مفهوم العلن في القرآن الكريم

1- مفهوم العلن

الإعلان هوإظهار الشيء والإشارة إليه ، والعلانية خلاف السر.

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ﴾

البقرة :٢٧٤

2- كلمة العلن

     في

القرآن الكريم

وردت كلمة (علن) وصيغها في القرآن الكريم (١٦) مرة. والصيغ التي وردت، هي:

– الفعل الماضي

ورد مرتين

قال الله تعالى:

﴿ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ﴾

نوح :٩

– الفعل المضارع

ورد ١٠ مرات

قال الله تعالى:

﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ﴾

إبراهيم :٣٨

– المصدر

ورد ٤ مرات

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ﴾

البقرة :٢٧٤

جاء العلن في القرآن الكريم بمعني الإظهار والمجاهرة ضد الإخفاء والإسرار.

3- الكلمات ذات الصلة

     بكلمة العلن

– الجهر

هو رفع الصوت بحيث يسمع نفسه ومن جاوره .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا ﴾

الإسراء : 110

– الإخفاء

تغييب الشيء، وأن لا يجعل عليه علامة يهتدى إليه من جهتها .

قال الله تعالى:

﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾

الحاقة :18

– السر

ما يكتم في النفس من الحديث، وهو خلاف الإعلان .

قال الله تعالى:

﴿ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ﴾

يونس: ٥٤

وأخفى الذين ظلموا حسرتهم حين أبصروا عذاب الله واقعا بهم جميعًا .

4- استواء السر والعلن

 في علم الله تعالى

أولا – الله سبحانه وتعالى عالم بكل شيء

قال الله تعالى:

﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾

الملك: ١٤

ألا يعلم السر من خلق السر يعني هو خلق السر في قلوب العباد فكيف لا يعلم بما في قلوب العباد.

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾

الفرقان: ٦

﴿ قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾

الأنبياء: ٤

والمراد أن القول عام يشمل السر والجهر .

ثانيا – علم الله تعالى السر والعلن

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾

الأنعام: ٣

﴿ أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾

هود: ٥

إن هؤلاء المشركين يضمرون في صدورهم الكفر؛ ظنًا منهم أنه يخفى على الله ما تضمره نفوسهم، ألا يعلمون حين يغطُّون أجسادهم بثيابهم أن الله لا يخفى عليه سِرُّهم وعلانيتهم؟ إنه عليم بكل ما تُكِنُّه صدورهم من النيات والضمائر والسرائر.

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾

النحل: ١٩

والله سبحانه يعلم كل أعمالكم، سواء ما تخفونه منها في نفوسكم وما تظهرونه لغيركم، وسيجازيكم عليها. فالسر والعلانية عنده سواء.

قال الله تعالى:

﴿ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾

التغابن: ٤

يعلم سبحانه وتعالى كل ما في السموات والأرض، ويعلم ما تخفونه -أيها الناس- فيما بينكم وما تظهرونه. والله عليم بما تضمره الصدور وما تخفيه النفوس.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ . أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾

الملك: ١٣- ١٤

وأخفوا قولكم- أيها الناس- في أي أمر من أموركم أو أعلنوه، فهما عند الله سواء، إنه سبحانه عليم بمضمرات الصدور، فكيف تخفى عليه أقوالكم وأعمالكم؟ . ألا يعلم ربُّ العالمين خَلْقه وشؤونهم، وهو الذي خَلَقهم وأتقن خَلْقَهُمْ وأحسنه؟ وهو اللطيف بعباده، الخبير بهم وبأعمالهم.

ثالثا – السر والجهر في علم الله تعالى سواء

قال الله تعالى:

﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ . سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾

الرعد: ٩-١٠

والآية صريحة الدلالة على أن الله تعالى يستوي عنده السر والعلن، فمن أسر القول أو أظهره، لا يقدم شيئا ولا يؤخر في علم الله تعالى .

5- أنواع العلن

       في

القرآن الكريم

يمكن تقسيم العلن في القرآن الكريم إلى نوعين هما

1- العلن المحمود

هو الذي حث القرآن الكريم عليه، وهو كل علن يحقق منفعة للأمة المسلمة، أو يدفع عنها ضررًا، أو يهدي ضالا أو يرشد حيرانًا ، وهذا النوع يشمل:

أولًا: الدعوة إلى الله تعالى

الدعوة إلى الله تعالى أمر ضروري لنشر الدين، والدعوة تتطلب كلامًا معلنًا يجهر به الداعي حتى تؤثر دعوته وتؤتي ثمارها، وقد وردت نصوص في القرآن الكريم تحث على ذلك .

