1- مفهوم الفتنة
الفتنة هي الامتحان والاختبار والابتلاء من الله لعباده بالخير والشر بالنعم والمصائب .
قال الله تعالى:
( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً )
الأنبياء : 35
والفتنة سنة كونية في هذه الحياة، لا تخلو منها حياة الأمم والأفراد على حد سواء ..
قال الله تعالى:
( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ )
العنكبوت: 2
2- كلمة الفتنة
في
القرآن الكريم
وردت كلمة (الفتنة) وصيغها في القرآن الكريم (60) مرة. والصيغ التي وردت، هي:
– صيغة الاسم
وردت 36 مرة
قال الله تعالى:
( وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ )
البقرة: 191
– صيغة الفعل
وردت 24 مرة
قال الله تعالى:
( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا )
النحل: 110
وجاءت كلمة الفتنة في القرآن الكريم بعدد من المعاني ، وهذه المعاني هي كالتالي:
1- الوقوع في المعاصي والنفاق
قال الله تعالى:
( وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِي )
الحديد 14
أي أوقعتموها في النفاق وأهلكتموها باستعمال المعاصي والشهوات .
2- الابتلاء والاختبار
قال الله تعالى:
( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ )
العنكبوت: 2
أي وهم لا يبتلون
قال الله تعالى:
( فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا )
طه:40
أي: اختبرناك اختباراً حتى صَلَحت للرسالة.
وعلى حسب هذا المعنى جاء أكثر استعمال هذا اللفظ في القرآن الكريم.
3- العدول عن الحق
قال الله تعالى:
( وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ )
المائدة: 49
أي: يردوك إلى أهوائهم؛ فإن كل من صُرف من الحق إلى الباطل فقد فُتن.
قال الله تعالى:
( وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ )
الإسراء: 73
4- العذاب
قال الله تعالى:
( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ )
النحل: 110
فتنوا : أي عذبوا
5- الشرك
قال الله تعالى:
( وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ )
البقرة : 191
أي: الشرك بالله أعظم من أي فعل آخر
قال الله تعالى:
( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ )
البقرة : 193
أي: حتى لا يكون شرك
6- الكفر
قال الله تعالى:
( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
النور: 63
الفتنة ها هنا: الكفر
7- اشتباه الحق بالباطل
قال الله تعالى:
( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ )
الأنفال: 73
والذين كفروا بعضهم نصراء بعض، وإن لم تكونوا – أيها المؤمنون- نصراء بعض تكن في الأرض فتنة للمؤمنين عن دين الله، وفساد عريض بالصد عن سبيل الله وتقوية دعائم الكفر.
8- الإضلال
قال الله تعالى:
( وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا )
المائدة: 41
أي: ضلالته
قال الله تعالى:
﴿ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ﴾
الصافات: 162
أي: بمضلين
9 – القتل والأسر
قال الله تعالى:
( إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا )
النساء: 101
والمراد : حمل الكفار على المؤمنين وهم في صلاتهم ساجدون حتى يقتلوهم أو يأسروهم .
10- اختلاف الناس وعدم اجتماع قلوبهم
قال الله تعالى:
﴿ وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ﴾
التوبة: 47
أي يوقعوا الخلاف بينكم
11– الجنون
قال الله تعالى:
﴿ بِأَيْيِكُمُ الْمَفْتُونُ ﴾
القلم: 6
فالمفتون بمعنى المجنون .
12- الإحراق بالنار
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ ﴾
البروج: 10
فتنوا: حَرقوا
قال الله تعالى:
﴿ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَٰذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ﴾
الذاريات: 14
فتنتكم: حريقكم
13- الحُجَّة والمعذرة
قال الله تعالى:
( ثمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ )
الأنعام: 23
أي: لم تكن حجتهم ومعذرتهم إلا قولهم: والله ربنا ما كنا مشركين .
