مفهوم القوة في القرآن الكريم
1- مفهوم القوة
القوة تدل على الشدةٍ ، والقدرة على فعل الأشياء الشاقة ، و هي خلاف الضعف .وإذا كانت القوة في حـق اﷲ فهي كمال القدرة والاستغناء والتأثير وعدم التأثر، وإذا كانت في حق البشـر فهي مجموعة عوامل تشمل القدرة المادية والمعنوية لدى الإنسان .
2- كلمة القوة
في
القرآن الكريم
وردت كلمة (قوي) في القرآن الكريم 41مرة . والصيغ التي وردت هي:
– مصدر
وردت ٣٠ مرة
قال الله تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾
الأنفال :٦٠
– صيغة المبالغة
وردت 11 مرة
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾
الأنفال :٥٢
وجاءت القوة في القرآن الكريم بمعنى الشدة، وهي خلاف الضعف.
قال الله تعالى:
﴿ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾
هود: ٨٠
يعني: من أتقوى به من الجند، وما أتقوى به من المال
3- الكلمات ذات الصلة
بكلمة القوة
– الشدة
القوةٍ والصلابة في الشيء
قال الله تعالى:
﴿ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ﴾
الحشر: 14
– القسوة
القسوة هي الصلابة في كل شيءٍ ، والقسوة في القلب تعني ذهاب اللين والرحمة والخشوع منه.
قال الله تعالى:
﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
الأنعام : 43
– الضعف
وهن القوة حسًّا أو معنى. وهو خلاف القوة.
قال الله تعالى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ﴾
الروم : 54
– الوهن
والوهن أن يفعل الإنسان فعل الضعيف وهو قوي، فالوهن فيه انكسار للجسد بالخوف وغيره ، إذن فهي خلاف القوة.
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
آل عمران :139
– الغليظ
هو الذي يسـتعمل الخشونة في فعله و هو خلاف الرقيق
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾
التحريم:9
– الثقيل
هـو غايـة القدرة في الأهمية وكلما كان الشيء مهما جدا كانت قوته تسمى ثقلا .
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴾
المزمل:5
– المتين
هو القوي المقتدر المبالغ في القوة والقدرة
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾
الـذاريات:58
– الصلد
هو كل كتلة لا تتفتت
قال الله تعالى:
﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ﴾
البقرة:264
– المكين
المكين هو ذو القوة النافذة عند الملك لقربه من مكانه
قال الله تعالى:
﴿ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ﴾
التكوير:20
– الشوكة
تعبر بها عن القوة والسلطان
قال الله تعالى:
﴿ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ﴾
الأنفال:7
– البأس
تعبر به عن شدة ومكروه
قال الله تعالى:
﴿ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ ﴾
النحـل:81
أي دروعا تقيكم الشدة والضر الواقع بينكم
قال الله تعالى:
﴿ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ ﴾
ألحديد:25
أي امتناع وقوة
– الأيد
ذو القوة الشديدة
قال الله تعالى:
﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ﴾
الذاريات:47
أي بقوة وإحكام
قال الله تعالى:
﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ﴾
ص:17
أي ذا القوة في الأقوال والأفعال .
– البطش
الأخذ بـالعنف
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾
الشعراء:130
– اليمين
أي القوة والقهر
قال الله تعالى:
﴿ قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ ﴾
الصافات: 28
أي غلبتمونا و قهرتمونا حتى أطعناكم
– الأزر
القوة الشديدة
قال الله تعالى:
﴿ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ﴾
طه:31
أي أتقـوى بـه
قال الله تعالى:
﴿ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ ﴾
الفتح:29
أي قواه
– العزة
الامتناع والشده
قال الله تعالى:
﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾
البقرة:228
العزيزهو الغالب الممتنع على من يريده بالقهر والغلبة .
4 – مصادر القوة
في
القرآن الكريم
يلفت القرآن الكريم إلى مصادر القوّة ، وهي
أولا- القوة في حق
اللّه تعالى
1- اللّه هو مصدر القوّة
قال الله تعالى:
﴿ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾
البقرة :165
يلفت القرآن الكريم إلى أن الله هو المتفرد بالقوة جميعًا .
