1- مفهوم اللهو

اللَهْوُ هو ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه.

2- كلمة اللهو

    في

القرآن الكريم

وردت كلمة لـهو وصيغها في القرآن الكريم (١٦) مرة. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ . حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾

التكاثر:١-٢

– الفعل المضارع

ورد 4  مرات

قال الله تعالى:

﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ  ﴾

النور:٣٧

– المصدر

ورد  ١٠مرات

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ  ﴾

الجمعة:١١

– اسم الفاعل

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى ﴾

الأنبياء:٣

وجاء اللهو في القرآن على وجهين:

1- ما يتلهى به ويشغل

من زوج أو ولد أو مال أو غناء أو غير ذلك من الشواغل

قال الله تعالى:

﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾

الأنبياء: ١٧

يعني: زوجة، وقيل: ولدا.

2- السخرية والاستهزاء

قال الله تعالى:

﴿ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾

الأنعام: ٧٠

يعني: باستهزائهم به.

3- الكلمات ذات الصلة

  بكلمة اللهو

– العبث

إن العبث هو الفعل الذي ليس فيه مصلحةٌ ولا منفعةٌ ولا فائدةٌ تعود على الفاعل .

قال الله تعالى:

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾

المؤمنون: ١١٥

– اللعب

العمل الذي لا يحقق منفعة حقيقيةً في الحياة ، و يراد به المزح والهزل لتمضية الوقت ، أو لجلب فرحٍ ومسرةٍ للنفس .

قال الله تعالى:

﴿ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ﴾

المعارج: 42

4 – تنزيه الله تعالى عن اللهو

إن من الأصول الواجب اعتقادها، أن الله تعالى منزه عن كل عيب في ذاته جل جلاله، وفيما يصدر عنه، سبحانه وتعالى، من خلق وأمر، و من الأيات  الدالة على ذلك

أ – الحق مقصد هذا الخلق

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾

الحجر:٨٥

﴿ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ﴾

الأحقاف: ٣

ب – نفي للعبثية، واللعب من مقصد هذا الخلق

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ . لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾

الأنبياء: ١٦- 17

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا  ﴾

ص: ٢٧

وتتعدد مقاصد الخلق التي من أجلها خلق الله تعالى هذا الكون العظيم، ويظهر لك من خلال الأمور الآتية:

أولًا: دلائل الخلق المبثوثة في أرجاء السماوات والأرض وما بينهما، والمقصد من خلقها، إنما هو تحفيز العقول، واستنفار لطاقاتها؛ من أجل أن تجول في أنحاء هذا الكون فتبحث عن خالقه، وتعظمه في جميل خلقه وبديعه .

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

آل عمران: ١٩١

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ . مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

الدخان: ٣٨

أما معنى كون هذا الخلق لا يكون باطلًا، فهو أن هذا الإبداع في الخلق، والإتقان للصنع لا يمكن أن يكون من العبث والباطل، ولا يمكن أن يفعله الحكيم العليم لهذه الحياة الفانية فقط، كما أن الإنسان الذي أوتي العقل الذي يفهم هذه الحكم، ودقائق هذا الصنع، وكلما ازداد علمًا حتى إنه لا حد يعرف لفهمه وعلمه، لا يمكن أن يكون وجد ليعيش قليلًا، ثم يذهب سدًى، ويتلاشى فيكون باطلًا، بل لا بد أن يكون باستعداده الذي لا نهاية له قد خلق ليحيا حياةً لا نهاية لها، وهي الحياة الآخرة التي يرى كل عامل فيها جزاء عمله .

