1- مفهوم النكاح
النكاح هوعقد ينشئ بين الرجل والمرأة حقوقًا شرعية تقوم على المودة والرحمة والمعروف والإحسان.
قَال الله تعالى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا )
الاحزاب 49
أى إذا تم عقد الزواج ثم حدث التطليق قبل المسّ الجنسى ـ أى قبل الدخول بها – عندها لا تكون لها عدة . أى تتزوج آخر مباشرة بلا عدّة
2- كلمة النكاح
في
القرآن الكريم
وردت كلمة (نكح) وصيغها في القرآن الكريم(٢٣) مرة . والصيغ التي وردت، هي:
– الفعل الماضي
ورد مرتين
قَال الله تعالى:
﴿ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾
النساء:٢٢
– الفعل المضارع
ورد ١٣ مرة
قَال الله تعالى:
﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ﴾
النور:٣
– فعل الأمر
ورد ٣ مرات
قَال الله تعالى:
﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾
النساء:٣
– المصدر
ورد ٥ مرات
قَال الله تعالى:
﴿ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ﴾
البقرة:٢٣٥
وجاء النكاح في القرآن على خمسة أوجه:
1- العقد
قَال الله تعالى:
﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ﴾
البقرة: ٢٢١
يعني: لا تتزوجوهن.
2- الجماع
قَال الله تعالى:
﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾
البقرة: ٢٣٠
يعني: حتى تجامع زوجًا غيره، ويجامعها زوجًا غيره.
3- الحلم
قَال الله تعالى:
﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾
النساء: ٦
يعني الحلم.
4- العقد والوطء
قَال الله تعالى:
﴿ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾
النساء: ٢٢
5- المهر
قَال الله تعالى:
﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾
النور: ٣٣
3- الكلمات ذات الصلة
بكلمة النكاح
– الزواج
هو عقد يقصد به اشتراك بين الرجل والمرأة قائم على المحبة والتعاون والرحمة .
– الوطء
هو جماع بين الرجل والمرأة بهدف المتعة، والانجاب؛ لتكثير النسل.
– العقد
هو ربط أجزاء التصرف بالإيجاب والقبول شرعًا.
4- الترغيب في النكاح
رغب القرآن الكريم في النكاح، وحض عليه ، وسوف نتناول ذلك بالبيان فيما يأتي:
أولًا: أنه من سنن المرسلين
الزواج آية من آيات الله، وسنة من سنن المرسلين، فقد كان لهم أزواج وذرية .
قَال الله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ﴾
الرعد: ٣٨
﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾
الفرقان: ٧٤
فالزواج يلائم الفطرة الإنسانية ويوافقها، وينسجم معها، ويحفظ المجتمع من الشرور، وتحلل الأخلاق، وانتشار الرذائل، وفيه بقاء النوع الإنساني على وجه سليم، وتدريب الذات على تحمل المسئولية، والقيام بشئون الطرف الآخر، وشئون الأولاد والرحم، كل هذه وغيرها من ثمار النكاح؛ ولهذا كان من سنن الأنبياء، رغبوا فيه، وحثوا عليه.
ثانيًا: الأمر بالنكاح
أمر الله تعالى في القرآن الكريم بالنكاح في عدة آيات، منها
قَال الله تعالى:
﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾
النساء: ٣
﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ ﴾
النــور: ٣٢
وظاهر الأمر هو الوجوب على كل من قدر عليه
ثالثًا: امتنان الله على خلقه به
النكاح نعمة من الله امتن بها على عباده؛ إذ يحصل به مصالح دينية ودنيوية، فردية واجتماعية، مما يجعله من الأمور المطلوبة شرعًا .
قَال الله تعالى:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
الروم: ٢١
﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ﴾
النحل: ٧٢
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾
النساء: ١
فمن فوائد النكاح تحصين النفس وحمايتها من الوقوع في الفاحشة، وبه يتيسر للرجل والمرأة أنواع من العبادة والقرب لا تتيسر بغيره، من حسن العشرة، والصحبة بالمعروف، وقضاء حق العيال، والرحمة بهم، والانشغال بمصالحهم، كل ذلك قربة إلى الله عز وجل يحصل عليها المتزوج، ولا يحصل عليها الأيم. وفيه إشباع دافع الأمومة والأبوة لكلٍ من الزوجين، والشعور بالنوع، فالزواج يحقق إشباعًا اجتماعيًا يورث توازنًا في الشخصية، فالإنسان لا يستطيع أن يعيش في عزلة عن الآخرين.
