مفهوم التأويل في القرآن الكريم
1- مفهوم التأويل
التأويل هو أظهار الكلام أو الخبر المراد تأويله إلى حقيقة ، أي تجسيده في الواقع المحسوس .
– عن يوسف عليه السلام
قَال الله تعالى :
﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾
يوسف : 4
رأى فى المنام ان احد عشر كوكبا والشمس والقمر يخرون له ساجدين .
قَال الله تعالى:
﴿ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ﴾
يوسف : 100
وهذا الحلم تحقق فيما بعد فى هذه القصة حين اصبح عزيز مصر وجاءه ابواه واخوته الاحد عشر وخروا له سجدا .
ان التأويل عند يوسف اخبارا بالمستقبل , وتحقق التأويل وتجسد واقعا حيا بالفعل .
فالتأويل في القرآن الكريم يبرز معنى القول في واقع الأمر فينتقل من دائرة المعرفة إلى دائرة الواقع المشاهد .
2- كلمة التأويل
في
القرآن الكريم
وردت كلمة تأويل في القرآن الكريم 17 مرة . والصيغ التي وردت هي:
– تَأْوِيلِ
ورد 7 مرات
قَال الله تعالى:
﴿ وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ﴾
يوسف : 6
– تَأْوِيلًا
ورد مرتين
قَال الله تعالى:
﴿ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾
النساء : 59
– تَأْوِيلَهُ
ورد 8 مرات
قَال الله تعالى:
﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾
آل عمران : 7
وجاء التأويل في القرآن الكريم بمعني علم بالغيب واخبار بالمستقبل المجهول ، وهو يخبر بما سيتجسد عمليا وواقعيا ولا يكون الا لبعض الانبياء .
قَال الله تعالى:
( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا, الا من ارتضى من رسول )
الجن : 26
( وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبى من رسله من يشاء )
ال عمران : 179
3- كلمات ذات صلة
بكلمة التّأويل
– التّدبُّر
التّدبّر في القرآن الكريم هو الوقوف عند الآيات والتّعمُّق وأخذ العِبَر للعمل بها، فهو في الواقع ناتجٌ عن التّفسير والتّأويل الصّحيحَين.
قال الله تعالى :
( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ )
ص : 29
– التّفسير
التّفسير هو كشفُ الغوامِض والأستار عن ظاهر القرآن الكريم، وذلك بمعونة شرح الألفاظ، والتّفقُّه في موارد اللّغة، واستنتاج المفاهيم والمعاني .
قال الله تعالى :
﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾
الفرقان : 33
ولا يأتيك – أيها الرسول – المشركون بحجة أو شبهة إلا جئناك بالجواب الحق وبأحسن بيان له.
2- معاني كلمة التأويل
في
القرآن الكريم
فقد تنوعت معانى كلمة تأويل في القرآن الكريم ، مُراداً بها المعاني التالية :
أولا- تأويل الرؤيا
أن تأويل الرؤيا هو ربط الرموز التي يرآها الشخص في المنام مع ما يشبهها مما يحدث في الحياة الواقعية. وكان من معجزات النبي يوسف عليه السلام قدرته على التأويل ، اى قدرته على الاخبار بالمعنى الحقيقى للاحلام وكيف ستتحقق عمليا على ارض الواقع . وكان هذا في آيات سبع من سورة يوسف، هي :
قَال الله تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ﴾
يوسف:6
وكما أراك ربك هذه الرؤيا فكذلك يصطفيك ويعلمك تفسير ما يراه الناس في منامهم من الرؤى مما تؤول إليه واقعًا .
قَال الله تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ﴾
يوسف:21
فكذلك مكنَّا له في أرض “مصر”، وجعلناه على خزائنها، ولنعلِّمه تفسير الرؤى فيعرف منها ما سيقع مستقبلا.
قَال الله تعالى:
﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ . قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ ﴾
يوسف :43-44
وقال الملك: إني رأيت في منامي سبع بقرات سمان، يأكلهن سبع بقرات نحيلات من الهُزال، ورأيت سبع سنبلات خضر، وسبع سنبلات يابسات، يا أيها السادة والكبراء أخبروني عن هذه الرؤيا، إن كنتم للرؤيا تُفَسِّرون. قالوا: رؤياك هذه أخلاط أحلام لا تأويل لها، وما نحن بتفسير الأحلام بعالمين.
قَال الله تعالى:
﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ﴾
يوسف :101
ثم دعا يوسف ربه قائلا ربِّ قد أعطيتني من ملك ﴿ مصر﴾ ، وعلَّمتني تفسير الرؤى .
قَال الله تعالى:
﴿ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
يوسف :36
ودخل السجن مع يوسف فَتَيان، قال أحدهما: إني رأيت في المنام أني أعصر عنبًا ليصير خمرًا، وقال الآخر: إني رأيت أني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه، أخبرنا – يا يوسف – بتفسير ما رأينا ، إنا نراك من الذين يحسنون في عبادتهم لله، ومعاملتهم لخلقه.
