مفهوم الوسطية في القرآن الكريم

1- مفهوم الوسطية

يطلق لفظ الوسطية علي أحد الأمرين :

1- الشيء الأعدل والأفضل والأخير .

قال الله تعالى:

﴿ ‏‎ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ﴾

القلم: 28

والأوسط هنا بمعنى الأفضل والأرجح ‏عقلاً ورأياً .

2- الاعتدال والتوازن في كل أمور الحياة .

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا ﴾

الفرقان: 67

حيث تشير تلك الآية إلى أهمية الوسطية وتحقيق التوازن في الإنفاق.

2- كلمة الوسطية

      في

القرآن الكريم

وردت كلمة (وسط) في القرآن الكريم (٥) مرات . والصيغ التي وردت، هي:

– الفعل الماضي

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا ﴾

العاديات:٥

– الاسم

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا

البقرة:١٤٣

– اسم التفضيل

ورد 3 مرات

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ﴾

القلم :٢٨

وجاء الوسط في القرآن الكريم بمعني المعتدل من كل شيء، ويلزم منه التوسط في منتصفٍ أو بين طرفين، ويلزم أيضًا على هذا المعنى أن يكون الوسط هو الأعدل والأفضل والأخير.

3- كلمات ذات الصلة

     بكلمة الوسطية

– الغلو

أصل الغلو تجاوز الحد والتشدد فيه ، وهو ضد الوسطية، حيث إن الوسطية تعني الاعتدال بين الغلو والتساهل.

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ ﴾

المائدة : 77

– الإفراط

هوتجاوز الحد في الأمر.

قال الله تعالى:

﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَىٰ ﴾

طه : 45

– التفريط

هو التقصير في الشيء حتى يضيع ويفوت .

قال الله تعالى:

﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ﴾

الزمر: 56

– الصراط المستقيم

الصراط المستقيم هو طريق الهدى وسواء السبيل.

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

النور: 46

– السداد

السداد هو الصوابُ من القول والفعل .

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾

الأحزاب: 70

– الاقتصاد

هو توسَّط فلم يُفْرِطْ ولم يُفَرِّطْ .

قال الله تعالى:

﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ﴾

لقمان: 19

أي امش مقتصداً مشياً ليس بالبطيء المتثبط، ‏ولا بالسريع المفرط، بل عدلاً وسطاً بين بين .

4 – الوسطية في ضوء

   القرآن الكريم

وردت كلمة وسط في القرآن الكريم في إطار التصريح في خمسة مواضع:

1- الموضع الأول

قال الله تعالى:

﴿  وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾

البقرة : 143

فالوسط كما ورد في الآية هو ذلك العدل والخير الذي على الأمة الإسلامية أن تقترن به، وإنما علاقته واضحة بالعدل الذي يستلزم الشهادة على الناس، وبالخير الذي يتطلبه حمل الهداية إلى العالم، فالخيرية هي صنو العدل، وهما معًا صفتان مطلوبتان للتبليغ، وللأمر بالمعروف وللنهي عن المنكر. وفي هذا المعنى

قال الله تعالى:

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

آل عمران:١١٠

2- الموضع الثانيً

قال الله تعالى:

﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾

البقرة: 238

واو العطف فى قوله تعالى (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى ) تقوم بوظيفتها فى القرآن بالشرح والايضاح و التفصيل ، فالصلاة الوسطى (معطوفة عطف بيان ) على جملة ( حافظوا على الصلاة ) ، أى أن واو العطف هنا تجعل الصلاة الوسطى شارحة وموضحة لمعنى الأمر الالهى ( حافظوا على الصلاة ). ثم تأتى واو العطف فى بقية الآية ( وقوموا لله قانتين ) تزيد مع المحافظة على الصلاة أى الصلاة الوسطى أمرا آخر شارحا وهو الأمر بالخشوع فى تأدية الصلاة .

يأمر الله تعالى فى الآية المؤمنين بالمحافظة على الصلوات ، وشرح ذلك بأن تكون الصلاة وسطى ، أى أن الصلاة الوسطى هى التى يتم المحافظة عليها بالابتعاد عن الفحشاء والمنكر و بالالتزام بتقوى الله جل وعلا ، وهذه المحافظة على الصلاة تكون بعد وقبل تادية الصلاة ، بمعنى أن تؤثر الصلاة فى سلوكك فتثمر تقوى وعملا صالحا بين الصلوات ، فلا تصلى وانت معتاد على الكذب أو مدمن للزنا أو متمسك بظلم الناس ، وأما فى داخل الصلاة فلا بد أن تكون خاشعا أثناء صلاتك ،أو بالتعبير القرآنى أن تقوم لله تعالى قانتا.

