1- مفهوم الغرور
الغرورهو كِبْرِيَاءٌ وتعالي تَحْتَ ضَغْطِ الشُّعوُرِ الْخَادِعِ بِالأَهَمِّيَّةِ وَالْمَكَانَةِ.
2- كلمة الغرور
في
القرآن الكريم
وردت كلمة الغرور وصيغها في القرآن الكريم ٢٧ مرة . والصيغ التي وردت، هي:
1- الفعل الماضي
ورد 9 مرات
قال الله تعالى:
( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ )
الأنفال:٤٩
2- الفعل المضارع
ورد 6 مرات
قال الله تعالى:
( فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا )
لقمان:٣٣
3- المصدر
ورد 9 مرات
قال الله تعالى:
( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)
آل عمران:١٨٥
4- اسم
ورد 3 مرات
قال الله تعالى:
( وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ )
لقمان:٣٣
وجاء الغرور في القرآن الكريم بمعني كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان.
3 – الألفاظ ذات الصلة
– الخداع
الخداع هو الترويج للاعتقاد بشيء غير حقيقي، أو ما كان ظاهره خلاف باطنه .
– الوهم
الوهم هو الظن الكاذب ، مثل إيهام حال السرور فيما الأمر بخلافه .
– الكبر
استعظام الإنسان نفسه، واستحسان ما فيه من الفضائل، والاستهانة بالناس، واستصغارهم، والترفع على من يجب التواضع له
– العجب
هو الزهو بالنفس، واستعظام الأعمال والركون إليها، وإضافتها إلى النفس مع نسيان إضافتها إلى المُنعم سبحانه وتعالى.
4 – أسباب الغرور
للغرور أسباب متعددة، عرض إليها القرآن الكريم، وحث على الانتباه إليها والحذر منها ؛ كي لا يكون المؤمن من أصحاب الغرور والغفلة، وفيما يأتي عرض لأهم الأسباب وفق النقاط الآتية:
1- الفهم الخاطئ للدين
حرف البعض الدين ، فبدلوا وغيروا وفق أهوائهم، وافتروا على الله واختلقوا الأكاذيب، وهم بعد ذلك كله يوهمون أنفسهم أن ما اختلقوه من الباطل صواب، وأن تمنيهم على الله ينجيهم .
قال الله تعالى :
﴿ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾
الأعراف: ٥١
الذين حَرَمهم الله تعالى من نعيم الآخرة هم الذين جعلوا الدين الذي أمرهم الله باتباعه باطلا ولهوًا، وخدعتهم الحياة الدنيا وشغلوا بزخارفها عن العمل للآخرة، فيوم القيامة ينساهم الله تعالى ويتركهم في العذاب الموجع، كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا، ولكونهم بأدلة الله وبراهينه ينكرون مع علمهم بأنها حق.
2- متاع الحياة الدنيا
تشغل الدنيا قلوب الناس جميعا غير أن الناس يتفاوتون بمقدار ما تأخذ الدنيا من ألبابهم وعقولهم وأفعالهم، فمن شغلته الدنيا عن الآخرة هلك، ومن اشتغل فيها بطاعة الله واتخذها سلما للآخرة نجا . وقد حذر القرآن الكريم من الاغترار بالحياة الدنيا مخاطبًا الناس جميعًا .
قال الله تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾
لقمان: ٣٣
يا أيها الناس اتقوا ربكم، وأطيعوه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، واحذروا يوم القيامة الذي لا يغني فيه والد عن ولده ولا مولود عن أبيه شيئًا، إن وعد الله حق لا ريب فيه، فلا تنخدعوا بالحياة الدنيا وزخرفها فتنسيكم الأخرى، ولا يخدعنكم بالله خادع من شياطين الجن والإنس.
3- أصدقاء السوء
إن الصحبة الصالحة طريق إلى الجنة، أما المبطلون والمفسدون الذين ملكت الدنيا عليهم مجامع النفوس وشغلتهم عن علام الغيوب، فما عسى أحدهم أن يرشد خليله! وإلى أين سيأخذ بيده وناصيته؟! إنه يقوده إلى الهلاك، وإلى طريق السعير وبئس المصير.
