مفهوم المعية في القرآن الكريم

1- مفهوم المعية

المعية نسبة إلى لفظ (مع) ، وهو لفظ  يقتضي الصحبة والمصاحبة ، وضم الشيء إلى الشيء واجتماع شيئين.

قال الله تعالى:

( يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ )

آل عمران :٤٣

 ( وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ )

يوسف:٣٦

( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ )

الحديد :4

2- الأداة (مع)

   في

القرآن الكريم

وردت الأداة (مع) في القرآن الكريم (١٦٤) مرة ، وإن (مع ) في القرآن وردت على خمسة أوجه:

1- الصحبة

قال الله تعالى :

 ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ )

الفتح:29

ومعنى (معه) : المصاحَبة الكاملة بالطاعة والتأييد.

2- النصر

قال الله تعالى :

( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ )

التوبة:40

أي بعونه ونصره وتأييده.

3- العلم

قال الله تعالى :

( وَلَا أَدْنَىٰ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ )

المجادلة:7

وهذه المعية، معية العلم والاطلاع

4- عند

قال الله تعالى :

 ( وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ )

البقرة :41

أي لما عندكم

5- على

قال الله تعالى :

 ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )

الأعراف :157

أي اتبعوا القرآن الذي أنزل عليه مع نبوته.

3- كلمات ذات الصلة

     بكلمة مع

– الحفظ

تدل كلمة الحفظ على معاني الرعاية، وعدم النسيان، والتعهد، وقلة الغفلة

قال الله تعالى :

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾

المعارج: 34

– المصاحبة

تدل على معاني الحفظ والملازمة والمشاركة في الشيء

قال الله تعالى :

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾

المائدة: 86

أي أولئك هم أصحاب النار الملازمون لها

4- معية الله تعالى

       في

 القرآن الكريم

المواضع التي وردت متعلقة بالمعية الإلهية بلغ عدد ورودها (٣٨) مرة في القرآن الكريم . وجاءت معية الله في القرآن الكريم كناية عن الأتى  :

1- العلم والإحاطة

قال الله تعالى :

( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا )

النساء:١٠٨

يعني:عالم بهم ومحيط بفعلهم.

2- النصر والرعاية

قال الله تعالى :

( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )

التوبة :٤٠

يعني: ينصرنا ويحفظنا ويرعانا.

3- الاقتران

قال الله تعالى :

( فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ )

الشعراء :٢١٣

فلا تعبد مع الله معبودًا غيره، فينزل بك العذاب

ثانيا- أَنواع معية الله تعالى

معية الله عز وجل على نوعين: مَعِيَّةٌ عَامَّة، وَمَعِيَّةٌ خَاصَّة:

1 – معية عامة

وهذا النوع من أنواع المعية المراد به أن الله مع جميع الخلق بعلمه، أي بمعنى الإحاطة والشمول ، فهو مطلع على خلقه شهيد عليهم وعالم بهم، وسميت عامة لأنها تعم جميع الخلق، ولقد وردت في القرآن في مواضع كثيرة منها

قال الله تعالى :

( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ )

النساء :108

أي أنهم يستترون من الناس خوفًا من اطلاعهم على أعمالهم السيئة, ولا يستترون من الله تعالى ولا يستحيون منه, وهو عزَّ شأنه معهم بعلمه مطلع عليهم حين يدبِّرون – ليلا – ما لا يرضى من القول

قال الله تعالى :

( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير )

الحديد :4

أي وهو سبحانه معكم بعلمه أينما كنتم, والله بصير بأعمالكم التي تعملونها, وسيجازيكم عليها

قال الله تعالى :

( مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )

المجادلة :7

ما يتناجى ثلاثة مِن خلقه بحديث سرٍّ إلا هو رابعهم بعلمه وإحاطته, ولا خمسة إلا هو سادسهم، ولا أقلُّ من هذه الأعداد المذكورة ولا أكثرُ منها إلا هو معهم بعلمه في أيِّ مكان كانوا, لا يخفى عليه شيء من أمرهم, ثم يخبرهم تعالى يوم القيامة بما عملوا من خير وشر ويجازيهم عليه. إن الله بكل شيء عليم

