1- مفهوم الإكراه
الإكراه هو حمل الغير على قولٍ أو فعلٍ لا يريده عن طريق التخويف أو التعذيب أو ما يشبه ذلك .
قال الله تعالى:
( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ )
البقرة: ٢١٦
2- كلمة الإكراه
في
القرآن الكريم
وردت كلمة (أكره) وصيغها في القرآن الكريم ٧مرات . والصيغ التي وردت هي:
– الفعل الماضي
ورد مرتين
قال الله تعالى:
( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ )
النحل:١٠٦
– الفعل المضارع
ورد 3 مرات
قال الله تعالى:
( وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ )
النور:٣٣
– المصدر
ورد مرتين
قال الله تعالى:
( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ )
البقرة:٢٥٦
وجاء الإكراه في الاستعمال القرآني بمعني حمل الإنسان على ما يكرهه، أي أنه بمعنى الإجبار.
3- الكلمات ذات الصلة
بكلمة الإكراه
– الغصب
الاستيلاء على حق الغير عدوانًا.
قال الله تعالى:
﴿ وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴾
الكهف: 79
– الإلجاء
هو دفع الفرد تحت ضغط شديد الى القيام بعمل من دون إرادة .
قال الله تعالى:
﴿ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ﴾
التوبة: 118
– الإلزام
إِجْبارُ الغَيْرِ على فِعْلِ شَيْءٍ أو على تَرْكِهِ دون تخيير .
قال الله تعالى:
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾
هود: 28
– التراضي
قصد الفعل دون أن يشوبه إكراه ، والتراضي هو الحالة المقابلة للإكراه .
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ﴾
التوبة : 83
4- الإكراه الذي قدره الله تعالى
الإكراه الذي قدره الله تعالى في علمه، وقضاه في حكمه، ومن ذلك إكراه الخلق على العبادات وغيرها، والإكراه بالانقياد له جل جلاله .سنتناوله من خلال النقاط التالية:
1- الإكراه على العبادات
إن الخلق جميعًا سواء أكانوا في السماوات السبع، أم في الأرضين السبع مأمورون أن يستسلموا لربهم طوعًا وكرهًا.
قال الله تعالى:
﴿ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾
آل عمران: ٨٣
أن كل من في السماوات والأرض من مخلوقات، تخضع وتنقاد لربها، وتجري تحت مراده وقضائه، ولا تقدر على مغالبة قدرته بوجهٍ من الوجوه.
قال الله تعالى:
﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا ﴾
الرعد: ١٥
ولله وحده يسجد خاضعًا منقادًا كُلُّ مَن في السموات والأرض، فيسجد ويخضع له المؤمنون طوعًا واختيارًا، ويخضع له الكافرون رغمًا عنهم؛ لأنهم يستكبرون عن عبادته، وحالهم وفطرتهم تكذِّبهم في ذلك،
2- الانقياد لله تعالى
إن الله تعالى قد بين في كتابه العزيز أن المخلوقات تأتي إلى ربها، وتنقاد لأمره، طوعًا أو كرهًا،
فقال الله تعالى:
﴿ ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾
فصلت: ١١
ثم استوى سبحانه وتعالى، أي قصد إلى السماء وكانت دخانًا من قبلُ، فقال للسماء وللأرض: انقادا لأمري مختارتين أو مجبرتين. قالتا: أتينا مذعنين لك، ليس لنا إرادة تخالف إرادتك.
5- أنواع الإكراه
في
القرآن الكريم
عرض القرآن الكريم من خلال بعض الآيات لأنواع من الإكراه ، منها
أ- الإكراه على الإيمان
في معرض نفيه الإكراه على الإيمان.
قال الله تعالى :
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾
يونس: ٩٩
أن الإيمان لا يمكن أن يكون بالإكراه، ولا يمكن للإكراه أن ينشئ مؤمنًا، وأن أمر الايمان والكفر بمشيئته سبحانه وتعالى . وقد أرسل رسله ليبينوا للناس الحق، ويبلغوا الناس عن ربهم.
قال الله تعالى :
﴿ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾
النحل: ٣٥
وفي معرض نفيه أن دخول الإسلام يكون إجبارًا
قال الله تعالى :
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾
البقرة: ٢٥٦
من الآيات السابقة يتضح لنا أن الإكراه غير معتبر في الإيمان والإسلام، وأن الدخول في الإسلام قائم على الحجة والعقل والمنطق، والاعتناق برغبة ذاتية كاملة من المكلفين، وأما دعوة الناس للإيمان والتزام أوامر الدين بالإكراه فهذا مما لا يقبله الإسلام.
قال الله تعالى :
﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
الكهف 29
ب – الإكراه على الكفر
من أكره على النطق بكلمة الكفر، فنطق بها مكرها ، مطمئنا قلبه بالإيمان، فلا خلاف في قبول إكراهه، وعدم كفره بما فعل.
فقال الله تعالى:
﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
النحل: ١٠٦
إنما يفتري الكذب مَن نطق بكلمة الكفر وارتدَّ بعد إيمانه، فعليهم غضب من الله، إلا مَن أُرغم على النطق بالكفر، فنطق به خوفًا من الهلاك وقلبه ثابت على الإيمان، فلا لوم عليه، لكن من نطق بالكفر واطمأن قلبه إليه، فعليهم غضب شديد من الله، ولهم عذاب عظيم؛ وذلك بسبب إيثارهم الدنيا وزينتها، وتفضيلهم إياها على الآخرة وثوابها، وأن الله لا يهدي الكافرين، ولا يوفقهم للحق والصواب.
