مفهوم الفرح في القرآن الكريم
1- مفهوم الفرح
الفرح هو انشراح الصدر بلذة عاجلة وأكثر ما يكون ذلك في اللذات البدنية والدنيوية ، وهو خلاف الحزن .
2- كلمة الفرح
في
القرآن الكريم
وردت كلمة فرح في القرآن الكريم (٢٢) مرة. والصيغ التي وردت هي:
– الفعل الماضي
ورد ٧ مرات
قال الله تعالى :
﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ ﴾
التوبة :٨١
– الفعل المضارع
ورد ٩ مرات
قال الله تعالى :
﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
الروم :٤
– صفة مشبهة
وردت ٦ مرات
قال الله تعالى :
﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾
الروم :٣٢
وجاء الفرح في القرآن على ثلاثة أوجه:
الأول- البطر
قال الله تعالى :
﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ﴾
هود :١٠
يعني: بطر فخور
الثاني – الرضا
قال الله تعالى :
﴿ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ﴾
الرعد :٢٦
يعني: رضوا بها.
الثالث- السرور
قال الله تعالى :
﴿ حَتَّىٰ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا ﴾
يونس :٢٢
يعني: سروا بها.
3 – الكلمات ذات الصلة
بكلمة الفرح
– السرور
حالة نفسانية تعرض عند حصول اعتقاد وعلم أو ظن لحصول شيء فيه نفع أو لذة .
قال الله تعالى :
﴿ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ﴾
الإنسان : 11
– الحبور
السرور الذي يظهر في الوجه أثره، فهو أشد من الفرح
قال الله تعالى :
﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ﴾
الزخرف :٧٠
– البشرى
اسم لخبر سارّ ومُفرِح لا يعْلَمه المُخْبَر به
قال الله تعالى :
﴿ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾
يونس : ٦٤
4 – الفرح طبيعة إنسانية
الفرح من الانفعالات الفطرية التي خلقت مع الإنسان، وجبلت عليها النفس، فما من إنسان إلا وهو يفرح ويحزن. والإنسان بصفة عامة غير متزن تجاه انفعالاته، وما يعرض له، ويتأثر به، وهذ ما أكده القرآن الكريم
قال الله تعالى :
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا . وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾
المعارج :١٩-٢1
﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾
الروم :٣٦
﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾
يونس:٢٢
أي: فلما خلصهم وأنقذهم إذا هم يعملون في الأرض بالفساد والمعاصي
5- أنواع الفرح
في
القرآن الكريم
بين القرآن الكريم أنواع الفرح فمنه ما يمدح أو يذم بحسب السياق الذي ورد فيه، وهذا يعني أن للفرح أنواعًا ثلاثة:
أولًا – الفرح الممدوح
الفرح المحمود هو الفرح بتحقيق طاعة الله أو بالحصول على نعمة الله أو بتحقق موعود الله .
1- فرح المؤمنين بفضل الله
فرح المؤمنين بما من الله عليهم من الهداية ومعرفة الحق
قال الله تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ . قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
يونس :٥٧-٥٨
أي بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا فإنه أولى ما يفرحون به . فذلك خير من كل ما يجمع الناس من أعراض الدنيا وزينتها لأنه عرضة للآفات ووشيك الزوال .
2- الفرح بنصر الله
قال الله تعالى :
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾
الروم :٢-٥
فالمسلم مأمور بأن يفرح، حين ينتصر الحق على الباطل، في أيٍ من ميادين الصراع، وهو فرح محمود يثاب عليه.
3- فرح الشهداء بلقاء الله تعالى
لقد ذكر القرآن الكريم فرح الشهداء، أولئك الذين فرحوا بالإسلام في الدنيا؛ فهانت عليهم أرواحهم في سبيله؛ فماتوا من أجله؛ فامتد فرحهم في الآخرة .
