1- مفهوم الرفعة

الرفعة  تدل على الإعلاء والتشريف ورفع القدر والمنزلة . وهى خلاف الضعة

2- أنواع الرفعة

والرفع قد يكون

أ – حسيًّا

كرفع البناء ورفع القواعد

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ ﴾

البقرة: ١٢٧

﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ﴾

البقرة: ٦٣

ب – معنويًّا

كارتفاع الدرجة والمنزلة

قال الله تعالى:

﴿ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ﴾

الزخرف: ٣٢

﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾

الأنعام: ٨٣

3- كلمة الرفعة

      في

القرآن الكريم 

وردت كلمة الرفعة وصيغها في القرآن الكريم  (١٣) مرة. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

وردت  6مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

الشرح: ٤

– الفعل المضارع

وردت  4مرات

قال الله تعالى:

﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾

الأنعام: ٨٣

– اسم الفاعل

وردت مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ﴾

الواقعة: ٣

– اسم المفعول

وردت مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ﴾

عبس: ١٤

– صيغة مبالغة

وردت مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ ﴾

غافر: ١٥

وجاءت الرفعة في القرآن نقيض الذلة، وخلاف الضعة.

4- الكلمات ذات الصلة

      بكلمة الرفعة

– العلو

السموّ والارتفاع والشرف

قال الله تعالى:

﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ﴾

القصص: ٨٣

– السمو

هو الارتفاع والعلو

– المنزلة

هي المكانة والمرتبة والدرجة

– الضعة

هي الذل والهوان والدناءة والخسة، وهي ضدّ الرفعة .

5- الرفعة في حق الله تعالى

إن الله تعالى هو رفيع الدرجات وهو كناية عن رفعة شأنه و عظمته وكبريائه وعلوه على جميع المخلوقات .

قال الله تعالى:

﴿ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ ﴾

غافر: ١٥

ورفعة القدر وهي رفعة صفاته وعظمتها، وهو المستحق لدرجات المدح والثناء .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

الروم 27

﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

النحل 60

6- الله هو الرافع

الرافع راجعًا إلى صفات أفعال الله تعالى . أي أن كل درجة وفضيلة ورحمة ومنقبة حصلت لشيء ما، فإنما حصلت بإيجاده وتكوينه وفضله ورحمته.

قال الله تعالى:

﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ﴾

الأنعام: ٨٣

رافع درجات الخلق في العلم والأخلاق الفاضلة

قال الله تعالى:

﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾

المجادلة: ١١

وكذا في الرزق والأجل

قال الله تعالى:

﴿ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ﴾

الأنعام: ١٦٥

وجعل للملائكة مقامات معينة.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ﴾

الصافات: ١٦٤

كثير رفع الدرجات لمن يشاء .

قال الله تعالى:

﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ﴾

يوسف: ٧٦

7- أنواع الرفعة

تأتي الرفعة في القرآن الكريم على أنواع

أولًا: الرفعة في الدنيا

وتشمل رفعة الأنبياء والرسل والعلماء والمؤمنين والأعمال الصالحة والشعائر والملك والحكم والقرآن والبيت الحرام والتفاوت في الدرجات بين الناس،

أ- رفعة الأنبياء والرسل

قال الله تعالى:

﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ﴾

البقرة: ٢٥٣

﴿ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾

الإسراء: ٥٥

عن إدريس عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ﴾

مريم: ٥٧

عن إبراهيم عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ﴾

الأنعام: ٨٣

عن محمد صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى:

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

الشرح: ٤

بينت الآيات فضيلة الرسل والأنبياء عليهم السلام ، و أن الله تعالى قد فضل بعضهم على بعض،  وأسباب التفضيل لا يعلمها إلا الله تعالى، غير أنها ترجع إلى ما جرى على أيديهم من الخيرات المصلحة للبشر ومن نصر الحق، وما لقوه من الأذى في سبيل ذلك .

قال الله تعالى:

﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾

البقرة: ٢٥٣

فجعل بعضهم خليلًا، وبعضهم ملكًا، وسخّر لبعضهم الريح والشياطين، وأحيا ببعضهم الموتى، وأبرأ الأكمه، والأبرص.

قال الله تعالى:

﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾

النساء: ١٢٥

المسيح عليه السلام

أخبر الله تعالى نبيه عيسى عليه السلام أنه منجيه من كيد الكافرين المتآمرين على قتله، وأنه سوف يصونه من القتل ويرفعه إليه.

