1- مفهوم اللعن

اللعن هوعبارة عن الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى

2- كلمة اللعن

     في

القرآن الكريم

وردت كلمة لعن وصيغها في القرآن الكريم (٤١) مرة. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد ١٧ مرة

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا ﴾

الأحزاب:٦٤

– الفعل المضارع

ورد ٥ مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ﴾

النساء:٥٢

– فعل الأمر

ورد  مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴾

الأحزاب:٦٨

– المصدر

ورد  مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴾

الأحزاب:٦٨

– اسم

ورد ١٤ مرة

قال الله تعالى:

﴿ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾

هود:١٨

– اسم فاعل

ورد  مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ

البقرة:١٥٩

– اسم المفعول

ورد  مرتين

قال الله تعالى:

﴿ مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ﴾

الأحزاب:٦١

وجاء اللعن في القرآن الكريم بمعني الطرد والإبعاد على سبيل السخط، وذلك من الله تعالى في الآخرة عقوبة، وفي الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه، ومن الإنسان دعاء على غيره.

3- اللاعنون

       في

 القرآن الكريم

من خلال الوقوف على الآيات التي ورد فيها كلمة اللعن في القرآن الكريم ، نجد أن الآيات قد أخبرت عن من صدر منهم اللعن ، وهم

أولًا: اللعن من الله تعالى

لقد أخبر الله عز وجل في القرآن الكريم عن لعنته لبعض خلقه؛ لأنهم قد اقترفوا ما استحقوا به لعنة الله عز وجل عليهم، ومعنى لعنة الله عز وجل لهؤلاء: أنه سبحانه أقصاهم وأبعدهم، وأخزاهم وأهلكهم، وطردهم من رحمته ومن توفيقه وهدايته ومن كل خير.

ومن خلال تتبع الآيات التي أخبر سبحانه فيها عن لعنه لبعض خلقه نجد أن الله عز وجل قد لعن من خلقه الآتي:

1- إبليس الرجيم

حيث أخبر سبحانه عن لعنته لإبليس، وذلك في ثلاثة مواضع من الكتاب العزيز، وأخبر سبحانه بأن إبليس استحق اللعن حينما عصى أمر الله تعالى بالسجود لآدم عليه السلام.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ . فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ . فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ . إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ . قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ . قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ . قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ . وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ ﴾

الحجر: ٢٨ – ٣٥

2- كفار اليهود

وهم أكثر الملعونين نصيبًا من لعنة الله تعالى لهم في القرآن الكريم ؛ حيث أخبر الله عز وجل عن لعنه لطوائف من اليهود؛ وذلك بسبب ذنوبٍ عظام قد اقترفوها في حق الله سبحانه

– كاستكبارهم عن قبول الحق

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ﴾

البقرة: ٨٨

لقد استحق أولئك اليهود لعنة الله عليهم إذ رفضوا الحق،

– كفرهم بكتاب الله عز وجل

قال الله تعالى:

﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾

البقرة: ٨٩

3- الكافرين والمنافقين

حيث أخبر سبحانه عن لعنته للكافرين والمنافقين في العديد من آيات الذكر الحكيم، من ذلك

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾

البقرة: ١٦١

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا ﴾

الأحزاب: ٦٤

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ  وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾

التوبة: ٦٨

4- المؤذين لله تعالى

ولرسوله صلى الله عليه وسلم

ويدخل في هؤلاء اليهود والنصارى الذين نسبوا لله سبحانه الولد، وافتروا عليه ما لا يليق بجلاله سبحانه، ويدخل فيهم كذلك المشركون الذين افتروا على الله الكذب، ونسبوا له الشريك تعالى الله عن كذبهم علوًا كبيرًا، ويدخل فيهم أيضًا كل من افترى على الله الكذب من مدعي النبوة وغيرهم، وكل من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول أو الفعل. ولقد أخبر الله عز وجل عن لعنته لأولئك المجرمين

