1- مقدمة
الشرائع السماوية كافة جاءت لهداية الناس إلى الدين الحق، وإرشادهم إلى الصراط المستقيم، ومن هنا كانت الهداية محور عمل الأنبياء جميعاً، وملتقى كتب السماء كافة.
قال الله تعالى :
﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾
البقرة: 2
﴿ قَدْ جَاءكُم مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
المائدة: 15-16
2- معنى الهداية
الهداية هي سلوك الطريق الذي يوصل الإنسان إلى طريق الحق والصواب ، وهو اتباع شرع الله. وسمي اتباع شرع الله هداية ؛ لأنه يرشد الإنسان إلى الحق، ويبصره به ، فيميز بين الخير والشر.
قال الله تعالى:
( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )
الفاتحة 6
أي: أرشدنا يا الله إلى طريق الحق والصواب، ودلنا على ما فيه فلاحنا في الدنيا والآخرة.
والْهُدَى خِلَافُ الضَّلَالَةِ
قال الله تعالى:
( وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ )
النَّمل 81
( اشتروا الضَّلالةَ بالهُدى )
البقرة 175
الضَّلَالَةِ أي الضياع والهلَاك
3- الهداية
في
الاستعمال القرآني
وردت كلمة (هدي) وصيغها في القرآن الكريم(٣٠٧) مرات مرة، والصيغ التي وردت، هي:
– الفعل الماضي
ورد 55 مرة
قال الله تعالى:
( وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ )
البقرة:١٤٣
– الفعل المضارع
ورد ١٢٦ مرة
قال الله تعالى:
( أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ )
النساء:٨٨
– فعل الأمر
ورد ٣ مرات
قال الله تعالى:
( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )
الفاتحة:٦
– اسم الفاعل
ورد ٣1 مرة
قال الله تعالى:
( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ )
الرعد:٧
– المصدر
ورد ٨٥ مرة
قال الله تعالى:
﴿ ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾
البقرة:٢
– أفعل التفضيل
ورد ٧ مرات
قال الله تعالى:
﴿ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا ﴾
النساء:٥١
وجاءت الهداية في الاستعمال القرآني على الأوجهً التالية :
1- البيان
قال الله تعالى:
( أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ )
البقرة:٥
أي: بيانٍ من ربهم.
2- دين الإسلام
قال الله تعالى:
( إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُسْتَقِيمٍ )
الحج : ٦٧
إنك لعلى دين قويم، لا اعوجاج فيه.
3- الإيمان
قال الله تعالى:
( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى )
الكهف13
أي: إيماناً وبصيرة
4- الدعوة إلى الله
قال الله تعالى:
( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا )
الأنبياء73
أي: يدعون إلى الله بإذنه
5- الدلالة والإرشاد
قال الله تعالى:
( وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ )
النحل16
أي: جعل سبحانه النجوم في السماء دلائل للناس على طرقهم ومسارهم.
قال الله تعالى:
( وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ )
الأنبياء 31
وجعلنا فيها طرقًا واسعة لتدل الخلق إلى مقاصدهم في الأسفار.
6- القرآن
قال الله تعالى:
( وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ )
الإسراء94
أي: ما منع الناس الإيمان بالقرآن
قال الله تعالى:
( وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَىٰ )
النجم23
7- التوراة
قال الله تعالى:
( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَىٰ )
غافر53
أي: التوراة
8- نهج الأنبياء السابقين
قال الله تعالى:
( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ )
الأنعام90
فاتبع سبيلهم.
9- الإلهام
قال الله تعالى:
( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ )
طه50
ألهم الحيوانات كلها إلى منافعها
قال الله تعالى:
( والذي قدر فهدى )
الأعلى3
10- التسديد والتصويب
قال الله تعالى:
( وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ )
يوسف52
أي: لا يصوبه ولا يسدده.
11- الرشد
قال الله تعالى:
( فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ )
البقرة : 16
أي: راشدين في صنيعهم ذلك
قال الله تعالى:
( قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ )
الأنعام : 56
يقول: ما أنا من الراشدين إن اتبعت أهواءكم
12- التفضيل
قال الله تعالى:
( وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا )
النساء51
أي: يفضلون الكفار على المسلمين بجهلهم، وقلة دينهم.
