1- مفهوم الضر
هو ما كان من سوءِ حال أَو فقر أَو شدِّة في بدن. والضر ضد النفع
قال اللّه تعالى :
﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾
الأنبياء 83
2- كلمة الضر
في
القرآن الكريم
وردت كلمة الضر وصيغها في القرآن الكريم (٦٦) مرة . والصيغ التي وردت، هي:
– الفعل المضارع
ورد 22 مرة
قال اللّه تعالى :
﴿ وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ﴾
التوبة:٣٩
– المصدر
ورد 29 مرة
قال اللّه تعالى :
﴿ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَسَّهُ ﴾
يونس:١٢
– اسم مصدر
ورد 9 مرات
قال اللّه تعالى :
﴿ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ﴾
البقرة:١٧٧
– اسم
ورد مرة واحدة
قال اللّه تعالى :
﴿ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
النساء:٩٥
– اسم فاعل من الثلاثي
ورد مرتين
قال اللّه تعالى :
﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾
البقرة:١٠٢
– مصدر من الرباعي
ورد مرتين
قال اللّه تعالى :
﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ﴾
البقرة:٢٣١
-اسم فاعل من الرباعي
ورد مرة واحدة
قال اللّه تعالى :
﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ﴾
النساء:١٢
ج – معناه
وجاء الضر في القرآن على سبعة أوجه :
1- الضر بعينه
اي الأذى الذي هو ضد النفع
قال اللّه تعالى :
﴿ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ . أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ﴾
الشعراء 72 – 73
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾
الأعراف 188
أي: لا أملك جرّ نفع و لا دفع ضرّ .
2- الشدة و البلاء
قال اللّه تعالى :
﴿ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ﴾
البقرة 177
﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
الأنعام 17
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾
آل عمران 134
﴿ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا ﴾
البقرة 214
يعني الشدة
3- المرض
قال اللّه تعالى :
﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾
الأنبياء 83
﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ ﴾
يونس 12
﴿ فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ﴾
الزمر 49
4- الهول
ومنها أهوال البحر
قال اللّه تعالى :
﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّفِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ﴾
الإسراء 67
5- الجوع
قال اللّه تعالى :
﴿ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ﴾
يوسف 88
6- النقص
قال اللّه تعالى :
﴿ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ﴾
آل عمران 176
﴿ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ ﴾
محمد 32
7- قلة المطر
قال اللّه تعالى :
﴿ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّدَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ﴾
الروم 33
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾
الأنعام 42
يعني قحط المطر.
قال اللّه تعالى :
﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ ﴾
يونس 21
أي: مطرا من بعد قحط و جدب .
وَالضَّرَّاءُ فَعْلَاءُ مِنَ الضُّرِّ – وَهُوَ ضِدُّ النَّفْعِ وَتُطْلَقُ عَلَى السَّنَةِ – أَيِ الْجَدْبِ – وَالْأَذَى وَسُوءِ الْحَالِ حِسِّيًّا كَانَ أَوْ مَعْنَوِيًّا كَالسَّرَّاءِ مِنَ السُّرُورِ.
د – الألفاظ ذات الصلة
– البؤس
البؤس اسم بمعنى الشدة وهو الفقر والمسكنة
– الأذى
هو الألم الخفيف وهو لا يبلغ حد الضر ، والأذى قد يكون بالكلام أو بالفعل .
قال اللّه تعالى :
﴿ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ﴾
آل عمران: ١١١
معناه: لن يصيبكم منهم ضرر في الأبدان ولا في الأموال، وإنما هو أذى بالألسنة.
– السراء
كثرة المال أي الرخاء ، والسراء ضد الضراء .
3- إستعراض ما تدل عليه كلمة
الضر في القرآن الكريم
1- الله تعالى لا يجوز
عليه المضار والمنافع
الله تعالى منزه عن أن يتضرر بكفر كافر وفسق فاسق.
قال الله تعالى:
﴿ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا ﴾
هود 57
إهلاككم لا ينقصه شيئًا
قال الله تعالى:
﴿ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ﴾
آل عمران: ١٤٤
إن لم تؤمنوا به فلا تنقصون من ملكه شيئًا
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ﴾
آل عمران: ١٧٦
﴿ إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
آل عمران: ١٧٧
لا تضروا الله بترك امتثال أمره
2- نسبة الضر إلى
الله تعالى
ليس من الأدب نسبة الضر إلى الله وإن كان سبحانه هو خالقه وموجده.
