:190

( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين )

الأعراف:54

( إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون )

يونس:6

والأمر الأول من الآيات الكريمة لفت النظر والعقل البشري إلى أن هذا التعاقب في الليل والنهار ينتج عن حركة دائرية، و هي حركة الأرض حول الشمس .

2- أن النهار والليل يزيدان وينقصان

في الزمن على حساب بعضهما

قال اللهُ تعالى :

( تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب )

آل عمران:27

( ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير )

الحج:61

( يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير )

فاطر:13

ويتبين من الآية السابقة أن علاقة الليل بالنهار هي علاقة ولوج حيث تتداخل أجزاء من النهار في أجزاء من الليل فجرًا، وتتداخل أجزاء من الليل في أجزاء من النهار عند أول الليل. فتارة يطول الليل، ويقصر النهار، كما في الشتاء، وتارة يطول النهار، ويقصر الليل، كما في الصيف.

رابعًا: اختتام آيات النهار بصفات الله

خلق الله تعالى الجن والإنس ليعبدوه.

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

الذاريات:٥٦

ولتحقيق هذه الغاية العظيمة، فقد أعان الله تعالى عباده على الوصول إليه بالمعرفة الحقة، وذلك من خلال آثاره التي تركها في كل ما يحيط بهم من الأشياء، ومن هذه الآثار خلق النهار الذي لا يغفل عن أهميته أحد من الخلق، ومع ذلك فإن القرآن الكريم لم يترك مقامًا ينبغي فيه التذكير بهذه النعمة العظيمة إلا ويذكر بها العباد ويرشدهم إلى ضرورة التفكر في هذه النعمة، وفي عظمة خالقها جل وعلا.

قال اللهُ تعالى :

﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾

الأعراف:٥٤

يؤكد الله تعالى على ربوبيته، من خلال بيانه أنه الذي خلق السماوات والأرض، وأنه الذي جعل الليل والنهار، وأنه الذي سخر الشمس والقمر والنجوم بأمره جل وعلا، ثم ختم الله تعالى الآية بذكر صفة من صفاته، وهي صفة الربوبية؛ وذلك لببيان أنه المتفرد بالخلق، وأنه صاحب الأمر النافذ في جميع خلقه، وأنه رب العالمين جميعًا.

قال اللهُ تعالى :

﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾

الحج:٦١

يبين الله تعالى في هذه الآية الكريمة أنه يدخل الليل في النهار حتى تقل فترة النهار شتاءً، ويدخل النهار في الليل حتى تقل فترة الليل صيفًا، ثم يختم سبحانه الآية ببيان أنه متصف بكمال السمع والبصر، وبالتالي فهو سميع لكل ما يصدر عن عباده، وبصير بكافة أحوالهم.

قال اللهُ تعالى :

﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ﴾

الزمر: ٥

يخبر الله تعالى عباده في هذه الآية أنه الذي أوجد السماوات والأرض، وجعل كلًّا من الليل والنهار يلف الآخر، فالليل يلف النهار بعتمته، والنهار يلف الليل بضوئه، وأنه سبحانه الذي سخر الشمس والقمر، وجعل كل واحدٍ منهما يسير في مدارٍ خاصٍّ به بلا توقفٍ حتى يأذن جل وعلا، ثم يختم الآية ببيان أنه العزيز القادر على الانتقام ممن عاين تلك الآلاء فلم يؤمن بها، الغفار لمن نظر في بديع وعظمة صنعه فآمن بعد ضلال وتيه.

 6 – أجزاء النهار

اقتضت حكمة الله تعالى أن يقسم الليل والنهار إلى أجزاء ؛ وأجزاء النهار هي ما يلي :

أولًا: أول النهار

1- الفلق

وهو مبدأ ظهور النور صباحًا.