3- التحذير من الفتنةً
يتحدث القرآن الكريم عن الفتن بمفهومها العام حديثا واسعا، فنجد الآيات تحذر من الفتنةً بشتى الأساليب القرآنية دون ذكر مصطلح الفتنة، وهي كثيرة نذكر منها:
– يحذر القرآن الكريم من فتنة الحياة الدنيا
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾
فاطر: 5
تتحدث هذه الآية عن فتنة الحياة الدنيا، وما بها من متاع زائل، فهي تغر بمن وقع في شراكها، فحذرنااﷲ سبحانه وتعالى في الكثير من آيات القرآن الكريم من فتنة الدنيا وزينتها،
– كما يحذر القرآن الكريم من فتنة المال والولد معا
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾
المنافقون: 9
– كما يحذر القرآن الكريم من فتنة الملك
يتحدث القرآن الكريم عن نماذج مكن اﷲ لهم في الأّرض فطغوا وتجبروا، وبلغ بهم الطغيان إلى إدعاء الألوهية، كفرعون الذي ادعى الألوهية .
قال الله تعالى:
﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾
القصص: 38
– كما يحذر القرآن الكريم من فتنة النساء
يصور لنا القرآن ويتحدث القرآن الكريم عن فتنة النساء التي أوقعت الكثير من بني آدم في شرّ كها من خـلال قـصة سيدنا يوسف عليه السلام ، مع امرأة عزيز مصر .
قال الله تعالى:
﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ . وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾
يوسف: 23-24
يتبين صدق الإيمان في الصالحين والمؤمنين بالاختبار والتمحيص، فقد بين اﷲ سبحانه وتعالىّ أنه لا بد من الاختبار والتعرض للفتنة للتحقق من قوة الإيمان وصدقه، وذلك سنة اﷲ في خلقه ، واﷲ يعلم حقيقة القلوب قبل الابتلاء، ولكن الابتلاء يكشف في عالم الواقع ماهو مكشوف لعلم ﷲ من جانب وعدل من جانب وتربية الناس من جانب ، وهذا المعنى قد جاء مبينا في الآيات من كتاب اﷲ .
قال الله تعالى:
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾
آل عمران: 142
﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ﴾
آل عمران: 179
﴿ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾
آل عمران: 154
4- أقسام الفتنة
في
القرآن الكريم
والفتنة تنقسم إلى قسمين…
أولا – فتنة الخالق
وهي بمعنى الامتحان والاختبار والابتلاء من الله لعباده بالخير والشر بالنعم والمصائب .
قال الله تعالى:
( وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ )
الأنعام: ٥٣
﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ ﴾
الأعراف: ١٥٥
أن كل الناس من أهل الإيمان لابد أن يُفتنوا ، فدعوى الإيمان بلا اختبار لاتكفي، بل لابد أن يختبرهم الله تعالى حتى يتبين المخلص من المنافق
قال الله تعالى:
( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )
آل عمران: 179
( حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ )
العنكبوت: 2
ونتيجة هذا الاختبار ينقسم الناس إلى نوعين :
أ- الصابرين
قال الله تعالى:
( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )
البقرة: 155-157
وبشِّر – أيها النبي- الصابرين على هذا وأمثاله بما يفرحهم ويَسُرُّهم من حسن العاقبة في الدنيا والآخرة.
ب – المرتدين
قال الله تعالى:
( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ )
الحج: 11
ومن الناس مَن يدخل في الإسلام على ضعف وشكٍّ، فيعبد الله على تردده، كالذي يقف على طرف جبل أو حائط لا يتماسك في وقفته، ويربط إيمانه بدنياه، فإن عاش في صحة وسَعَة استمر على عبادته، وإن حصل له ابتلاء بمكروه وشدة عزا شؤم ذلك إلى دينه، فرجع عنه كمن ينقلب على وجهه بعد استقامة، فهو بذلك قد خسر الدنيا؛ إذ لا يغيِّر كفرُه ما قُدِّر له في دنياه، وخسر الآخرة بدخوله النار، وذلك خسران بيِّن واضح.
وقُدّ أعطي الله تعالى مثلا للفتنة وهى جعل أموال الإنسان وأولاده فتنة له أى إختبار له ولإيمانه .