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ﴾

الأحزاب: ٥٧

5- من اقترفوا كبائر الذنوب

فقد أخبر الله سبحانه عن لعنته لقاتل النفس المؤمنة عمدًا

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾

النساء: ٩٣

وأخبر سبحانه عن لعنته للذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

النور: ٢٣

وكذلك أخبر سبحانه عن لعنته لقاطعي الأرحام، المفسدين في الأرض

قال الله تعالى:

﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ ﴾

محمد: ٢٢ – ٢٣

ثانيًا: اللعن من الملائكة عليهم السلام

أخبر الله تعالى في كتابه العزيز عن لعنة الملائكة للكافرين، وورد ذكر لعنة الملائكة لأولئك الكافرين مقرونةً بلعنة الله عز وجل ولعنة الناس أجمعين لهم.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾

البقرة: ١٦١

﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ. كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾

آل عمران: ٨٥ –  87

ولعنة الملائكة لهؤلاء إنما تكون بالدعاء عليهم، فكما أن الملائكة يستغفرون للمؤمنين ويدعون لهم، فإنهم يلعنون الكافرين ويدعون عليهم بسخط الله عز وجل وعذابه والطرد من رحمته.

ثالثا: اللعن من الرسل عليهم السلام

ليس في كتاب الله عز وجل ذكرٌ صريح للعن الأنبياء والرسل لأحد من أقوامهم؛ إلا آية واحدة ذكر الله عز وجل فيها لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود عليه السلام وعيسى ابن مريم عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾

المائدة: ٧٨

فلعن داود وعيسى عليهما السلام للذين كفروا من بني إسرائيل هو ما أنزله الله عز وجل من لعنتهم في الزبور والإنجيل، فالله سبحانه لعن هؤلاء الكافرين من بني إسرائيل في هذين الكتابين المنزلين منه سبحانه على نبيين من أنبيائه الكرام.

والرسل والأنبياء عليهم السلام هم من الأشهاد الذين يشهدون على الخلائق يوم القيامة، ويلعنون الكفار الذين افتروا على الله عز وجل الكذب.

قال الله تعالى :

﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾

هود: ١٨

رابعًا: اللعن من الناس أجمعين

أخبر الله عز وجل بلعنة الناس أجمعين للكافرين، وذلك في موضعين من كتاب الله عز وجل، وفي كلا الموضعين قرنت لعنة الناس للكافرين بلعنة الله عز وجل ولعنة ملائكته لهم.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾

البقرة: ١٦١

﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ. كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾

آل عمران: ٨٥ –  87

ففي الآيتين السابقتين أخبر الله عز وجل أن الناس أجمعين يلعنون أولئك الكافرين الذين كفروا بعد إيمانهم وماتوا على الكفر، فاستحقوا لعنة الله ولعنة الملائكة ولعنة الناس أجمعين.

خامسًا: اللعن من الأتباع

أخبر الله عز وجل في كتابه العزيز عن حال الكفار يوم القيامة، وكيف يتبرأ بعضهم من بعضٍ، ويلوم بعضهم بعضًا، ويتنازع الأتباع مع من اتبعوهم .

قال الله تعالى:

﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ  .وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾

البقرة: ١٦٦- ١٦٧

في ذلك الموقف العصيب يعترف الكفار بجرمهم، يعترفون باتباعهم للباطل من غير تعقل، ويرمون اللوم على سادتهم وكبرائهم وأئمتهم في الكفر والشرك والضلال، فيجدوا في لعنهم والدعاء عليهم .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا . خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا . يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا. وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا . رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴾

الأحزاب:٦٤-٦٨

وهذه الآيات ذكر فيه لعن الأتباع لمتبوعيهم يوم القيامة، وإنما كان اللعن من الأتباع لمتبوعيهم من باب الاستشفاء والانتقام منهم؛ لما قاموا به من إضلالهم وإغوائهم .