قال اللّه تعالى :
﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ ﴾
الأنعام 17
﴿ إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ ﴾
يس 23
فما أصاب الإنسان مِن خير ونعمة فهو من الله تعالى وحده، فضلا وإحسانًا، وما أصابه من جهد وشدة فبسبب عمله السيئ، وما اقترفته يداه من الخطايا والسيئات.
قال اللّه تعالى :
﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾
النساء: 79
﴿ ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾
الحج 10
فإذا أصاب الإنسان شدة وضُرٌّ، طلب من ربه أن يُفرِّج عنه، فإذا كشفنا عنه ما أصابه وأعطيناه نعمة منا عاد بربه كافرًا، ولفضله منكرًا، وقال: إن الذي أوتيتُه إنما هو على علم من الله أني له أهل ومستحق، بل ذلك فتنة يبتلي الله بها عباده؛ لينظر مَن يشكره ممن يكفره، ولكن أكثرهم- لجهلهم وسوء ظنهم وقولهم- لا يعلمون؛ فلذلك يعدُّون الفتنة منحة.
قال اللّه تعالى :
﴿ فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
الزمر: ٤٩
عن إبراهيم عليه السلام
قال اللّه تعالى :
﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾
الشعراء :80
فنبي الله إبراهيم لم يقل وإذا أمرضني .
وعن أيوب عليه السلام
قال اللّه تعالى :
﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾
الأنبياء :83
لم يقل قد مسني الضر منك .
وعن الجن
قال اللّه تعالى :
﴿ وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً ﴾
الجـن :10
والجن لما ذكروا الشر ذكروه بالفعل المبني للمجهول، ولما ذكروا الخير أضافوه إلى ربهم وهذا من أدبهم .
فكل الأمور السيئة قدرها الله سبحانه وقضاها لحكمته، وهي باعتبار تلك الحكمة نوع من إحسانه، فإن الرب سبحانه لا يفعل سوءاً قط، بل فعله كله حسن وخير وحكمة .
قال الله تعالى:
﴿ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
آل عمران 26
3- الله تعالى هو
كاشف الضر
وإن يصيب الله الإ نسان بشدة أو بلاء فلا كاشف لذلك إلا هو جلَّ وعلا وإن يُرِيدْ بالإ نسان رخاء أو نعمة لا يمنعه عنه أحد، يصيب الله عز وجل بالسراء والضراء من يشاء من عباده، وهو الغفور لذنوب مَن تاب، الرحيم بمن آمن به وأطاعه.
قال اللّه تعالى :
﴿ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ ﴾
الزمر 38
﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ﴾
يونس 107
﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَسَّهُ ﴾
يونس 12
4- نفي إلحاق الضرر من
أي مخلوق إلا بمشيئته
الله تعالى متولٍ أمورنا الدينية والدنيوية، فعلينا الرضا بأقداره وليس في أيدينا من الأمر شيء .
قال الله تعالى:
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
التوبة: ٥١
لذا ورد نفي إلحاق الضر من المخلوق للمخلوق في آيات كثيرة، وبين الله فيها أن النفع والضر لا يحصلان إلا بمشيئته.
قال الله تعالى:
﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾
البقرة 102
﴿ وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
المجادلة 10
﴿ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾
المائدة: ٧٦
قل -أيها الرسول- لهؤلاء الكفرة: كيف تشركون مع الله من لا يَقْدِرُ على ضَرِّكم، ولا على جَلْبِ نفع لكم؟ والله هو السميع لأقوال عباده، العليم بأحوالهم.
5- حال الناس مع وقوع الضر
يتعرض الإنسان للضر والنعمة باستمرار ، ليتمحص إيمانه ويتمحض إخلاصه لله تعالى ، ويظهر معدنه النقي أو الرديء ، ونفسه الشريفة أو الدنيئة في التعاطي معه ، ومدى ثباته أو تزعزع قلبه حال وقوعه وابتلائه به
أ – الكافر
فيزداد طغيانًا وكفرًا
قال الله تعالى:
( وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴾
الروم : 33
﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ﴾
الزمر:8
﴿ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴾
النحل: ٥٤
﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
المؤمنون: ٧٥
فهذه الآيات تشير إلى أن فطرة الإنسان مؤمنًا كان أو كافر عند اشتداد الضر يلجأ إلى الله تعالى، وإذا كشف الضر عنه فالكافر يزداد طغيانًا وكفرًا.
