1- مفهوم الوصية 

أن الوصية لها معنيان ..

1- عهد خاص أن يتبرّع بالمال أو قيمته لغير الورثة بعد مماته.

2- وهو ما يعهد إلى الإنسان أن يعمله من خير أو ترك شر.

2- كلمة الوصية

     في

القرآن الكريم

وردت كلمة (وصي) وصيغها في القرآن الكريم (٣٢) مرة، والصيغ التي وردت، هي:

– الفعل الماضي

ورد 12 مرة

قال الله تعالى:

( وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ  )

البقرة:١٣٢

والحكمة في مجيء هذه الصيغة بالماضي: يعني أنها وصايا قديمة ما زال يوصي الله تعالى بها عباده، وجيء بها بصيغة الماضي الذي يفيد الثبات والاستمرار .

– الفعل المضارع

ورد 5 مرات

قال الله تعالى:

( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ )

النساء:١٢

جاءت الوصية بلفظ المضارع اهتماما بشأنها، وإيذانا بوجوب سرعة الامتثال لمضمونها .

– اسم الفاعل

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى:

( فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )

البقرة:١٨٢

– المصدر

ورد 8 مرات

قال الله تعالى:

( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ )

البقرة:١٨٠

وقد جاءت الوصية في القرآن الكريم بمعني التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنًا بوعظ .

قال الله تعالى:

﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾

لقمان 14

﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾

الأحقاف 15

3- الكلمات ذات الصلة

     بكلمة الوصية

أ – النذر

ما يقدمه المرء لربه، أو يوجبه على نفسه من صدقة أو عبادة أو نحوهما، وما كان وعدًا على شرط، فعلي إن شفى الله مريضي كذا نذر .

قال الله تعالى:

( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ )

البقرة 270

ب – الهبة

التفضل على الغير في الحياة بما ينتفع به مطلقا سواء كان مالا ام غير مال بغير عِوَض .

قال الله تعالى:

( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ )

الأحزاب 50

امرأة مؤمنة مَنَحَتْ نفسها لك من غير مهر

ج – المواريث

ما تركه الميت من أموال وحقوق

قال الله تعالى:

( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ )

النساء 11

4- مصدر الوصايا

        في

    القرآن الكريم

لقد ذكر القرآن الكريم من صدرت منهم الوصايا، وسنتناول ذلك فيما يأتي:

1- الله جل جلاله

الوصية من الله تعالى هي ما عهد إلى العباد أن يعملوه، من فعل خير، أو ترك شر، تظهر وصية الله تعالى للأنبياء والمؤمنين وأهل الكتاب والإنسان عامة وذلك من خلال ما يلي:

أ- الأنبياء

وصى الله تعالى الأنبياء والمرسلين بالتشريعات الدينية .

قال الله  تعالى:

( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ  أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ  كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ  اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ )

الشورى:١٣

إن الأنبياء عليهم السلام مأمورون بتبليغ وصية الله تعالى، وقد بينت هذه الآية الكريمة أن من وصية الله تعالى لجميع الرسل إقامة الدين بكليته، ومن إقامة الدين الذي أمر الله تعالى بإقامته اتباع جميع التشريعات التي أمر الله تعالى بها، وقد كانت هذه الوصية عمل الرسل لأممهم ومن بعدهم، فنفذها إبراهيم عليه السلام.

قال الله تعالى:

 ( وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )

البقرة :١٣٢

ومن بعد إبراهيم يعقوب عليه السلام

قال الله تعالى:

 ( أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )

البقرة :١٣٣

كذلك وصى الله تعالى الأنبياء بالعبادة من صلاة وزكاة، كما في قوله تعالى عن نبي الله عيسى عليه السلام .

قال الله تعالى:

 ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا .  وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا )

مريم:٣0 – 31

ب – المؤمنون

قال الله تعالى:

 ﴿ وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

العصر1- 3

المؤمنون مأمورون بالأ تي ..

– التواصي بالحق

والحق هو المقصود الأول من الدين، من توحيد الله وطاعته، واتباع كتبه ورسله .

– التواصي بالصبر

الصبر لازم للاستقامة على صراط الله المستقيم وذلك بالصبر على عمل الطاعات، كما هو لازم لترك المنكرات .

ج – أهل الكتاب

ومن الوصايا التي وصى الله تعالى بها أهل الكتاب وصية التقوى.