قَال الله تعالى:
﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾
يوسف :41
يا صاحبيَّ في السجن، إليكما تفسيرَ رؤياكما: أما الذي رأى أنه يعصر العنب في رؤياه فإنه يخرج من السجن ويكون ساقي الخمر للملك، وأما الآخر الذي رأى أنه يحمل على رأسه خبزًا فإنه يُصْلب ويُتْرك، وتأكل الطير من رأسه ، قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان وفُرغ منه.
قَال الله تعالى:
﴿ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ﴾
يوسف :45
وقال الذي نجا من القتل من صاحبَي يوسف في السجن وتذكر بعد مدة ما نسي من أمر يوسف: أنا أخبركم بتأويل هذه الرؤيا، فابعثوني إلى يوسف لآتيكم بتفسيرها.
ثانيا – تأويل الأحداث
أي بيان سبب إيقاع الفعل ؛ كما جاء في قصة موسى وصاحبه ، وهي في موضعين لتعطي معنى واحداً هو بيان سبب ايقاع الأفعال التي واجهها موسى مع العبد الصالح .
قَال الله تعالى :
﴿ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا. قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا . قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا . قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا . قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا . فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا . قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا . فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا . قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا .قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا . فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا. قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾
الكهف : 65-78
وقد أوضح العبد الصالح لموسى سبب ما فعله بتأويله؛ أي بربط الأحداث بما تؤول إليه من الأسباب؛ وبهذا استطاع موسى عليه السلام أن يفهم ما فعله العبد الصالح بعد تأويله للأحداث.
قَال الله تعالى:
( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا. وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا. فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا. وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا )
الكهف : 79-82
ثالثا – تأويل التشريعات الإلهية
ويشمل التأويل هنا تطبيق التشريعات الإلهية تطبيقا كاملا ومتقنا فى الواقع البشرى .
قال الله تعالى:
( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا )
النساء : 59
يا أيها الذين آمنوا ، استجيبوا لأوامر الله تعالى ولا تعصوه، واستجيبوا للرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الحق، وأطيعوا ولاة أمركم في غير معصية الله، فإن اختلفتم في شيء بينكم، فأرجعوا الحكم فيه إلى كتاب الله تعالى ، إن كنتم تؤمنون حق الإيمان بالله تعالى وبيوم الحساب. ذلك الردُّ إلى الكتاب خير لكم من التنازع والقول بالرأي، وأحسن عاقبة ومآلا.
قال الله تعالى:
( وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا )
الإسراء : 35
إن العدل في الكيل والوزن خير لكم في الدنيا، وأحسن تأويلا تعنى أحسن تطبيقا وتجسيدا للأوامر الإلهية .
رابعا – تأويل الحوادث التي ستقع
قال الله تعالى:
﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾
يونس :39
بل سارَعوا إلى التكذيب بالقرآن أول ما سمعوه، قبل أن يتدبروا آياته، وكفروا بما لم يحيطوا بعلمه من ذكر البعث والجزاء والجنة والنار وغير ذلك، ولم يأتهم بعدُ حقيقة ما وُعِدوا به في الكتاب.
قال الله تعالى :
( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ )
الأعراف : 53
هل ينتظر الكفار إلا ما وُعِدوا به في القرآن من العقاب الذي يؤول إليه أمرهم؟ يوم يأتي ما يئول إليه الأمر من الحساب والثواب والعقاب يوم القيامة يقول الكفار الذين تركوا القرآن، وكفروا به في الحياة الدنيا: قد تبيَّن لنا الآن أنَّ رسل ربنا قد جاؤوا بالحق، ونصحوا لنا .
أي عندما يتجسد ويتحقق يوم القيامة ما كان يوعد به الكفار عندها فقط سيعرفون ، أن ما يعانونه من العذاب هو مقابل سوء أعمالهم في الدنيا .
خامسا – تأويل الآيات المتشابه
غيب الآخرة لا تستطيع لغة البشر ان تصفه كما هو على الحقيقة ، وهذا يشكل مشكلة فى الحديث عنه ، وقد تغلب القرآن الكريم على هذه المشكلة وهو يخاطب البشر بأن اعتمد على الاسلوب المجازى ليقرب الصورة للعقل البشرى وفق مدركاته القاصرة ، ووصف هذا الاسلوب بأنه ﴿ المتشابهات ﴾. والتشابه يعنى وجود بعض الاتفاقات والاختلافات لكن مع تقريب التصور العام للعقل البشرى, أو هو الأدراك المبهم لما يستحيل للعقل البشرى ان يخضعه للبحث والتجريب. لذلك فالسياق اللغوى القرآنى فى الحديث عن الاخرة واحوالها يقع ضمن المتشابهات لانه غيب لم ندركه بعد وان كنا نستطيع التخيل والتفكير فيه .