قال الله تعالى:
﴿ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾
فصلت: 15
وقالوا في غرور: مَن أشد منا قوة؟ أولم يروا أن الله تعالى الذي خلقهم هو أشدُّ منهم قوة وبطشًا؟
2- وصف الله نفسه بالقوة
سمى الله تعالى ووصف نفسه بالقوة، وقد ورد تسمية الله تعالى بالقوي في القرآن في تسعة مواضع من الكتاب العزيز. ومن ذلك
قال الله تعالى :
﴿ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾
الأنفال: ٥٢
﴿ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾
الحديد: ٢٥
﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾
هود: ٦٦
﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾
الشورى: ١٩
فالله تعالى لا يغلبه غالبٌ ولا يرد قضاءه رادٌ، ينفذ أمره ويمضي قضاؤه في خلقه، شديدٌ عقابه لمن كفر بآياته وجحد حججه . وهو الكامل القدرة على كل شييء .
3- الأسماءالمقترنة باسم ﷲ تعالى القوي
ويقترن اسم الله تعالى (القوي) باسميه تعالى (المتين) و(العزيز)
أ – المتين
قال الله تعالى :
﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾
الذاريات: ٥٨
المتين يفيد في الله سبحانه التناهي في القوة والقدرة ، فهو القوي الشديد الذي لا يلحقه في أفعاله مشقةٌ ولا كلفة ولا تعبٌ .
ب – العزيز
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾
هود: ٦٦
﴿ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾
الشورى: ١٩
﴿ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾
الحديد: ٢٥
منـيع فـي ملكه لا يقدر شيء دونه أن يسلبه من ملكه شيئا
4- مظاهر قوة الله تعالى
في
الدنيا والآخرة
أو لا – في الدنيا
أ – نصره سبحانه للأنبياء وأتباعهم
رغم بطش أعدائهم
قال الله تعالى :
﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾
المجادلة: ٢١
﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾
غافر:51
– عن صالح عليه السـلام
قال الله تعالى :
﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾
هود:66
– عن هود عليه السـلام
قال الله تعالى :
﴿ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ ﴾
الأعراف:72
ب – إهلاك الله تعالى للأمم الكافرة
قال الله تعالى:
﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ . فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ﴾
فصلت: ١5-١6
ت – رزقه لعباده دون مقابل أو طلب معونة
قال الله تعالى:
﴿ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ . إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾
الذاريات:57-58
﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾
الشورى:19
في الآيتين الكريمتين، يتجلى لنا أن الإرزاق مظهر بارز من مظاهر قوة ﷲ تعالى ، فهـو الذي يرزق مخلوقاته جميعا في آن واحد ، فخزائنه ملأى لا تنفد أبدا ، يـرزق عبـاده بغيـر حساب ولا يحتاج لأحد من خلقه، كاحتياج السادة مع عبيدهم .
ث – حفظه للنعم واستمرارها لمن أطاعه
إن حفظ ﷲ للنعم ، دليل واضح لقوة ﷲ تعالى ، اإذ إن القصص القرآني والآيات القرآنية، تشير بكل وضوح إلى أن النعم قد تزايدت عندما شكر أصحابها خالقهم ومنعمهم وزالت عندما كفر أصحابها بنعم ﷲ تعالى .
قال الله تعالى:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾
النحل:112
﴿ وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا . فَعَسَىٰ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ﴾
الكهف:39- 40
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾
إبراهيم:7
ج – أطوارخلق الإنسان
قال الله تعالى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾
الروم:54
في الآية تتجلى أطوار خلق الإنسان ، وأنه يمر في مراحل مـن العـدم إلـى الوجودالضعيف ، ثم إ لى الوجود القوي ، ثم إلى الضعف والموت. وهذا الترديد في الأحوال المختلفة والتغيير مـن هيئة إلى هيئة، وصفة إلى صفة ، أظهر دليل وأعدل شاهد على الصانع العليم القادر .