قال الله تعالى:

﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾

آل عمران: ٥٥

ب – رفعة العلماء

إن العلم هو أجل نعم الله على عباده، وهو الذي ترجح به موازين الناس، وترتفع به منازل بعضهم على بعض .

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ  ﴾

الزمر: ٩

﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾

المجادلة: ١١

﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ﴾

النمل: ١٥

عن يوسف عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾

يوسف: ٢٢

بل يكفى بأن عطف الله سبحانه وتعالى العلماء على الملائكة .

قال الله تعالى:

﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ﴾

آل عمران: ١٨

ما أمر الله رسوله بزيادة الطلب في شيء إلا في العلم .

قال الله تعالى:

﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾

طه: ١١٤

وفي الآيات دليل على شرف العلم وتقدم حملته وأهله، وأن نعمة العلم من أجل النعم، وأجزل القسم، وأن من أوتيه فقد أوتى فضلًا على كثير من عباد الله .

3- رفعة المؤمنين

ذكر الله تعالى علو درجات المؤمنين وارتفاع شأنهم ورفعة قدرهم ومكانهم

قال الله تعالى:

﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾

المجادلة: ١١

﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ ﴾

طه: ٧٥

وفي الآيات إشارة إلى أن الرفعة يؤتيها الله تعالى للمؤمن الذي يبتغي بعمله وجه الله تعالى، وقبول عمل المؤمن، أما ما عداهم من أهل النفاق والكفر، فليس لأعمالهم قبول عند الله، وفيها دعوة للمؤمن أن يسارع الى تكميل الدرجات، والوصول إلى أحسن الحالات،

قال الله تعالى:

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾

الإسراء: ٢١

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾

الأنعام: ١٣٢

يخبر الله تعالى أن أهل الإيمان هم الذين لهم الرفعة في الدنيا والآخرة، وذلك بطاعتهم لله واتباع أوامره، ومن سواهم فإنهم موضوعون بحسب بعدهم عن الإيمان، وكلما ازداد الإيمان كلما ارتفعت درجة المؤمن ، والله بأعمالهم خبير لا يخفى عليه المطيع منهم من العاصي، وهو مجازيهم جميعًا بأعمالهم، فالمحسن بإحسانه، والمسيء بالذي هو أهله أو يعفو.

4- رفعة الملك والحكم

إن رفعة الملك والحكم والسلطان من أعظم الدرجات التي يرفع الله تعالى إليها من يشاء من عباده .

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ﴾

الأنعام: ١٦٥

ذكرت الآية أن درجة الخلافة من أعظم الدرجات التي يرفع الله تعالى إليها من يشاء من عباده، وأن الملك بيد الله تعالى يؤتيه من يشاء.

قال الله تعالى:

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

آل عمران: ٢٦

﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ  وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

البقرة: ٢٤٧

﴿ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ﴾

البقرة: ٢٥١

﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ﴾

يوسف: ١٠١

﴿ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾

النساء: ٥٤

وذكر الملك ثم الحكمة ثم النبوة بعد من باب الترقي، والملك صاحب رسالة دنيوية، يعالج بها شئون الناس في الحياة، ويقيمهم على صراط مستقيم، فهو بهذا الوصف مكمل لرسالة الرسول، ومطبّق للشرع الإلهي الذي جاء به الرسول، وهو أن الفصل في الخصومات بين الناس أمر خطير، يحتاج إلى علم واسع، وبصيرة نافذة، ونفس تجردت من كل هوى، وإلا كان الخطأ والزلل، الذي من شأنه إن غلب أفسد حياة الناس، وأغرى بعضهم ببعض، وإيتاء الملك درجة عظيمة يمن الله تعالى بها على من يشاء.

5- رفعة القرآن الكريم

رفعة القرآن من جهة أنه قرآن مكتوب معتنىً به

قال الله  تعالى:

﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾

الزخرف: ٤

ذكر الله تعالى أن القرآن مكرم عنده مرفوع في اللوح المحفوظ، مطهر.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ . فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ . لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ . .تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

الواقعة: ٧٧-٨٠

﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ . فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ﴾

البروج: ٢١-٢٢

﴿ كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ . فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ . فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ . مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ﴾

عبس: ١١-١٤

يخبر سبحانه وتعالى عن منزلة القرآن وعلوه ورفعته وشرفه، وإنه عليٌّ في ذاته، وأنه مودع في أم الكتاب عند الله، مكتوب في اللوح المحفوظ في السماء السابعة، ومكتوب أيضًا في صحف عند الملائكة، وحسبه بهذا علوًّا وشرفًا، وكونه عاليًا على جميع الكتب بسبب كونه معجزًا باقيًا على وجه الدهر.