وعموما فان الخطاب القرآنى يتنوع بين آيات محكمة واضحة الدلالة باسلوب علمى تقريرى قاطع ، ويأتى هذا خصوصا فى آيات التشريع . ثم هناك الاسلوب الأدبى التصويرى والمجازى, خصوصا الذى يصف لنا الغيوب التى لم نشهدها بعد وهى تخرج عن نطاق خبراتنا ومدركاتنا الحسية ، وهى الايات المتشابهة .
قال الله تعالى:
﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ﴾
آل عمران :7
وهذه الايات المتشابهة فى الحديث عن احوال الاخرة سنرى تحقيقها عمليا وتجسيدها واقعيا فى يوم القيامة حين نتحول الى خلق آخر فى عالم آخر وبامكانات تناسب ذلك العالم الآخر.
انه اليوم الذى نترك فيه هذا الجسد البشرى الفانى وحواسه التى تحجب عنا رؤية الآء الله تعالى حتى فى هذا العالم المادى فكيف بما سنراه عند الموت وعند البعث وعند الحساب.
قال الله تعالى:
﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾
ق : 22
ولكن حتى يأتى هذا اليوم فان الذى يعلم تأويلها او كيفية وقوعها هو الله عز وجل وحده ، والذين يؤمنون بالله تعالى وكتبه يؤمنون بكل ما جاء فى القرآن الكريم من آيات محكمة ومتشابهة لانها كلها من عند ربنا .
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾
آل عمران :7
أن الراسخين في العلم يؤمنون بكل ما جاء في القرآن من محكم ومتشابه ، دون الخوض في تفصيلها ، ويكلون علم الغيوب التي حدث عنها القرآن إلى الله..
قال الله تعالى:
﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ﴾
آل عمران :7
فأصحاب القلوب المريضة الزائغة، لسوء قصدهم يتبعون هذه الآيات المتشابهات ؛ ليثيروا الشبهات عند الناس، كي يضلوهم، ولتأويلهم لها على مذاهبهم الباطلة.
قال الله تعالى:
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ﴾
آل عمران :7
4 – لا يعلم التأويل غير اللّه
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ ﴾
آل عمران :7
التأويل هو علم بالغيب واخبار بالمستقبل المجهول ، وهو يخبر بما سيتجسد عمليا وواقعيا ولا يكون الا الله تعالى .
قال الله تعالى:
(عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا . إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِنْ رَسُولٍ )
الجن : 26- 27
( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ )
ال عمران :179
غير أن الله تعالى يصطفي من رسله مَن يشاء؛ ليطلعه على بعض علم الغيب بوحي منه .
قال الله تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ﴾
يوسف:21
فكذلك مكنَّا له في أرض ﴿ مصر﴾ ، وجعلناه على خزائنها، ولنعلِّمه تفسير الرؤى فيعرف منها ما سيقع مستقبلا.
5 – الفرق بين التّفسير والتّأويل
أَ- التّفسير
رفع إبهام المعنى بسبب تعقيد حاصل في اللفظ ، و ذلك بالبحث عن معني اللفظ ، و بيان وضْعه ؛ إن كان حقيقةً وإما مجازًا ، كتفسير
(الصراط) : بالطريق
(الصيب) : بالمطر
لم يذكرْ كلمةَ التفسير ومشتقاتها إلا مرَّةً واحدة فقط في القرآن كله .
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾
الفرقان : 33
ولا يأتيك – أيها الرسول – المشركون بحجة أو شبهة إلا جئناك بالدافع له وأحسن بيان له.
ب – التأويل
هو تحقق وقوع الشيء علما كان أو فعلا في عالم الواقع، وصدق انطباق هذا الوقوع علي مضمون ذلك الكلام .
قَال الله تعالى:
﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ . قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ ﴾
يوسف:43-44
وقال الملك: إني رأيت في منامي سبع بقرات سمان، يأكلهن سبع بقرات نحيلات من الهُزال، ورأيت سبع سنبلات خضر، وسبع سنبلات يابسات، يا أيها السادة والكبراء أخبروني عن هذه الرؤيا، إن كنتم للرؤيا تُفَسِّرون.
قَال الله تعالى:
﴿ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ . ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ . ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾
يوسف:47-49
قال يوسف لسائله عن رؤيا الملك: تفسير هذه الرؤيا أنكم تزرعون سبع سنين متتابعة جادِّين ليَكْثُر العطاء، فما حصدتم منه في كل مرة فادَّخِروه، واتركوه في سنبله؛ ليتمَّ حفظه من التسوُّس، وليكون أبقى، إلا قليلا مما تأكلونه من الحبوب. ثم يأتي بعد هذه السنين الخِصْبة سبع سنين شديدة الجَدْب، يأكل أهلها كل ما ادَّخرتم لهن من قبل، إلا قليلا مما تحفظونه وتدَّخرونه ليكون بذورًا للزراعة. ثم يأتي من بعد هذه السنين المجدبة عام يغاث فيه الناس بالمطر، فيرفع الله تعالى عنهم الشدة، ويعصرون فيه الثمار من كثرة الخِصْب والنماء.
أحدث التعليقات