2 ـ الْمَعِيَّةُ الْخَاصَّةُ

وهي معية الإطلاع والنصرة والتأييد الإعانة ، والمساعدة والتوفيق ، وسميت خاصة لأنها تخص أنبياء الله وأولياءه دون غيرهم من الخلق ، وقد وردت بهذا المعنى في القرآن الكريم في مواطن كثيرة نورد منها على سبيل المثال لا الحصر الآيات التالية:

قال الله تعالى :

 ( وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ )

العنكبوت : 69

أي إن الله سبحانه وتعالى مع الذين يحسنون أداء فرائضه والقيام بحقوقه ولزوم طاعته, بعونه وتوفيقه ونصره .

قال الله تعالى :

( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )

البقرة :153

أي والله مع الصابرين بتوفيقه ونصره, وحسن مثوبته  .

قال الله تعالى :

( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )

البقرة :194

أي إن الله سبحانه وتعالى مع الذين اتقوه بامتثال ما أمر واجتناب ما نهى بالنصر والتأييد

قال الله تعالى :

 ( إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا )

التوبة :40

أي لا تحزن إن الله معنا بنصره وتأييده

وبعد هذا البيان الموجز عن معية الله من خلال آيات القرآن يتبين لنا أنها إما عامة لجميع الخلق، وهي معية علم، وسمع، وبصر، وإحاطة، وقدرة، وغلبة، وهو مع ذلك بذاته فوق عرشه. وإما خاصة، وهي معيته مع خواص خلقه بالنصرة، واللطف، والتأييد.

ثالثا – آثار الإيمان بهذه المعية

لكل من المعيتين العامة أو الخاصة آثارٌ جليلة وعظيمة ،هي

أ – المعية العامة

فبالنسبة للمعية العامة فإنَّ من أهم آثارها:

ـ  تربية المهابة في نفوس الناس من هذا الإله العظيم العليم بالسر وأخفى.

قال الله تعالى :

﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾

طه: 7

﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾

النحل: 19

ـ الإسراع بالطاعة والإقلاع عن المعصية لإحاطة علمه تعالى بخلقه.

قال الله تعالى :

( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)

الحديد :4

ب – المعية الخاصة

أما ما يتعلق بالمعية الخاصة، فمن آثارها

ـ من كان الله معه فلا يغلبه أحد ولا يؤثر فيه شيء

قال الله تعالى :

﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

الأنعام : 17

فهو يتصل بمصدر القوة، وهي قوة الله الغالب على أمره القاهر فوق عباده.

قال الله تعالى :

﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾

الأنعام : 18

ـ  لا يشعر صاحب المعية بوحشة لأنه معه ربه يؤنسه ويثبته ويقويه

قال الله تعالى :

( إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا )

التوبة :40

ـ الشعور بالرضا والاطمئنان والهدوء النفسي

كما قال موسى عليه السلام بكل ثقة واعتزاز لما حاصره فرعون وجنوده

قال الله تعالى :

( إنَّ معي ربِّي سيهدين )

الشعراء:62

رابعا – المنعم عليهم

بمعية الله تعالى

1- معيته الله تعالى للأنبياء

– عن موسى وهارون عليهم السلام

قال الله تعالى :

 ( قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ )

طه :٤٦

– عن النبي صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى :

 ( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا  )

التوبة :٤٠

2- معية الله تعالى للملائكة

قال الله تعالى :

( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ )

الأنفال:١٢

3- معية الله تعالى للبشر

أ- المعية للمؤمنين

وقد وردت آيات القرآن الكريم تبين معية الله تعالى الخاصة لعباده المؤمنين ، وهي نوعين هما ..

1- المخصوصة بوصف

الذين لهم صفات تؤهلهم لهذه المعية مثل الصبر والإحسان والتقوى ونحو ذلك من صفات

قال الله تعالى :

( وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ  ﴾

الأنفال: 19

( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾

البقرة:١٥٣

( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾

النحل:١٢٨

( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾

البقرة:١٩٤

2- المخصوصة بشخص

– عن موسى وهارون عليهم السلام

قال الله تعالى :

( إنني معكما أسمع وأرى ﴾

طه : 46

ومعنى المعية هنا النصر والتأييد والتوفيق والتسديد.