13- التقديم
قال الله تعالى:
( فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ )
الصافات23
دلوهم إلى طريق النار. قدموهم. سوقوهم سوقاً عنيفاً إلى جهنم.
14- الإلتزم
قال الله تعالى:
( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ )
طه82
أي: لزم الإسلام
15- التعليم
قال الله تعالى:
( وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ )
الضحى7
أي: وجدك لا تدري ما الكتاب ولا الإيمان، فعلمك ما لم تكن تعلم.
16- الثبات
قال الله تعالى:
( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )
الفاتحة 6
أي: بَصِّرنا فيه، وثبتنا عليه.
وإذا أنعمنا النظر في معاني (الهدى) التي جاءت في القرآن الكريم، تبين في المحصلة أنها تعود إلى معنى الإرشاد؛ إذ إن هذا المعنى هو المعنى الأساس الذي تلتقي عليه، وتدور حوله كل تلك المعاني .
4 – الهداية بيد الله وحدَه
الهداية بيد الله وحده هو أعلم بمن خلق و بيده القلوب يقلبها كيف يشاء يعلم من يستحق و من لا يستحق أكبر منحة يمنحها لعبد وهي الهداية التي تورث في نهاية المطاف الجنة .
قال الله تعالى :
( مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ )
الكهف: 17
( مَنْ يَهْدِ اللَّه فَهُوَ الْمُهْتَدِي )
الأعراف :178
( ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ )
الزمر: 23
و لا يملك الهداية ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد صالح
قال الله تعالى :
( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين )
القصص: 56
إنما فقط يملكون بذل الدعوة و الرسالة , أما الثمرة فهي إلى الله وحده
قال الله تعالى :
( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )
الشورى: 52
فالرسول يبين الصراط المستقيم، ويرغب فيه، ويبذل جهده في سلوك الخلق له، وأما كونه يخلق في قلوبهم الإيمان، ويوفقهم بالفعل، فحاشا وكلا.
ومن شاء الله تعالى أن يضله أضله
قال الله تعالى :
( وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا )
الكهف: 17
( وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ )
الزمر: 23
( مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ )
الْأَنْعَامِ : 39
أن الله تعالى إنما يهدي من كان أهلاً للهداية ، ويضل من كان أهلاً للضلالة
قال الله تعالى :
( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ )
الصف : 5
الله يهدي مَن يشاء أن يهديه للإيمان، ويوفقه إليه، وهو أعلم بمن يصلح للهداية فيهديه.
( وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )
القصص 56
فالهداية ودخول الجنة سببها العمل الصالح
1- عن أهل الجنة
قال الله تعالى:
( وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )
الأعراف : 43
( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )
النحل : 32
والضلال ودخول النار سببه العمل بمعصية الله والإعراض عن طاعته
2- عن أهل النار
قال الله تعالى:
( ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ )
يونس : 52
( وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )
السجدة : 14
فهداية العبد هي غاية النفع الذي تبلغها نفسه
قال الله تعالى:
( مَّنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لنفسه وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا )
الإسراء: 15
وحقيقة الهداية المرجوة من الله للعبد: أن يُعِينَهُ ويسدده، وييسِّر له أمورَه، ويوفقه للأسباب المعينة على بلوغ كل أنواع الخير.
قال الله تعالى:
( مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا )
الكهف: 17
وما أضلَّ اللهُ من القلوب؛ فلن تجد لها من دونه هاديًا ولا نصيرًا
فمن لم يقبل هداية الله كيف يهديه
قال الله تعالى:
( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ )
البقرة 175
أي: جعلوا الضلالة، التي هي غاية الشر، كالسلعة، وجعل الهدى الذي هو غاية الصلاح بمنزلة الثمن، فبذلوا الهدى رغبة عنه بالضلالة رغبة فيها، فهذه تجارتهم .
5- أسباب الحرمان من الهداية
إن للهداية أسبابًا، والسعيد من التزمها، وثبت عليها، وعمل على زيادتها، والخاسر من حرم منها، فمن الناس من يطرق بابها ولكنه لا يوفق إليها؛ وذلك لوجود موانع تمنعه من تحصيلها. فمن أسباب الحرمان من الهداية:
1- الكفر
لقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تدل على أن الله عز وجل يحرم الكافرين، ويمنعهم من التوفيق للهداية.