وهنا أيضاً ينقسم الناس إلى نوعين :
1- نوع تكون أمواله وأولاده سبباً يقربه زلفى من خالقه تعالى ويجعل له رصيداً من الخير والبر والتقوى عند الله سبحانه
قال الله تعالى:
( رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ )
النور: 37
2- نوع تكون أمواله وأولاده سبباً من أسباب غضب الله تعالى عليه ودخوله جهنم .
قال الله تعالى:
( وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ )
التوبة: 85
( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ )
التوبة: 24
ثانيا – فتنة الخلق
وهي الفتنة التي تكون من قبل البشر أنفسهم، ويكون الهدف منها رد المؤمنين عن دينهم .
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾
البروج: 5
فالإنسان قد يكون بنفسه موجداً للفتنة يفتتن بها ويفتن بها غيره . وهي مذمومة ..
قال الله تعالى:
( وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ )
البقرة 191
5- الأسباب المنجية من الفتن
من أهم الأسباب المنجية من الفتن ، الأتي
1- اللجوء إلى اﷲ عزوجل ودعائه والاعتصام به
اللجوء إلى اﷲ تعالى في كل ضائقة أو ابتلاء أو فتنة يصاب بها حيث لا يملك التثبيت إلا اﷲ عزوجل، ولا يعصم من الفتن إلا هو.
قال الله تعالى:
﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾
إبراهيم: 27
وأخبر عزوجل عن دعاء موسى عليه سلام بعدما أخذت قومه الصاعقة
قال الله تعالى:
﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ﴾
الأعراف: الآية155
2- الاعتصام بكتاب الله تعالى
قال الله تعالى:
﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ﴾
آل عمران: 103
والله تعالى أمر بالاعتصام بحبل الله وهو كتابه عز وجل ، فهو المرجع في كل زمان وكل مكان، وفي كل ما يحتاجه الناس في دنياهم وأخراهم،
قال الله تعالى:
﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾
النحل: 89
3- امتلأ القلب بالتوحيد والإيمان وصدق التوكل
قال الله تعالى:
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
الأنعام: 82
الذين آمنوا ولم يخلطوا إيمانهم بشرك، أولئك لهم الطمأنينة والسلامة، وهم الموفقون إلى طريق الحق.
قال الله تعالى:
﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾
الطلاق: 3
ومن يتوكل على الله فهو كافيه ما أهمَّه في جميع أموره. إن الله بالغ أمره، لا يفوته شيء، ولا يعجزه مطلوب، قد جعل الله لكل شيء أجلا ينتهي إليه، وتقديرًا لا يجاوزه.
4- التقوى
وقد بين اﷲ سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أثر التقوى في تسيير الأمور والخروج من اّلأزمات.
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾
الأنفال: 29
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾
الطلاق: 2-3
ومن يخف الله فيعمل بما أمره به، ويجتنب ما نهاه عنه، يجعل له مخرجًا من كل ضيق، وييسِّر له أسباب الرزق من حيث لا يخطر على باله، ولا يكون في حسبانه.
5- العمل الصالح
لا شك من كان له رصيد من الأعمال الصالحة كانت له منجية من الفتن إذا وقعت .
– عن يونس عليه السلام
قال الله تعالى:
﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ . لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
الصافات: 143-144
فلولا ما تقدَّم له من كثرة العبادة والعمل الصالح قبل وقوعه في بطن الحوت، وتسبيحه، وهو في بطن الحوت ، لمكث في بطن الحوت، وصار له قبرًا إلى يوم القيامة.
6- الصبر
الصبر من أهم الأسلحة وأنفعها وأعظمها للوقاية من الفتن ، فالصبر سلاح لا يتسلح به إلا الصادقون والمؤمنون الطيبون، يميز الصادق من الكاذب،ّ والمؤمن من المنافق، والطيب من الخبيث، ولا يحصل هذا التمييز إلا أيام الفتن .
قال الله تعالى:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾
البقرة: 155-157
وقد ضرب اﷲ أمثلة من واقع حياة الأنبياء وهم أفضل خلق اﷲ،
– عن أيوب عليه السلام
فحين ابتلى اﷲ سبحانه وتعالى نبيه أيوب عليه السلام بمجموعة من الإبتلاءات في ماله وولده وجسده واجه هذه الفتن بالصبر.