ب – المعية لعموم الخلق

هذه المعية تقتضي الإحاطة بالخلق علماً وقدرة، وسمعاً وبصراً وسلطاناً وتدبيراً وغير ذلك من معاني ربوبيته

قال الله تعالى :

( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

الحديد: ٤

( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾

المجادلة :٧

والمعية هنا معية تكون معية العلم والاحاطة

خامسا – وسائل اكتساب

معية الله تعالى

قال الله تعالى :

( وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ﴾

المائدة: 12

هذا ثمنها؛ أن تقيم الصلاة, وأن تؤتي الزكاة، وأن تستقيم على أمره، وأن تحسن إلى خلقه، إن دفعت الثمن نلت المعية الخاصة، والباب مفتوح لكل الناس.

سادسا – وجود آلهة أخرى مع الله

تعددت أساليب القرآن الكريم في بيان نفي أن يكون مع الله آلهة أخرى، ومنها

1- النفي الصريح

وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تنهى نهيا صريحا عن اتخاذ آلهة مع الله تعالى، منها ..

قال الله تعالى :

﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ  سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾

المؤمنون:٩١

2- النهي الصريح

ومن أساليب القرآن في نفي المعية عن الله تعالى: النهي الصريح، وهذا أشد في نفي المعية وأقوى

قال الله تعالى :

﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾

الجن:١٨

﴿ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ﴾

الإسراء:٣٩

والمعنى: واحذر أيها المكلف أن تتخذ مع الله إلها غيره

3- الاستفهام الإنكاري

ومن أساليب القرآن في إنكار آلهة مع الله: استعمال الاستفهام الإنكاري.

قال الله تعالى :

﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾

الأنعام:١٩

قل – أيها الرسول لهؤلاء المشركين-: أيُّ شيء أعظم شهادة في إثبات صدقي فيما أخبرتكم به أني رسول الله؟ قل: الله شهيد بيني وبينكم أي: هو العالم بما جئتكم به وما أنتم قائلونه لي، وأوحى الله إليَّ هذا القرآن مِن أجل أن أنذركم به عذابه أن يحلَّ بكم، وأنذر به مَن وصل إليه من الأمم. إنكم لتقرون أن مع الله معبودات أخرى تشركونها به. قل لهم -أيها الرسول-: إني لا أشهد على ما أقررتم به، إنما الله إله واحد لا شريك له، وإنني بريء من كل شريك تعبدونه معه.

4- الخبر التهديدي

ومن الآيات التي حملت الخبر التهديدي لمن يجعل مع الله آلهة أخرى،

قال الله تعالى :

﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾

المؤمنون:١١٧

ومن يعبد مع الله الواحد إلهًا آخر، لا حجة له على استحقاقه العبادة، فإنما جزاؤه على عمله السيِّئ عند ربه في الآخرة

5- أسلوب الشرط

ومن أساليب القرآن الكريم في النهي عن اتخاذ آلهة مع الله، وبيان أنها شرك: أسلوب الشرط

قال الله تعالى :

﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ  إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾

المؤمنون:١١٧

ومن يعبد مع الله الواحد إلهًا آخر، لا حجة له على استحقاقه العبادة، فإنما جزاؤه على عمله السيِّئ عند ربه في الآخرة. إنه لا فلاح ولا نجاة للكافرين يوم القيامة.

قال الله تعالى :

﴿ قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا ﴾

الإسراء:٤٢

وهذا تنزيه من الله تعالى ذكره نفسه عما وصفه به المشركون، الجاعلون معه آلهة غيره ، فقال: تنزيها لله وعلوا له عما تقولون أيها القوم، من الفرية والكذب، فإن ما تضيفون إليه من هذه الأمور ليس من صفته، ولا ينبغي أن يكون له صفة .