قال الله تعالى :
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
آل عمران :١٦٩-١٧٠
ثانيًا – الفرح المذموم
عرض القرآن الكريم الفرح المذموم، وهو الفرح بما يسخط الله، أو بما يضر صاحبه في الدنيا وفي الآخرة ،كالفرح بزخرف الدنيا ومتاعها الزائل، أو الفرح بالعلو في الأرض بغير الحق، والفرح بالمغصوب والمأخوذ بغير حق، ونحوه مما لا يحل للعبد ، وذكر منه صورًا ، أسندها إلى طوائف من الناس صدر عنهم هذا الفرح ، من خلال الآتي:
أ – صور الفرح المذموم
1- الفرح بكتمان العلم وتحریفه
وقد ذكر الله تعالى في الآيات القرآنية هذا النوع ، وجاء بمعنى الرضا ، حيث كل جماعة في الدين راضون ، ومسرورون .
قال الله تعالى :
﴿ مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ ﴾
الروم : 32
ولا تكونوا من المشركين وأهل الأهواء والبدع الذين بدَّلوا دينهم، وغيَّروه، فأخذوا بعضه، وتركوا بعضه؛ تبعًا لأهوائهم، فصاروا فرقًا وأحزابًا، يتشيعون لرؤسائهم وأحزابهم وآرائهم، يعين بعضهم بعضًا على الباطل، كل حزب بما لديهم فرحون مسرورون، يحكمون لأنفسهم بأنهم على الحق وغيرهم على الباطل.
2- الفرح بمصائب الغير ﴿ الشماتة ﴾
وهو فرح الإنسان بالمصائب ، والابتلاءات ، والمرب التي تصيب غيره ، وقد نهانا ديننا الإسلامي الحنيف عن هذه الأمور ، وفي القرآن الكريم ، حيث
قال الله تعالى :
﴿ إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَيِّئَةٞ يَفۡرَحُواْ بِهَاۖ ﴾
آل عمران : 120
ومن عداوة هؤلاء أنكم -أيها المؤمنون- إن نزل بكم أمرٌ حسن مِن نصر وغنيمة ظهرت عليهم الكآبة والحزن، وإن وقع بكم مكروه من هزيمة أو نقص في الأموال والأنفس والثمرات فرحوا بذلك .
3- الفرح بالدنيا وزينتها
وهذا النوع من الفرح ، نُهي عنه في أغلب الآيات القرآنية ، وتنحصر معانيه في ؛ الكبر ، والبطر .
قال الله تعالى :
﴿ إِنَّ قَٰرُونَ كَانَ مِن قَوۡمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيۡهِمۡۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوٓأُ بِٱلۡعُصۡبَةِ أُوْلِي ٱلۡقُوَّةِ إِذۡ قَالَ لَهُۥ قَوۡمُهُۥ لَا تَفۡرَحۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَرِحِينَ ﴾
القصص : 76
إن قارون كان من قوم موسى -عليه الصلاة والسلام- فتجاوز حدَّه في الكِبْر والتجبر عليهم، وآتينا قارون من كنوز الأموال شيئًا عظيمًا، حتى إنَّ مفاتحه لَيثقل حملها على العدد الكثير من الأقوياء، إذ قال له قومه: لا تبطر فرحًا بما أنت فيه من المال، إن الله لا يحب مِن خلقه البَطِرين الذين لا يشكرون لله تعالى ما أعطاهم.
قال الله تعالى :
﴿ لِّكَيۡلَا تَأۡسَوۡاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُواْ بِمَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٍ ﴾
الحديد: 23
لكي لا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا، ولا تفرحوا بما آتاكم فرحَ بطر وأشر. والله لا يحب كل متكبر بما أوتي من الدنيا فخور به على غيره.
ب – طوائف من الناس
صدر عنهم هذا الفرح
1- فرح اليهود
قال الله تعالى :
﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
آل عمران :١٨٨
فكان اليهود يخالطون الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة أحيانًا، وحدث أن سألهم الرسول صلى الله عليه وسلم سؤال اختبارٍ وكشف نياتٍ، فكذبوا عليه، ثم فرحوا بهذا الكذب، ثم أشعروا الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم يستحقون منه المدح والثناء على تجاوبهم.
