1- مفهوم الغيب
الغيب هو كل حقيقة لا يدرك طبيعتها العقل أو لا يتعامل معها الإنسان بالحواس حيث لا سبيل إلى معاينتها أو الوقوف عليها كالملائكة والجن والشياطين والجنة والنار أو كالمستقبل وما سيقع فيه ، والغيب خلاف الشهادة .
قال الله تعالى:
(عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَة )
الزمر: 46
( ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلي عالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَة )
الجمعة : 8
فالكون مخلوق إلى عالَمين؛ عالم غيب ، وعالَم شهادة، فما جهله الإنسان فهو عالم الغيب، وما علمه فهو عالَم شهادة. الله تعالى مطلق العلم ، وذلك يعني أنّه لا يوجد في حقه سبحانه غيب، بل كل الوجود عنده شهادة. وعليه فإنّ معنى أنّه تعالى عالم الغيب والشهادة: أنه سبحانه عالم لما يشهده الخلق، ولما يغيب عنهم.
2- كلمة الغيب
في
القرآن الكريم
وردت كلمة (الغيب) وصيغها في القرآن الكريم (٥٩) مرة. والصيغ التي وردت هي:
– اسم فاعل
ورد ٤ مرات
قال الله تعالى:
﴿ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ ﴾
الأعراف:٧
– مصدر
ورد ٥٣ مرة
قال الله تعالى:
﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا ﴾
الجن:٢٦
– اسم
ورد مرتين
قال الله تعالى:
﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ﴾
يوسف:١٠
ويرجع الغيب في الاستعمال القرآني إلى وجهين:
-1 كل ما غاب عن العيون
سواء كان محصلًا في القلوب أو غير محصل، مما لا يعلمه إلا الله
قال الله تعالى:
﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ﴾
مريم: ٦١
أي: هي من الغيب الذي يؤمنون به وما رأوه ؛ لأنهم لم يروها ولم يعاينوها، فهي غيب لهم.
2- الظن
قال الله تعالى:
﴿ وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾
سبأ: ٥٣
يعني: يرمون بالظن.
3- الألفاظ ذات الصلة
– القضاء
تقدير الله للكائنات حسبما سبق به علمه، واقتضته حكمته. والقضاء جزء من الأمور الغيبية، فالغيب أعم من القضاء.
– القدر
القدر هو علم الله تعالى بالأشياء وكتابته لها قبل كونها، على ما هي عليه، ووجودها على ما سبق به علمه ، والقدر جزء من الغيب .
– الشهادة
الشهادة هي كل ما هو حاضر مشاهد، نستطيع أن ندركه بحواسنا ونحكم عليه بها. وهي ضد الغيب .
4- الإيمان بالغيب
في
القرآن الكريم
يتجه القرآن الكريم لتصحيح العقيدة قبل كل شيء، وبيان منزلة الإيمان بالغيب والحث عليه، ولبيان الحق في هذه القضية العقدية الخطيرة المؤثرة في الحياة البشرية، بوسائل وأساليب متنوعة، ونهج في ذلك منهجًا متكاملًا متوافقًا مع الفطرة والعقل.
أ- الله تعالى وحده
هوعالم الغيب
القرآن الكريم في كثيرمن الآيات يبين اختصاص الله تعالى وحده بعلم الغيب المطلق ، ومن تلك الآيات الأتى
قال الله تعالى:
( وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ )
هود123
لا يغيب شىء عن علم الله
قال الله تعالى:
( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو )
الأنعام 59
إن الله عنده مفاتح وهى أخبار الغيب
قال الله تعالى:
( فقل إنما الغيب لله )
يونس 20
فقل لهم -أيها الرسول-: لا يعلم الغيب أحد إلا الله .
قال الله تعالى:
( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ )
النمل: ٦٥
لا يعلم أحد في السموات ولا في الأرض ما استأثر الله بعلمه من المغيَّبات،
قال الله تعالى:
﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا ﴾
الجن: ٢٦
وهو سبحانه عالم بما غاب عن الأبصار، فلا يظهر على غيبه أحدًا من خلقه .
ب – المتقين هم من
يؤمنون بالغيب
قال الله تعالى:
( ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ )
البقرة 2- 3
إن المتقين يؤمنون بالغيب أى يصدقون بما أخبرهم الله من الأمور الخفية
ت – المؤمنون بالغيب
أشدَّ خشية لله
قال الله تعالى:
( الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ﴾
الأنبياء : 48- 49
الذين يخافون عقاب ربهم بالغيب، وهم من الساعة التي تقوم فيها القيامة خائفون وجلون.