سادسًا: اللعن من عبدة الأوثان

إن من أحداث يوم القيامة العظام ما يكون من تخاصم أهل النار وتنازعهم وإلقاء بعضهم اللوم على غيره ،ومن أهل النار الذين يحدث بينهم تخاصم عظيم وتلاعن: عبدة الأوثان، الذين كانوا في الدنيا يجتمعون على ضلالهم؛ ولكن حالهم هذا سينقلب يوم القيامة، حينما يكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضًا .

على لسان نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام مخاطبًا قومه عبدة الأوثان

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾

العنكبوت: ٢٥

سابعًا : اللعن من المؤذن بين أهل الجنة وأهل النار

أخبر الله عز وجل أنه في يوم القيامة عندما يدخل أهل الجنة الجنة، ويدخل أهل النار النار، ينادي أهل الجنة أهل النار ويسألونهم: هل وجدتم ما وعدكم ربكم من الخزي والعذاب؟ -وفي ذلك تقريع وتوبيخ عظيم لأهل النار- فيجيبون: نعم وجدنا، مقرين بعذاب الله عز وجل الذي حصل لهم كما كان يوصف لهم من قبل رسل الله عز وجل .

وحينئذ يؤذن مؤذن بين الجنة والنار معلنًا أن لعنة الله ملازمة لأهل النار، مستقرة عليهم.

قال الله تعالى:

﴿ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾

الأعراف: ٤٤

ولا شك أن في أذان ذلك المؤذن تقريعًا وتوبيخًا ومزيد عذابٍ وحسرةٍ لأهل النار، إذ يبشرون بدوام اللعنة والسخط من الله عز وجل عليهم.

ثامنًا: اللعن من الأمم التي في النار

إن أهل النار لما يجدوا ما فيها من بؤس وعذاب وشقاء محيط بهم، دائم عليهم يأخذون في لعن بعضهم بعضًا، ويدعو من كان منهم تابعًا على المتبوعين الذين ساقوهم إلى طرقات الغي والضلال.

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِنْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

الأعراف: ٣٨

إن في هذا الخبر من الله عز وجل عن أهل النار وأحوالهم وتلاعنهم داخل النار موعظة عظيمة للعباد، فلا يسمع بذلك أحد إلا ويقشعر من حالهم تلك، ويخاف على نفسه من أن يكون مع أولئك الكافرين.

تاسعًا – اللعن من عموم اللاعنين

أخبر الله عز وجل عن قوم بلغوا الغاية في الفساد والإضلال وظلم العباد، إنهم أقوام يكتمون الهداية، ويحاولون إخفاء النور الذي أنزله الله عز وجل ليستنير به العباد، فكانت عقوبة هؤلاء أن عليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴾

البقرة: ١٥٩

4- الملعونون

     في

القرآن الكريم

إنه من خلال التدبر في الآيات التي ورد فيها اللعن في القرآن الكريم نجد أن الملعونين في هذه الآيات أصناف من الخلق، وباستقراء الآيات التي ورد فيها لعنٌ يمكن أن نحصر أبرز الملعونين في كتاب الله عز وجل بالآتي:

أولًا – الشيطان

ذكر الله عز وجل لعنته للشيطان في ثلاثة مواضع من الكتاب العزيز؛ ورد اللعن في موضعين منها لإبليس عندما استكبر عن أمر ربه ولم يسجد لآدم عليه السلام.

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ . قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ . قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ . وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ ﴾

ص: ٧٦- 78

ثانيًا – اليهود

قد ورد لعن الله عز وجل لليهود في مواضع كثيرة من الكتاب العزيز؛ بل إن اليهود هم أكثر من ورد بشأنهم لعن من الله عز وجل في القرآن الكريم، إذ إن المواضع التي ورد فيها لعنهم تقارب العشرة مواضع، وما ذلك إلا لشدة فسادهم وإفسادهم، وكثرة جرائمهم.