2- فرح المنافقين
هناك آياتٌ صريحةٌ في الحديث عن فرح المنافقين المذموم، والذي ظهر منهم في تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الله تعالى :
﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴾
التوبة :٨١
فتخلف المنافقون عن مشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام في الخروج للغزو، ثم جاؤوا يعتذرون، فعذرهم الرسولإهمالًا لهم، وتقليلًا من شأنهم، ففرحوا حينئذٍ بعدم الخروج، وفرحوا بإعذار الرسول صلى الله عليه وسلم لهم.
قال الله تعالى :
﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ﴾
التوبة :٥٠
وكذلك يفرح المنافقون، إذا مس المسلمين قرح، أو نزلت بهم نكسة، وتبدو عليهم مظاهرالفرح .
3- فرح الكافرين
ذكر القرآن الكريم فرح الكافرين في أكثر من آية، منها
قال الله تعالى :
﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ . وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ﴾
هود :٩-١٠
﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾
الروم :٣٦
﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ ﴾
الشورى :٤٨
وتشير الآيات إلى عدم توازن الإنسان الكافر في انفعالاته لأن فرحه محصور في الدنيا، ولا يلتفت إلى الآخرة ؛ لأنه يفرح بها إذا أقبلت، ويحزن حزنًا شديدًا إذا فقدها .
قال الله تعالى :
﴿ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ﴾
الرعد :٢٦
إن في الدنيا أشياء مفرحة تغري بالإنسان، ويبش لها؛ ولكنها قليلة زائلة، يخالطها الكدر والشوائب، وهي لا شيء إذا ما قيست بما في الآخرة من نعيم مقيم يفرح
قال الله تعالى :
﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾
غافر:٨٣
﴿ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾
المؤمنون: ٥٣
إن هذا المسلك الذي ارتضاه الكافرون أغرى بهم، فجعلهم يعرضون عن دعوة الرسل فرحًا بما مما توارثوه واعتادوا عليه ، وزهدًا بما وراءه .
4- فرح المترفين
إن فرح المترفين أمثال قارون ومن على شاكلته، جعله نموذجًا لكل المترفين أمثاله، الذين صدر منهم الفرح المذموم؛ فقارون من اليهود الذين عرف عنهم حب المال وعبادته، وتقديم الفرح به على كل شيء.
قال الله تعالى :
﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ . وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ . قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ . فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ . وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ . فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾
القصص : 76- 81
يورث الفرح المذموم صاحبه العجب؛ بسبب حصوله على ما يفرح، والعجب مدعاة للاستهزاء بالآخرين، والبغي عليهم، كما فعل قارون.
ثالثًا – الفرح المباح
الفرح لا تكاد تخلو منه نفس بشرية؛ فإنها تفرح، وتبدي سرورها ورضاها، حين تباشر ما من شأنه أن يفرحها في العادة، على اختلاف في الأشياء المفرحة بين إنسان وآخر، كالمال، والنجاح، والحياة، والتميز، وما شابه ذلك.
قال الله تعالى :
﴿ هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ وَجَرَيۡنَ بِهِم بِرِيحٖ طَيِّبَةٖ وَفَرِحُواْ بِهَا ﴾
يونس: 22
واعلم أن الإنسان إذا ركب السفينة ووجد الريح الطيبة الموافقة للمقصود ، حصل له الفرح التام والمسرة القوية .