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾

يوسف: ١٠٨

والذين يدعون على بصيرة من ربهم هم الدعاة إلى معرفة صفات الله تعالى وكمالاته ، ومعرفة أحكام الله وشرائعه .

قال الله تعالى:

﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ  إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾

النحل: ١٢٥

وفي الآية دليل أن المناظرة والمجادلة في العلم جائزة إذا قصد بها إظهار الحق. والمعروف أن الدعوة والمناظرة لا يكونان إلا علنًا، وكل ما دار من مناظرات بين الأنبياء عليهم السلام وأقوامهم وخصومهم إنما كان بطريق الجهر لا بطريق الخفاء.

قال الله تعالى:

﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ  إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُسْتَقِيمٍ ﴾

الحج: ٦٧

لكل أمة من الأمم الماضية جعلنا شريعة وعبادة أمرناهم بها، فهم عاملون بها، فلا ينازعنك- أيها الرسول- مشركو قريش في شريعتك، وما أمرك الله به في المناسك وأنواع العبادات كلها، وادع إلى توحيد ربك وإخلاص العبادة له واتباع أمره، إنك لعلى دين قويم، لا اعوجاج فيه.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

فصلت: ٣٣

لا أحد أحسن قولا ممن دعا إلى توحيد الله وعبادته وحده وعمل صالحًا وقال: إنني من المسلمين المنقادين لأمر الله وشرعه.

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا . فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا. وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا . ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا . ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ﴾

نوح: ٥-٩

ويلحظ في الآيات الكريمة مواطن عدة وأساليب مختلفة قام بها نبي الله نوح عليه السلام في الدعوة تعطي معنى العلن والجهر، فدعوة الليل والنهار فيها سر وعلن، وتغطية وجوههم وسد آذانهم إنما يفيد العلنية في الدعوة، والجهر بالدعوة واضح ومصرح به.

ثانيًا: الإنفاق في سبيل الله تعالى

الإنفاق في سبيل الله تعالى قد ورد في القرآن الكريم ما يشير صراحة إلى موضوع الجهر بالنفقة أو السر بها .

قال الله تعالى:

﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ  وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾

البقرة : ٢٧١

إن تظهروا ما تتصدقون به لله فنِعْمَ ما تصدقتم به، وإن تسرُّوا بها، وتعطوها الفقراء فهذا أفضل لكم؛ لأنه أبعد عن الرياء، وفي الصدقة -مع الإخلاص- محو لذنوبكم. والله الذي يعلم دقائق الأمور، لا يخفى عليه شيء من أحوالكم، وسيجازي كلا بعمله.

ثالثًا: إقامة الحدود

شرع الله تعالى الحدود جزاء للجرائم التي يرتكبها البعض في حق الله تعالى، وفي حق المجتمع، كجرائم السرقة، والحرابة ،والزنا، والقذف،  ونبه سبحانه وتعالى على أن يكون تنفيذ هذه العقوبات علنًا حتى تكون رادعًا لمن تسول له نفسه أن يقدم على جريمة في حق غيره.

قال الله تعالى:

﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

النور: ٢

الحكمة من حضور طائفة من المؤمنين إقامة الحد ؛ أنهم يعتبرون بذلك ويبلغ الشاهد الغائب ؛ وأن أقل الطائفة ثلاثة .

رابعًا: العبادات

العبادات كما هو معروف تشمل صنوفا مختلفة، فمنها البدنية فقط كالصلاة والصيام، ومنها المالية فقط كالزكاة، ومنها ما يجمع بين البدنية والمالية كالحج، ويدخل في العبادات الذكر من تسبيح وتكبير وتحميد وتهليل ودعاء واستغفار وقراءة القرآن، وكل هذه العبادات يؤديها الإنسان سرًا وجهرًا.

1- العلن في الصلاة

الآية الوحيدة في القرآن التي ورد فيها ذكر الجهر في الصلاة والمخافتة

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا ﴾

الإسراء: ١١٠

ولا تجهر بالقراءة في صلاتك، فيسمعك المشركون فيسبوك ويسبوا القرآن ومن أنزله ، ولا تُسِرَّ بها فلا يسمعك أصحابك، وكن وسطًا بين الجهر والهمس.