قال الله تعالى :
﴿ هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ . مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾
ق: 32- 33
هذا الذي كنتم توعدون به – أيها المتقون – لكل تائب مِن ذنوبه، حافظ لكل ما قَرَّبه إلى ربه ، من الفرائض والطاعات، مَن خاف الله في الدنيا بالغيب ولقيه يوم القيامة بقلب تائب من ذنوبه.
ث – الرجم بالغيب
الرَجَّمَ بالغيب هو ظنًّا من غير دليل.
قال الله تعالى:
( سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ )
الكهف : 22
قال بعض الناس فى عدد أهل الكهف هم ثلاثةٌ، رابعهم كلبهم، ويقول فريق آخر: هم خمسة، سادسهم كلبهم، وكلام الفريقين قول بالظن من غير دليل، وتقول جماعة ثالثة: هم سبعة، وثامنهم كلبهم، قل – أيها الرسول-: ربي هو الأعلم بعددهم .
ج – عاقبة الإيمان بالغيب
تتعدد الآيات الكريمة في بيان ما ينتظر المؤمنين بالغيب من نعيم دائم لا ينقطع ، ومنه
1- دخول الجنة
أن عاقبة الإيمان بالغيب هي دخول الجنة التي يورثها الله عباده الصالحين المتقين.
قال الله تعالى:
﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ . ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ . لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾
ق: ٣٣ -٣٥
2- المغفرة والأجر الكريم
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾
الملك: ١٢
ح – تكفير مدعي علم الغيب
يكفر مدعي علم الغيب وذلك لنسبته لنفسه ما استأثر الله تعالى به دون خلقه، وتكذيب القرآن في حصر علم الغيب بالله .
قال الله تعالى:
( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله )
النمل :65
خ – عدم علم الأنبياء الغيب
أن الله عز وجل أخبرنا بأن الأنبياء لا يعلمون الغيب ، على علو شأنهم ورفعة منازلهم .
– عن الرسل عليهم السلام
أخبر الله تعالى عن الرسل أنهم يردون علم ما غاب عنهم إليه سبحانه وحده ، وتبرأ أنفسهم من ادعاء علم الغيب .
قال الله تعالى:
( يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ )
المائدة : 109
– عن عيسى عليه السلام
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾
المائدة : 116
– عن نوح عليه السلام
كان يقول لقومه
قال الله تعالى:
( ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب )
هود:31
– عن النبي عليه الصلاة والسلام
أمره ربه أن يقول
قال الله تعالى:
( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب )
الأنعام :50
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾
الأعراف 188
د- عدم علم الجن الغيب
قال الله تعالى:
﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾
سبأ 14
فلما قضينا على سليمان بالموت ما دلَّ الجن على موته إلا الأرَضَةُ تأكل عصاه التي كان متكئًا عليها، فوقع سليمان على الأرض، عند ذلك علمت الجن أنهم لو كانوا يعلمون الغيب ما أقاموا في العذاب المذلِّ والعمل الشاق لسليمان؛ ظنا منهم أنه من الأحياء.
5- أقسام الغيب
ينقسم الغيب الي قسمين:
أولا – الغيب المطلق
1- مفهوم الغيب المطلق
الغيب المطلق هوالأمور الغيبيَّة التي استأثر الله تعالى بعلمها وحجبها عن جميع الخلق، ولا يستطيع أن يصل إليها إنسانٌ بأيِّ حاسةٍ من الحواس .
قال الله تعالى:
﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
النمل :65
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ﴾
آل عمران:179
2- أمثلة عن الغيب المطلق
أ – أركان الإيمان
أركان الإيمان هي التي تتضمن الإيمان بالأمور الغيبيَّة الأتية
– الملائكة
قال الله تعالى:
﴿ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾
الزمر : 75
– البعث
قال الله تعالى:
﴿ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾
الحج : 7
– الميزان
قال الله تعالى:
﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾
الأنبياء : 47
– الحساب
قال الله تعالى:
﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ﴾
الأنبياء : 1
– الجنة
قال الله تعالى:
﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
الشعراء : 90
– النار
قال الله تعالى:
﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾
آل عمران : 131
– الجن
قال الله تعالى:
﴿ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ﴾
الرحمن :15
ب – أمور تتعلق بالماضي
والإيمان بالغيب يشمل أمورا في الماضي لا نعلم عنها شيئا.