6 – دوافع الفرح
في
القرآن الكريم
ذكر القرآن الكريم أمورًا وأشياء تدخل السعادة على النفس، إضافة إلى أمور أخرى تنبع من داخل النفس والذات الإنسانية. وهذه الدوافع على أنواع نتناولها في النقاط الآتية:
أولًا – دوافع فكرية
الفرح من الانفعالات الإنسانية الفطرية التي لابد أن تنتاب كل أحد منا في فترة من الفترات
قال الله تعالى :
﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ ﴾
النجم :٤٣
لقد بين لنا القرآن الكريم أن الفرح أمر نسبي يتوقف على أهداف الإنسان في الحياة، فمن كان هدفه الحصول على شيء من متاع الدنيا فقط وهذا حال الكثيرين ، كان نجاحه في تحقيق أهدافه باعثا على فرحه وسروره
قال الله تعالى :
﴿ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ﴾
الرعد :٢٦
وهذا النوع لا ينعم في الواقع بالحياة السعيدة المطمئنة المستقرة، فإذا أنعم الله عليه بنعمة الصحة وسعة الرزق ووفرة المال شعر بالفرح والسعادة، وإذا ما أصابه ضرر أو بلاء وفقد بعض النعم التي كان يتمتع بها أو عجز عن تحقيق هدف يأمل به تملكه الاكتئاب واليأس والاضطراب وجحد بالنعم الأخرى. والدوافع الفكرية تنقسم إلى قسمين:
1- دوافع حسية
الدوافع الفكرية الحسية الخارجية للفرح، مثل:
أ – الخير والنعمة
قال الله تعالى :
﴿ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ ﴾
الأنعام : 44
وأعجبوا بما أعطيناهم من الخير والنعمة
ب – النظر في الألوان
من دوافع الفرح الفكرية النظر إلى الألوان لما لها التأثير على فرح لإنسان، فهي تعالج النفس، وتعدل الطبع والمزاج، وتسمو بالأرواح، وتغذي الأعصاب وتفيد الإحساس بالراحة.
قال الله تعالى :
﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾
البقرة :٦٩
ت – المناظر الحسنة
حدائق بهيجة ناضرة حية جميلة مفرحة، ومنظر الحدائق يبعث في القلب البهجة والنشاط والحيوية
قال الله تعالى :
﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ ﴾
النمل:٦٠
أي: تعجبهم من حسن منظرها وجمال لونها.
ج – الأحجار الكريمة
الأحجار الكريمة قد ذكرت في أكثر من موضع في القرآن الكريم، على سبيل وصفها مصدرًا للجمال، ومصدرًا للفرح، وعلى أنها باعثة على البهجة والانشراح والمتعة.
قال الله تعالى :
﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ﴾
فاطر:٣٣
– واصفًا الحور العين في الجنة
قال الله تعالى :
﴿ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ ﴾
الرحمن: ٥٨
﴿ وَحُورٌ عِينٌ . كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ﴾
الواقعة:٢2 – 23
2- دوافع فكرية غير حسية
الدوافع الفكرية غير الحسية للفرح، مثل:
أ – الفرح بما عند الإنسان الجاهل من العلم
قال الله تعالى :
﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾
غافر:٨٣
أخبر الله تعالى عن الأمم المكذبة بالرسل، وماذا حل بهم من العذاب الشديد، مع شدة قواهم، وما أثروه في الأرض، وجمعوه من الأموال، فما أغنى عنهم ذلك شيئا، ولا رد عنهم ذرة من بأس الله؛ وذلك لأنهم لما جاءتهم الرسل بالبينات، لم يلتفتوا إليهم، ولا أقبلوا عليهم، واستغنوا بما عندهم من العلم في زعمهم عما جاءتهم به الرسل.
ثانيًا – دوافع نفسية
لقد بين القرآن أن الفرح والسرور والسعادة الحقة ذلك الذي يكون نتاج العمل الصالح. وأن تمسك الإنسان بالإيمان والتقوى والعمل الصالح هو السبيل للحصول على السعادة في الحياة الآخرة والأمن والطمأنينة والسرور والفرح الدائم.
قال الله تعالى :
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
النحل :٩٧
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ . قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
يونس :٥٧-٥٨
7- أساليب القرآن في
الحديث عن الفرح
أولًا- الحديث عن الفرح الممدوح
فأساليب القرآن الكريم في عرض الفرح، تعد عنايةً فائقةً بتنوع أساليب النصوص القرآنية وتدبرها وتأملها، واستنباط الأسلوب الذي يسري في نسقها، وجوانب الجمال الذي تتسم به.
1- الأسلوب القصصي
فأشار القرآن الكريم إلى أن القصص القرآنية وسيلةٌ من الوسائل الكثيرة إلى تحقيق الهدف الأصيل، والعناصر في القصة القرآنية تابعةٌ للهدف منها، وللعبرة التي سيقت من أجلها.