قال الله تعالى:

 ( وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ  وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا )

النساء :١٣١

ولقد عهدنا إلى الذين أُعطوا الكتاب من قبلكم من اليهود والنصارى، وعهدنا إليكم كذلك – يا أمة محمد- بتقوى الله تعالى، والقيام بأمره واجتناب نهيه، وبيَّنَّا لكم أنكم إن تجحدوا وحدانية الله تعالى وشرعه فإنه سبحانه غني عنكم؛ لأن له جميع ما في السموات والأرض. وكان الله غنيّاً عن خلقه، حميدًا في صفاته وأفعاله.

وبين بها عدم حاجته تعالى إلى تقوى الناس، ولكنها لصلاح أنفسهم،

قال الله تعالى:

 ( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ )

الزمر :٧

د – عامة الناس

لقد وجه الله تعالى الوصية بالإحسان إلى الناس عامة.

قال الله تعالى:

 ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ . أُولَٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ )

الأحقاف :١٥ -١٦

بينت الآية أن الوصية بالإحسان للوالدين: هي وصية لجنس الإنسان كله، فهذه الوصاة بالإحسان إلى الوالدين موجهة إلى كل إنسان أي: وصينا الناس وهو مراد به خصوص الناس الذين جاءتهم الرسل بوصايا الله والذين آمنوا وعملوا الصالحات

2- الأنبياء والرسل والحكماء

إن الأنبياء عليهم السلام هم القدوة الحسنة التي يجب أن نقتدي بهم في أقوالهم وأفعالهم، ولذلك جعل الله تعالى الوصية في القرآن على ألسنتهم، وإن وصايا الأنبياء عليهم السلام هي دين وتشريع من الله تعالى يجب اتباعها والعمل بها، وفيها سعادة الدنيا والآخرة، ولقد كانت وصية الأنبياء إلى أممهم هي إقامة الدين.

– وصية إبراهيم عليه السلام

قال الله تعالى:

 ( وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ . أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )

البقرة:١٣2-١٣٣

وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة ما كان عليه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الدعاء إلى الله تعالى، حتى جعلوا ذلك وصية يوصون بها واحدا بعد واحد .

– وصية لقمان الحكيم عليه السلام

وقد ذكر القرآن الكريم لقمان الحكيم عليه السلام وهو يوصي ابنه بالتوحيد والنهي عن الشرك.

قال الله تعالى:

( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ  . وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ . وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا  وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ . يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ . وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ . وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير)

لقمان:١٣-١٩

شملت هذه الوصية قضية التوحيد وإخلاص العقيدة لله وحده لا شريك له؛ فالشرك بالله ظلم عظيم وجرم كبير، وكون الشرك ظلما؛ لما فيه من وضع الشيء في غير موضعه، وكونه عظيما؛ لما فيه من التسوية بين من لا نعمة إلا منه سبحانه ومن لا نعمة له، كما شملت الحرص على طاعة الوالدين والبر بهما، ومراقبة الله له في كل حين، وإحاطته بكل شيء؛ وأداء الصلاة، ومواصلة الصبر في المعاملة مهما كانت الشدائد والعقبات، والحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ والنهي عن الكبر والخيلاء والإعجاب بالنفس وهتك الحرمات، والخوض في أعراض الناس وتلويث البيئة بالأفعال القبيحة والصور المنفرة والأصوات المزعجة، وذلك في صور يهتز لها الوجدان، وينخلع منها القلب، وتتفق مع الفطرة والعقل جميعًا.

3- عموم الناس

ذكر القرآن الكريم وصية المؤمن لوالده وولده ووصيته في ماله.

قال الله تعالى:

( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ )

البقرة:١٨٠

فرض الله عليكم إذا حضر أحدكم علامات الموت ومقدماته -إن ترك مالا- الوصية بجزء من ماله للوالدين والأقربين مع مراعاة العدل؛ فلا يدع الفقير ويوصي للغني، ولا يتجاوز الثلث، وذلك حق ثابت يعمل به أهل التقوى الذين يخافون الله.