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾

المائدة: ٦٤

﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ﴾

البقرة: ٨٨

ثالثًا – الكافرون والمنافقون

إن من الأصناف الذين لعنهم الله الكفار والمنافقين، وهم شرار الخلق، رفضوا دعوة الله، وأبوا النور الذي أنزله إليهم، استحبوا العمى على الهدى، فكان لهم اللعن والعذاب الأليم.

قال الله تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ  وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾

التوبة: ٦٨

رابعًا – المرتدون

إن ممن وجبت عليهم لعنة الله عز وجل من ارتدوا عن الإيمان إلى الكفر، واستحبوا العمى على الهدى، فبعد أن أبصروا نور الإيمان نكسوا أنفسهم إلى ظلمات الكفر، واستبدلوا الضلالة بالهدى، فأنى لهم الهداية؟!

قال الله تعالى:

﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ . خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴾

آل عمران: ٨٦-٨٩

خامسًا – المفسدون

لقد ذكر الله عز وجل لعنته للمفسدين في الأرض في موضعين من القرآن الكريم .

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾

الرعد: ٢٥

﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ  ﴾

محمد: ٢٢-٢٣

وهاتان الآيتان جاءتا في سياق مخاطبة الذين في قلوبهم مرض من المنافقين .

سادسًا – الذين يؤذون الله ورسوله

لقد أخبر الله سبحانه عن لعنته لمن آذاه وآذى رسوله صلى الله عليه وسلم، وتوعدهم سبحانه بالعذاب المهين .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ﴾

الأحزاب: ٥٧

والذين يؤذون الله عز وجل هم الذين خالفوا ما أمر به سبحانه، وعصوه، وانتهكوا ما حرم، وأصروا على ذلك، ووصفوه سبحانه بما هو منزه عنه، أما من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم الذين طعنوا فيه صلى الله عليه وسلم، أو نالوا منه بسب أو شتم أو عيب، أو آذوه بأي نوع من أنواع الأذى.

سابعًا – أقوام ملعونون

ذكر الله عز وجل في كتابه العزيز لعنته لأقوام معينين، أرسل إليهم سبحانه الرسل لهدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ولكنهم جحدوا واستكبروا وأصروا على كفرهم وعنادهم رغم ما رأوا من آيات الله عز وجل ومعجزاته التي أجراها على يد رسله عليهم السلام ؛ فاستحق هؤلاء الكافرون المكذبون لعنة الله وسخطه وعذابه.

ومن هؤلاء الأقوام الذين لعنهم الله عز وجل في القرآن الكريم

– قوم عاد الذين كذبوا رسول الله إليهم هود عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ  . وَأُتْبِعُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ ﴾

هود: ٥٩ – ٦٠

ولقد كانت لعنة الله عز وجل عليهم لعنةً شديدةً مغلظةً، حيث إنهم قد لعنوا في الدنيا، ويوم القيامة لهم لعنة متبوعة باللعنة التي سبقت عليهم في الدنيا، فاللعنة مستمرة عليهم، متصلة إلى يوم القيامة.

– فرعون وقومه، الذين كذبوا رسول الله إليهم موسى عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ . إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ . يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ . وَأُتْبِعُوا فِي هَٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ ﴾

هود: ٩٦ – ٩٩

ثامنًا – القاتل للمؤمن عمدًا

إن للنفس المؤمنة عند الله عز وجل حرمة عظيمة، ومن شدة حرمتها أنه سبحانه جعل اللعن والخلود في عذاب جهنم لمن اعتدى على هذه النفس المؤمنة .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾

النساء: ٩٣

تاسعًا – الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات

إن من الذين ذكر الله عز وجل لعنهم في كتابه العزيز من يخوضون في أعراض المؤمنين، فيقولون الإفك، ويدعون الكذب، طاعنين أعراض المؤمنات العفيفات الغافلات عن كل رذيلة، ومن اقترف ذلك فقد استحق لعنة الله عز وجل.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