ثانيًا: النواميس والقوانين التي خلقها الله لتنظيم أمور هذا الكون بجميع مكوناته، آية دالة على قدرته، وحكمته، سبحانه وتعالى، فكل شيء خلقه الله بقدر

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾

القمر: ٤٩

﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾

الرعد: ٨

والمراد: أن خلق الله الأشياء مصاحبٌ لقوانين جاريةٍ على الحكمة

ثالثًا: المخاطب هو الإنسان ؛فخلقه ليس عبثا، ووجوده ليس سدًا، إنما هو خاضع للقوانين الإلهية التي تسير الكون، وتضبط حركته، فيجازى أو يعاقب بحسب حاله وليس هناك ثمة محاباة لأحد، فقد يمهل الظالمون برحمة من الله تعالى لحكمة استبقاء عمران جزء من الأرض زمانًا، ويهلكون حين يستوفون شروط الإهلاك والعذاب إحقاق لحكمة أخرى وهي العدل والاقتصاص من الظالم. لذا يكثر تعقيب نظام خلق السماوات والأرض بذكر الجزاء العاجل المتمثل بإهلاك الأمم الظالمة بعذاب إلهي فوري كالإهلاك بالطوفان والصيحة والريح الصرصر، أو متدرج كالأمراض الفتاكة والخلافات المفضية إلى الاقتتال الدامي. أو يعقب بذكر البعث والجزاء يوم القيامة تذكيرا بأنه لن يفلت أحد من الجزاء العدل عند الله سبحانه وتعالى.

قال الله تعالى:

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى . أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَىٰ . ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ . فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ . أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ﴾

القيامة 36 – 40

رابعًا: الأحكام والقواعد التي شرعها الله تعالى لتسيير مصالح عباده فيما فيه نفعهم وصلاحهم، من خلال إرسال الرسل وإنزال الكتب ، فمن عدل الله تعالى وحكمته أن لا يترك الناس سدى يسيرون أمورهم وفق أهوائهم وشهواتهم، ذلك أن عقل الإنسان قاصر في كثير من الأحيان عن إدراك الأحكام والقوانين التي تحقق له المصالح الدنيوية والأخروية، فضلا عن أن اتجاهات التفكير لدى الناس متفاوتة نظرا لتفوات مداركهم، وطرق تفكيرهم واختلاف الظروف المحيطة بهم.

قَال الله تعالى:

﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾

الإسراء: ٨٢

5- أنواعه

ويتنوع اللْهِو إلى الأنواع الأتية

1- اللْهِوعن ذكر الله

قَال الله تعالى:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ )

المنافقون: 9

يا أيها الذين آمنوا لا تشغلكم أموالكم ولا أولادكم عن عبادة الله وطاعته

2 – اللْهِوفي الحديث

قَال الله تعالى:

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا )

لقمان 6

ومن الناس مَن يشتري لَهْو الحديث – وهو كل ما يُلهي عن طاعة الله ويصد عن مرضاته- ليضلَّ الناس عن طريق الهدى إلى طريق الهوى، ويتخذ آيات الله سخرية .

3- اللْهِوفي الدين

قَال الله تعالى:

( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا )

الأعراف 51

الذين حَرَمهم الله تعالى من نعيم الآخرة هم الذين جعلوا الدين الذي أمرهم الله باتباعه باطلا ولهوًا، وخدعتهم الحياة الدنيا وشغلوا بزخارفها عن العمل للآخرة .

4 – وصف الحياة الدنيا به

قَال الله تعالى:

( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ )

الأنعام 32

وما الحياة الدنيا- أي الاشتغال بها – إلا لعب ولهو وأما الطاعة وما يعين عليها فمن أمور الآخرة وللدَّار الاخرةُ أي الجنة خير للذين يتقون الشرك

قَال الله تعالى:

( رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ )

النور 37

5 – لَهْوٌ  القلوب

قَال الله تعالى:

( لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ )

الأنبياء 3

قلوبهم غافلة عن القرآن الكريم، مشغولة بأباطيل الدنيا وشهواتها، لا يعقلون ما فيه .

