مفهوم المداهنة في القرآن الكريم

1- مفهوم المداهنة

هي معايشة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكارٍ عليه تحقيقًا لمصلحة ، مع القدرة على دفعه .

2- كلمة المداهنة

   في

القرآن الكريم

وردت كلمة (دهن) في القرآن الكريم 3 مرات. والصيغ التي وردت، هي:

– الفعل المضارع

ورد مرتين

قَال الله تعالى:

﴿ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾

القلم:٩

– الاسم

ورد مرة واحدة

قَال الله تعالى:

﴿ أَفَبِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ ﴾

الواقعة:٨١

وجاءت المداهنة في القرآن الكريم بمعني المصانعة والمداراة والملاينة.

3 – الكلمات ذات الصلة

    بكلمة المداهنة 

– التقية

التقية أن يقي الإنسان نفسه بما يظهره وإن كان يضمر خلافه  وهي لا تحل إلا لدفع الضرر.

قَال الله تعالى:

﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾

آل عمران : 28

– المداراة

لمداراة هي ملاينة الناس، وحسن صحبتهم واحتمالهم لئلا ينفروا عنك، من غيرطْعن في الدين من أي جهة من الجهات ، وهي مباحة وربَّما استُحبَّتْ أحياناً .

قال الله تعالى:

( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ )

فصلت:34

– الركون

الركون بِمعنى الـمَيْلِ إلى الشَّيْءِ وقَصْدِهِ والاِطْمِئْنانُ إليه .

قَال الله تعالى:

﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ﴾

الإسراء: 74

ولولا أن ثبَّتناك على الحق، وعصمناك عن موافقتهم، لَقاربْتَ أن تميل إليهم ميلا قليلا من كثرة المعالجة ورغبتك في هدايتهم.

4 – تحريم المداهنة

فالمداهنة خلقٌ قذرٌ، لا ينحط فيه إلا من نشأ نشأة صغارٍ ومهانةٍ. وتكمن خطورة هذا الخلق في أنه يتعارض تماما مع أهم المبادئ الإسلامية، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأدلة تحريم المداهنة كثيرةٌ.

قَال الله تعالى:

﴿ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ . أَفَبِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ ﴾

الواقعة: ٨١

وهذا القرآن الكريم منزل من رب العالمين، فهو الحق الذي لا مرية فيه. أفبهذا القرآن أنتم – أيها المشركون- متهاونون مكذِّبون؟

قَال الله تعالى:

﴿ فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ. وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾

القلم: 8 – 9

فاثبت على ما أنت عليه – أيها الرسول- من مخالفة المكذبين ولا تطعهم. تمنَّوا وأحبوا لو تلاينهم، وتصانعهم على بعض ما هم عليه، فيلينون لك.

5 – أنواع المداهنة

        في

القران الكريم

نجد القران الكريم قد قسم المداهنة إلي قسمين ، وهما

أولًا- المداهنة المشروعة

جاءت محمودة كالتقية ، و المداراة .

1- المداراة

المداراة خُلُق وصفة محمودة، وبها وعليها تقوم وتستمر الكثير من العلاقات الإنسانية. فالبشر يعيشون ضمن مجتمعات، يتفاعل بعضهم مع بعض، وتتداخل حياتهم فيما بينهم، مما يقتضي تضاربًا في المصالح والرغبات، فتؤمن المداراة وسيلةً لتخطي شيئاً من هذا التضارب، فلولا مداراة الناس بعضهم بعضًا، لتقطعت أو توترت العلاقات والأواصر الأسرية، والاجتماعية والإنسانية، ولفشلت محاولات التعاون والترابط في كل أو كثير من الأعمال والنشاطات.

قَال الله تعالى:

﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾

البقرة : ٨٣

ينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينًا، ووجهه منبسطًا طلقًا مع البر والفاجر، والسيء والمبتدع، من غير مداهنة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه .

أ – عن موسى وهارون عليهما السلام في دعوتهما لفرعون

قَال الله تعالى:

﴿ اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ. فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ﴾

طه: ٤3 – 44

وهاتان الآيتان فيهما دلالة واضحة على معنى المداراة وهي: القول اللين اللطيف الذي لا خشونة فيه ولا غلظة، لأن تليين القول مما يكسر سورة عناد العتاة ويلين قسوة الطغاة . والقول اللين لا يثير العزة بالإثم، ولا يهيج الكبرياء الزائف الذي يعيش به الطغاة، ومن شأنه أن يوقف القلب فيتذكر ويخشى عاقبة الطغيان. فيكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع .

ب – في قصة ابراهيم عليه السلام

قَال الله تعالى:

﴿ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا  . قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴾

مريم: ٤٦ – 47

إبراهيم عليه السلام كان من أكثر المناوئين له أبوه عند دعوته له إلى عبادة الله وحده لا يشرك به شيئًا، وقد لاقى في ذلك عنتًا شديدًا، وحرجًا بليغًا لوقوف أبيه مع المشركين ضد دعوته، ولكنه أبقى على شيء من البر له .

ت – أمر الله سبحانه لنبيه

قَال الله تعالى:

﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾

الأعراف: ١٩٩

أمر الله سبحانه نبيه بحسن المعاشرة مع الناس، وبذل الجهد في الإحسان إليهم، والإغضاء عنهم.

ث – مخاطبًا رسوله صلى الله عليه وسلم

قَال الله تعالى:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ  ﴾

آل عمران: ١٥٩

فبرحمة من الله لك ولأصحابك – أيها النبي- منَّ الله عليك فكنت رفيقًا بهم، ولو كنت سيِّئ الخُلق قاسي القلب، لانْصَرَفَ أصحابك من حولك .

قَال الله تعالى:

﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ  ﴾

النحل: ١٢٥

ادعُ – أيها الرسول- أنت ومَنِ اتبعك إلى دين ربك وطريقه المستقيم، بالطريقة الحكيمة التي أوحاها الله إليك في الكتاب ، وخاطِب الناس بالأسلوب المناسب لهم، وانصح لهم نصحًا حسنًا، يرغبهم في الخير، وينفرهم من الشر، وجادلهم بأحسن طرق المجادلة من الرفق واللين.

ج- أمر الله سبحانه للمؤمنين

قَال الله تعالى:

﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾

العنكبوت: ٤٦

في هذه الآية أمر الله المؤمنين بمجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن أي: بحسن خلق، ولطف ولين كلام، ودعوة إلى الحق وتحسينه، ورد على الباطل، والتنفير منه وتقبيحه أو بأي طريق رجاء إجابتهم، واستمالة لقلوبهم، لا على طريق الإغلاظ والمخاشنة كالقدح في شيء من الكتب الإلهية، أو بأحد من الرسل، بل يقارعهم الحجة بالحجة والدليل بالدليل، ليلزمهم الإقرار بالقرآن وبالرسول، وبما يدعو إليه من الإيمان بهذا الدين.

د- مخاطبًا الناس عموما

قَال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾

فصلت: ٣٤

ومن المداراة، عدم مقابلة المسيء بجنس عمله. فإذا أراد إزالة عداوته، لا بد من الإحسان إليه مع الصبر على ما يكره.

قَال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ﴾

النساء: ٨٦

وإذا سلَّم عليكم المسلم فردُّوا عليه بأفضل مما سلَّم لفظًا وبشاشةً، أو ردوا عليه بمثل ما سلَّم، ولكل ثوابه وجزاؤه. إن الله تعالى كان على كل شيء مجازيًا.

2- التقية

ومن المداهنة المشروعة التقية ، والتقية لا تحل إلا مع خوف القتل أو القطع أو الإيذاء العظيم .