6- رفعة البيت الحرام

ذكر الله تعالى أن أول من بنى المسجد الحرم ورفع أساسه هو إبراهيم الخليل عليه السلام، وولده إسماعيل عليه السلام.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾

البقرة: ١٢٧

ليس المراد برفعهما قواعد البناء فقط، بل رفع مكانة البيت وإظهار شرفه ودعاء الناس إلى حجّه، ودعاء الله بحفظه.

7- رفعة المكانة والرزق

ذكر القرآن الكريم التفاوت في الدرجات بين الناس في الدنيا في آيات عدة منها .

قال الله تعالى:

﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ﴾

الزخرف: ٣٢

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ﴾

الأنعام: ١٦٥

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾

الإسراء: ٢١

ذكرت الآيات أن الله تعالى هو الذي يقسم بين عباده معيشتهم في حياتهم الدنيا من الأرزاق والأقوات، وهو الذي رفع بعضهم فوق بعض درجات، فهذا غنيٌّ وهذا فقير، وهذا قويٌّ وهذا ضعيف؛ ليكون بعضهم مُسَخَّرًا لبعض في المعاش، وهو الذي جعل لكل واحد من عباده درجة معينة في الأرزاق والأخلاق، والمحاسن والمساوي، والمناظر والأشكال والألوان، وجعل لكل واحد من السعداء والأشقياء في الدنيا درجة معينة من موجبات السعادة وموجبات الشقاوة.

ثانيًا: الرفعة في الآخرة

الرفعة في الآخرة، وهو درجات الجنة ونعيمها .

قال الله تعالى:

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾

الإسراء: ٢١

﴿ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾

الأنفال: ٤

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾

التوبة: ٢٠

﴿ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ . هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾

آل عمران: ١٦٣

في ربط درجات العمل بدرجات الجزاء

قال الله تعالى:

﴿ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا . دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾

النساء: ٩٥-٩٦

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾

الأنعام: ١٣٢

﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ ﴾

طه: ٧٥

الآيات السابقة تبين أن التفاضل في درجات الآخرة أكبر من التفاضل في درجات الدنيا، فالدرجات أكبر، والتفاضل أعظم؛ لأن الآخرة ثواب وأعواض وتفضل وكلها متفاوتة، فأهل النار في دركات سفلى متفاوتة، وأهل الجنة في درجات عليا متفاضلة، وأن المجاهدين والمهاجرين أعظم درجة عند الله.

8- أسباب تحصيل الرفعة

لقد خص الله تعالى بالرفعة في الحياة الدنيا والآخرة من يشاء من عباده، وجعل أرفع درجة في الحياة الدنيا النبوة، واصطفى من عباده من يشاء لهذه الدرجة الرفيعة ، وجعل الله تعالى للرفعة أسباب أخرى، ترفع صاحبها في الدنيا ولآخرة، ومن هذه الأسباب، الإيمان والعلم والجهاد في سبيل الله تعالى واتباع الحق والعمل به .

1- النبوة والرسالة

ذكر الله تعالى أن النبوة والرسالة هي أرفع الدرجات التي يصطفي إليها من يشاء من عباده، ويخصهم بهذه المرتبة العالية .

قال الله تعالى:

﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ﴾

البقرة: ٢٥٣

وليس لأحد سبب اختيار هذه الدرجة، أو اعتراض عليها، ولكنه سبحانه وحده الذي له اختيار ذلك .

قال الله تعالى:

﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾

الأنعام: ١٢٤

أي: هو أعلم حيث يضع رسالته ومن يصلح لها من خلقه

2- الإيمان

قال الله تعالى:

﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾

المجادلة: ١١

﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى ﴾

طه:75

من أسباب الرفعة التي ذكرها القرآن الكريم هو الإيمان، والإيمان أصل الأسباب كلها؛ لأن الإيمان أصل الدين، وبه تقبل الأعمال، وتزكو الخصال

3- العلم

من أسباب الرفعة التي ذكرها القرآن الكريم العلم، وهو خير ما سعى له الإنسان فالعلم أصل كل شيء ومنبع كل خير منه؛ لأنه لا يمكن أن يجاهد المجاهد ولا أن يصلي المصلي ولا أن يزكي المزكي ولا أن يصوم الصائم ولا أن يحج الحاج ولا أن يعتمر المعتمر ولا أن يأكل الآكل إلا بالعلم  .