6- عاقبة اللهو

اللهو داء خطير، ذو عواقب سيئة، تمتد آثارها السلبية، لتشمل الإنسان في حياته الدنيا وفي الآخرة، وذلك على النحو الآتي:

أولًا: عاقبة اللهو في الدنيا

تتعدد صور الخسران الدنيوي الذي يلحق باللاهي، سواء كان فردا أو جماعة، ومن ذلك:

1- اندثار معاني الإنسانية من نفوس البشر

اللهو يؤدي إلى سلب صفة التكريم الإلهي التي وهبها الله تعالى للإنسان

قَال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾

الإسراء: ٧٠

بيان ذلك أن هم اللاهي في الحياة الدنيا، ينصب نحو التمتع والتلذذ بما خلق الله، وأوجد على الأرض من غير أن يصاحب ذلك تحقيق أهداف ذات أثر جيد على الأرض، فيصبح شأنه شأن أي حيوان موجود على هذه الأرض .

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ  وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾

محمد: ١٢

بل عدهم الله تعالى أقل درجة من الحيوانات، وأدنى رتبة منها

قَال الله تعالى:

﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾

الفرقان: ٤٤

2- اللهو يؤدي إلى اندثار الأمم وزوالها

وليس بالضرورة أن يكون ذلك بسنة كونية كزلزال، أو بركان، أو غيرها من الظواهر الطبيعية التي خلقها الله تعالى إنما المراد بذلك أن أي تجمع بشري لا يضع نصب عينيه المضي نحو أهداف حقيقية نافعة تقود نحو الرفعة والرقي، وينشغل بسفاسف الأمور، وأرذلها، فإنه حتما سيسقط في القاع ويهلك .

قَال الله تعالى:

﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ . وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ. وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ . فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ . وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ. أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ . وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ .  إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾

الشعراء: ١٢٨-١٣٥

وكم أخبرنا القرآن الكريم عن أمم خلت، قد هلكت، واندثرت لسلوكها سبيل اللهو؛ فعلى سبيل المثال، أخبرنا الله تعالى،عن قوم هود الذين كان همهم بناء الأبنية الشاهقة، والقصور الفارهة، لا لهدف سوى العبث، فقادهم ذلك إلى فساد أحوالهم، فأهلكهم الله تعالى .

3- يقود المجتمع إلى العداوة والبغضاء

اللهو بالأحكام والتشريعات معناه فوضى تبدأ من تخلي الإنسان عن الخضوع لربه، وتنتهي بتحلله من كل القيم الأخلاقية، والفضائل الإنسانية وقيمها، فتقوده بذلك إلى هاوية الهلاك والدمار في الدنيا بالتشتت والاضمحلال، والانطوائية والعداوة والبغضاء، وبالتالي غياب الأمان والاطمئنان. كما أخبرنا تعالى عن حال اليهود والنصارى، بعد تحريفهم لتعاليم دينهم

قَال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾

المائدة: ١٤

﴿ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴾

الحشر: 14

4- الخسران

فالأعمال النافعة تلقي بظلالها الوارفة على حياة الأفراد والمجتمعات، في حين يؤدي الانشغال بتوافه الأمور وسفاسفها على حساب العبادة إلى الخسران الذي أخبر الله عنه

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾

المنافقون: ٩

وقد أخبر سبحانه وتعالى أن ما عنده خير من كل متاع الدنيا

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾

الجمعة: ١١

ثانيًا: عاقبة اللهو في الآخرة

لا تتوقف عقوبة اللهو على حدود الحياة الدنيا، بل تمتد إلى الحياة الأخرى وتنتقل إليها، وسبب ذلك أن الحياتين مرتبطتان ببعضهما ارتباطًا وثيقًا؛ فالأولى دار عمل، والأخرى دار حساب

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾

الملك: ٢

فمن لها عن وظيفته الموكلة إليه في الدنيا، وقصر فيها، ناله ما يناسبه من العقاب يوم القيامة من الحكيم العليم، وجاءت صور الخسران الأخروي، على النحو الآتي:

1- الترك في النار من غير رحمة، ولا إجابة دعوة

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾

الأعراف: ٥١

الذين حَرَمهم الله تعالى من نعيم الآخرة هم الذين جعلوا الدين الذي أمرهم الله باتباعه باطلا ولهوًا، وخدعتهم الحياة الدنيا وشغلوا بزخارفها عن العمل للآخرة، فيوم القيامة ينساهم الله تعالى ويتركهم في العذاب الموجع، كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا، ولكونهم بأدلة الله وبراهينه ينكرون مع علمهم بأنها حق.