قَال الله تعالى:

﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾

آل عمران: ٢٨

ينهى الله المؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء بالمحبة والنصرة من دون المؤمنين، ومَن يتولهم فقد برِئ من الله، والله برِيء منه، إلا أن تكونوا ضعافًا خائفين فقد رخَّص الله لكم في مهادنتهم اتقاء لشرهم، حتى تقوى شوكتكم، ويحذركم الله نفسه، فاتقوه وخافوه. وإلى الله وحده رجوع الخلائق للحساب والجزاء.

– ومن الأدلة على مشروعية التقية للضرورة

قَال الله تعالى:

﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

النحل: ١٠٦

إنما يفتري الكذب مَن نطق بكلمة الكفر وارتدَّ بعد إيمانه، فعليهم غضب من الله، إلا مَن أُرغم على النطق بالكفر، فنطق به خوفًا من الهلاك وقلبه ثابت على الإيمان، فلا لوم عليه، لكن من نطق بالكفر واطمأن قلبه إليه، فعليهم غضب شديد من الله، ولهم عذاب عظيم؛ وذلك بسبب إيثارهم الدنيا وزينتها، وتفضيلهم إياها على الآخرة وثوابها، وأن الله لا يهدي الكافرين، ولا يوفقهم للحق والصواب.

ثانيًا – المداهنة المحرمة

أن المداهنة تقترب كثيرًا من النفاق، وربما كانت كفرًا إذا كانت المداهنة لصاحب الكفر.

قَال الله تعالى:

﴿ فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ . وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾

القلم: 8 -9

فاثبت على ما أنت عليه -أيها الرسول- من مخالفة المكذبين ولا تطعهم. تمنَّوا وأحبوا لو تلاينهم، وتصانعهم على بعض ما هم عليه، فيلينون لك. ومن الذين لا ينبغي الركون إليهم  و موالاتهم  :

1- الظالمين

الركون إلى الظالمين بِمعنى الـمَيْلِ والاِطْمِئْنانُ إليهم .

قَال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾

هود: ١١٣

ولا تميلوا إلى هؤلاء الكفار الظلمة، فتصيبكم النار، وما لكم من دون الله من ناصر ينصركم، ويتولى أموركم.

قَال الله تعالى:

﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ﴾

الإسراء : 74

ولولا أن ثبَّتناك على الحق، وعصمناك عن موافقتهم، لَقاربْتَ أن تميل إليهم ميلا قليلا من كثرة المعالجة ورغبتك في هدايتهم.

قَال الله تعالى:

﴿ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ﴾

المائدة: ٤٩

واحذرهم أن يصدُّوك عن بعض ما أنزل الله إليك فتترك العمل به، فإن أعرض هؤلاء عمَّا تحكم به فاعلم أن الله يريد أن يصرفهم عن الهدى بسبب ذنوبٍ اكتسبوها من قبل.

قَال الله تعالى:

﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ﴾

الإسراء: ٧٣

ولقد قارب المشركون أن يصرفوك -أيها الرسول- عن القرآن الذي أنزله الله إليك؛ لتختلق علينا غير ما أوحينا إليك، ولو فعلت ما أرادوه لاتخذوك حبيبًا خالصًا.

قَال الله تعالى:

﴿ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾

الأحزاب: ٤٨

توجيه النبي صلى الله عليه وسلم ألا يحفل بأذى الكافرين والمنافقين، ولا يتقيه بطاعتهم في شيء أو الاعتماد عليهم في شيء، فالله وحده هو الوكيل، وكفى بالله وكيلًا.

قَال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾

الأنعام: ٦٨

وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا بالتكذيب والرد والاستهزاء فأعرض عنهم .

2- الكفار

موالاة الكفار هو أن يكونَ قَومٌ من المنتَسِبين للإسلامِ أنصارًا وظُهورًا وأعوانًا للكُفَّارِ ضِدَّ مُسلِمين آخَرينَ .

قَال الله تعالى:

﴿ تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾

المائدة :80

تَرَى – أيها الرسول- كثيرا منهم يتولَّون الذين كفروا من أهل مكة بغضا لك ، ساء ما عملوه من الموالاة التي كانت سببًا في غضب الله عليهم ، وخلودهم في عذاب الله يوم القيامة.