قال الله تعالى:
﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ . ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ . وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ . وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾
ص: 41- 44
– عن يعقوب عليه السلام
ولما ابتلى نبي اﷲ يعقوب بولده يوسف، صبر للخروج من تلك الفتنة
قال الله تعالى:
﴿ وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ﴾
يوسف: 18
– عن موسى عليه السلام
وحين تفاقم البلاء واشتدت على موسى وقومه الفتن، نجد نبي اﷲ موسى عليه السلام يصبر ويوجه قومه على معين الصبر، ويواجهوا تلك الفتنة بسلام .
قال الله تعالى:
﴿ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
الأعراف: 128
6- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من أهم الأسباب المنجية من الفتن، ذلك أن معظم الفتن إنما تنشأ من تعطيل هذه الشعائر العظيمة
قال الله تعالى:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾
الأعراف: 165
فلما تركت الطائفة التي اعتدت في يوم السبت ما ذُكِّرت به، واستمرت على غيِّها واعتدائها فيه، ولم تستجب لما وَعَظَتْها به الطائفة الواعظة، أنجى الله الذين ينهون عن معصيته، وأخذ الذين اعتدَوْا في يوم السبت بعذاب أليم شديد؛ بسبب مخالفتهم أمر الله وخروجهم عن طاعته.
6- أنواع الفتن
في
القرآن الكريم
يتحدث القرآن الكريم عن الفتنة بأنواعها ونماذجها في أماكن كثيرة ومواضع متعددة وللفتنة صور وأنواع عدة وهي بحسب ما يضاف إليها، وقد بين اﷲ سبحانه وتعالى عدة أنواع للفتنة وهيّ بمجملها تنقسم إلى قسمين:
أولا- فتنة الشّبهات
أ- تعريفها
فتنة الشبهات وهي المعارضة للعقيدة التي لا يسلم منها إلا من عرف اﷲ ، وهي تأتي من ضعف البصيرة وقلة العلم، وخاصة إذا اقترن ذلك بفساد القصد، وهي تؤدي إلى الكفر والنفاق والبدع.
ب – أنواعها
من فتن الشبهات..
1- عبادة غيرﷲ
قال الله تعالى:
﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
الأنعام: 14
فقد ظنوا عبادتهم لها تقربهم إلىّ اﷲ
قال ﷲ تعالى :
﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ ﴾
الزمر: 3
2- فتنة الشيطان
وفتنة الشيطان هي أعظم الفتن، وخاصة إذا هم الإنسان بالخير أو دخل به.
قال ﷲ تعالى :
﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ﴾
الأعراف: 27
3- شبهة الخوف من الرزق
فلا يجوز ترك ما أمر اﷲ خوفا من أن ينقطع رزقه، فإن الرزق حق حاصل .
قال ﷲ تعالى :
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ﴾
العنكبوت: 60
4- إتباع الهوى
وقد أخبر اﷲ سبحانه أن إتباع الهوى يضل عن سبيلُه
قال الله تعالى :
( إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى )
النجم: 23
ثانيا – فتنة الشّهوات
أ- تعريفها
فتنة الشهوات تصدر من عمى في البصيرة وفساد في الإرادة ، فهي الغي واتباع الهوى فالإنسان إذا تمادى مع نفسه وأطلق لها العنان في كل ما تشتهيه ، فتصبح الدنيا غايته وهدفه فيلهث خلف ما فيها ضارباً بالحق والحقيقة عرض الحائط مهتماً فقط بمكاسبه الدنيوية . و الله تعالى جمَعَ في آية واحدة أحبَّ شهوات الأرض إلى نفس الإنسان، وخلاصة رغائبه الأرضية
قال الله تعالى :
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾
آل عمران: 14
ب – أنواعها
ومن فتن الشهوات
1- فتنة الأموال والأولاد
قال الله تعالى :
﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾
التغابن: 15
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾
الأنفال: 28
واعلموا – أيها المؤمنون- أن أموالكم التي استخلفكم الله فيها، وأولادكم الذين وهبهم الله لكم اختبار من الله وابتلاء لعباده؛ ليعلم أيشكرونه عليها ويطيعونه فيها، أو ينشغلون بها عنه؟ واعلموا أن الله عنده خير وثواب عظيم لمن اتقاه وأطاعه.