2- العذاب المتعدد الصور والأشكال

فقد تعددت الأوصاف التي وصف بها العذاب الذي توعد الله تعالى به اللاهين عن أحكامه وأوامره:

أ – العذاب الشَدِيدٌ

وهذا يتناسب مع من انهمك في لذاتها، وانغمس في متعها دون استعداد لما ينتظره في حياته الأخرى .

قال الله تعالى:

﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

الحديد: ٢٠

ب – العذاب المهين

لأن اللاهي استهان بأمر الله، فهو يهان يوم القيامة، ويحقر فيها

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾

لقمان: ٦

ت – العذاب الأليم

قال الله تعالى:

﴿ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴾

الأنعام: ٧٠

7- علاج اللهو

المقصود بعلاج اللهو هو معالجة سلوكيات الأفراد المصابين بمرض اللهو من خلال إبطال المعتقدات الخاطئة الراسخة في عقولهم عن حقيقة الدنيا، وزيف متاعها وملذاتها، وعقوبة المخدوع بها، في المقابل يؤصل لمفاهيم جديدة، حول الحياة الأخرى، ودوام نعيمها، وجزاء العامل لها . وقد استعمل القرآن لذلك الأمور الآتية:

1- بيان حقيقة الحياة الدنيا

يصورالقرآن الحياة الدنيا تصويرًا حسيًا واقعيًا، قريبا إلى العقول والقلوب، يراه الناس في كل مكان من هذه الأرض

قال الله تعالى:

﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ  وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

الحديد 20

اعلموا – أيها الناس- أنما الحياة الدنيا لعب ولهو، تلعب بها الأبدان وتلهو بها القلوب، وزينة تتزينون بها، وتفاخر بينكم بمتاعها، وتكاثر بالعدد في الأموال والأولاد، مثلها كمثل مطر أعجب الزُّرَّاع نباته، ثم يهيج هذا النبات فييبس، فتراه مصفرًا بعد خضرته، ثم يكون فُتاتًا يابسًا متهشمًا، وفي الآخرة عذاب شديد للكفار ومغفرة من الله ورضوان لأهل الإيمان. وما الحياة الدنيا لمن عمل لها ناسيًا آخرته إلا متاع الغرور.

2- المقارنة بين الحياة الدنيا، والحياة الآخرة

ويلاحظ أن المقابلة بين نعيم الدنيا والآخرة، فنعيم الدنيا لعب ولهو يتشاغل به المتشاغلون عن الأكدار والهموم، وهو في نهاية المطاف فانٍ، في حين يكون نعيم الآخرة زمنه مديد ونعيمه مستمر.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾

العنكبوت: ٦٤

﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

الأنعام: ٣٢

وقد قدم القرآن المنهجية الواضحة الصحيحة في كيفية التعامل مع الدنيا .

قال الله تعالى:

﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ  إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾

القصص: ٧٧

3- مصاحبة الصالحين

فالإنسان بطبعه مدني، فطره الله تعالى على حب المخالطة والنفور من الوحدة، والبيئة التي ينشأ فيها الإنسان تؤثر فيه سلبًا أو إيجابًا، لذلك،كان للصحبة أثر مهم جدًا في حياة الإنسان؛ فهي إما أن تكون عائقةً عن الخير مثبطةً عنه، داعمةً للشر، ومحفزة عليه، لذلك جاءت التوصيات الإلهية بمصاحبة الصالحين، والابتعاد عن اللاهين، ومقاطعة مجالسهم

قال الله تعالى:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾

الكهف: ٢٨

كما تعددت التوصيات الآمرة بالابتعاد عن الغافلين اللاهين

قال الله تعالى:

﴿ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾

الأنعام : ٧٠

4- التذكير الدائم بعاقبة اللهو

في الدنيا والأخرةً

لقد اتخذ التذكير في القرآن الكريم، صورًا عديدةً، هي:

1- السير في الأرض، للاعتبار من مصير اللاهين

والسير في الأرض يترك أثرا كبيرًا في القلب؛ لأنه يقرب المشاهد الواقعية من الإنسان، فيرى بأم العين ما حل بالأمم التي استغرقت في ملذاتها وشهواتها، مما يجعله يعيد حساباته من جديد حول أسلوب حياته وطريقتها

قَال الله تعالى:

﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ  كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾

الروم : ٩

2- التذكير بالموت وما بعده

وهذا له الأثر البالغ على النفس حين يعلم أنه سيغادر هذه الدنيا صفر اليدين كما دخلها، ويعزز هذا الشعور إذا شيع جنازة أو زار قبرًا، كما أن التذكير بيوم الحساب يردع النفس عن غيها، وإغراقها في المتع والملذات؛ لإدراك الإنسان أنه محاسب على أقواله وأفعاله.

قَال الله تعالى:

﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ. حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾

التكاثر: ١-٢

شغلكم عن طاعة الله التفاخر بكثرة الأموال والأولاد. واستمر اشتغالكم بذلك إلى أن صرتم إلى المقابر، ودُفنتم فيها.

قَال الله تعالى:

﴿ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾

الأنعام: ٧٠

واترك – أيها الرسول- هؤلاء المشركين الذين جعلوا دين الإسلام لعبًا ولهوًا؛ مستهزئين بآيات الله تعالى، وغرَّتهم الحياة الدنيا بزينتها، أولئك لهم عذاب موجع؛ بسبب كفرهم بالله تعالى وبدين الإسلام.

8- ضوابط اللهو

قَال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾

لقمان: ٦

لا بد لنا من التعرف على القواعد التي تضبط التصرفات والسلوكيات فيتميز من خلالها اللهو عن الجد ، و تتلخص الضوابط التي تحكم أن هذا الأمر لهوٌ أو جدٌ بالنقاط الآتية:

– أن يكون مباحًا، وليس فيه تعلق بحرام.

– أن يكون قليلًا، ولا يستغرق وقت الإنسان، ومعيار القلة يضبط من خلال المناسبات كالأعياد.

– ألا يشغل الأمر عن طاعة، بل يكون معينًا على الحق أو ذريعة إليه.

9- الملهيات الدنيوية

شاءت حكمة الله عز وجل أن يخلق على هذه الأرض أمورا حببها للإنسان بفطرته؛ لتكون دافعا على إعمار الأرض ومساعدًا على تطويرها، وفيما يأتي أهم الملهيات الدنيوية:

أولًا – زخرف الدنيا وزينتها

يصور حال الكفار المنهمكين في لذائذ الدنيا ومتعها، الغارقين في وهم استمرارية هذه المتع واللذائذ .

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

يونس: ٢٤

حب الدنيا والغرور بزينتها، يصرفان جميع قوى النفس إلى التفاني في طلبها، والسعي في تحصيل متعها، وبذلك تنصرف عن النظر الصحيح في آيات الحق وبيناته، وتعمى عن سبيل الله وصراطه، فشهوة الزعامة تصرف صاحبها إلى المسارعة في حب الظهور، والامتياز، والشهرة، والاستعلاء على أقرانه، وشهوة المال تصرف صاحبها إلى تخطي كل الحدود لتكديس المزيد من الأموال في خزائنه، وهكذا في شأن كل متع الدنيا وزخرفها.

قَال الله تعالى:

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

آل عمران: ١٨٥

لذا جاءت الآية تحذر من الاغترار بالدنيا، والتنبيه على سرعة انقضائها، وزوال نعيمها وملذاتها، وقد استعمل القرآن في سبيل ذلك، منبهات توقظ القلوب، فمن ذلك استعمال مصطلح «متاع» ثلاث عشرة مرة، في وصف الدنيا تنبيهًا أن لكل إنسان في الدنيا تمتعًا لمدة معلومة .