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾

الممتحنة :٩

إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم بسبب الدين وأخرجوكم من دياركم، وعاونوا الكفار على إخراجكم أن تولوهم بالنصرة والمودة، ومن يتخذهم أنصارًا على المؤمنين وأحبابًا، فأولئك هم الظالمون لأنفسهم، الخارجون عن حدود الله.

قَال الله تعالى:

﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾

المجادلة : ٢٢

لا تجد – أيها الرسول – قومًا يصدِّقون بالله واليوم الآخر، ويعملون بما شرع الله لهم، يحبون ويوالون مَن عادى الله ورسوله وخالف أمرهما، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو أقرباءهم .

قَال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾

المائدة: ٥١

يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى حلفاءَ وأنصارًا على أهل الإيمان؛ ذلك أنهم لا يُوادُّون المؤمنين، فاليهود يوالي بعضهم بعضًا، وكذلك النصارى، وكلا الفريقين يجتمع على عداوتكم. وأنتم -أيها المؤمنون- أجدرُ بأن ينصر بعضُكم بعضًا. ومن يتولهم منكم فإنه يصير من جملتهم، وحكمه حكمهم. إن الله لا يوفق الظالمين الذين يتولون الكافرين.

قَال الله تعالى:

﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا . الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾

النساء: ١٣٨ – ١٣٩

وقد جاء النص الصريح من كتاب الله عز وجل على أن من اتخذ الكفار أولياء من دون المؤمنين أنه: منافق لا يؤمن بالله ولا بالنبي وما أنزل إليه وأنه من جملة الكفار الذين والاهم ونصرهم.

5- أسباب المداهنة المشروعة

لا شك أن النفوس المطبوعة على المداراة نفوسٌ أدركت أن الناس خلقوا ليكونوا في الائتلاف كجسد واحد، وشأن الأعضاء السليمة أن تكون ملتئمةً متماسكةً على قدر ما فيها من حياة، ولا تنكر عضوًا ركب معها في جسد إلا أن يصاب بعلةٍ يعجز الاطباء أن يصفوا لها دواء.

ومن هنا تبرز أهمية الاتحاد والتعاون الاجتماعي. وفي المقابل نجد النفوس الشريرة لا تسعى لتحقيق هذا الخلق النبيل. بل تعمل صباح مساء على إشعال نار الفتنة وتهييج النفوس وشحنها بالبغضاء وحثها على الخراب والقتل والدمار. ولا شك أنه لحصول ذلك كله أسبابٌ ودواعٍ تقتضيه. وهذا ما سنبينه فيما يأتي:

أولًا: أسباب المداهنة المشروعة

1- صيانةً لحسن العلاقات الاجتماعيّة واستمراريّة الحدّ الأدنى من الإلفة والتعاون .

قَال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾

فصلت: 34

فنحن نعيش في أحياء وقرى ومراكز عمل تتنوّع فيها أمزجة الناس كثيراً لأسباب شتّى وظروف مختلفة، ومصلحة الجميع في التجاوز والرأفة والتحمّل وحسن الظن… ويُترجم ذلك بالمداراة.

2- المداراة من أخلاق الأنبياء عليهم السلام

– قال شعيب عليه السلام لقومه

قَال الله تعالى:

﴿ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ . وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ . بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ . قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ . قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾

هود: ٨٤ – ٨٨

– قال نوح عليه السلام لقومه

قَال الله تعالى:

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ . وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ . وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ. وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾

هود: ٢٨ – ٣١

3- المداراة علاج للعداوة بين الناس

قَال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾

فصلت: ٣٤

أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم .

ثانيًا – صور من المداهنة المشروعة

الصورة الأولى: المداراة بالكلمة اللينة والقول الحسن

قَال الله تعالى:

﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا  ﴾

البقرة :٨٣

فينبغي على الإنسان عند تعامله مع الناس، ودعوتهم إلى الخير أن يخاطبهم بالطيب من الكلام مبتعدًا عن الألفاظ والكلمات النابية، من اللعن والسب والشتم، والإغلاظ في القول .