قال اللهُ تعالى :

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾

الفلق: ١

2- الصبح

وهو أول النهار

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴾

التكوير: ١٨

﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ ﴾

الأنعام: ٩٦

﴿ فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا ﴾

العاديات: ٣

3- الفجر

هو وقت انكشاف ضياء الصباح قبيل الشروق

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ﴾

البقرة: ١٨٧

4- الغدوة

وهي الفترة المحصورة ما بين أول النهار إلى الزوال. أو ما بين أول النهار إلى طلوع الشمس

قال اللهُ تعالى :

﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾

النور: ٣٦

5- البكرة

وهي بمعنى الغدوة. وقيل: هي بمعنى التقدم في أي وقت

قال اللهُ تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾

الأحزاب: ٤١-٤٢

6- الضحى

هو قرب منتصف النهار

قال اللهُ تعالى :

﴿ قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ﴾

طه:٥٩

﴿ وَالضُّحَىٰ . وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ﴾

الضحى: ١- 2

7- الشروق

هو طلوع الشمس

قال اللهُ تعالى :

﴿ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ ﴾

ص: ١٨

ثانيًا: وسط النهار

1- الظهيرة

هي حد انتصاف النهار.

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴾

الروم: ١٨

2- القيلولة

وهي النوم في منتصف النهار. وهو التوقيت الذي يرتاح فيه الناس خلال فترة النهار .

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ﴾

الأعراف: ٤

توجه هذه الآية الكريمة التهديد للكفار المجرمين، وذلك من خلال إخبارها بأن عذاب الله تعالى قد حل بأقوام خلال استمتاعهم بأوقات الراحة حيث كانوا يشعرون بالسكون والراحة والأمن.

ثالثًا: آخر النهار

1- العصر

وهو وقت آخر النهار ينتهي قبيل الغروب.

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

العصر: ١- 2

وقد أقسم الله تعالى بالعصر في هذه السورة؛ لأنه يشمل آخر النهار وأول الليل.

2- الأصيل

وهو الوقت المحصور بين ما بعد العصر إلى الليل.

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾

الأعراف: ٢٠٥

واذكر -أيها الرسول- ربك في نفسك تخشعًا وتواضعًا لله خائفًا وجل القلب منه، وادعه متوسطًا بين الجهر والمخافتة في أول النهار وآخره،

3- العشي

وهو آخر النهار

قال اللهُ تعالى :

﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾

النازعات: ٤٦

كأنهم يوم يرون قيام الساعة لم يلبثوا في الحياة الدنيا؛ لهول الساعة إلا ما بين الظهر إلى غروب الشمس، أو ما بين طلوع الشمس إلى نصف النهار.

7- حكمة اقتران النهار بالليل

من حكمة الله تعالى البالغة أن ساق لعباده الآيات الباهرة الدالة دلالة قطعية على وجود الخالق – جل وعلا- وعظمته، ومن هذه الآيات المتعددة والمتنوعة ، آيتا الليل والنهار.

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ﴾

الإسراء: ١٢

ومما لا ينكره عاقل ما لليل والنهار من أهمية بالغة في حياة المخلوقات، فبالليل يكون السكون، وبالنهار يكون السعي، وبهما معًا يكون الحساب الدقيق للأوقات، ومعرفة الأيام والأشهر والسنين، ولولاهما لما ضبطت المواعيد، ولعمت الفوضى، ولاضطربت أحوال الخلق.

ونظرًا لما تقدم فقد جاءت العديد من آيات القرآن الكريم مقرنةً بين الليل والنهار، ولعل الحِكَمَ من ذلك ما يأتي:

1- الاستدلال على ربوبية الله تعالى، واستحقاقه الألوهية

قال اللهُ تعالى :

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾

البقرة: ١٦٤

يذكر الله تعالى في هذه الآية الكريمة جملة من الأدلة المشاهدة المحسوسة، والتي بدورها تبرز وتثبت لكل عاقل يستعمل عقله في التفكر والتدبر والربط والاستنتاج؛ أن الربوبية له تعالى وحده دون سواه.

2- إظهار فضل الله تعالى على عباده

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ . وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾

إبراهيم: ٣٣ – ٣٤

يبين الله تعالى لعباده أنه أنعم عليهم بأن وفر لهم كافة مستلزماتهم، والتي منها الشمس والقمر، والليل والنهار، ثم أكد سبحانه أنه على الرغم من كل ما أنعم به على عباده إلا أنهم يقابلون هذه النعم بالجحود والنكران.

3- الحث على عمل الصالحات

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾

الفرقان: ٦٢

يبين الله تعالى لعباده أنه سخر لهم نعمتي الليل والنهار، وجعلهما متعاقبين، بغية تيسير أداء العبادات الدورية، كالصلوات الخمس، والأذكار، وغيرها من العبادات المتنوعة ذات الصلة بالليل والنهار.

Share This