رابعًا: وصفه بالميثاق الغليظ
وصف الله عقد النكاح بالميثاق الغليظ في سياق النهي عن الرجوع في شيء مما أعطى الأزواج زوجاتهم، ولو كان المعطى قنطارًا، وبين أن أخذه بهتانًا وإثمًا مبينًا .
قَال الله تعالى:
﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا . وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾
النساء: ٢٠-٢١
وإن أردتم استبدال زوجة مكان أخرى، وكنتم قد أعطيتم مَن تريدون طلاقها مالا كثيرًا مهرًا لها، فلا يحل لكم أن تأخذوا منه شيئًا، أتأخذونه كذبًا وافتراءً واضحًا؟ . وكيف يحلُّ لكم أن تأخذوا ما أعطيتموهن من مهر، وقد استمتع كل منكما بالآخر بالجماع، وأخَذْنَ منكم ميثاقًا غليظًا من إمساكهن بمعروف أو تسريحهن بإحسان؟
فالمقصود أنه علل النهي من الأخذ بعلتين:
الأولى: الإفضاء وخلوص كل زوج لنفس صاحبه، حتى صارا كأنهما نفس واحدة.
والثانية: الميثاق الغليظ الذي أخذ على الرجال بأن يعاملوا النساء معاملة كريمة.
5- الحكمة من مشروعية النكاح
شرع الله تعالى الزواج لحكم عديدة، ومن أهمها
1- السكن والأنس بين الزوجين
إذ بالزواح تحصل الراحة والاستقرار، وتهدأ النفوس.
قَال الله تعالى:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
الروم 21
ومن آياته الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق لأجلكم من جنسكم -أيها الرجال- أزواجًا؛ لتطمئن نفوسكم إليها وتسكن، وجعل بين المرأة وزوجها محبة وشفقة، إن في خلق الله ذلك لآيات دالة على قدرة الله ووحدانيته لقوم يتفكرون، ويتدبرون.
2- حفظ الأنساب وترابط القرابة والأرحام
فبدون الزواج ستختلط الأنساب وتعم الفوضى في المجتمع.
قَال الله تعالى:
﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ﴾
الفرقان: 54
وهو الذي خلق مِن منيِّ الرجل والمرأة ذرية ذكورًا وإناثًا، فنشأ من هذا قرابة النسب وقرابة المصاهرة. وكان ربك قديرًا على خلق ما يشاء.
3- بقاء النسل البشري
قَال الله تعالى:
﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ﴾
النحل 72
والله سبحانه جعل مِن جنسكم أزواجا؛ لتستريح نفوسكم معهن، وجعل لكم منهن الأبناء ومِن نسلهنَّ الأحفاد، ورزقكم من الأطعمة الطيبة من الثمار والحبوب واللحوم وغير ذلك.
4- الحفاظ على الأخلاق
إذ بالزواج نحفظ الأخلاق من الهبوط والتردي في هاوية الزنا والعلاقات المشبوهة التي تدمر الفرد والمجتمع.
قَال الله تعالى:
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾
الإسراء: 32
ولا تقربوا الزنى ودواعيه؛ كي لا تقعوا فيه، إنه كان فعلا بالغ القبح، وبئس الطريق طريقه.
5- إعفاف الفرج
فقد شرع الله تعالى الزواج لإشباع الغريزة الجنسية التي خلقها في البشر من أجل التكاثر، فكان الزواج لإشباع تلك الرغبة وضبطها.
قَال الله تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ . إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ . وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾
المعارج 27- 30
والذين هم خائفون من عذاب الله. إن عذاب ربهم لا ينبغي أن يأمنه أحد. والذين هم حافظون لفروجهم عن كل ما حرَّم الله عليهم، إلا على أزواجهم وإمائهم، فإنهم غير مؤاخذين.