– كخلق الكون
قال الله تعالى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾
السجدة : 4
– خلق آدم
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾
آل عمران : 59
– تاريخ الرسل والأنبياء وأممهم
قال الله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ﴾
غافر: 78
﴿ ذَٰلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾
آل عمران : 44
ت – أمور تتعلق بالحاضر
والإيمان بالغيب يشمل أمورا في الحاضر لا نعلم عنها شيئا.
– كالروح في الإنسان
قال الله تعالى:
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾
الإسراء : 85
– كتسجيل الملائكة أعمال الناس
قال الله تعالى:
﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾
الزخرف : 80
– كوجود مخلوقات وقوى وطاقة لا نعلم عنها شيئا.
قال الله تعالى:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ . وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ﴾
الحاقة : 38- 39
ج – أمور تتعلق بالمستقبل
والإيمان بالغيب يشمل أمورا في المستقبل ، استأثر الله تعالى بعلمها ، فلا يعلمها أحد..
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير ﴾
لقمان:34
ما يكون في المستقبل لا يُمكن لأيّ أحدٍ معرفتة إلا الله تعالى ، وهو
1- علم ما سيكون في المُستقبل
أن لا أحد يعلم ما تكتسبه نفسه أو ما يكتسبه غيره في المستقبل من علم وعمل ومال ، وكُلّ ما يُدَّعى من ذلك هو من قبيل الكذب والافتراء .
قال الله تعالى:
( وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا )
لقمان:34
2- علم ما في الأرحام
إنّ الله تعالى انفرد بعلم ما في الأرحام ، علمٌ مفصّلٌ شاملٌ، سواءً من حيث تخلّقه أو غير تخلُّقهِ، ونموّه، وحياته وموته ، ومعرفة سعادته وشقاوته وجماله وقبحه ، وغير ذلك مما يحصُل معه .
قال الله تعالى:
( وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ )
لقمان:34
3-علم السّاعة
أنّ الأرض والحياة ستنتهي في يومٍ من الأيّام، ولكن هذا كُله في علم الله تعالى وحده
قال الله تعالى:
( إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ )
لقمان:34
إنما علمها عند الله الذي يعلم غيب السموات والأرض، ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك لا يعلمه إلا الله.
قال الله تعالى:
( يَسأَلونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرساها قُل إِنَّما عِلمُها عِندَ رَبّي لا يُجَلّيها لِوَقتِها إِلّا هُوَ ثَقُلَت فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ لا تَأتيكُم إِلّا بَغتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )
الأعراف : 187
4- علم موعد الموت ومكانه
أن لا أحد يعلم زمن ولا مكان موته ولا موت غيره فهذا مما استأثر الله بعلمه وحجب العلم به عن جميع خلقه.
قال الله تعالى:
( وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ )
لقمان:34
5- علم موعد الإمطار
أن علم نزول الغيث مما اختص الله به. وما يخبر عنه خبراء الطقس والأرصاد إنما هو من باب توقع الحدوث لا الجزم بالحدوث .
قال الله تعالى:
( وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ )
لقمان:34
ثانيا – الغيب النسبي
الغيب النسبي هو الغيب الذي قد يطلع الله تعالى عليه بعض العباد ، مثل
الأ تى
1- ما يطلع الله عليه الأنبياء
في سبيل تأكيد رسالتهم وتزويدهم بشواهد إعجازية على صدق الرسالة التي يحملونها مثل غيب الحاضر وغيب المستقبل وغيب الماضي حيث يطلعهم على قصص الأولين أو ما يمكن أن يقع في قادم الزمن من أمور تؤكد صدقهم.
قال الله تعالى:
( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً، إِلاّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ )
الجن:26 -27
( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ )
آل عمران:179
وهذه نماذج من ذلك:
قال الله تعالى:
(غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ )
الروم : 2- 3
نزلت هذه الآيات فى أعقاب الحرب التى دارت بين الروم والفرس، وهما الدولتان اللتان كانتا تسيطران على العالم القديم، وكانتا تتنازعان على بلاد الشام وغيرها، حيث أخبرت عن أمر غيبى يقع فى المستقبل القريب.