ب – المؤمن
فالمؤمن يزداد إيمانًا بكشف الضر عنه .
قال الله تعالى:
﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ . إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾
هود: ١٠-١١
لكن الذين صبروا وعملوا الصالحات فإنهم إن نالتهم شدة صبروا، وإن نالوا نعمة شكروا، أولئك لهم مغفرة لذنوبهم وأجر كبير هو الجنة.
6- النهي عن إلحاق
الضرر في التعامل
نهي الله تعالى عباده عن المضارة فيما بينهم ، ومن أمثلة ذلك ..
أ – جعل المولود مضارة بين الوالدين
ولا يحل للوالدين أن يجعلوا المولود وسيلة للمضارة بينهما،
قال الله تعالى:
﴿ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ﴾
البقرة: ٢٣٣
أي: بأن تدفعه عنها؛ لتضر أباه بتربيته، ولكن ليس لها دفعه إذا ولدته حتى تسقيه اللبن الذي لا يعيش بدون تناوله غالبا، ثم بعد هذا لها دفعه عنها إذا شاءت، ولكن إن كانت مضارة لأبيه، فلا يحل لها ذلك، كما لا يحل له انتزاعه منها لمجرد الضرار لها .
ب – الكاتب والشهود
قال الله تعالى:
﴿ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾
البقرة: ٢٨٢
في مسألة البيع والشراء، يستحب الإشهاد على ذلك منعًا للنزاع والشقاق، ومن الواجب على الشاهد والكاتب أداء الشهادة على وجهها والكتابة كما أمر الله. إنه سبحانه يحذر أن يقع الضرر من الكاتب فيكتب غير الحق أو الضرر من الشهيد فيشهد بغير العدل. أو أن يقع الضرر على الكاتب أو الشهيد بأن يوقع المتعاقدان الشاهدين والكاتب في الحرام والخسارة، أو ما يجر إلى العقوبة.
4- وسائل دفع الضر
هناك عدة وسائل لدفع الضر في القرآن الكريم، منها:
1- الالتجاء إلى الله تعالى
يخبرنا الله تعالى أنه مالك النفع والضر
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾
النحل: ٥٣
وأن ما بالعباد من رزق ونعمة وعافية ونصر فمن فضله عليهم، وإحسانه إليهم، وعلموا أن كل ما يتقلبون فيه من نعمة منه سبحانه،
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ﴾
الزمر: ٨
﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ﴾
الإسراء: ٦٧
﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾
الأنبياء: ٨٣
﴿ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ﴾
الروم: ٣٣
كل هذه الآيات تشير إلى لجوء الإنسان وقت الضر إلى إله واحد، أحد صمد، ولعلمهم أنه لا يكشف الضر إلا هو.
قال الله تعالى:
﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
يونس: ٩٠
حتى المشركون الذين عبدوا من دون الله أصنامًا، يتوجهون إليها وقت الرخاء، إذا أصابهم الضر نسوا ما كانوا يعبدون من قبل، ورجعوا إلى الفطرة السليمة، وتضرعوا إليه تعالى؛ لعلمهم أنها لا تنفع ولا تضر، حتى فرعون الذي طغى وتجبر حين توسط البحر وعلم أن لا ملجأ من الله إلا إليه .
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ﴾
الإسراء: ٦٧
وإذا أصابتكم شدة في البحر حتى أشرفتم على الغرق والهلاك، غاب عن عقولكم الذين تعبدونهم من الآلهة، وتذكَّرتم الله القدير وحده؛ ليغيثكم وينقذكم، فأخلصتم له في طلب العون والإغاثة، فأغاثكم ونجَّاكم، فلمَّا نجاكم إلى البر أعرضتم عن الإيمان والإخلاص والعمل الصالح، وهذا من جهل الإنسان وكفره. وكان الإنسان جحودًا لنعم الله عزَّ وجل.