3- الموضع الثالث

قال الله تعالى:

 ﴿ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ﴾

المائدة: 89

فالوسط فى المصطلح القرآنى هو الأفضل. جاء هذا وصفا لأفضل طعام يقدمه المؤمن فى كفارة اليمين . يعنى أن نقدم أفضل الطعام الذى نأكله ، وليس الفضلات وبواقى الطعام .

4- الموضع الرابع

قال الله تعالى:

﴿ ‏‎ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ﴾

القلم: 28

والأوسط هنا بمعنى الأفضل والأرجح ‏عقلاً ورأياً .

5- الموضع الخامس

قال الله تعالى:

 ﴿ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا ﴾

العاديات: 5

والمعنى توسط جموع الأعداء

5 – صفات الوسطية

      في

 القرآن الكريم

صفات الوسطية في القرآن الكريم هي مفهوم جامع لمعاني العدل والخير والاستقامة ، نبينها في ما يلي :

أولًا – العدل

العدل هو ضد الظلم، وإحقاق الحق، وإخراج الحق عن الباطل .

قال الله تعالى:

﴿  وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾

البقرة : 143

أى : جعلناكم أمة خيارًا لتشهدوا على الأمم في الآخرة ، والشهادة لا تقوم إلا بالعدل، ولا تقبل إلا من عدل ، وهنا لدليل كبير على أن العدل من ملامح الوسطية .

وبما أن الوسط يعني العدل كما تقرر سابقًا، فقد جاءت الكثير من الآيات القرآنية التي تبين وجوب العدل في جميع الأمور

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾

النحل:٩٠

وهذا يشمل الأ تى

أ – العدل في الشهادة

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ  ﴾

النساء :١٣٥

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ﴾

المائدة :٨

في هذه الآيات أمرنا الله عز وجل بالعدل في الشهادة ولو كانت الشهادة بحق أنفسنا أو والدينا أو أقاربنا، فعلينا التزام العدل في أحكامنا على الدوام، حتي مع الاعداء .

ب – العدل في ما نقول

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ﴾

الأنعام:١٥٢

أمرٌ بالتزام العدل فيما نقول، بدون محاباة لأحد، ولو كان أقرب الناس إلينا.

ج – العدل في الحكم

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾

النساء :٥٨

إصدار الحكم بالعدل والحق، وهذا يشمل القريب والبعيد، والبر والفاجر، والولي والعدو.

ثانيًا- الاستقامة

إن رأس الأعمال الصالحة أن يكون الإنسان مستقيمًا في الوسط غير مائل إلى طرفي الإفراط والتفريط، فتكون الاستقامة في أمر الدين والتوحيد وفي جميع الأمور الحياتية.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾

فصلت :٣٠

البشرى بالجنة والأمان لمن استقام على منهج الطاعة ومنهج العبادة قولًا وعملًا، دون إفراط أو تفريط.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

الأحقاف:١٣

فالذين استقاموا على شريعته فامتثلوا أوامره، واجتنبوا نواهيه، ولزموا محجته، فلا يلحقهم ما يخافونه ويكرهونه في الآخرة، ولا يروعون؛ لأنهم خافوه تعالى في الدنيا فأمنهم في الآخرة

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾

الجن:١٦

والاستقامة هي اتباع صراط الله المستقيم، مبتعدين عن الطرق المختلفة والأهواء المضلة .

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ  ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

الأنعام:١٥٣

ولما كانت الاستقامة جامعة لكثير من الأمور التي أمرنا بها الله عز وجل، فقد ورد الحث عليها في القرآن كثيرًا

قال الله تعالى:

﴿ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ﴾

فصلت:٦

فالتزام الاستقامة في طريقنا إلى الله جل جلاله بالإيمان به وطاعته، والإخلاص في عبادته هو المقصود الأسمى.

قال الله تعالى:

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ﴾

هود:١١٢

﴿ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ﴾

الشورى:١٥

أي: دم يا محمد على ما أمرت به من عبادة الله عز وجل، وطاعته فيما أمر، وتبليغ رسالته، ولا تتبع أهواء الكفار والمضلين مما يحبون من الكفر والباطل كله.

قال الله تعالى:

﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ . لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ﴾

التكوير:٢٧-٢٨

وهذا القرآن موعظة لمن أراد أن يتبع الحق ويقيم عليه.

قال الله تعالى:

﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾

الفاتحة :٦-٧

ونحن مأمورون بالالتزام بسبيل الذين أنعم الله عليهم؛ لأنه هو الصراط المستقيم، وهو غير صراط المغضوب عليهم، وهم الذين فسدت إرادتهم، فعلموا الحق وعدلوا عنه، ولا صراط الضالين، وهم الذين فقدوا العلم، فهم هائمون في الضلالة، لا يهتدون إلى الحق .