الصورة الثانية: المداراة بالعطايا والهبات

ومن ذلك الإحسان إلى الداخلين في الإسلام حديثا، إنما شرع لتحبيبهم في الإسلام وجذبهم إليه، واستبعادهم عن الشرك، وذلك بإعطائهم مالًا، أو عقارًا تأليفًا لقلوبهم، ليحسن إسلامهم .

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ

التوبة 60

الصورة الثالثة: المداراة بالنصيحة

لا شك أن هذا الأسلوب لا يكون إلا بالطرق الطيبة الحكيمة مثل الكلام اللطيف، والابتسامة الرقيقة، والتنبيه على الأخطاء برفق ولطف، وأسلوب حسن، والدعاء لهم بالهداية والتوفيق، وأن يعينهم الله على ترك الباطل، وإقامة الحق، والتعاون معهم على الخير. وإذا ما تم ذلك فقد يضمحل الشر في نفوسهم، أو يزول، ويكثر الخير، وأيضًا عدم التشهير بعيوبهم، والتشنيع عليهم على رؤوس الأشهاد لما فيه من الفساد والفتنة والاقتتال، وسفك الدماء . ويفهم ذلك من قوله تعالى لموسى وهارون – عليهما السلام – عندما أمرهما سبحانه: بالذهاب إلى فرعون، ودعوته للحق .

قَال الله تعالى:

﴿ اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ . فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ﴾

طه: ٤3- 44

الصورة الرابعة: المداراة بالصحبة الجميلة والمعاشرة الحسنة

العلاقات الأسرية، وبخاصة بين الزوجين ينبغي أن يسودها اللين، والمجاملة، والعطف، والإغضاء عن الهفوات، والصبر على الأذى، للمحافظة على تماسك الأسرة، وصفاء جوها.

قَال الله تعالى:

﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾

النساء: ١٩

ولتكن مصاحبتكم لنسائكم مبنية على التكريم والمحبة، وأداء ما لهن من حقوق. فإن كرهتموهن لسبب من الأسباب الدنيوية فاصبروا؛ فعسى أن تكرهوا أمرًا من الأمور ويكون فيه خير كثير.

6 – أسباب المداهنة المحرمة

سبق وأن ذكرنا أن المداهنة المحرمة نوع من أنواع تزيين المنكر؛ ولهذا نقف هنا على الأسباب المؤدية لهذا التردي المهلك وصورٍ منها من خلال ما يلي:

أولًا: أسباب المداهنة المحرمة

1- الحرص على الدنيا

الحرص على الدنيا هو حرص على جمع المال، وحرص على نَيلِ الشرف فيها ، وهما من أضرِّ الأمور على دين العبد وآخرته، فيداهن ويترخص، ويبيع من دينه ما يظن أنه سيحفظ عليه ولايته وجاهه وسلطانه .

قَال الله تعالى:

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

آل عمران: 185

كل نفس لا بدَّ أن تذوق الموت، وبهذا يرجع جميع الخلق إلى ربهم؛ ليحاسبهم. وإنما تُوفَّون أجوركم على أعمالكم وافية غير منقوصة يوم القيامة، فمن أكرمه ربه ونجَّاه من النار وأدخله الجنة فقد نال غاية ما يطلب. وما الحياة الدنيا إلا متعة زائلة، فلا تغترُّوا بها.

2- الحرص على الأولاد،

والخوف عليهم من الضياع

الحرص على الأولاد من الحاجة والضياع مما يحزن الإنسان ويضعفه ويجنبه عن قول الحق، والصدع به – لهو من أعظم أسباب المداهنة .

قَال الله تعالى:

﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾

النساء 9

وهذه الآية المراد منها، أنّ على الإنسان أن يخشى غائلة بعض أعماله، ليس على نفسه، بل على ذريته، وبالتالي هي تدعو الإنسان قبل أن يقدم على قول أو عمل إلى أن يفكر في أثر هذا العمل على ذريته.