2- الصدقات

الصدقات عبادة مالية، فيها حق لله تعالى، وحق للفقير أو المستحقين للصدقات ، وهي من العبادات التي تشتمل على تكافل وتراحم، وتعاون .

قال الله تعالى:

﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ  وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾

البقرة: ٢٧١

إن تظهروا ما تتصدقون به لله فنِعْمَ ما تصدقتم به، وإن تسرُّوا بها، وتعطوها الفقراء فهذا أفضل لكم؛ لأنه أبعد عن الرياء، وفي الصدقة -مع الإخلاص- محو لذنوبكم. والله الذي يعلم دقائق الأمور، لا يخفى عليه شيء من أحوالكم، وسيجازي كلا بعمله.

3- الذكر

وقد تنوع فيه الخطاب بين الجهر تارة والإخفاء تارة أخرى.

قال الله تعالى:

﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾

الأعراف: ٢٠٥

واذكر – أيها الرسول- ربك في نفسك تخشعًا وتواضعًا لله خائفًا وجل القلب منه، وادعه متوسطًا بين الجهر والمخافتة في أول النهار وآخره، ولا تكن من الذين يَغْفُلون عن ذكر الله، ويلهون عنه في سائر أوقاتهم.

4- الدعاء

وقد ورد الأمر بالدعاء في آيات كثيرة في كتاب الله تعالى بعضها مطلق، وبعضها مأمور فيه بالتضرع والخفية .

قال الله تعالى:

﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾

الأعراف: ٥٥

ادعوا – أيها المؤمنون- ربكم متذللين له خفية وسرًّا، وليكن الدعاء بخشوع وبُعْدٍ عن الرياء

قال الله تعالى:

﴿ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا . إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ﴾

مريم: ٢ – ٣

هذا ذِكْر رحمة ربك عبده زكريا، سنقصه عليك، فإن في ذلك عبرة للمعتبرين. إذ دعا ربه سرًا؛ ليكون أكمل وأتم إخلاصًا لله، وأرجى للإجابة.

خامسًا: إعلان أعمال الخير

أعمال الخير متنوعة تشمل صنوفا كثيرة من الطاعات والقربات أقوالا وأفعالا، وذلك مثل: النفقة، والعون، وبذل النصيحة، وإماطة الأذى عن الطريق وغير ذلك. أن في الإسرار للأعمال فائدة الإخلاص والنجاة من الرياء وفي الإظهار فائدة الإقتداء وترغيب الناس في الخير ولكن فيه آفة الرياء، وفي الإظهار أيضا فائدة ولذلك أثنى الله تعالى على السر والعلانية

قال الله تعالى:

﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾

البقرة: ٢٧١

وقد وردت آيات قرآنية تحث على أعمال الخير القولية والفعلية

قال الله تعالى:

﴿ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾

آل عمران: ١١٤

﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ  وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

آل عمران: ١٠٤

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

الحج: ٧٧

والآيات فيها الدعوة لفعل الخير على جهة العموم، وذلك يشمل السر والعلن.

قال الله تعالى:

﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾

المائدة: ٤٨

والآية بها الأمر بالمسارعة أو المسابقة في الخيرات .

سادسًا: إعلان التظلم

الظلم محرم في جميع الشرائع السماوية، والمظلوم دعوته عند الله تعالى مستجابة، وقد نهى الله تعالى في كتابه العزيز عن الجهر بالسوء من الأقوال إلا للمظلوم .

قال الله تعالى:

﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ﴾

النساء: ١٤٨

أن الله تعالى لا يحب أن يجهر أحدنا بالدعاء على أحد، إلا من ظلم فيدعو على ظالمه، فإن الله جل ثناؤه لا يكره له ذلك، لأنه قد رخص له في ذلك.

ب – العلن المذموم

هو الذي يضر بعقيدة المسلم وعبادته، كموالاة الكفار ومجاراتهم في غيهم وضلالهم، وكذا العلن الذي ينشر الفاحشة والرذيلة في المجتمع، كالجهر بالمعاصي القولية والفعلية.

أولًا – إعلان الكفر

إعلان الكفر له صور منها

1- إعلان الكفار كفرهم بدين الله عز وجل

بين الله سبحانه وتعالى أنه مطلع على سر الكفار جهرهم، يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون، ولا يخفى عليه شيء من أمرهم .