قال الله تعالى:
﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ. وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾
البقرة: ١٦٦ -١٦٧
عند معاينتهم عذاب الآخرة يتبرأ الرؤساء المتبوعون ممن اتبعهم على الشرك، وتنقطع بينهم كل الصلات التي ارتبطوا بها في الدنيا: من القرابة، والاتِّباع، والدين، وغير ذلك. وقال التابعون: يا ليت لنا عودة إلى الدنيا، فنعلن براءتنا من هؤلاء الرؤساء، كما أعلنوا براءتهم مِنَّا. وكما أراهم الله شدة عذابه يوم القيامة يريهم أعمالهم الباطلة ندامات عليهم، وليسوا بخارجين من النار أبدًا.
4- الشيطان
يعد الشيطان من أخطر مداخل الغرور إلى الإنسان، فهو مخادع كذاب، وكان الإغواء والغرور في مستهل جولاته مع أبي البشر آدم وحواء عليهما السلام .
قال الله تعالى:
﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ . فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾
الأعراف: ٢١- ٢٢
وأقسم الشيطان لآدم وحواء بالله إنه ممن ينصح لهما في مشورته عليهما بالأكل من الشجرة، وهو كاذب في ذلك. فجرَّأهما وغرَّهما، فأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن الاقتراب منها، فلما أكلا منها انكشفت لهما عوراتهما، وزال ما سترهما الله به قبل المخالفة، فأخذا يلزقان بعض ورق الجنة على عوراتهما، وناداهما ربهما جل وعلا ألم أنهكما عن الأكل من تلك الشجرة، وأقل لكما: إن الشيطان لكما عدو ظاهر العداوة؟ وفي هذه الآية دليل على أن كشف العورة من عظائم الأمور، وأنه كان ولم يزل مستهجَنًا في الطباع، مستقبَحًا في العقول.
5- الأماني الباطلة
الأماني هي الأطماع، أو طول الآمال في امتداد الأعمار .
قال الله تعالى:
﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾
النساء: ١٢٠
يعد الشيطان أتباعه بالوعود الكاذبة، ويغريهم بالأماني الباطلة الخادعة، وما يَعِدهم إلا خديعة لا صحة لها، ولا دليل عليها.
قال الله تعالى:
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
إبراهيم: ٢٢
ومن المعلوم أن وعود الشيطان غرور وكذب، وأن أمانيه باطلة، حتى إذا حصحص الحق وصاروا إلى الحاجة إليه تنصل من وعوده إليهم، وفر من نصرتهم بعد أن وقعوا في وبال خداعه .
6- الاغترار بإمهال الله تعالى وسعة رحمته
يجب على المرء أن لا يغتر بكرم الله تعالى وعفوه وسعة رحمته وتفضله بالإنعام على عباده، فيرتكب المعاصي والذنوب ركونا إلى عفوه وغفرانه، فإن ذلك كفر للنعمة وخروج عن الحكمة في مقابلة المن والعطاء بالجحود والكفران، فمن فعل فمصيره الهلاك والخسران.
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾
لقمان: ٣٣
إن وعد الله حق لا ريب فيه، فلا تنخدعوا بالحياة الدنيا وزخرفها فتنسيكم الأخرى، ولا يخدعنكم بالله خادع من شياطين الجن والإنس.