ح – جنودﷲ لا حصر لها تنتقم ممن عصاه
قال الله تعالى:
﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ . فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ . وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
فصلت:15-17
في الآيات الكريمة ، ، بيان مفصل عن هلاك الأمم التي غلبت عليها معصية ﷲ وأعرضـت عن كلماته وآياته المحكمة ، فقد أصابها عذاب ﷲ بسبب استهانتها بكلماته، وقد كان عذاب تلك الأمم بأمر ﷲ تعالى لجنوده ممن لا يعلمهم إلا ﷲ، بالانتقام ممن كذبوا بآياته وكلماته، فكانت العقو بة من جنس العمل. فهؤلاء القوم لم تنفعهم شدة قوتهم ، فالله جلت قدرته يأخذ العصاة بذنوبهم ،لايعجزه شيء ولا يقهره ولا يغلبه .
ثانيا – في الآخرة
أ – شدة العذاب في الآخرة للمشركين والرحمة بالمؤمنين
قال الله تعالى :
﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴾
البقرة: ١٦٥
ولو يرى الذين ظلـموا عذاب ﷲ الذي أعد لهـم فـي جهنـم،لعلـموا حين يرونه فـيعاينونه أن القوة لله جميعا ، وأن ﷲ شديد العذاب .
5- الحاجة إلى استشعار
قوة اﷲ تعالى
أ- استشعار قوة ﷲ تعالى يعطينا القوة
إن من يركن إلى جناب ﷲ تعالى القوي، ويلوذ بجنابه العظيم يكون قويا، حتى لـو كـان ضعيفا أو فقيرا، لأن وحده ﷲ تعالى صاحب القوة الحقيقية، فمن كان ﷲ معه وفي صفه كان قويا ، ومن كان ﷲ ضده يصبح ضعيفا
قال الله تعالى :
﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾
الحج:40
ب – أهمية الدعاء باسم اﷲ تعالى القوي
قال الله تعالى :
﴿ وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾
الكهف:39
في الآية الكريمة توجيه لكل واحد منا، أن يظهر ضعفه وعجزه أمام ﷲ، وأن النعم التـي يتقلب فيها العباد ، كـلها مـن اﷲ ، ومحـفـوظة ﷲ بقـوة ،إن شـاءأبـقاها ، وإن شـاء سلبها .
ثانيا- القـوة عند الملائكة
قال الله تعالى :
﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ﴾
النجم:5
علَّم محمدًا صلى الله عليه وسلم مَلَك شديد القوة ، وهو جبريل عليه السلام
قال الله تعالى :
﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ . ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ﴾
التكوير: 19- 20
إن القرآن لَتبليغ رسول كريم- هو جبريل عليه السلام-، ذِي قوة في تنفيذ ما يؤمر به، صاحبِ مكانة رفيعة عند الله، تطيعه الملائكة، مؤتمن على الوحي الذي ينزل به.
ثالثا – القوة عند الجن
قال الله تعالى :
﴿ قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴾
النمل:39
قال مارد قويٌّ شديد من الجن: أنا آتيك به قبل أن تقوم من مجلسك هذا، وإني لقويٌّ على حَمْله، أمين على ما فيه، آتي به كما هو لا أُنقِص منه شيئًا ولا أبدله.
رابعا – القوة عند الأنسان
أ – أنواع القوى التي يمكن
للأنسان أن يملكها
1- القوة في القلب
قال الله تعالى:
﴿ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾
النمل:33
قالوا :نحن أصحاب قوة وشجاعة في الحرب .