3- الصداقة والصحبة في غير الله ومرضاته

إن الصداقة والصحبة إذا كانت على غير الله وفي غير مرضاته يدخل على دين المرء من الفساد بسببها ما لا يعلمه إلا الله، ، وإن لم يحب المرء مفارقتهم احتاج إلى مداهنتهم ومساعدتهم على ما يريدون وإن كان فيه فساد دينه.

قَال الله تعالى:

﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾

البقرة: ١٦٦

عند معاينتهم عذاب الآخرة يتبرأ الرؤساء المتبوعون ممن اتبعهم على الشرك، وتنقطع بينهم كل الصلات التي ارتبطوا بها في الدنيا: من القرابة، والاتِّباع، والدين، وغير ذلك.

4 – الخوف من الناس و

عدم الخوف من الله

اعلم أن من خاف الله تعالى في الناس كان محسنًا إلى الناس وإلى نفسه لأن خوف الله يحمله على أن يعطيهم حقهم ويكفهم عن ظلمهم، ومن خاف الناس ولم يخف الله فهذا ظالم للناس ولنفسه لأنه إذا خافهم دون الله تعالى احتاج إلى أن يدفع شرهم عنه بكل وجه، إما بمداهنتهم ومراءاتهم، وإما بمقابلتهم بشيء من الشر أعظم من شرهم أو مثله.

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

آل عمران : 175

إنَّما المثبِّط لكم في ذلك هو الشيطان جاءكم يخوِّفكم أنصاره، فلا تخافوا المشركين؛ لأنّهم ضعاف لا ناصر لهم، وخافوني بالإقبال على طاعتي إن كنتم مصدِّقين بي، ومتبعين رسولي.

ثانيًا: صور من المداهنة المحرمة

1- الركون للظلمة توقيرًا

أو إعانة ومحبة

إن الدخول على الظلمة وتوقيرهم والثناء عليهم ومحبتهم، نوعًا من الركون والمداهنة لهم .

قَال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾

هود: ١١٣

ولا تميلوا إلى هؤلاء الكفار الظلمة، فتصيبكم النار، وما لكم من دون الله من ناصر ينصركم، ويتولى أموركم.

2- الكلام غيرالحقيقي

قَال الله تعالى:

﴿ يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ﴾

التوبة :  8

فإنهم يقولون لكم كلامًا بألسنتهم؛ لترضوا عنهم، ولكن قلوبهم تأبى ذلك، وأكثرهم متمردون على الإسلام ناقضون للعهد.

3- إيثار رضا الخلق على

رضا الخالق سبحانه وتعالى

ومن صور المداهنة: إيثار رضا الخلق على رضا الله تعالى، وفي هذا سخط الله وسخط الناس.

قَال الله تعالى:

﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ ﴾

التوبة : 62

يحلف المنافقون الأيمان الكاذبة، ويقدمون الأعذار الملفقة؛ ليُرضُوا المؤمنين، والله ورسوله أحق وأولى أن يُرضُوهما بالإيمان بهما وطاعتهما، إن كانوا مؤمنين حقًا.

4- مداهنة الحكام

متابعة بعض المتصدرين لأهواء ذوي السلطان، أو طلبًا لتحصيل مال، أو رضا صاحب أو قريب، أو نصرة لولاءات حزبية . وتحدث هذه المداهنة في الواقع في كل نواحي الحياة، في الوظائف والمدارس، وغير ذلك من نواحي الحياة

قَال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة : 188

ولا يأكل بعضكم مال بعض بسبب باطل كاليمين الكاذبة، والغصب، والسرقة، والرشوة، والربا ونحو ذلك، ولا تلقوا بالحجج الباطلة إلى الحكام؛ لتأكلوا عن طريق التخاصم أموال طائفة من الناس بالباطل، وأنتم تعلمون تحريم ذلك عليكم.

Share This