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾
الانفطار: ٦
أي شيء غرك وجرأك وسول لك حتى ارتكبت ما ارتكبت بحق ربك الكريم الذي تجاوز عنك في الدنيا ولم يعاقبك؟
5- مظاهر الغرور
بين القرآن الكريم مظاهر الغرور ومعظمها يندرج تحت البعد عن الدين والاغترار بالحياة الدنيا وزينتها وزخرفها، وتتجلى صفة الغرور في فتنة الدنيا كونها لذة سريعة الزوال لا دوام فيها ولا بقاء، فينخدع الإنسان بها ويفتتن ببهائها وزينتها ثم إنها سرعان ما تزول وكأنها لم تكن، ومن هذه المظاهر:
1- التفاخر والتكاثر بالأموال والأولاد
ما أن يعي الإنسان على الدنيا إلا ويكبر معه هم جمع المال وإنجاب الأبناء ذكورهم قبل إناثهم، حتى إن نظرة الرجل لإنجاب الذكور هي استمرار لتعلقه في الدنيا بعد موته، باعتبار أنهم من سيحملون اسمه، غير أن المال والولد كدمى الأطفال التي يلهون بها ساعة ثم يتركونها، وكذا المال والولد ومفاتن الدنيا يوم القيامة، فإنها إن كانت في طاعة تنفع يوم الشفاعة، وإن كان في معصية زالت لذتها وبقيت حسرتها.
قال الله تعالى:
﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾
الحديد: ٢٠
اعلموا -أيها الناس- أنما الحياة الدنيا لعب ولهو، تلعب بها الأبدان وتلهو بها القلوب، وزينة تتزينون بها، وتفاخر بينكم بمتاعها، وتكاثر بالعدد في الأموال والأولاد، مثلها كمثل مطر أعجب الزُّرَّاع نباته، ثم يهيج هذا النبات فييبس، فتراه مصفرًا بعد خضرته، ثم يكون فُتاتًا يابسًا متهشمًا، وفي الآخرة عذاب شديد للكفار ومغفرة من الله ورضوان لأهل الإيمان. وما الحياة الدنيا لمن عمل لها ناسيًا آخرته إلا متاع الغرور.
وعلى هذا فالحياة الدنيا غير مذمومة، بل المراد أن من صرف هذه الحياة الدنيا لا إلى طاعة الله بل إلى طاعة الشيطان ومتابعة الهوى، فذاك هو المذموم.
2- رد النصيحة، والجدال بالباطل
ينظر المغرور إلى نفسه نظرة إعجاب، ويظن أن الحق ما قال ولا سواه، وأن الصواب ما فعل ولا يصح غيره، فلا يسمع الحق من أصحاب الحق، لأن غروره عمى قلبه وبصره، فهو يجادل في آيات الله، ولا يقبل نصيحة من أحد .
قال الله تعالى:
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ. ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾
الحج 8- 9
ومَن يجادل بالباطل في الله وتوحيده وإنزاله القرآن، وذلك الجدال بغير علم، ولا بيان، ولا كتاب من الله فيه برهان وحجة واضحة، لاويًا عنقه في تكبر، معرضًا عن الحق؛ ليصد غيره عن الدخول في دين الله، فسوف يلقى خزيًا في الدنيا باندحاره وافتضاح أمره، ونحرقه يوم القيامة بالنار.
3- البغي والاستكبار
من المعروف أن الغرور يشمل كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهوة، وكونه سكون النفس إلى ما يوافق الهوى، وما البغي والاستكبار إلا متابعة للنفس على هواها وتحقيق لنزواتها ومبتغاها فيما يستحسن ظاهره .
قال الله تعالى:
﴿ فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾
يونس: ٢٣
البغي العمل في الأرض بالفساد وبالمعاصي،
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾
البقرة: ٣٤
وأما التكبر والاستكبار فهما بمعنى أن يضفى المرء علي نفسه ما ليس له
4- الاستهزاء بآيات الله تعالى
إن هؤلاء استهزؤوا بآيات الله لأنهم اغتروا في الحياة الدنيا، فهم طمعوا في طول العمر وحسن العيش وكثرة المال وقوة الجاه، فاشتدت رغبتهم في هذه الأشياء، وأصبحوا محجوبين عن طلب الدين غارقين في طلب الدنيا؛ فاتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا.