6 – صور من النكاح المحظور
بين القرآن الكريم صور من النكاح محظورة لحكم إلهية ومنافع إنسانية، وسوف نتناولها فيما يأتي:
أولًا: نكاح زوجة الأب
حرم الله على الابن وإن نزل أن يتزوج زوجة أبيه أو جده وإن علا
قَال الله تعالى:
﴿ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾
النساء: ٢٢
فقد نهى الله تعالى في هذه الآية الكريمة عن نكاح المرأة التي نكحها الأب، والآية تسمي هذا النكاح فاحشة ومقتًا وساء سبيلًا، وقد كان زواج الأبناء بزوجات الآباء بعد موتهم فاشيًا في الجاهلية، فانزل الله هذه الآية. وصار نكاح المقت أن يتزوج الرجل امرأة أبيه إذا طلقها أو مات عنها. والعلة في تحريم زوجات الآباء تكريمًا لهم واحترامًا، ووفاء بحقهم في البر، وعدم انتهاك حرمتهم .
ثانيًا: النكاح المحرم بسبب النسب
ذكر الله تعالى المحرمات بسبب النسب، وهم
قَال الله تعالى:
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ ﴾
النساء: ٢٣
حرَّم الله عليكم نكاح أمهاتكم، ويدخل في ذلك الجدَّات مِن جهة الأب أو الأم، وبناتكم: ويشمل بنات الأولاد وإن نزلن، وأخواتكم الشقيقات أو لأب أو لأم، وعماتكم: أخوات آبائكم وأجدادكم، وخالاتكم: أخوات أمهاتكم وجداتكم، وبنات الأخ، وبنات الأخت ، ويدخل في ذلك أولادهن
ثالثًا: النكاح المحرم من الرضاع
ذكر الله تعالى هنا ما يحرم بسبب الرضاع .
قَال الله تعالى:
﴿ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ ﴾
النساء: ٢٣
حرَّم الله عليكم نكاح أمهاتكم اللاتي أرضعنكم، وأخواتكم من الرضاعة .
رابعًا: النكاح المحرم بسبب المصاهرة
ثم ذكر الله تعالى بعد ذلك ما يحرم بالمصاهرة .
قَال الله تعالى:
﴿ أُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾
النساء: ٢٣
حرَّم الله عليكم نكاح أمهات نسائكم، سواء دخلتم بنسائكم، أم لم تدخلوا بهن، وبنات نسائكم من غيركم اللاتي يتربَّيْنَ غالبًا في بيوتكم وتحت رعايتكم، وهن مُحرَّمَات فإن لم يكنَّ في حجوركم، ولكن بشرط الدخول بأمهاتهن، فإن لم تكونوا دخلتم بأمهاتهن وطلقتموهن أو متْنَ قبل الدخول فلا جناح عليكم أن تنكحوهن، كما حرَّم الله عليكم أن تنكحوا زوجات أبنائكم الذين من أصلابكم، ومن أُلحق بهم مِن أبنائكم من الرضاع، وهذا التحريم يكون بالعقد عليها، دخل الابن بها أم لم يدخل، وحرَّم عليكم كذلك الجمع في وقت واحد بين الأختين بنسب أو رضاع إلا ما قد سلف ومضى منكم في الجاهلية .
خامسًا: نكاح الزاني أو الزانية
ثم ذكر الله تعالى بعد ذلك حرمة نكاح الزانية حتى تتوب .
قَال الله تعالى:
﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾
النور: ٣
الزاني لا يرضى إلا بنكاح زانية أو مشركة لا تُقِرُّ بحرمة الزنى، والزانية لا ترضى إلا بنكاح زان أو مشرك لا يُقِرُّ بحرمة الزنى، أما العفيفون والعفيفات فإنهم لا يرضون بذلك، وحُرِّم ذلك النكاح على المؤمنين. وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب، وكذلك تحريم إنكاح الزاني حتى يتوب.
سادسًا: نكاح المشرك والمشركة
ثم ذكر الله تعالى بعد ذلك حرمة نكاح المشركين.