ج – الإكراه على الكبائر
ذكر القرآن الكريم بعض الكبائر والمعاصي التي قد يقع فيها الإكراه، ومن ذلك:
1- الإكراه على الزنا
قال الله تعالى:
﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
النور: ٣٣
والذين لا يستطيعون الزواج لفقرهم أو غيره فليطلبوا العفة عمَّا حَرَّمَ الله حتى يغنيهم الله من فضله، وييسر لهم الزواج. والذين يريدون أن يتحرروا من العبيد والإماء بمكاتبة أسيادهم على بعض المال يؤدونه إليهم، فعلى مالكيهم أن يكاتبوهم على ذلك إن علموا فيهم خيرًا: مِن رشد وقدرة على الكسب وصلاح في الدين، وعليهم أن يعطوهم شيئًا من المال أو أن يحطوا عنهم مما كُوتبوا عليه. ولا يجوز لكم إكراه جواريكم على الزنى طلبًا للمال، وكيف يقع منكم ذلك وهن يُرِدْن العفة وأنتم تأبونها؟ وفي هذا غاية التشنيع لفعلهم القبيح. ومن يكرههنَّ على الزنى فإن الله تعالى من بعد إكراههن غفور لهن رحيم بهن، والإثم على مَن أكْرههن.
2- الإكراه على السحر
عن سحرة فرعون بعد إيمانهم
قال الله تعالى:
﴿ قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ . قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴾
طه: ٧1- 73
قال فرعون للسحرة: أصدَّقتم بموسى، واتبعتموه، وأقررتم له قبل أن آذن لكم بذلك؟ إن موسى لَعظيمكم الذي عَلَّمكم السحر؛ فلذلك تابعتموه، فلأقطعنَّ أيديكم وأرجلكم مخالفًا بينها، يدًا من جهة ورِجْلا من الجهة الأخرى، ولأصلبنَّكم – بربط أجسادكم – على جذوع النخل، ولتعلمنَّ أيها السحرة أينا: أنا أو رب موسى أشد عذابًا من الآخر، وأدوم له؟ . قال السحرة لفرعون: لن نفضلك، فنطيعك، ونتبع دينك، على ما جاءنا به موسى من البينات الدالة على صدقه ووجوب متابعته وطاعة ربه، ولن نُفَضِّل ربوبيتك المزعومة على ربوبية اللهِ الذي خلقنا، فافعل ما أنت فاعل بنا، إنما سلطانك في هذه الحياة الدنيا، وما تفعله بنا، ما هو إلا عذاب منتهٍ بانتهائها. إنَّا آمنا بربنا وصدَّقْنا رسوله وعملنا بما جاء به؛ ليعفو ربُّنا عن ذنوبنا، وما أكرهتنا عليه مِن عمل السحر في معارضة موسى. والله خير لنا منك – يا فرعون – جزاء لمن أطاعه، وأبقى عذابًا لمن عصاه وخالف أمره.
د – الإكراه في المعاملات
1- الإكراه على النكاح
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾
النساء: ١٩
يا أيها الذين آمنوا لا يجوز لكم أن تجعلوا نساء آبائكم من جملة تَرِكتهم، تتصرفون فيهن بالزواج منهن، أو المنع لهن، أو تزويجهن للآخرين، وهن كارهات لذلك كله، ولا يجوز لكم أن تضارُّوا أزواجكم وأنتم كارهون لهن؛ ليتنازلن عن بعض ما آتيتموهن من مهر ونحوه، إلا أن يرتكبن أمرا فاحشا كالزنى، فلكم حينئذ إمساكهن حتى تأخذوا ما أعطيتموهن. ولتكن مصاحبتكم لنسائكم مبنية على التكريم والمحبة، وأداء ما لهن من حقوق. فإن كرهتموهن لسبب من الأسباب الدنيوية فاصبروا؛ فعسى أن تكرهوا أمرًا من الأمور ويكون فيه خير كثير.
2- الإكراه في البيوع
أصل القرآن الكريم لحرمة أكل المال وبين الاستثناء في تداول وتبادل المال في ذلك،
فقال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾
النساء: ٢٩
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا يحل لكم أن يأكل بعضكم مال بعض بغير حق، إلا أن يكون وَفْقَ الشرع والكسب الحلال عن تراض منكم، ولا يقتل بعضكم بعضًا فتهلكوا أنفسكم بارتكاب محارم الله ومعاصيه. إن الله كان بكم رحيمًا في كل ما أمركم به، ونهاكم عنه.
ويعطينا ذلك دلالة كافية وواضحة على أهمية تحقق شرط التراضي في المعاملات الشخصية والمالية، بحيث يتحقق التراضي من المتعاقدين؛ وذلك لما يترتب عليه من آثار ونتائج، والتراضي هو الحالة المقابلة للإكراه فلا يمكن في حالة البيوع والتداول والتجارة أن يكون أحد الأطراف المتعاقدة مكرهًا، بل إن التراضي بينهم شرط أساسي لصحة عقد البيع والتجارة.
أحدث التعليقات