قال الله تعالى:
﴿ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾
الأعراف: ٥١
الذين حَرَمهم الله تعالى من نعيم الآخرة هم الذين جعلوا الدين الذي أمرهم الله باتباعه باطلا ولهوًا، وخدعتهم الحياة الدنيا وشغلوا بزخارفها عن العمل للآخرة، فيوم القيامة ينساهم الله تعالى ويتركهم في العذاب الموجع، كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا، ولكونهم بأدلة الله وبراهينه ينكرون مع علمهم بأنها حق.
قال الله تعالى:
﴿ ذَٰلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴾
الجاثية: ٣٥
هذا الذي حلَّ بكم مِن عذاب الله؛ بسبب أنكم اتخذتم آيات الله وحججه هزوًا ولعبًا، وخدعتكم زينة الحياة الدنيا، فاليوم لا يُخرجون من النار، ولا هم يُرَدُّون إلى الدنيا؛ ليتوبوا ويعملوا صالحًا.
5- الانغماس في الشهوات والشبهات
إن الركون إلى الدنيا ومفاتنها وشهواتها يعد المدخل الرئيس للانزلاق في الشبهات والتزوير في العقائد رجاء موافقة الهوى، فالفتنة مقدمة للغرور.
قال الله تعالى:
﴿ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾
الحديد: ١٤
ينادي المنافقون المؤمنين قائلين: ألم نكن معكم في الدنيا، نؤدي شعائر الدين مثلكم؟ قال المؤمنون لهم: بلى قد كنتم معنا في الظاهر، ولكنكم أهلكتم أنفسكم بالنفاق والمعاصي والشهوات ، وتربصتم بالنبي الموت وبالمؤمنين الدوائر، وشككتم في البعث بعد الموت، وخدعتكم أمانيكم الباطلة، وبقيتم على ذلك حتى جاءكم الموت وخدعكم بالله الشيطان.
6- التسويف والأماني الباطلة
فمن الناس من يغره تأخير العقوبة، ومنهم من كان يقطع بالعفو، وأكثرهم متزلزل الإيمان، فكانوا يسوفون ويؤخرون في توبتهم إلى الله، ويمنون أنفسهم بعفوه وغفرانه.
قال الله تعالى :
﴿ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾
الحديد: ١٤
وخدعتكم طول الآمال والطمع في امتداد الأعمار ، وبقيتم على ذلك حتى جاءكم الموت وغركم الشيطان بأن الله عفو كريم لا يعذبكم.
قال الله تعالى:
﴿ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ﴾
غافر 85
فلم يك ينفعهم إيمانهم هذا حين رأوا عذابنا؛ وذلك لأنه إيمان قد اضطروا إليه، لا إيمان اختيار ورغبة
6 – عاقبة الغرور
بين القرآن الكريم عاقبة الغرور، وبيانها في النقاط الآتية:
1- الاستدراج
الاستدراج هو الإمهال والتأخير إلى أجل، فإن الله تعالى قد يعطي الكفار من الدنيا مع جحودهم وشركهم ما لا يعطيه للمؤمنين، ومن هنا جاء الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام والمراد به أمته .
قال الله تعالى :
﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾
آل عمران: ١٩٦ – ١٩٧
لا تغتر – أيها الرسول- بما عليه أهل الكفر بالله من بسطة في العيش، وسَعَة في الرزق، وانتقالهم من مكان إلى مكان للتجارات وطلب الأرباح والأموال، فعمَّا قليل يزول هذا كلُّه عنهم، ويصبحون مرتهنين بأعمالهم السيئة ، فإنما نمد لهم فيما هم فيه استدراجا .
2- الضلال
لما أن كان الغرور من عمل الشيطان وتزيينه للنفوس أصبح من انساق إليه كأنما تتبع خطوات الشيطان وسار على نهجه واكتسب بعضا من صفة الغرور عنده.
قال الله تعالى:
﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ . وَأَنِ اعْبُدُونِي هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ . وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ﴾
يس 60- 62
﴿ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا . يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾
النساء: ١١9 – ١٢٠
والإضلال هو الصرف عن طريق الهداية إلى طريق الغواية، أو هو الدعاء إلى ترك الدين وتقبيحه في عينهم .