قال الله تعالى:
( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا )
الفتح : 27
فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله المسلمين بأنّهم سوف يفتحون “مكّة” فى المستقبل، وقد وقع ذلك فعلاً، ومن الواضح أنّ ذلك إخبار عن الغيب أطلع الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وآله عليه من خلال الرؤيا.
ولقد انزل الله على نبيه جملة من قصص القرون الغابرة والأنبياء ومعجزاتهم ولو كان النبى يعلم الغيب لما احتاج ليقص عليه القصص
قال الله تعالى:
( تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَٰذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ )
هود : 49
( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ )
يوسف : 3
أى ما كنت تعرفه قبل أن نوحى إليك
قال الله تعالى:
( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ )
يوسف : 102
في القرآن الكريم شواهد كثيرة علي ان الانبياء علموا بالغيب و اخبروا الناس به باذن الله سبحانه و تعليمه ، ومن ذلك:
– في قصة يوسف عليه السلام
قال الله تعالى:
( وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ . قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي )
يوسف : 36- 37
( يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ . قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ )
يوسف : 46- 49
– عن النبي سليمان عليه السلام
قال الله تعالى:
( وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ )
النمل :27
-عن عيسى عليه السلام
قال الله تعالى:
﴿ وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
آل عمران: ٤٩
هذا النوع من الغيب يطلع الله تعالى عليه من شاء من رسله .
2- أخبار الغيب الكونية
هو ما يظل مجهولاً للناس لفترة مثل معرفة نوع الجنين والتنبؤ بالأرصاد الجوية وغيرها من الأمور التي تكون مجهولة لفترة ومع الوقت يطلع عليها الإنسان.
قال الله تعالى:
﴿ يعْلَمُ مَا بَينَ أَيدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَ لاَ يحِيطُونَ بِشَيءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء ﴾
البقرة : 255
ومثال على أخبار الغيب الكونية ، الأتي
قال الله تعالى:
( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ )
الذاريات: 47
وقد أثبت العلم مؤخرا هذه الحقيقة وهي تمدد الكون واتساعه بعد أن كان العلماء تظن أن الكون ثابت!
قال الله تعالى:
( وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ )
النور: 43
ولم يكشف هذا الغيب إلا من سنوات قريبة أن الغيوم تكون بحجم ووزن الجبال وأن البرد لا ينزل إلا من غيوم كالجبال!
قال الله تعالى:
( وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا )
النبأ: 7
وهو ما توصل له العلم قبل عقود قليلة بأن الجبال هي أوتاد شكلاً ووظيفة؛ فهي رواسي؛ كي لا تتحرك الأرض؟
قال الله تعالى:
( ثم جعلناه نطفة في قرار مكين . ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين )
المؤمنون: 13-14
ولم يتمكن البشر من تفحص ذلك إلا بعد النهضة العلمية وتوفر المجاهر الإلكترونية، وكشف الغيب فإذا هو مطابق لما قرره القرآن الكريم.
قال الله تعالى:
( أو كظلمات في بحر لجّي يغشاه موج مِن فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض )
النور: 40
وحين تمكن الإنسان من صنع غواصات تنزل لأعماق المحيطات تبيّن له وجود بحر تحت البحر تختلف مياه كل منهما ملوحة وكثافة وحرارة، وأن الظلام هو السائد في قاع البحار.
فكل ذلك وهو غيب قابل لأن يكون من عالم الشهادة إذا تهيأت للإنسان شروط معرفته، كتوقع سقوط المطر، والخسوف والكسوف، والعلم بجنس المولود .
6 – مفاتح الغيب
مفاتيح الغيب تعني ما يُتوصّل به إلى الغيبيّات وعبّر الله تعالى عنها بالمفاتيح ؛ لتقريبها إلى السّامع، فإذا كان لا يستطيعُ الوصول إلى المفتاح الذي هو السّبيل إلى معرفة الغيب، فكيف بما هو بداخل ذلك الغيب .
قال الله تعالى:
﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ﴾
الأنعام 59
مفاتح الغيب هي الطرق والوسائل التي يتوصل بها للغيب أو على خزائن الغيب؛ لأن علمها كلها خاصٌ به تعالى، ويقف الإنسان – مهما أوتي من العلم – عاجزًا عن إدراك شيء منها، بل إن أحدًا من الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين عليهم الصلاة والسلام لا يعرف عنها شيئًا.
أحدث التعليقات