وقصة فرح قريش بنصر فارس على الروم وفرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصر الله.
قال الله تعالى :
﴿ الم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾
الروم :١-٥
2- الأسلوب المباشر والأسلوب غير المباشر
عرض القرآن الكريم الفرح بالأساليب المباشرة وغير مباشرة فمن الأساليب المباشرة فرح المؤمنين بما من الله عليهم من الهداية ومعرفة الحق.
قال الله تعالى :
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
يونس :٥٨
ومن الأساليب غير مباشرة فرح مؤمني أهل الكتاب بما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى :
﴿ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ ﴾
الرعد :٣٦
فقد ذكر الله تعالى فرح الذين آتيناهم الكتاب ولم يذكر من هم بالأسلوب المباشر إنما كنى عنهم.
3- أسلوب الوعد
وهو فرح المؤمنين في الجنة بما أكرمهم الله به من الرضوان والنعيم المقيم.
قال الله تعالى :
﴿ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
آل عمران :١٧٠
﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ﴾
الزخرف :٧٠
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ﴾
الروم :١٥
4- أسلوب الترغيب
القرآن الكريم ربى الأمة الإسلامية من خلال الترغيب في ثواب الله وجنته ورضوانه، رباهم على التخلص من الشح، وأن ينفقوا في سبيل الله، ويؤثروا على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن خلال الترهيب من غضب الله وعذابه، رباهم على التخلص من شهواتهم، وقد سلك في آياته أساليب متعددةً لتحقيق أهدافه، واتخذ وسائل متنوعةً للوصول إلى غاياته. ومن اساليب الترغيب ، ما يلي
قال الله تعالى :
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
يونس :٥٨
ففضل الله ورحمته: القرآن والإيمان، هو فرح أهل الإيمان بما بعث الله به رسوله من الهدى والحق ، ومن فرح بغيره فقد ظلم نفسه، ووضع الفرح في غير موضعه .
قال الله تعالى :
﴿ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ ﴾
الرعد :٣٦
وهذا الفرح يعد من أعمال القلوب المطلوبة، ومن أعظم مقامات الإيمان.
ثانيًا – الحديث عن الفرح المذموم
1- الأسلوب القصصي
قال الله تعالى :
﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾
القصص: ٧٦
قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم مع أنه منهم، وعاش معهم ولكنه لم يرع لذلك كله حرمة أو جوارا، وبغى عليهم حتى جمع ذلك المال الوفير، وبغى عليهم بتكبره وطغيانه وظلمه لهم.
2- الأسلوب المباشر
قال الله تعالى :
﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾
الروم :٣٦
﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ . لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾
الحديد :٢٢-٢٣
﴿ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ﴾
الرعد :٢٦
وإذا رسخ في قلب المسلم الاعتقاد الذي تقرره هذه الآية الكريمة والآيات الأخرى التي في معناها فلن يفرح فرح أشر وبطر بحصول النعمة ولكن فرح شكر وامتنان واعتراف بالفضل لمن أسداها وهو المولى سبحانه وتعالى، ولن يأسى على فوات أو زوال النعمة أسىً يذهب به كل مذهب، ويجعل الدنيا تضيق عليه بما رحبت، ولكنه سوف يسلم لله ويرضى بما قضاه، ولنفسه العزاء الأكبر.
3- أسلوب الوعيد
توعد الله الذين يفرحون بالباطل
قال الله تعالى :
﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
آل عمران :١٨٨
وهناك نوع آخر من الفرح المذموم، وهو أحد العلامات الدالة على النفاق .
قال الله تعالى :
﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴾
التوبة:٨١
4- أسلوب الترهيب
استخدم القرآن الكريم اسلوب الترهيب للدلالة على الفرح المذموم، وأهله أولئك المعاندون للرسل عليهم الصلاة والسلام، وفي هذا النوع من الفرح.