وهكذا تتنوع أساليب القرآن الكريم في نفي وجود آلهة مع الله تعالى وسبحان من عز عن النظير والشبيه وتعالى عن الند والمثيل.

5- معية الرسل عليهم السلام

          في

   القرآن الكريم

ومن صور المعية الواردة في القرآن الكريم معية المرسلين عليهم السلام، ويقصد بها جانبان: معية الرسل للناس، ومعية الناس لهم.

أولًا: معية الرسل للناس

أن معية الرسل للناس في أمور منها

1- معية التربص والانتظار

وهي في جانب المدعوين بعد إقامة الحجة عليهم وتنكرهم للبرهان واعتسافهم للدليل. ومنه

– نبي الله هود عليه السلام مع قومه

قال الله تعالى :

﴿ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ﴾

الأعراف :٧١

– نبي الله شعيب عليه السلام مع قومه

قال الله تعالى :

﴿ وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ﴾

هود: ٩٣

2- معية الصبر والالتزام

في أمر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى :

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾

الكهف:٢٨

وفي الآية يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر مع هذه الفئة المؤمنة والصبر معها حتى يبلغهم رسالته .

3- المعية الممنوعة المحرمة

وتكون في حق الظالمين والمعاندين، وتقع دائما بعد نهي عنها وأمر بمفارقة أصحابها وعدم شهود مجالسهم

قال الله تعالى :

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾

الأنعام :٦٨

﴿ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾

الأنعام: ١٥٠

ثانيًا – معية الناس للرسل

والمتأمل للآيات التي تناولت معية الناس للرسل يمكن أن يقسمها إلى قسمين:

1- معية الرسل  العامة

قال الله تعالى :

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا  وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾

آل عمران:١٤٦

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ  أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾

البقرة :٢١٤

وفي هاتين الآيتين تبدو صورة المعية في أقوى مراحلها وفي أدق خصائصها إذ هي في مرحلة الابتلاء والاختبار والجهاد ومس البأساء والضراء والزلزلة.

2- معية الرسل الخاصة

وأما المسلك الخاص فقد بدا في حديث القرآن الكريم عن الرسل عليهم السلام بذكرهم صراحة، قد حفلت آيات القرآن ببيان هذه المعية، ويمكن أن نتتبعها على النحو الآتي:

– معية نوح عليه السلام

قال الله تعالى :

﴿ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ ﴾

يونس:٧٣

– معية هود عليه السلام

في الآية التأكيد أن الإيمان والمعية هما سبب النجاة

قال الله تعالى :

﴿ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾

هود: 58

– معية صالح عليه السلام

وفي حق صالح عليه السلام ما زال التأكيد أن المعية والإيمان سبب النجاة والعصمة .

قال الله تعالى :

﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ  إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾

هود:٦٦

– معية شعيب عليه السلام

قال الله تعالى :

﴿ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ﴾

الأعراف:٨٨

– معية إبراهيم عليه السلام

قال الله تعالى :

﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾

الممتحنة :٤

– معية موسى وهارون عليهما السلام

قال الله تعالى :

﴿ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ . أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾

الشعراء :١٦-١٧

﴿ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

الأعراف:١٣١

﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾

غافر:٢٥

﴿ وَأَنْجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ﴾

الشعراء:٦٥

– معية داود وسليمان عليهما السلام

والمعية هنا ليست معية البشر فقط

قال الله تعالى :

﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ  إِنَّهُ أَوَّابٌ . إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ ﴾

ص: 17 -١8

﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا  يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ﴾

سبأ:١٠

على معية بلقيس ملكة سبأ وقومها

قال الله تعالى :

﴿ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

النمل:44

– معية عيسى عليه السلام

إن الحديث عن معيته قد ورد على لسان الحواريين

قال الله تعالى :

﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ  قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ . رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾

آل عمران:٥٢-٥٣

ربنا آمنا وصدقنا بما أنزلت في كتابك واتبعنا الرسول عيسى ابن مريم، فاكتبنا مع الشاهدين الذين يشهدون لأنبيائك بالصدق

– معية محمد صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى :

﴿ لَٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

التوبة :٨٨

﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾

الملك :٢٨

 

Share This