قال الله تعالى:
( وَأنَّ اللهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ )
البقرة 272
( وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )
التوبة: ٣٧
إن المصرين على كفرهم المستمرين عليه لا يهديهم الله عز وجل إلى هداية توصلهم إلى المطلوب، وأما الهداية بمعنى الدلالة على الحق والإرشاد إليه فقد نصبها الله سبحانه لجميع عباده
2- الظلم
إن الظلم مانع من موانع الهداية، وسبب من أسبابها، والظلم الذي يحرم صاحبه الهداية هو الظلم الأكبر المخرج من الملة.
قال الله تعالى:
( وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )
آل عمران: ٨٦
( إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )
المائدة: ٥١
3- الفسق
الخروج عن طاعة الله تبارك وتعالى يؤدي إلى زيغ القلوب، وحرمان الهداية.
قال الله تعالى:
( وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ )
التوبة 80
( وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ )
الصف: ٥
4- الكذب
إن الله لا يوفق للدين الذي ارتضاه، وهو دين الإسلام، ولا يعطي هداية التوفيق من كذب على الله، وافترى عليه، وقلبه كافر بآياته، وحججه وبراهينه .
قال الله تعالى:
( إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ )
الزمر: ٣
( إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ )
غافر: ٢٨
5- الخيانة
الخيانة خصلة ذميمة تحرم صاحبها الهداية
قال الله تعالى:
( وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ )
يوسف: ٥٢
والآية تدل على أن الله تعالى نفى عن الخائنين الهداية؛ حيث إنهم يحرمون منها بسبب الكيد.
6- اتباع خطوات الشيطان
إن الشيطان يزين للإنسان عمله حتى يرى السيِّئ حسنًا، وليس ذلك فحسب بل إنه يصده عن سبيل الهداية.
قال الله تعالى:
( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ )
النمل: ٢٤
6 – طرق اكتساب الهداية
إنّ الهداية منوطة ببعض الأفعال الواجبة على العبد؛ وبيان بعضها فيما يأتي
1- الإيمان بالله تعالى
تحقيق الإيمان بالله سبحانه وتمكُّن القلب من ذلك، واستشعار حاجة الإنسان لفضل ربه عليه ، وتعظيمه في قلبه .
قال الله تعالى:
( وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ )
التغابن 11
( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أولئك لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ )
الأنعام: 82
2- المجاهدة
و ذلك ببذل الجهد بالمواظبة على الطّاعات والعبادات للوصول إلى ما يُرضي الله تعالى.
قال الله تعالى:
( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا )
العنكبوت 69
3- التسليم لله تعالى
وذلك بالرضا في كلّ قدرٍ مكروهٍ أو مصيبةٍ حصلت
قال الله تعالى:
( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )
البقرة156-157
4- طاعة الله
والاستجابة لما أَمَرَ اللهُ به ، دليلُ صدقِ الإنسانِ في إرادة هداية الله تعالى له ، والرغبة فيما عنده .
قال الله تعالى:
( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمً )
النساء: 66-68
5- الاعتصام بالله تعالى
واللجوء إليه، والثقة فيما عنده، والأمل بإكرامه بتحقيق سُبُل الهداية، والتفاؤل بكل خير يهبه الله لمن لاذ بركنه، واعتصم بجنابه، واستشعار أنه لا هداية إلا منه -عز وجل-، ولا توفيق إلا بفضله، ولا تيسير إلا بإذنه، فذلك سبب لهداية الله -سبحانه- لعبده، وإرشاده إلى ما فيه خير الدارين، قال الله تعالى :
( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )
آل عمران: 101
6- الالتجاء إلى الله بالدعاء
لهذا نقرأ في كل ركعة من كل صلاة في سورة الفاتحة
قال الله تعالى :
( اهدنا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ )
الفاتحة : 6-7
7- فهم القرآن الكريم وتعلّمه وتلاوته
الإكثار من تلاوة القرآن الكريم، والعمل به، وتدبّره، وإتيان أوامره، والانتهاء عن نواهيه .