النور: ٢٣

عاشرًا – شجرة الزقوم

أخبر الله عز وجل في كتابه العزيز عن شجرةٍ تخرج في أصل الجحيم، يعذب الله سبحانه بها أهل النار؛ يأكلون من طعامها الأثيم، ويجدون من نتنها وخبثها ما يزيدون به عذابًا وألمًا

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا ﴾

الإسراء: ٦٠

5- أسباب اللعن

لاشك في أن من ورد اللعن في حقهم في القرآن الكريم قد اقترفوا من الجرائم والآثام، وارتكبوا من الكبائر والموبقات ما استحقوا به ذلك اللعن والإبعاد، ولولا شدة قبح جرمهم لما لعنهم الله عز وجل، وهو سبحانه العفو الغفور، والحليم الصبور. و الأسباب التي استحق بها الملعونون ذلك اللعن، والتي وردت في الآيات القرآنية ، هي

1- الكفر والشرك بالله عز وجل

إن الكفر بالله عز وجل أو بما أرسل به رسله عليهم السلام هو أعظم ما يقترفه الإنسان من ذنب، ولذا فإن من لقي الله عز وجل يوم القيامة بكفرٍ أو شركٍ لم يتب منه وفارق الدنيا عليه استحق من الله عز وجل اللعن المغلظ، والطرد من رحمته سبحانه، واستحق الخلود في نار جهنم وبئس المصير .

قال الله تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ  وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾

التوبة: ٦٨

2- الظلم

لقد استحق الظالمون اللعن من الله عز وجل

قال الله تعالى:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾

غافر: ٥٢

﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ . الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾

هود: ١٨- ١٩

و صفات الظالمين هي أنهم يصدون عن سبيل الله، ويبغون السبيل المعوج لا الصراط المستقيم، وهم كافرون بالآخرة وبلقاء ربهم عز وجل

٣ – الكذب والافتراء على الله تعالى

إن من أقبح الآثام وأعظم الجرائم الكذب على الله عز وجل، ووصفه سبحانه بما لا يليق بعظيم جلاله وسلطانه، وافتراء الكذب عليه سبحانه لصد الناس عن سبيله؛ ولذا استحق من فعل تلك الآثام القبيحة أن تحل عليه اللعنة، وأن يطرد من الرحمة.

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾

المائدة: ٦٤

٤ – الإضلال

لاشك بأن من أضل غيره قد تعدى شره إلى الآخرين، فلم يكتف بأن يكون وحده في ظلمات الضلال والغواية، وإنما أرادت نفسه الخبيثة أن يشرك غيره في ضلاله وغوايته، وهو بذلك يكون قد ظلم نفسه وظلم غيره، وحرم نفسه وحرم غيره من رحمة الله عز وجل، وأي ظلم أعظم من ذلك؟!.

قال الله تعالى:

﴿ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا . وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا . رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴾

الأحزاب: ٦٦ – ٦٨

إن هؤلاء الأسياد المضلين يلعنهم أتباعهم الذين ضلوا بسببهم، يجتمعون في النار فيلعن بعضهم بعضًا

٥-  الإفساد في الأرض وقطع

ما أمر الله أن يوصل

لقد بين الله عز وجل في كتابه العزيز أن الإفساد في الأرض سبب للوقوع في لعنة الله سبحانه

قال الله تعالى:

﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ ﴾

محمد: ٢٢- ٢٣

فمن تولى عن شرع الله عز وجل، وفارق أحكام كتابه، فعصى وكفر، ودعا إلى غير دين الله عز وجل، وسفك الدماء، وقطع الأرحام، وسعى في ظلم العباد فهذا هو المفسد في الأرض .

٦ – الاعتداء على الآخرين

لقد حرم الله عز وجل على عباده أن يعتدي بعضهم على بعض، وحرم سبحانه عليهم إيذاء العباد من غير وجه شرعي؛ فحرم القتل، والزنا، والسرقة، والغصب، وأكل أموال الناس بالباطل وغير ذلك من الذنوب والآثام التي فيها اعتداء على الآخرين .