2- فتنة الجاه وحب التعالي
– عن امتناع بعض كفار قريش عن الإيمان لمحمد جحدا لرسالته مع إعترافهم بها في قرارة أنفسهم
قال الله تعالى :
﴿ وَكَذَٰلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَٰؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ﴾
العنكبوت: 47
كان من أسباب ذلك خوفهم من زوال جاههم، و وسلطانهم
– عن فرعون وحبه للتعالي
فقد أعماه عن إتباع إله موسى عليه السلام فهذه الفتنة أوقعته في فتنة أشد وأخطر، فوقع في فتنة الشبهة حتى وصل به الأمر إلى ادعاء الألوهية
قال الله تعالى :
﴿ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ ﴾
العنكبوت: 39
3- حب الدنيا
حذرنا الله تعالى من الدنيا وزينتها وأنها زائلة مهما طالت
قال الله تعالى :
﴿ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾
التوبة: 69
إن أفعالكم – معشر المنافقين – من الاستهزاء والكفر كأفعال الأمم السابقة التي كانت على جانب من القوة والمال والأولاد أشد منكم، فاطْمَأنوا إلى الحياة الدنيا، وتَمتَّعوا بما فيها من الحظوظ والملذات، فاستمعتم أيها المنافقون بنصيبكم من الشهوات الفانية كاستمتاع الذين من قبلكم بحظوظهم الفانية، وخضتم بالكذب على الله كخوض تلك الأمم قبلكم، أولئك الموصوفون بهذه الأخلاق هم الذين ذهبت حسناتهم في الدنيا والآخرة، وأولئك هم الخاسرون ببيعهم نعيم الآخرة بحظوظهم من الدنيا.
7- أسباب الفتنة
تبين لنا من خلال ما سبق أن الفتنة خطر متربص بالإنسان ما دام في هذه الدنيا، لذا حذرنا القرآن الكريم منها أيما تحذير، وبين أسبابها بيانا شافيا حتى يعرف الأ نسان كيف يتعاملون معها، ومن تلك الأسباب مايلي
1- عدم الالتزام بمفاهيم وقيم وقواعد الدين
قال الله تعالى :
( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
النور: 63
2- اتباع الهوى
قال الله تعالى :
( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ )
الجاثية: 23
فالهوى يُعمي ويصمّ، ويجعل صاحبه يرى المنكر معروفًا والمعروف منكرًا
3- الغلو في الدين
وليعلم أن الغلو في الدين أعظم من وقوع الإنسان في المعصية
قال الله تعالى :
( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾
المائدة: 77
قل – أيها الرسول- للنصارى: لا تتجاوزوا الحقَّ فيما تعتقدونه من أمر المسيح، ولا تتبعوا أهواءكم، كما اتَّبع اليهود أهواءهم في أمر الدين، فوقعوا في الضلال، وحملوا كثيرًا من الناس على الكفر بالله، وخرجوا عن طريق الاستقامة الى طريق الغَواية والضلال.
4- إتباع المتشابه
المتشابه هو ما كان معناه ملتبسا على الأفهام، ذلك بأن يكون لفظه يشبه لفظ غيره، ومعناه يخالف معناه
قال الله تعالى :
( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ )
آل عمران: 7
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ فِي الْقُرْآنِ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ، أَيْ: بَيِّنَاتٌ وَاضِحَاتُ الدَّلَالَةِ، لَا الْتِبَاسَ فِيهَا عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَمِنْهُ آيَاتٌ أُخَرُ فِيهَا اشْتِبَاهٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أَوْ بَعْضِهِمْ، فَمَنْ رَدَّ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ إِلَى الْوَاضِحِ مِنْهُ، وَحَكَّمَ مُحْكَمَهُ عَلَى مُتَشَابِهِهِ عِنْدَهُ، فَقَدِ اهْتَدَى.وَمَنْ عَكَسَ انْعَكَسَ
5- الإقبال على الدنيا
الدنيا متاع، ولكنها متاع زائل لا بد منه، فتنة من اﷲ سبحانه وتعالى لعباده،و الدنيا في الحقيقة لا تذم وإنما يتوجه الذم إلى فعل العبد فيها، وهي قنطرة أو معبر على الجنة أو النار، ولكن لما غلبت عليها الشهوات والحظوظ والغفلة والإعراض عن اﷲ والدار الآخرة، فصار هنا هو الغالب على أهلها وما فيها .