قال الله تعالى :
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا ﴾
فاطر: ٤٠
قل -أيها الرسول- للمشركين: أخبروني أيَّ شيء خَلَق شركاؤكم من الأرض، أم أن لشركائكم الذين تعبدونهم من دون الله شركًا مع الله في خلق السماوات، أم أعطيناهم كتابًا فهم على حجة منه؟ بل ما يَعِدُ الكافرون بعضهم بعضًا إلا غرورًا وخداعًا.
3- استحقاق العقاب
إن العذاب الأليم مصير المغرور الذي بدل في دين الله وشك في عطائه، وظن في نفسه من الصفات ما لا تجوز إلا لله.
قال الله تعالى :
﴿ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾
الأعراف: ٥١
الذين حَرَمهم الله تعالى من نعيم الآخرة هم الذين جعلوا الدين الذي أمرهم الله باتباعه باطلا ولهوًا، وخدعتهم الحياة الدنيا وشغلوا بزخارفها عن العمل للآخرة، فيوم القيامة ينساهم الله تعالى ويتركهم في العذاب الموجع، كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا، ولكونهم بأدلة الله وبراهينه ينكرون مع علمهم بأنها حق.
7- علاج الغرور
من رحمة الله تعالى بنا أن أبان لنا في كتابه الكريم الداء وأتبعه بالعلاج الذي فيه الشفاء، فآيات القرآن الكريم تزخر في المقابلات بين الخير والشر، الإيمان والكفر، والنفقة والبخل، والجنة والنار، وفي ذلك إرشاد للمرء بأن يختار ما هو أهدى سبيلًا.
1- الإيمان بأن الله تعالى هو المنعم
إذا علم المرء أن المنعم هو الله وأن ما به من نعمة فمن الله فإنه يخضع لله ويتواضع له .
قال الله تعالى:
﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾
إبراهيم 34
وإن من أعظم الفتن التي يتعرض لها المغرور أن يظن أن ما به من نعمة هي من نفسه حازها بعلمه وحوله وقدرته لا بقدرة المنعم سبحانه .
– عن قارون الذي أصابه الغرور بما آتاه الله، أنكر الواهب وتعلق بأوهام النفس
قال الله تعالى :
﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾
القصص: ٧٨
– عن غرور فرعون الذي ظن نفسه إلها، وأن ما تحت ملكه من خيرات وجنان هي من تدبيره ورعايته، فنسي المنعم سبحانه
قال الله تعالى :
﴿ وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾
الزخرف: ٥١
وشأن الإنسان بشكل عام أنه في الخيرات والنعم يغفل عن المنعم، وعند الضيق والكربات يتوجه إلى الله تعالى مقرا بذنبه راجيًا عفوه كي يذهب عنه ما ألم به من بلاء ويكشف عنه السوء.
قال الله تعالى:
﴿ فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
الزمر: ٤٩
2- التزود بالتقوى
التقوى علاج كل علة، وسلاح المؤمن على مر الأزمان، وسد منيع في وجه الشيطان، فلا ينفذ الشيطان إلى نفس التقي فيسول له الكبر والغرور، وقد أوصى الله بها عباده جميعا، وخص المؤمنين بها، فهي سبيل النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى :
﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
يوسف: ٩٠
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾
الطلاق:٢
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾
الطلاق: ٤
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾
الطلاق: ٥
أي من يصبر على طاعة الله تعالى، ويصبر على المصائب، وعن المعاصي، ييسر الله عليه أمره، ويوفقه ليعمل على طاعتة، ويعصمه عن معاصيه.
3- عدم اتباع خطوات الشيطان
ولما أن كان الشيطان من أهم أسباب دخول الغرور إلى نفس الإنسان، فقد نهي الإنسان من تتبع خطواته، لأن اتباعه طلب للفحشاء والمنكر .