2- القوة البدنية
قال الله تعالى:
( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ )
القصص : 26
وهنا جاءت (القوي) لتدل على القوة البدنية والعضلية إذ كان نبي الله موسى عليه السلام طويلاً ضخماً قوي العضلات
قال الله تعالى:
( وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )
الأعراف : 69
( وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ )
البقرة : 247
وهاتان الايتان تبينان القوة الجسمية
3- القوة العدديـة
قال الله تعالى:
﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ﴾
الكهف : 34
وكان لصاحب الحديقتين ثمر وأموال أخرى، فقال لصاحبه المؤمن، وهو يحاوره في الحديث، والغرور يملؤه: أنا أكثر منك مالا وأعز أنصارًا وأعوانًا.
قال الله تعالى:
( كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً )
التوبة : 69
4- القوة الماديـة
قال الله تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
الأنفال:60
5- آثار القوة
في
القرآن الكريم
أولًا: القوة وسيلة للوصول إلى غايات
الغايات التي يستخدم الإسلام القوة من أجلها ، هي
أ – حماية الدين، وحراسة الأمة، وإرهاب الأعداء
قال الله تعالى :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾
الأنفال :٦٠
دلت هذه الآية على وجوب إعداد القوة الحربية، اتقاء بأس العدو وهجومه، وللدفاع عن الدين وعن الوطن وعن كل ما يجب الدفاع عنه . وليس المقصود بإعداد العدة إرهاب المسالمين، أو العدوان على الآمنين، أو القهر والإذلال للناس واستغلالهم فيما يغضب الله سبحانه.
ب – تعمير الأرض، وتحقيق الاستقرار
– عن هود عليه السلام وهو يدعو قومه
قال الله تعالى :
﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾
هود :٥٢
ويا قوم اطلبوا مغفرة الله والإيمان به، ثم توبوا إليه من ذنوبكم، فإنكم إن فعلتم ذلك يرسل المطر عليكم متتابعًا كثيرًا، فتكثر خيراتكم، ويزدكم قوة إلى قوتكم بكثرة ذرياتكم وتتابع النِّعم عليكم، ولا تُعرضوا عما دعوتكم إليه مصرِّين على إجرامكم.
ثانيًا: صور من استعمال
القوة في الخير، وآثارها
إن صور استعمال القوة في الخير كثيرة جدًّا، فالحقيقة أن أي عمل صالح، يحتاج إلى قوة، فإذا استخدم الإنسان تلك القوة في ذلك العمل، فهو نوع من استعمال القوة في الخير.
1- التضحية في سبيل نشر الدين
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
التوبة:١١١
2- الرحمة بأهل الإيمان
قال الله تعالى:
﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾
الفتح: ٢٩
والمعنى أن فيهم غلظة وشدة على أعداء الدين ورحمة ورقة على إخوانهم المؤمنين .
3- مساعدة المحتاج، ونصرة المظلوم
– عن موسى عليه السلام
قال الله تعالى:
﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ﴾
القصص:١٥
فلما ظن موسى عليه السلام أن الرجل مظلوم وقف بجانبه إذ كانت القوة معه، وهكذا يجب على صاحب القوة أن ينصر المظلوم، بل وأن ينصر الظالم بحجزه عن ظلمه.
وفي مساعدة المحتاج، والوقوف بجانب الضعيف
قال الله تعالى:
﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾
القصص:٢٣
فقد ساعد نبي الله موسى هاتين المرأتين لما رأى من ضعفهما، وهكذا ينبغي أن يكون كل قوي.
– عن عبده ذي القرنين
قال الله تعالى :
﴿ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا . قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا . قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾
الكهف :٩٣-٩٥
فقد ساعد الرجل القوي القوم الضعفاء على أعدائهم الذين ظلموا وطغوا وتجبروا، فهو استعمال للقوة فيما يحب الله تعالى.
4- صد أهل الباطل، ودحض باطلهم
قال الله تعالى :
﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ . قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي . قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ﴾
طه:٩5- 97
فها هو موسى عليه السلام قد استخدم قوته في رد الباطل الذي نشره السامري، فيجب على أهل الحق أن يحصلوا القوة التي بها يردعون الباطل وحزبه.