قال الله تعالى:
( ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ )
البقرة : 2
( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ )
الإسراء : 9
( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ )
فصلت: 44
8- الاطلاع على قَصَص السابقين من الأنبياء وغيرهم
مخاطبًا نَبِيَّهُ عليه الصلاة والسلام
قال الله تعالى:
( وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ )
هود : 120
فمعرفةُ قَصَصِ الصالحينَ وما جرى في حياتهم من شدائد ومحن، ومتغيرات في الحياة، ونَصْر وظَفَر على الأعداء، كل ذلك وغيره يُعَدّ نبراسًا يضيء للإنسان طريقَه إلى الخير
قال الله تعالى:
( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ )
يوسف: 111
7- موانع الهداية
أيها المؤمنون: وكما أن لتحقيق الهداية وسائل؛ هناك موانع وصوارف تصرف عن الهداية إلى الخير، والتوفيق إلى الطاعة والصلاح، وبلوغ درجات السعادة في الدنيا والآخرة، ومن أهم هذه الموانع:
1- اتِّبَاعُ الهوى
فإنه يحجب عن سُبُل الهداية ويصرف عنها
قال الله تعالى:
( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ )
الجاثية: 23
2- الكِبْر والغرور
لأنه يُعْمِي صاحبَه ويصرفه عن الخير
قال الله تعالى:
( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا )
الأعراف: 146
3- عدم أهلية المرء لهداية الله
لغياب الرغبة في الإقبال على الخير، والطمع فيما عند الله من الكرامة التي أعدها لعباده المؤمنين، وهذا دليل على أن الهداية تحتاج إلى قابلية، ورغبة في الوصول إلى تلك المرحلة من التوفيق، وإلحاح في بذل الأسباب الموصلة .
قال الله تعالى:
( وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ )
الأنفال: 23
4- عدم الخضوع والاستجابة لأمر الله
وذلك بالانقياد والالتزام بما أمر الله تعالى به .
قال الله تعالى :
( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْرًا عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا )
النساء: 66-68
ومعنى ولهديناهم: وَلَوَفَّقْنَاهُمْ للصراط المستقيم.
5- تأثيرُ الجليسِ السوءِ
وصرفُ جليسه عن الخير، وترغيبُه فيما يُبعد عن هداية الله -سبحانه-
إن الذي بيده الهداية، مستحِقّ لِأَنْ يكون أهلًا لاتِّباع ما أمر، واجتناب ما نهى، وأما مَنِ اتخذه الناسُ من دون الله شريكًا فهو عاجز عن أن يفعل شيئًا، فبَطُل أن يُجعل له قَدْرٌ، أو أن يُطلب منه جلبُ نفع، أو أن يُرجى منه دفعُ ضُرّ
قال الله تعالى :
( قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ )
يونس:35
8 – أنواع الهداية
في
القرآن الكريم
تتفرع الهداية إلى أقسام ومراتب، وقد فصّل الله تعالى أنواعها ، وفيما يأتي تفصيل أنواع الهداية كما وردت في القرآن الكريم:
1- الهداية العامّة
وهي أعمّ أنواع الهداية، فهي شاملة للكائنات الحيّة كلّها، وهي التي تجعل الكائن يقدم على ما ينفعه من أمور، ويجتنب الضارّ، ويسعى إلى تحقيق مصالحه وتلبية حاجاته الأساسية،
قال الله تعالى:
( رَبُّنَا الَّذِي أعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى )
السجدة 24
( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى. الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى )
الأعلى : 1-3
أي: ربنا الذي خلق جميع المخلوقات، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به ، وهدى كل مخلوق إلى ما خلقه له، وهذه الهداية العامة المشاهدة في جميع المخلوقات، فكل مخلوق يسعى لما خلق له من المنافع، وفي دفع المضار عنه .
وأنواع الهداية كثيرةٌ لا يُحصِيها إلا الله ؛ مثل:
– هداية النحل
إلى سلوك السُّبُل التي فيها مَراعِيها على تبايُنِها واختلافها، ثم عودها إلى بيوتها من الشجر والجبال وما يعرش بنو آدم .