6- مجالات الوصية

      في

   القرآن الكريم

أعظم الوصايا وأعلاها وأهمها هي الوصية بالدِّين والإيمان والتقوى، وهي وصية الله للأولين والآخرين ووصية الأنبياء لأبنائهم وأتباعهم إلى يوم الدين. مما جاء من الوصايا في القرآن الكريم ما يأتي:

1- أمور العقائد

بين الله تعالى وصيته لجميع أنبيائه

قال الله تعالى:

( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ  أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ  كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ  اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ )

الشورى :١٣

والمراد: إقامة دين الإسلام الذي هو توحيد الله وطاعته، والإيمان برسله وكتبه، وبيوم الجزاء، وسائر ما يكون الرجل بإقامته مسلما، ولم يرد الشرائع التي هي مصالح الأمم على حسب أحوالها، فإنها مختلفة متفاوتة.

قال الله تعالى:

 ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ  فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ  وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ  لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا  وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ  فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ  إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ )

المائدة:٤٨

2- أمور العبادات

ولقد وصى القرآن الكريم بإقامة العبادات.

قال الله تعالى:

( إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ )

الأنبياء:٩٢

هؤلاء الأنبياء جميعًا دينهم واحد، الإسلام، وهو الاستسلام لله بالطاعة وإفراده بالعبادة، والله سبحانه وتعالى رب الخلق فاعبدوه – أيها الناس – وحده لا شريك له.

قال الله تعالى:

( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى  وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ )

البقرة:١٢٥

ووصى الله تعالى إبراهيم وإسماعيل بإقامة العبادات،

قال الله تعالى:

( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا . وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا )

مريم :٣0-31

والصلاة والزكاة، أول ما نطق به عيسى عليه السلام في المهد ، فقد أمر بالمحافظة على حدود الصلاة وإقامتها وإيتاء الزكاة ما بقي حيًا.

3- أمور التشريع

جعل الله تعالى لكل أهل ملة شريعة ومنهاجا، فلأهل التوراة شريعة، ولأهل الإنجيل شريعة، ولأهل القرآن شريعة، يحل فيها ما يشاء ويحرم ما يشاء، والدين واحد والشرائع مختلفة.

قال الله تعالى:

 ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ )

المائدة :٤٨

فقد جعلنا لكل أمة شريعة، وطريقة واضحة يعملون بها. ولو شاء الله لجعل شرائعكم واحدة، ولكنه تعالى خالف بينها ليختبركم، فيظهر المطيع من العاصي، فسارعوا إلى ما هو خير لكم في الدارين بالعمل بما في القرآن، فإن مصيركم إلى الله، فيخبركم بما كنتم فيه تختلفون، ويجزي كلا بعمله .

ومن التشريعات الدينية الإحسان للوالدين،

قال الله تعالى:

( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا )

الأحقاف :١٥

وأَمَر ربك -أيها الإنسان- وألزم وأوجب الإحسان إلى الأب والأم .

ومن التشريعات الدينية إعطاء الوالدين والأقربين حقهم من المال،

قال الله تعالى:

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ  حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾

البقرة :١٨٠

فرض الله عليكم إذا حضر أحدكم علامات الموت ومقدماته – إن ترك مالا- الوصية بجزء من ماله للوالدين والأقربين مع مراعاة العدل؛ فلا يدع الفقير ويوصي للغني، ولا يتجاوز الثلث، وذلك حق ثابت يعمل به أهل التقوى الذين يخافون الله.

قال الله تعالى:

( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ )

النساء:١١

وصى الله تعالى في هذه الآية بنصيب كل من الولد والبنت في تركة والدهما المتوفى، فللذكر ضعف الأنثى، أو مثل نصيب الأنثيين.

قال الله تعالى:

 ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ )

البقرة :٢٤٠

والأزواج الذين يموتون ويتركون زوجات بعدهم، فعليهم وصيةً لهنَّ: أن يُمَتَّعن سنه تامة من يوم الوفاة، بالسكنى في منزل الزوج من غير إخراج الورثة لهن مدة السنة؛ جبرًا لخاطر الزوجة، وبرًا بالمتوفَّى.

قال الله تعالى:

 ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ )

المائدة :١٠٦

يا أيها الذين آمنوا إذا قرب الموت من أحدكم، فلْيُشْهِد على وصيته اثنين أمينين من المسلمين أو آخرين من غير المسلمين عند الحاجة، وعدم وجود غيرهما من المسلمين .