2- التقوى والصبر والتوكل
قال الله تعالى:
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾
آل عمران: ١٢٠
﴿ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾
البقرة: ١٧٧
وإن تصبروا على ما أصابكم، وتتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، لا يضركم أذى مكرهم. والله بجميع ما يعمل هؤلاء الكفار من الفساد محيط، وسيجازيهم على ذلك
3- الرضا بقضاء الله وقدره
أن المؤمن إذا ابتلي ببلية ومحنة وجب عليه أن يكون راضيًا بقضاء الله غير معترض بالقلب واللسان عليه، وإنما وجب عليه ذلك؛ لأن الله تعالى مالك على الإطلاق، وملك بالاستحقاق، فله أن يفعل في ملكه ما يشاء، كما يشاء، ولأنه تعالى حكيم على الإطلاق منزه عن فعل الباطل والعبث، فكل ما فعله فهو حكمة وصواب، وإذا كان كذلك فحينئذ يعلم أنه تعالى إن أبقى عليه تلك المحبة فهو عدل، وإن أزالها فهو فضل، فحينئذ عليه الصبر والسكوت وترك الغلق والاضطراب.
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾
يوسف: ٨7
4- إصلاح النفوس
بفعل الخيرات ولزوم الشرع بما فيه من جهاد وأمر بمعروف ونهي عن المنكر، والاستقامة على الدين، وطاعة الله وغيرها.
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
المائدة: ١٠٥
أي حفظ النفس من ملابسة المعاصي والإصرار على الذنوب.
قال الله تعالى:
﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾
المدثر: ٣٨
﴿ مَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴾
الاسراء: ١٥
﴿ وَمَنْ تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾
فاطر: ١٨
اشتغال الإنسان بخاصة نفسه وتركه العرض لمعائب الناس والبحث عن أحوالهم، فإنهم لا يسألون عن حاله، فلا يسأل عن حالهم .
5- آثار نزول الضر
لحوق الضرر بالإنسان له آثار ونتائج، منها:
1- الإخلاص لله تعالى
عند اشتداد الضر
عند اشتداد الضر على الإنسان مسلمًا كان أو كافر، فإنه يعود إلى الله وحده كاشف الضر، فينيب ويتضرع إلي الله تعالى، فيعترف بالله ساعة الضر والهلاك ويرجع إلى فطرته، فالرجوع إلى الله تعالى من سائر الناس ساعة الكرب والشدة دليل على ما هو كامن في نفوسهم من الفطرة التي فطرهم الله عليها .
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ﴾
الاسراء: ٦٧
﴿ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾
الأنعام: ٦٣
﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾
يونس: ٢٢
وخص الله الشدة في البحر بالذكر؛ لأن اليأس عند وقوع الشدة فيه أغلب.
2- بيان عجز ماسوي الله
عند اللجوء إليه حال الضر
أن الكفار حينما يشتد عليهم الضر ينسوا آلهتهم ولا يرجعون إليها بل يرجعون إلى الإله الحق، الذي يملك النفع والضر، دليل واضح في إثبات عجز الآلهة المزعومة عن دفع ضر أو جلب نفع. فإن كل واحد منهم يعلم بالفطرة علمًا لا يقدر على مدافعته أن ماسوي الله عاجزعن الفعل عند اللجوء إليه حال الضر.
قال الله تعالى:
﴿ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ﴾
الحج 12
﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ﴾
فاطر: ١٤
3- المشرك يزداد طغيانًا بعد كشف
الضر عنه، والمؤمن يزداد إيمانًا
هذا إخبار عن طبيعة الإنسان، وأنه إذا مسه ضر من مرض أو مصيبة اجتهد في الدعاء، وسأل الله في جميع أحواله، ألح ليكشف الله عنه ضره. فلما كشف الضر عنه استمر في غفلته معرضًا عن ربه وكأنه ما جاءه ضر، فكشفه الله عنه.
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
يونس: ١٢
وهذه صفات الكافر في الغالب، فالكافر يدعو عند البلاء ويعرض عند الرخاء، كذلك المسرفون وهم المجاوزون الحد في الكفر والمعصية في عملهم .
قال الله تعالى:
﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ . إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾
يونس: 10- 11
الذين آمنوا فإن عادتهم إذا أتتهم رحمة أن يشكروا، وإذا زالت عنهم نعمة أن يصبروا
أحدث التعليقات