قَال الله تعالى:
﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾
البقرة: ٢٢١
ولا تتزوجوا – أيها المسلمون – المشركات ، حتى يدخلن في الإسلام. واعلموا أن امرأة مملوكة لا مال لها ولا حسب، مؤمنةً بالله، خير من امرأة مشركة، وإن أعجبتكم المشركة الحرة. ولا تُزَوِّجوا نساءكم المؤمنات للمشركين حتى يؤمنوا بالله ورسوله. واعلموا أن عبدًا مؤمنًا مع فقره، خير من مشرك، وإن أعجبكم المشرك. أولئك المتصفون بالشرك رجالا ونساءً يدعون كل مَن يعاشرهم إلى ما يؤدي به إلى النار، والله سبحانه يدعو عباده إلى دينه الحق المؤدي بهم إلى الجنة ومغفرة ذنوبهم بإذنه، ويبين آياته وأحكامه للناس؛ لكي يتذكروا، فيعتبروا.
سابعا- نكاح المطلقة الطلقة الثالثة
قَال الله تعالى:
﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾
البقرة:230
فإن طلَّق الرجل زوجته الطلقة الثالثة، فلا تحلُّ له إلا إذا تزوجت رجلا غيره زواجًا صحيحًا وجامعها فيه ويكون الزواج عن رغبة، لا بنية تحليل المرأة لزوجها الأول، فإن طلقها الزوج الآخر أو مات عنها وانقضت عدتها، فلا إثم على المرأة وزوجها الأول أن يتزوجا بعقد جديد، ومهر جديد، إن غلب على ظنهما أن يقيما أحكام الله التي شرعها للزوجين. وتلك أحكام الله المحددة يبينها لقوم يعلمون أحكامه وحدوده؛ لأنهم المنتفعون بها.
7- صور النكاح المرغب فيه
رغب القرآن الكريم في صور من النكاح نوضحها فيما يأتي:
أولًا: نكاح العفيفات المؤمنات
حث الإسلام على الزواج من المؤمنة في حالة القدرة على نكاح الحرة.
قَال الله تعالى:
( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ )
المائدة: ٥
ومن تمام نعمة الله عليكم اليوم -أيها المؤمنون- أن أَحَلَّ لكم الحلال الطيب، وذبائحُ اليهود والنصارى -إن ذكَّوها حَسَبَ شرعهم- حلال لكم وذبائحكم حلال لهم. وأَحَلَّ لكم -أيها المؤمنون- نكاح المحصنات، وهُنَّ الحرائر من النساء المؤمنات، العفيفات عن الزنى .
ثانيًا: إنكاح الأيامى والصالحين
أمر الله تعالى بتزويج الأيامى والصالحين من العبيد
قَال الله تعالى:
﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
النــور: ٣٢
وزوِّجوا- أيها المؤمنون – مَن لا زوج له من الأحرار والحرائر والصالحين مِن عبيدكم وجواريكم، إن يكن الراغب في الزواج للعفة فقيرًا يغنه الله من واسع رزقه. والله واسع كثير الخير عظيم الفضل، عليم بأحوال عباده.
قَال الله تعالى:
﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾
النساء: ٢٥
ومن لا قدرة له على مهور الحرائر المؤمنات، فله أن ينكح غيرهن، من فتياتكم المؤمنات المملوكات. والله تعالى هو العليم بحقيقة إيمانكم، بعضكم من بعض، فتزوجوهن بموافقة أهلهن، وأعطوهن مهورهن على ما تراضيتم به عن طيب نفس منكم
ثالثًا: نكاح المهاجرات في سبيل الله
أباح الله تعالى للمؤمنين نكاح المؤمنات المهاجرات بعد فراقهن لأزواجهن المشركين، وبعد استبرائهم لأرحامهن، ودفع مهورهن كاملة غير منقوصة
قَال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾
الممتحنة: ١٠
رابعا : نكاح العفيفات من نساء الذين أوتوا الكتاب
قَال الله تعالى:
﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾
المائدة: ٥
أحدث التعليقات