ثانيًا – المال والبنون

يعد المال والبنون، من أخطر الأشياء على النفس البشرية، وأشدها تأثيرًا على سلوك الإنسان، وتصرفاته ، وجعل القرآن الكريم الأموال والأولاد فتنة لكثرة حدوث فتنة المرء من جراء ما ينشأ عنها .

قَال الله تعالى:

﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾

الأنفال: ٢٨

﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾

التغابن: ١٥

الأموال والأولاد جَمال وقوة في هذه الدنيا الفانية، والأعمال الصالحة  ، أفضل أجرًا عند ربك من المال والبنين، وهذه الأعمال الصالحة أفضل ما يرجو الإنسان من الثواب عند ربه، فينال بها في الآخرة ما كان يأمُله في الدنيا.

قَال الله تعالى:

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾

الكهف: ٤٦

حذر الله تعالى عباده المؤمنين من الانصراف إلى تكثير الأموال والأولاد، فينشغلوا عن مصيرهم وآخرتهم .

قَال الله تعالى:

﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ . حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾

التكاثر: ١ – ٢

﴿ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ . يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ﴾

الهمزة: ٢-٣

ووصف الله تعالى، أن كل ما من شأنه الزينة لا ديمومة له، فهو غرور يمر ولا يبقى، كالهشيم المتكسر

قَال الله تعالى:

﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

الحديد: ٢٠

وفصل الله تعالى في أكثر من موضع في القرآن الكريم، أن المال ليس هو السبيل النافع والمــنجي يوم القيامة .

قَال الله تعالى:

﴿ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ ﴾

الليل: ١١

﴿ مَا أَغْنَىٰ عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾

الأعراف: ٤٨

وأن النجاح والفلاح يوم القيامة، قائم على الإيمان والعمل الصالح المستقر في القلب السليم، وليس كثرة الأموال والأولاد

قَال الله تعالى:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

الشعراء: ٨٨-٨٩

﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾

سبأ : ٣٧

ثالثًا – الأمل

القرآن الكريم يصور الأمل بالمتحكم، بالقرارات والمسيطر على الأفعال، والحاجب عن رؤية الحق، حتى كأنه يحول صاحبه لمخلوق، همه الأكل، والتلذذ والتمتع، ويقول: هل من مزيد؟ يؤمل نفسه طول البقاء؛ ليزداد متعة، ولذة، فشابه الأنعام في أفعالها، ويمكن أن يطلق عليه، الأمل الكاذب.

قَال الله تعالى:

﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ  فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾

الحجر: ٣

وجاء الأمل في موضع الذم مع تعقيبٍ بالتهديد والوعيد؛ لأنه شغلهم عن الأخذ بحظهم من الإيمان والطاعة، ونسوا واجباتهم ومصائرهم الآخرة.

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ  وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾

محمد: ١٢

رابعًا – التجارة والبيع

أمر الله تعالى عباده بالسعي في الأرض، طلبا للرزق، والانتفاع مما هو مخلوق على وجه هذه الأرض .

قَال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾

الملك: ١٥

وقد نبه الله تعالى إلى ضرورة الموازنة بين متطلبات الحياة من مال، ووقت، وجهد، ومتابعة مستمرة، وبين الواجبات العبادية، فلا يطغى الجانب المادي على الجانب الروحي، ولا تهمل المعاملة مع الخالق في سبيل المعاملة مع المخلوق. وذكر أن من صفات عباده المؤمنين عدم انشغالهم بمتطلبات التجارة عن الواجبات العبادية.

قَال الله تعالى:

﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾

النور: ٣٧

ولعل تخصيص التجارة بذلك، يعود إلى أنها أقوى الصوارف للإنسان، وأشدها عن الواجبات العبادية؛ فكثرة الحديث عن حال السوق، والبضائع، وأسعار العملات، وغيرها من متعلقات التجارة، تصرف عن طاعة الله وذكره حتى يخلو القلب من ذلك .

قَال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

الجمعة: ٩

وأمر جل جلاله نبيه عليه السلام بأن يعظهم أن ما عند الله من الثواب على حضور الجمعة خيرٌ من فائدة التجارة ولذة اللهو.

 

Share This