4- أمور الأخلاق

الأخلاق هي عنوان الشعوب، قد حثت عليها جميع الأديان، ونادى بها المصلحون، فهي أساس الحضارة، ووسيلة للمعاملة بين الناس ، فالأخلاق الإسلامية هي الأخلاق والأداب التي حث عليها الإسلام وذكرت في القرآن الكريم .

قال الله تعالى:

( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا  وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا  وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا  ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ  ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

الأنعام 151- 153

إن الله تعالى رحيم بنا يوصينا بأحسن الوصايا التي تنفعنا في الدنيا والآخرة، وأول وصية وصانا الله تعالى بها هي ألا نشرك به شيئا، ثم وصى بواجب الإنسان تجاه والديه وأقاربه والمساكين وأبناء السبيل والأيتام من بر وقول معروف وحفظ حق، ثم واجب الاعتدال والقصد في حالة اليسر وعدم التبرم بأحداث الحياة وضيق المعيشة وكثرة الولد في حالة الفقر والعسر.

ثم واجب احترام أعراض الناس ودمائهم وعهودهم وأسرارهم واجتناب الإثم والفحش والبغي والكبر والخيلاء والتصدي للأمور بدون علم وبينة وفائدة بأسلوب قوي محكم الحلقات، وجاءت هذه الوصايا بصيغة الأوامر والنواهي والوصايا والإلزام والتنبيه، وهي من هذه الناحية أجمع وأقوى جوامع القرآن في صدد الأخلاق الدينية والاجتماعية والشخصية التي من شأنها أن تكفل رضاء الله وعنايته، وأن تحفظ الناس من الشرور والمهالك، وأن تضمن لهم السعادة والطمأنينة، وأن تبث فيهم روح التعاون والتراحم والإخاء، وأن تجنبهم ما لا يليق بالكرامة الإنسانية والشعور الإنساني من مواقف وحركات، وهذه هي الوصايا العشر التي أجمعت عليها جميع الشرائع ولم تنسخ قط في ملة.

7- نتائج الوصية

 الدنيوية والأخروية

هناك نتائج لوصايا القرآن الكريم في الدنيا والأخرة ،وهي

أولا – نتائج الوصية

الدنيوية

1- النتائج الدنيوية

للتواصي بالحق

أن وصايا القرآن من شأنها أن تكفل رضاء الله وعنايته، وأن تحفظ الناس من الشرور والمهالك وأن تضمن لهم السعادة والطمأنينة، وأن تبث فيهم روح التعاون والتراحم والإخاء، وأن تجنبهم ما لا يليق بالكرامة الإنسانية والشعور الإنساني من مواقف وحركات .

أ – الحفاظ على النفس و

صيانتها من الاعتداء عليها

قال الله تعالى:

( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾

الأنعام:١٥١

وشملت الوصية ما كان يعمله أهل الجاهلية فكانت الجاهلية تقتل أولادها خشية كثرة العيلة، ودخول الفقر عليهم إذا كثروا. وشملت الوصية حفظ النفس الإنسانية،  أي: حرم قتلها بأن عصمها بالإسلام .

والحفاظ على النفس يشيع في المجتمع الأمن والسلام ويقضي على كل مظاهر العنف، ويحفظ التعايش مع جميع المجتمعات والأمم والشعوب، ب – الحفاظ على العقيدة الصحيحة

والتي هي سبب الفوز والنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، وهي السبب في الحفاظ على الفرد والأسرة والمجتمع وهي التي تحفظ الفرد من البدع والضلالات والشبهات

قال الله تعالى:

 ( وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ  وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ  ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )

الأنعام:١٥٣

ت – الحفاظ على الفرد والأسرة والمجتمع

فالوصية بالأخلاق الكريمة هي القاعدة الأساسية التي يقوم عليها المجتمع وهي قاعدة النظافة والطهارة والعفة والأخلاق، فنهاهم عن الفواحش ظاهرها وخافيها؛ لأنه لا يمكن قيام أمة، ولا استقامة مجتمع، ولا أسرة في وحل الفواحش ما ظهر منها وما بطن .

قال الله تعالى:

( وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )

الأنعام :١٥١

ج – الحفاظ على وحدة الأمة وكيانها وقوتها

فاتباع صراط الله المستقيم الواحد هو سبب وحدة الأمة، وحدتها في الألوهية ووحدتها في الربوبية ووحدتها من الشتات والتمزق التي تسببه الأهواء والبدع والطوائف والأحزاب.