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ . إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
البقرة: ١٦٨ – ١٦٩
يا أيها الناس كلوا من رزق الله الذي أباحه لكم في الأرض، وهو الطاهر غير النجس، النافع غير الضار، ولا تتبعوا طرق الشيطان في التحليل والتحريم، والبدع والمعاصي. إنه عدو لكم ظاهر العداوة. إنما يأمركم الشيطان بكل ذنب قبيح يسوءُكم، وبكل معصية بالغة القبح، وبأن تفتروا على الله الكذب من تحريم الحلال وغيره بدون علم.
4- الاتعاظ بمصارع المغرورين
دعانا القرآن الكريم للسير في الأرض والنظر في مصارع الغابرين لا للتسلية والتأكد من الخبر؛ بل لأخذ المواعظ والعبر.
قال الله تعالى:
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
غافر: ٨٢
أفلم يَسِرْ هؤلاء المكذبون في الأرض ويتفكروا في مصارع الأمم المكذبة من قبلهم، كيف كانت عاقبتهم؟ وكانت هذه الأمم السابقة أكثر منهم عددًا وعدة وآثارًا في الأرض من الأبنية والمصانع والغراس وغير ذلك، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبونه حين حلَّ بهم بأس الله.
– عن قارون لما اغتر بماله زاعمًا أن ما أوتيه بعلم من عنده
قال الله تعالى:
﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ . فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾
القصص: ٧٨ – ٧٩
فلما انتهت بقارون حالة البغي والفخر، وازينت الدنيا عنده، وكثر بها إعجابه ، بغته العذاب
قال الله تعالى :
﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾
القصص: ٨١
5- الزهد في الدنيا
الزهد يصرف النفس عن شهواتها، ويعافيها من أسقامها، ويصحح سلوكها واعتقادها، ويورث النفس الأدب مع الله، والتواضع مع العباد، فحين يزهد المرء في الدنيا ويعلم أن ما فيها نعيم زائل وأن الذي يدوم ما أعده الله للصابرين، فإنه لا يغتر بكل مفاتنها ويقدم مغفرة الله ورضوانه على كل المتاع الزائل.
قال الله تعالى:
﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾
الحديد: ٢٠
اعلموا – أيها الناس- أنما الحياة الدنيا لعب ولهو، تلعب بها الأبدان وتلهو بها القلوب، وزينة تتزينون بها، وتفاخر بينكم بمتاعها، وتكاثر بالعدد في الأموال والأولاد، مثلها كمثل مطر أعجب الزُّرَّاع نباته، ثم يهيج هذا النبات فييبس، فتراه مصفرًا بعد خضرته، ثم يكون فُتاتًا يابسًا متهشمًا، وفي الآخرة عذاب شديد للكفار ومغفرة من الله ورضوان لأهل الإيمان. وما الحياة الدنيا لمن عمل لها ناسيًا آخرته إلا متاع الغرور.
6- تذكر الموت
إن تذكر الموت يثني الإنسان عن الاغترار في كل متاع زائل، وقد اقترن ذكر الموت مع تذكير الله تعالى للناس بأن الدنيا متاع الغرور، وذلك حتى يعلم الإنسان إذا تعلقت نفسه في الدنيا أنه ميت وأن أيامه في الدنيا معدودة فلا يغتر بها ويستعد للقاء الله.
قال الله تعالى :
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾
آل عمران: ١٨٥
لا بد من أن يستقر في النفس حقيقة أن الحياة في هذه الأرض موقوتة، محدودة بأجل ثم تأتي نهايتها حتما يموت الصالحون ويموت الطالحون. يموت المجاهدون ويموت القاعدون. يموت المستعلون بالعقيدة ويموت المستذلون للعبيد. يموت ذوو الاهتمامات الكبيرة والأهداف العالية، ويموت التافهون الذين يعيشون فقط للمتاع الرخيص. الكل يموت كل نفس تذوق هذه الجرعة، وتفارق هذه الحياة لا فارق بين نفس ونفس في تذوق هذه الجرعة من هذه الكأس الدائرة على الجميع.
أحدث التعليقات