5- الانتصاف للنفس
قال الله تعالى :
﴿ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ﴾
الشورى:٤١
فالإنسان لا ينبغي أن يرضى بالضيم بل يعفو عن قوة ومقدرة، لئلا يستهين به أحد، بل يكون قويًّا مهابًا في حلم ولين.
فهذه صور لاستعمال القوة في الخير، فالواجب علينا أن نعيد القوة إلى أهلها الذين هم أهلها، لكي يستخدموها فيما ينفع الناس في دنياهم وأخراهم.
ثالثًا: صور من استعمال
القوة في الشر، ونتائجها:
1- الاغترار بالجاه والسلطان
، وسوء عاقبته
– عن فرعون
قال الله تعالى :
﴿ وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ . أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ . فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ. فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ . فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ . فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ ﴾
الزخرف:٥١-٥٦
افتخر بملكه مصر عدو الله، وما قد مكن له من الدنيا استدراجًا من الله له، وحسب أن الذي هو فيه من ذلك ناله بيده وحوله، وأن موسى إنما لم يصل إلى الذي يصفه، فنسبه من أجل ذلك إلى المهانة محتجًّا على جهلة قومه بأن موسى عليه السلام لو كان محقًّا فيما يأتي به من الآيات والعبر، ولم يكن ذلك سحرًا، لأكسب نفسه من الملك والنعمة، مثل الذي هو فيه من ذلك، جهلًا بالله واغترارًا منه بإملائه إياه ، وحاصل الأمر أنه احتج بكثرة أمواله وقوة جاهه على فضيلة نفسه .
2- تكذيب الرسل و الاستعلاء على الغير
قال الله تعالى :
﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ . فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ﴾
فصلت :١٥-١٦
فأما عاد قوم هود فقد استعلَوا في الأرض على العباد بغير حق، وقالوا في غرور: مَن أشد منا قوة؟ أولم يروا أن الله تعالى الذي خلقهم هو أشدُّ منهم قوة وبطشًا؟ وكانوا بأدلتنا وحججنا يجحدون. فلما طغوا وتجبروا أخذهم الله تعالى، وأخذه أليم شديد.
3- البغي والتكبر
قال الله تعالى :
﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾
القصص : ٧٦
فلما أحس قارون بأن معه المال الذي يستتبع القوة والسلطان بغى وتجبر، وتكبر على الله ثم على خلقه، فكانت عاقبته خُسْرًا.
قال الله تعالى :
﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾
لقصص: ٨1
4 – الاستخفاف بالأعداء
قال الله تعالى :
﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾
التوبة: ٢٥-٢٦
فلا ينبغي للإنسان المسلم ولا الجماعة المسلمة أن تركن إلى القوة المادية فحسب، بل عليها أن تُحَصِّلَ القوتين معًا المادية والمعنوية، بالإيمان بالله وحده سبحانه وتعالى.
5- الإفساد في الأرض
– عن صالح عليه السلام
قال الله تعالى :
﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾
الأعراف :٧٤
فها هم أنبياء الله قدموا النصح لأقوامهم أن لا يغتروا بقوتهم، إذ هناك من هو أقوى منهم وأشد، وأن لا يستخدموا هذه القوة في الإفساد في الأرض، بل عليهم أن يتقوا الله تعالى.
6- الاغترار بالقوة، وبالعدد والعدة
قال الله تعالى :
﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾
الروم : 9
أولم يَسِرْ هؤلاء المكذبون بالله الغافلون عن الآخرة في الأرض سَيْرَ تأمل واعتبار، فيشاهدوا كيف كان جزاء الأمم الذين كذَّبوا برسل الله كعاد وثمود؟ وقد كانوا أقوى منهم أجسامًا، وأقدر على التمتع بالحياة حيث حرثوا الأرض وزرعوها، وبنَوْا القصور وسكنوها، فعَمَروا دنياهم أكثر مما عَمَر أهل “مكة” دنياهم، فلم تنفعهم عِمارتهم ولا طول مدتهم، وجاءتهم رسلهم بالحجج الظاهرة والبراهين الساطعة، فكذَّبوهم فأهلكهم الله، ولم يظلمهم الله بذلك الإهلاك، وإنما ظلموا أنفسهم بالشرك والعصيان.