قال الله تعالى:

 ( وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )

الأنعام:١٥٣

د – الحفاظ على الأموال

فحفظت وصايا القرآن أموال اليتامى من الضياع، وحذرت أصحاب النفوس الضعيفة من المساس بها، وحفظت الموازين في التجارة لتستقيم المعاملات، وأعطت للأولاد والآباء حقهم من المال، ونهت عن المضارة في الوصية في المال، وذلك يعمل على حفظ مال الفرد والجماعة والأمة .

قال الله تعالى:

( وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )

الأنعام :١٥٢

2- النتائج الدنيوية

للتواصي بالشر

والتواصي بالشر بعكس التواصي بالخير فهو سبب الشرك والكفر وفساد الأخلاق وأكل مال اليتيم وقتل النفس التي حرم الله تعالى وقتل الأولاد خوف الفقر ووأد البنات وحرمان خير الدنيا والآخرة، وسبب الشقاء والانحراف والطغيان.

قال الله تعالى:

 ( وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ . كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ . أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ . فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ )

الذاريات :٥٢-٥٤

يخبر تعالى عن سبب شقاء قريش وحرمانها خير الدنيا والآخرة وهو اتباعها وصية الأمم السالفة المكذبة رسلها، فكما كذبت قريش نبيها محمدًا صلى الله عليه وسلم، وقالت: هو شاعر، أو ساحر أو مجنون، كذلك فعلت الأمم المكذبة رسلها، الذين أحل الله بهم نقمته، كقوم نوح وعاد وثمود، وفرعون وقومه

قال الله تعالى:

    ( وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

العصر:١-٣

فأقسم سبحانه على خسران نوع الإنسان إلا من كمل نفسه بالإيمان والعمل الصالح، وكمل غيره بوصيته له بالاستمساك بالحق، والعمل بطاعة الله، والصبر على ذلك.

ثانيا – نتائج الوصية

الأخروية

1- النتائج الأخروية

للتواصي بالحق

من ثمرات الوصايا بالحق والوصايا بالصبر والوصايا بالمرحمة ووصايا القرآن بشكل عام .

قال الله تعالى:

 ( ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ . أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ  ﴾

البلد :١٧-١٨

أي: أن هؤلاء الذين آمنوا، وتواصوا بالصبر، وتواصوا بالمرحمة، وتخطوا هذه العقبة، ففكوا الرقاب، وأطعموا الجياع من الأيتام والمساكين هؤلاء هم أصحاب اليمين ، الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم، ووصف الله تعالى ما أعد لأصحاب اليمين في الآيات التالية ..

قال الله تعالى:

( وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ . فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ . وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ. وَظِلٍّ مَمْدُودٍ . وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ . وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ . لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ. وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ . إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً . فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا . عُرُبًا أَتْرَابًا . لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ . ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ . وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ )

الواقعة :٢٧-٤٠

2- النتائج الأخروية

للتواصي بالشر

ثم ذكر تعالى مقابل أصحاب اليمين ، وهم الذين صدوا عن سبيل الله، وتواصوا بالإثم وتواصوا بالعدوان .

قال الله تعالى:

 ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ . عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ  ﴾

البلد :١٩-٢٠

أي: والذين جحدوا آياتنا الكونية وآياتنا السمعية التي جاءت على ألسنة الرسل، هم أصحاب المشأمة، أي أصحاب الشؤم على أنفسهم، وهم أهل الشمال الذين وصفهم الله تعالى في الآيات التالية ..

قال الله تعالى:

 ( وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ . فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ . وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ . لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ . إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُتْرَفِينَ . وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ . وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾

الواقعة:٤١-٤٧

والخلاصة: أن وصايا القرآن الكريم تحافظ على الكليات الضرورية للفرد والمجتمع وهي العقيدة والنفس والعرض والمال والعقل وكل ما فيه صلاح المجتمع وسلامته والحفاظ على أمنه ووحدته واستقراره بما يكفل له سبل الحياة الكريمة، فإذا هم فعلوا بهذه الوصايا كثر في الأمة الخير، وندر فيها وقوع الشر، وائتلفت قلوب أهليها، وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر، وسعدوا في دنياهم وآخرتهم.

Share This