ثالثًا- الحكمة

الحكمة هي البصيرة المستنيرة التي تضع الأشياء في مواضعها و التي تهدي للصالح الصائب من الأعمال.

وقد عرفنا أن الوسطية هي السير على الطريق المستقيم الذي ارتضاه الله لنا، وعدم الجنوح إلى الإفراط أو التفريط، وهو عين الحكمة وجوهرها؛ وذلك أن الخروج عن الوسطية سواء كان بإفراط أو تفريط له آثاره السلبية وعواقبه الوخيمة، وهذا يخالف الحكمة التي علينا التحلي بها وينافيها.

قال الله تعالى:

﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾

البقرة:٢٦٩

والله عز وجل عندما أنزل الشريعة كان عليمًا حكيمًا بأحوال العباد، فلم ينه عن فعل إلا لحكمة سواء أدركناها أم لا، ولم يأمر بفعل إلا لحكمة أيضًا، فقد نزل تعالى الأمور منازلها، ووضع الأشياء مواضعها.

رابعا – الخيرية

قال الله تعالى:

﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

آل عمران: 110

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾

البقرة: 143

بين وصف الخيرية والوسطية تلازم ؛ إذ أن من معاني الوسط في لغة العرب الخيار .

أن هذه الخيرية ليست نابعة عن مجاملة أو محاباة أو اختصاص بلا مسوغ ؛ وإنما علتها وسببها هو عين ما ذكره الله بعد ذلك معللًا هذه الخيرية

قال الله تعالى:

﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

آل عمران : 110

ومن فضائل هذه الأمة أن الله سبحانه وتعالى كتب لهم رحمته

قال الله تعالى:

﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ .الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

الأعراف: 156- 157

6 – معالم الوسطية

     في

 القرآن الكريم

لهذه الوسطية التي تشرفت بها هذه الأمة معالم كثيرة نورد فيما يلي أهمها في أربعة مباحث

1- التوازن في التعامل مع متطلبات الروح والجسد

خلق اﷲ تعالى الإنسان مُرَكَّب من روح وجسدٍ ،وأودع في كل منهما مقتضياتِه ومتطلباتِه، وراعى في تعاليم دينه- دين الإسلام- حاجات الروح ومطالب الجسد فجمع بين مقتضياتهما، ووازن بين متطلباتهما،وسدّت حاجاتهما في آن واحد، وأعطى للروح حقّها وللبدن حقه، من غير إفراط تفريط ، ووجّه أتباعه بالاعتناء بهما بحيث لا يَطْغى فيها جانب على جانب آخر، أولا يُغفل جانب بسبب الاهتمام الزائد بجانب آخر.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

الجمعة : ٩-١٠

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾

المومنون : ٥-٦

2- التوازن في التعامل مع متاع الدنیا

قال الله تعالى:

﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾

القصص: ٧٧

﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ﴾

البقرة: ٢٠١

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾

المائدة: ٨٧

مُثْنِيا على من  يدعو  بالجمع بينهما

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾

الأعراف :٣٢

﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾

الحديد: 24

﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَىٰ . وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ . وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ﴾

النازعات: ٣٧- 41

3- التوازن في التعامل مع غیر المسلمین

الطريقة المثلى التي اختارها الاسلام للتعامل مع من لايَدينون بدينه، ويعيشون بجوار أتْباعه لَطريقة مَبْنِيَّة على أصلين ثابتين، ومبدأين أساسيين يُكَوِّ نان الوسطية في تعامله تجاههم، ويكفلان الاعتدال في التعايش معهم، وهما:

١- مبدأ الأخلاق بجميع معانيه مع غیر المسلمین

قال الله تعالى:

﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾

الممتحنة : ٨

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ  إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾

المائدة : ٨

﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾

البقرة : ١٩٠

٢- معاقبتهم عند الاعتداء  مع الالتزام بالعدل، ومجانبة الجور والعدوان.

قال الله تعالى:

﴿ سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ﴾

النساء: ٩١

﴿ وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ﴾

التوبة: ١٢

﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾

الأنفال: ٥٨

4- التوازن في التشريع

في التشريع الإسلامي موازنة دقيقة بين التكليف وبين الاستطاعة، ولقد وردت آيات كثيرة تبين أن الله لا يكلف نفسًا فوق طاقتها، ولا يكلف نفسًا إلا وسعها وقدرتها .

قال الله تعالى:

﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾

البقرة:٢٨٦

﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾

الطلاق:٧

﴿ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ﴾

البقرة:٢٣٣

إن هذه الآيات تقرر منهج الوسطية في التكليف، فهناك أوامر ونواه، ولكنها في حدود الوسع، وعدم المشقة، وليس فيها تضييق وعسر وإحراج.

 

Share This