قال الله تعالى :

﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾

النمل: ٧٤

والمراد إن ربك لَيعلم ما تخفيه صدور خلقه وما يظهرونه.

٢ – إعلان المسلم الكفر إكراهًا واضطرارًا

لم يختلف أحد أنه يجوز إعلان الكفر أو الجهر به إذا ألجئ المرء إلى ذلك ، لأن الإكراه لا أثر له في ذلك ما دام القلب مطمئنا بالإيمان.

قال الله تعالى:

﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾

النحل: ١٠٦

إنما يفتري الكذب مَن نطق بكلمة الكفر وارتدَّ بعد إيمانه، فعليهم غضب من الله، إلا مَن أُرغم على النطق بالكفر، فنطق به خوفًا من الهلاك وقلبه ثابت على الإيمان، فلا لوم عليه .

ثانيًا: إعلان موالاة الكافرين

نهى الله سبحانه وتعالى في غير موضع من القرآن عن موالاة الكافرين أو اتخاذهم أولياء من دون المؤمنين إلا في حالة التقية.

قال الله تعالى :

﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾

آل عمران: ٢٨

ينهى الله المؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء بالمحبة والنصرة من دون المؤمنين، ومَن يتولهم فقد برِئ من الله، والله برِيء منه، إلا أن تكونوا ضعافًا خائفين فقد رخَّص الله لكم في مهادنتهم اتقاء لشرهم، حتى تقوى شوكتكم، ويحذركم الله نفسه، فاتقوه وخافوه. وإلى الله وحده رجوع الخلائق للحساب والجزاء.

وجاء النهي صريحًا عن اتخاذ الكفار أولياء

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

النساء: ١٤٤

ثالثًا – إعلان المعاصي

أمر الله تعالى عباده بطاعته، ونهاهم عن معصيته، ورتب على فعل المعاصي إثما تختلف درجته بحسب درجة المعصية، والمعصية آثارها على المرء وخيمة في الدنيا والآخرة، بحسب درجتها، ومما حذر منه الشرع في المعصية الجهر بالمعصية، فهذا إثم آخر يكتسبه المرء بالإضافة إلى فعل المعصية نفسها.

قال الله تعالى:

﴿ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾

الرعد: 10

يستوي في علمه تعالى مَن أخفى القول منكم ومَن جهر به، ويستوي عنده مَن استتر بأعماله في ظلمة الليل، ومن جهر بها في وضح النهار.

قال الله تعالى:

﴿ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ ﴾

المجادلة:  8

ويتحدثون سرًّا بما هو إثم وعدوان ومخالفة لأمر الرسول؟

رابعًا – الفواحش القولية والفعلية

حرم الله تعالى الفواحش بكل أنواعها، خفية كانت أو ظاهرة، قولية أو فعلية .

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

الأعراف : ٣٣

فتضمنت الآية نهيا صريحا عن إتيان تلك المحرمات، وعلى جهة الإجمال فإن الفواحش يحرم إتيانها سرا أو جهرًا، ويحرم الجهر بها أمام الناس إذا ابتلي المرء بإتيانها .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

النور: ١٩

و في قصة الإفك تجد الوعيد الشديد في انتظار من يحب إشاعة الفواحش والجهر بها بين المؤمنين نظرًا لما يترتب على إشاعتها من فساد في المجتمع

خامسًا – الأسرار الزوجية

العلاقة بين الزوجين لها قدسيتها ومكانتها في الإسلام، وتتمتع بخاصية السرية والكتمان، ومراعاة الأدب والحياء ونحو ذلك من الأخلاقيات الإسلامية، ولهذا كلف الزوجان بالحفاظ على هذه العلاقة وعدم كشف أسرارها للغير إلا للضرورة القصوى من نحو التنازع في القضاء أو العلاج.

قال الله تعالى:

﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾

النساء: 21

هذا وإفشاء الأسرار الزوجية يترتب عليه آثار سيئة في العلاقة الزوجية، وكذا على نفوس المستمعين لهذه الأسرار، وهو يوقع صاحبه في مخالفة الشرع، سواء أكان زوجًا أو زوجه، حيث نص القرآن الكريم على مؤاخذة المرء بكل ما يلفظ من قول .

قال الله تعالى:

﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾

ق: ١٨

 

 

Share This