6 – مجالات أستخدام
القوة في الدين
القوة في الدين تشمل أمورا كثيرة، ومن ذلك:
أ – أخذ الدين بقوة
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
البقرة:٦٣
أى: خذوا ما افترضناه عليكم في كتابنا من الفرائض فاقبلوه واعملوا باجتهادٍ منكم في أدائه من غير تقصيرٍ ولا توانٍ.
قال الله تعالى:
﴿ يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾
مريم :١٢
أي: بجدٍّ واجتهادٍ، وذلك بتفهم المعنى أولًا حتى يفهمه على الوجه الصحيح، ثم يعمل به من جميع الجهات، فيعتقد عقائده، ويحل حلاله، ويحرم حرامه، ويتأدب بآدابه، ويتعظ بمواعظه، إلى غير ذلك من جهات العمل به.
ب – الثبات على الدين
ومن القوة في الدين الثبات عليه
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾
النحل :٩٢
وهذا يشمل جميع ما عاهد العبد عليه ربه من العبادات والنذور والأيمان التي عقدها، إذا كان الوفاء بها برا، ويشمل أيضا ما تعاقد عليه هو وغيره، كالعهود بين المتعاقدين، وكالوعد الذي يعده العبد لغيره ويؤكده على نفسه، فعليه في جميع ذلك الوفاء وتتميمها مع القدرة، ولهذا نهى الله عن نقضها.
ت – تبليغه للناس
ومن القوة في الدين تبليغه للناس
قال الله تعالى:
﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾
الأعراف :١٤٥
فأمر الله موسى عليه السلام أن يأخذ الشرع بقوة، وأن يبلغه لقومه، والواجب على هؤلاء أن يتحركوا لنشر هذا الدين،وتبليغه للعالمين.
ث – أخذ الدين بشمولية
فالواجب على العباد أن يأخذوا التكاليف كلها
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾
البقرة :٢٠٨
فتأويل ذلك دعاءٌ للمؤمنين إلى رفض جميع المعاني التي ليست من حكم الإسلام، والعمل بجميع شرائع الإسلام، والنهي عن تضييع شيءٍ من حدوده.
ج – إعداد ما يستطاع من القوة،
لردع أعداء الأمة
قال الله تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
الأنفال: ٦٠
فكان في إعداد القوة البالغة أمان للأمة من الأعداء المعروفين وغير المعروفين، حتى إنه ليخافها ويرهب جانبها من لا يعرفه المسلمون، مما يشكل رادعًا لمن تسول له نفسه مهاجمتهم أو التآمر عليهم، ويصير الإهمال في إعداد ما يستطاع من القوة مدعاة لأن يستخف بهم أعداؤهم ويتجرؤون عليهم.
ح – البناء والعمران، والإصلاح بين الناس
قال الله تعالى:
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ﴾
الحديد :٢٥
لقد أرسلنا رسلنا بالحجج الواضحات، وأنزلنا معهم الكتاب بالأحكام والشرائع، وأنزلنا الميزان؛ ليتعامل الناس بينهم بالعدل، وأنزلنا لهم الحديد، فيه قوة شديدة، ومنافع للناس متعددة .
ومن استخدام القوة في البنيان والإصلاح، ما قصه الله علينا في قصة ذي القرنين.
قال الله تعالى:
﴿ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا . قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا . قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا . آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا. فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا . قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ﴾
الكهف: ٩٣-٩٨
فقد استخدم ذو القرنين قوته في بناء السد العظيم، وفي ذلك من الإصلاح والعمران، والحفاظ على هؤلاء الصالحين ما فيه.
أحدث التعليقات