ولا شك أن أعظم أنواع الاعتداء على الآخرين هو إزهاق أنفسهم بالقتل المتعمد؛ ولذا فقد جعل الله عز وجل العقوبة الشديدة، والعذاب الأليم لمن اقترف جريمة القتل العمد

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾

النساء: ٩٣

﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾

النساء: ٩٣

وعن من خاض في أعراض المسلمين بدون حجة أو برهان

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

النور: ٢٣

٧-  نقض العهود المؤكدة

ولعظم نقض العهود فقد جعل الله عز وجل اللعنة لمن فعل ذلك

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾

الرعد: ٢٥

فنقض العهود سبب لاستحقاق اللعن والطرد من رحمة الله عز وجل ؛ ولذا فإن المؤمن حريص على الوفاء بالعهود كلها، سواء ما كان بينه وبين ربه عز وجل، أو ما كان بينه وبين العباد.

٨ – الكذب ونشر الأخبار الكاذبة

وإن من أسباب استحقاق لعنة الله عز وجل اختلاق الأخبار الكاذبة ونشرها بين الناس؛ لأجل زعزعة الأمن، ونشر الخوف والفتنة بينهم ، وهذا ما كان يفعله المنافقون في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أنزل الله عز وجل تهديده ووعيده لهم

قال الله تعالى:

﴿ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا . مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ﴾

الأحزاب: ٦٠-٦١

والمراد بالمرجفين في المدينة: الذين ينشرون الأخبار الكاذبة بين المسلمين ليبثوا الخوف بينهم

6- الملاعنة بين الزوجين

إن من متطلبات الحديث عن اللعن في سياق القرآن الكريم الحديث عن الملاعنة بين الزوجين؛ لأن تلك الملاعنة من اللعن الذي شرعه الله عز وجل لعباده كحكم شرعي يخص قضية معينة تقع بين الزوجين .

وحقيقة اللعان تكون في حالة رمي الرجل امرأته بالزنا، وليس معه أربعة شهداء، فيحلف أربع مرات إنه لمن الصادقين، وفي الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فإن أنكرت الزوجة ذلك، وأرادت أن تدفع عن نفسها حد الزنا فإنها تحلف أربع مرات إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن عليها غضب الله إن كان من الصادقين، فإذا تم اللعان سقط عن الزوج حد القذف، واندرأ عن الزوجة عذاب الزانية المحصنة، وحصلت الفرقة بينهما والتحريم المؤبد، وانتفى الولد إذا ذكر في اللعان.

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ . وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ . وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ . وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾

النور: ٦ – ٩

7- آثار اللعن

      في

  الدنيا والآخرة

لاشك أن للعن آثارًا عظيمةً وخطيرة ؛ منها

أ- في الدنيا

إذ كانت اللعنةً من  الله تعالى في الدنيا ، فهي إنقطاع من قبول رحمته و

توفيقه .

قال الله تعالى:

﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ  وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾

النساء: ٤٦

﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ  وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ﴾

النساء: ٥٢

ب – في الآخرة

فإذ كانت اللعنةً من  الله تعالى في الآخرة ، فهي العقوبةً والعذاب و الطرد من رحمة الله عز وجل

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً ﴾

النساء: ٩٣

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

النور: ٢٣

وفي ذلك كله دليلٌ على خطورة الآثار المترتبة على اللعن، سواء كانت تلك الآثار في الدنيا أم في الآخرة، والمؤمن يحذر من كل ما قد يوقعه في لعنة الله عز وجل، ويجنب نفسه كل ذنب يترتب عليه لعن أو غضب من الله سبحانه، ويحرص كل الحرص على ما يعرضه لرحمة الرحمن سبحانه، ويدخله في واسع رحمته، وجميل عفوه وستره.

 

Share This