قال الله تعالى:
﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴾
النحل: 68
– تسّبيح المخلوقات الله تعالى
ومن أثر الهداية العامّة الفطريّة الشّاملة لكلّ مخلوقات الله -تعالى- تسّبيحه وذكره في كلّ وقت
قال الله تعالى:
( سَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبعُ وَالأَرضُ وَمَن فيهِنَّ وَإِن مِن شَيءٍ إِلّا يُسَبِّحُ بِحَمدِهِ وَلـكِن لا تَفقَهونَ تَسبيحَهُم )
الإسراء 44
2- هداية الدّلالة والإرشاد
وهذا النوع هو وظيفة الرسل والكتب المنزلة من السماء، وهو مصدر التكليف ومَناطُه، وبها تقوم حُجَّة الله على عِباده ، وهذه الهداية هي محور عمل الأنبياء جميعاً
قال الله تعالى:
( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا )
محمّد 17
وملتقى كتب السماء كافة.
قال الله تعالى :
﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾
البقرة: 2
وهذه المرتبة من الهداية لا تستلزم حصول التوفيق للعبد؛ لأنّ الحُجّة والدليل قائم فإن شاء آمن به وصدّقه واتّبعه وإن شاء شكّ به وابتعد عنه
قال الله تعالى:
( كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ )
الشعراء 141
( كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ )
الشعراء105
( كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ )
الشعراء 123
( كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ )
الشعراء 160
3- التوفيق الإلهي
هذا النوع هو هداية خاصَّة من الله تعالى تأتي بعد هداية البيان ؛ وهي هداية التوفيق والإلهام والمعونة ؛ ويختصّ بها من اهتدى .
قال الله تعالى:
( وَالَّذِينَ آهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً )
التغابن 11
( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ )
يونس 9
( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَـنَا )
العنكبوت 69
﴿ وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾
مريم: 76
فلا تكون لملك مُقرَّب ولا نبي مُرسَل، إنما هي خاصَّة بالله وحدَه، فلا يقدر عليها إلا هو، ولا يُعطِيها إلا لِمَن حقَّق شروطها واستَوفَى أسبابها.
قال الله تعالى:
﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
المائدة: 15 – 16
وهذا النوع من الهداية هو الذي نَفَاه الله عن نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾
القصص: 56
﴿ إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾
النحل: 37
وهذا النوع من الهداية يستَلزِم أمرَيْن:
1- فعل اللهِ تعالى
وهو الهدى بخلق الداعية إلى الفعل والمشيئة له.
2- فعل العبد
وهو الاهتِداء وهو نتيجة للفعل الأول ﴿ الهدى ﴾
قال الله تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللهِ ﴾
آل عمران: 73
﴿ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴾
الكهف: 17
ولا سبيل إلى وجود الأثر الذي هو الاهتِداء من العبد إلا بعد وجود المؤثِّر الذي هو الهداية من الله، فإذا لم يحصل فعل الله لم يحصل فعل العبد، وهذا النَّوْعُ من الهداية لا يقدر عليه أحدٌ إلا الله – سبحانه
– عن أهل الجنة
قال الله تعالى:
﴿ الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ﴾
أنَّ هذا النوع من الهداية هو الذي نَفَاه القرآن عن الظالمين والفاسقين والكاذبين والمسرف المرتاب، وكلُّ آية في القرآن وردَتْ في نفي الهُدَى فيجب حملها على هذا النوع؛ لأن هذا فضله يختصُّ به مَن يشاء من عباده
4 – مرتبة الهداية إلى الجنة والنار يوم القيامة
هذا النوع هو الهداية يوم القيامة إلى طريق الجنة، وهو الصراط المُوصِل إليها، فمَن هُدِي في هذه الدار الدنيا إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه، هُدِي يوم القيامة إلى الصراط المستقيم، المُوصِل إلى جنَّته ودار ثوابه .
قال الله تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ . سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ . وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾
محمد : 4- 6
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾
يونس: 9
أي: عرَّفهم بها وهداهم إليها.
وعلى قدر ثُبُوت قدم العبد وسَيْرِه على هذا الصراط الذي نصَبَه الله لعباده في هذه الدار الدنيا، يكون ثُبُوت قدمه وسيره على الصراط المنصوب على متْن جهنم؛
قال الله تعالى :
﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ . مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ﴾
الصافات: 22 – 23
أحدث التعليقات