قال الله تعالى :
﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾
الكهف: 7
6- فتنة الأموال والأولاد
قد ورد التحذير من هذه الفتنة في كثير من آيات القرآن الكريم
قال الله تعالى :
﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾
التغابن: 14
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾
الأنفال: 28
بحملهم إياكم على ترك الطاعة فاحذروهم أن تقبلوا منهم
7- البغي والتكبر على الناس
فإن أغلب من ينعم اﷲ عزوجل عليهم بكثرة الأموال والأولاد يظهر عليهم البطر والتعالي على الناس إلا من رحم اﷲ عزوجل، وهذه أعظم الفتن بالأولاد.
قال الله تعالى :
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾
الشورى: 27
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ . أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ ﴾
العلق: 6-7
8- فتنة النساء
قال الله تعالى :
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ ﴾
آل عمران: 14
9- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وتعد هذه أهم مظاهر البعد عن الدين في زماننا اليوم، حيث يترتب عليها الفتن الحاصلة
قال الله تعالى:
﴿ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾
هود: 116
فهلاَّ وُجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير والصلاح، ينهون أهل الكفر عن كفرهم، وعن الفساد في الأرض، لم يوجد من أولئك الأقوام إلا قليل ممن آمن، فنجَّاهم الله بسبب ذلك مِن عذابه حين أخذ الظالمين. واتَّبع عامتهم من الذين ظلموا أنفسهم ما مُتِّعوا فيه من لذات الدنيا ونعيمها، وكانوا مجرمين ظالمين باتباعهم ما تنعموا فيه، فحقَّ عليهم العذاب.
10- ارتكاب المعاصي
إن المعاصي والذنوب سبب كبير ومؤشر خطير لحصول الفتن في الأمم والشعوب
قال الله تعالى :
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
الروم: 41
11- النفاق
إن النفاق من أعظم المعاصي المهلكة للفرد والأمة، وقد أخبرنا اﷲ سبحانه وتعالى عن أحوال المنافقين في الدنيا والآخرة
قال الله تعالى :
﴿ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ . يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾
الحديد: 13-14
فهذه الآية تتحدث عن أربعة فصول تعد من أسباب الخسران، وهي فتنة أنفسهم، والتربص بالمؤمنين، والارتياب في صدق الرسول والاعتزاز بما تسول لهم أنفسهم، وهي أصول الخصال المتفرعة من النفاق، وأهمها فتنتهم لأنفسهم وهلاكها وذلك بعدم قرار ضمائرهم على الإسلام، فهم في ريبهم يترددون، فكان الاضطراب وعدم الاستقرار خلقٌلهم، فإذا خطرت في أنفسهم خواطر خيرٍ من إيمان ومحبة للمؤمنين نقضوها بخواطر الكفر والبغضاء، وهذا من صنع أنفسهم، فإسناد الفتن إليهم إسناد حقيقي .
8- الفرق بين الفتنة والابتلاء
الفتنة والابتلاء يأتيان في سياق اختبار العبد
قال الله تعالى :
( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ )
الأنبياء : 35
، ويخلتفان في الأتي
– كون الفتنة أشد من الابتلاء، لذا يختلف استعمالهما في الايات بغرض بيان قوة الاختبار وشدته .
– الفتنة لا تأتي لتهدي الناس ولكن لتظهر الأمور الباطنة ، أما الابتلاء فهو يأتي على المؤمن لرفع درجة ومحو خطيئة وزيادة حسنة .
أحدث التعليقات