قال الله تعالى:

﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾

المجادلة: ١١

4- الجهاد

بين القرآن الكريم درجة المجاهدين

قال الله تعالى:

﴿ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾

النساء: ٩٥

ولما كان المجاهد في سبيل الله قد رغب عن الدنيا وأقبل على الله كانت درجته في الآخرة أعلى الدرجات .

5- اتباع الحق وإيثاره

ذكر القرآن الكريم أن اتباع الحق وإيثاره سبب من أسباب الرفعة،

قال الله تعالى:

﴿  وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾

الأعراف: ١٧5- 176

واقصص – أيها الرسول – على أمتك خبر رجل من بني إسرائيل أعطيناه حججنا وأدلتنا، فتعلَّمها، ثم كفر بها، ونبذها وراء ظهره، فاستحوذ عليه الشيطان، فصار من الضالين الهالكين؛ بسبب مخالفته أمر ربه وطاعته الشيطان. ولو شئنا أن نرفع قدره بما آتيناه من الآيات لفعلنا، ولكنه رَكَنَ إلى الدنيا واتبع هواه، وآثر لَذَّاته وشهواته على الآخرة، وامتنع عن طاعة الله وخالف أمره.

9- أسباب الحرمان من

  الرفعة في الآخرة

كما أن للرفعة أسباب ينال بها الشخص المنزلة الرفيعة والمكانة العالية كذلك هناك أسباب للحرمان من الرفعة في الآخرة وهي:

1- الكفر

لما كان أعز الأشياء الموجبة للرفعة في درجات الآخرة هو الإيمان، فإن أذل الأشياء الموجبة للمذلة المانعة من الرفعة هو الكفر، وهو سبب الحرمان من دخول الجنة ونيل الرفعة فيها.

قال الله تعالى  :

﴿ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ . الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾

الأعراف: ٥٠-٥١

تتضمن هذه الآية الكريمة تحريم الجنة ونعيمها على من كفر بالله تعالى وخلوده في نار جهنم، وأنه لا يرجى له خلاص .

قال الله تعالى  :

﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾

المائدة: ٧٢

2- اتباع الدنيا

ذكر القرآن الكريم إن من الأشياء الموجبة للمذلة المانعة من الرفعة هو حب الدنيا، وهو سبب الحرمان من دخول الجنة ونيل الرفعة فيها، وقد ذم من غرتهم الحياة الدنيا، فكان كل همهم التمتع بشهواتها ولذاتها؛ لأنها مطلوبة عندهم لذاتها .

قال الله تعالى  :

﴿ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾

الأعراف: ٥١

وقد نبه سبحانه عباده المؤمنين من حال الحياة الدنيا وصفتها التي تمتاز بها فأعلم بذلك ليجتنبوها ويحذروا غرورها، وليعملوا إلى الرفعة الحقيقية وهي الدار الآخرة .

قال الله تعالى  :

﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

الأنعام: ٣٢

﴿ إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ ﴾

محمد: ٣٦

﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

الحديد: ٢٠

3- اتباع الهوى

ذكر القرآن الكريم إن من الأشياء المانعة من الرفعة هو اتباع الهوى، وهو سبب الحرمان من دخول الجنة ونيل الرفعة فيها، وبالهوى تندفع النفوس إلى الشهوات الضارة المهلكات .

قال الله تعالى  :

﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا  ﴾

الأعراف: ١٧٦

ولو شئنا أن نرفع قدره بما آتيناه من الآيات لفعلنا، ولكنه رَكَنَ إلى الدنيا واتبع هواه، وآثر لَذَّاته وشهواته على الآخرة، وامتنع عن طاعة الله وخالف أمره. فَمَثَلُ هذا الرجل مثل الكلب، إن تطرده أو تتركه يُخْرج لسانه في الحالين لاهثًا، فكذلك الذي انسلخ من آيات الله يظل على كفره إن اجتهدْتَ في دعوتك له أو أهملته .

Share This