قال الله تعالى :
﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾
غافر:٨٣
﴿ وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ . فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ . فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ ﴾
المؤمنون :٥٣
﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾
الروم :٣١-٣٢
وفي هذه الآيات يخبر المولى عز وجل عن المعاندين لرسله، وكيف أنهم أعرضوا عما جاءت به الرسل من الحق فرحين بما عندهم من العلم الذي هو في حقيقته جهل، وبما لديهم من شبهات وأباطيل يعارضون بها دعوة الحق التي جاء بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
5- الإخبار بحال الكافرين والمنافقين
أخبر القرآن الكريم عن فرح الكافرين والمنافقين بما يصيب المؤمنين من مصائب الدنيا.
قال الله تعالى :
﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾
آل عمران :١٢٠
﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ﴾
التوبة :٥٠
8 – ضوابط الفرح
في
القرآن الكريم
الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم ، و الضوابط الشرعية في الفرح ، هي
1- ألا يكون الفرح فيه استهزاء بالدين
الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه ويجعله مرتدًا عن الإسلام.
قال الله تعالى:
﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾
التوبة : ٦٥-٦٦
فبعض المسلمين يطلقون نكتة أو نادرة فيها استهزاء ببعض شعائر الإسلام وفرائضه، أو يتمازح وهو في معصية دون أن يعلم أن ذلك جرمٌ عظيمٌ قد يؤدي به إلى الكفر والعياذ بالله .
2- ألا يكون في فرحه سخرية واستهزاء بالناس
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾
الحجرات :١١
المراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم والاستهزاء بهم، وهذا حرام، ويعد من صفات المنافقين
3- ألا يكثر من الفرح المباح
ينبغي ألا يداوم على الفرح؛ لأن الجد سمات المؤمنين، وما الفرح إلا رخصة وفسحة لاستمرار النفس في أداء واجبها، فبعض الناس لا يفرق بين وقت الجد واللعب. فمن الغلط العظيم أن يتخذ الفرح حرفة .
قال الله تعالى:
﴿ أَفَمِنْ هَٰذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ . وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ ﴾
النجم : 59-60
4- ألا يكون الفرح في تبذير للمال
قال الله تعالى:
﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا . إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾
الإسراء :٢٦-٢٧
وهذا في أمر واجب وهو الإنفاق على ذي القربى والمسكين وابن السبيل فكيف الحال في الأفراح التي ينفق فيها المال على المنكرات.
9 – الفرح بين القرآن والفلاسفة
الفرح انفعال فطري محله القلب، يمدح ويذم بحسب تعلقه، لذا اهتم به الفلاسفة والقرآن الكريم .
أ – في أراء الفلاسفة
– يرى سقراط أن الفرح يتحقق بالسير في طريق الفضيلة.
– وقال أفلاطون الفرح سلامة النفس وليس في سلامة البدن، وهي في فضائل الحكمة والشجاعة والعفة والعدل.
– وأما أرسطو فيعتبر الفرح هبة من الله يحصل عليها الإنسان عندما يسير في طريق الفضيلة ويعمل الخير.
– وأما ابن سينا فيعتبر الفرح بأنه البقاء السرمدي في الغبطة الخالدة في جوار من له الخلق والأمر تبارك وتعالى.
ب – في القرآن الكريم
قد ذكر في القرآن الكريم السبب الأول في جلب الفرح الحقيقي للإنسان في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى:
﴿ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ . فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ . خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ . وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾
هود :١٠٥-١٠٨
فالفرح: هو ذلك الشعور المستمر بالغبطة والطمأنينة والأريحية والبهجة، هذا الشعور يأتي نتيجة الإيمان بالله والرضا عن الله وقضائه وقدره بقناعة وصبر وبذلك يكون الإنسان في حالة صلح مع خالقه ومع نفسه، ثم مع الناس في طهر ونور وخير وأمل وحلم.
قال الله تعالى:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ﴾
طه :١٢٤
ومن تولَّى عن ذكري الذي أذكِّره به فإن له في الحياة الأولى معيشة ضيِّقة شاقة وإن ظهر أنه من أهل الفضل واليسار، ، ونحشره يوم القيامة أعمى عن الرؤية وعن الحجة.
أحدث التعليقات