1- مفهوم العلم
العِلْم هو إداراك الشيء ، ومعرفته على حقيقته
قال الله تعالى:
( أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون )
البقرة:77
( والله يعلم وأنتم لا تعلمون )
البقرة:216
ورد العِلْم في القرآن الكريم مشفوعاً معظمها بالدعوى إلى
– التدبر في آيات الله المسطورة
قال الله تعالى:
( كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون )
فصلت:3
– التفكر في آياته المبثوثة
قال الله تعالى:
( وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون )
الأنعام:97
2- كلمة العلم
في
القرآن الكريم
وردت كلمة (علم) وصيغها في القرآن الكريم (٧٧٨) مرة. والصيغ التي وردت، هي:
– الفعل الماضي
ورد ٦٠ مرة
قال الله تعالى:
﴿ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ﴾
البقرة:٦٠
– الفعل المضارع
ورد ٣٣٤ مرة
قال الله تعالى:
﴿ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾
البقرة:٧٧
– فعل الأمر
ورد ٣١ مرة
قال الله تعالى:
﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
المائدة:٩٨
– اسم الفاعل
ورد ٢٠ مرة
قال الله تعالى:
﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾
الأنعام:٧٣
– اسم المفعول
ورد ١٤ مرة
قال الله تعالى:
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾
الحجر:٢١
– اسم تفضيل
ورد ٤٩ مرة
قال الله تعالى:
﴿ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ﴾
البقرة:١٤٠
– مصدر
ورد ١٠٥ مرة
قال الله تعالى:
﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾
طه:١١٤
– صيغة مبالغة
ورد ١٧ مرة
قال الله تعالى:
﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
البقرة:٢٩
وجاء العلم في القرآن الكريم بعدد من المعاني ، وهذه المعاني هي كالتالي:
1- العلم ذاته
وقد جاء في أغلب مواضع القرآن ، وهو بمعنى العلم بالشيء، ومعرفته على حقيقته .
قال الله تعالى:
( أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون )
البقرة:77
2- الرؤية
قال الله تعالى:
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾
آل عمران:142
أظننتم أن تدخلوا الجنة، ولم تُبْتَلوا بالقتال والشدائد؟ لا يحصل لكم دخولها حتى يرى الله المجاهدين منكم في سبيله، والصابرين على مقاومة الأعداء.
3- الأذن
قال الله تعالى:
( فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ )
هود:14
فاعلموا أن هذا القرآن إنما أنزله الله على رسوله بإذنه وليس من قول البشر.
4- الوحي
قال الله تعالى:
( قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ )
البقرة:120
قل لهم: إن دين الإسلام هو الدين الصحيح. ولئن اتبعت أهواء هؤلاء بعد الذي جاءك من الوحي ما لك عند الله مِن وليٍّ ينفعك، ولا نصير ينصرك.
5- الدليل والحجة
قال الله تعالى:
( قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ )
الأنعام :148
قل لهم -أيها الرسول- هل عندكم فيما زعمتم من أن الله قد شاء لكم الكفر، ورضيه منكم وأحبه لكم من دليل أوحجة من الله فتظهروها لنا؟ إن تتبعون في أمور هذا الدين إلا مجرد الظن، وإن أنتم إلا تكذبون.
6- النبوة
قال الله تعالى:
( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ )
يوسف:22
ولما بلغ يوسف منتهى قوته في شبابه أعطيناه النبوة و فهمًا في الدين. ومثل هذا الجزاء الذي جزينا به يوسف على إحسانه نجزي المحسنين على إحسانهم.
7- التمييز
قال الله تعالى:
﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ﴾
البقرة: 220
والله يميز الخبيث من الطيب
8- الفضل
قال الله تعالى:
( قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي )
القصص:78
لولا رضا الله عني، ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا المال
9- ما يعده أصحابه علماً، وإن لم يكن كذلك
قال الله تعالى:
( فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ )
غافر:83
فلما جاءت هؤلاء الأمم المكذبة رسلُها بالدلائل الواضحات، فرحوا جهلا منهم بما عندهم من العلم المناقض لما جاءت به الرسل .
والمتأمل في المعاني التي جاء عليها لفظ (العلم) في القرآن الكريم، يجد أنها وإن كانت تحمل دلالات محددة، يقتضيها سياق الآية، غير أنها في نهاية المطاف لا تعارض بينها ولا تنافر، بل هي في المحصلة ترجع إلى المعنى الرئيس من لفظ (العلم)، وهو معرفة الشيء على ما هو عليه.
3- الكلمات ذات الصلة
بكلمة العلم
– المعرفة
إدراك الشيء على ما هو به
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ﴾
المائدة: 83
– الفقه
العلم بالشيء والفهم له، ويحتاج فيه إلى النظر والتأمل .
قال الله تعالى:
﴿انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾
الأنعام: 65
– اليقين
العلم بالشيء بعد أن كان صاحبه شاكًا فيه
قال الله تعالى:
﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾
الروم: 60
– الجهل
أن تعتقد الشيء على خلاف ما هو عليه ، وهو ضد العلم .
قال الله تعالى:
﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ﴾
البقرة 273
4- العلم في حق الله تعالى
إن الله تعالى وصف نفسه في كتابه العزيز بأكثر من صفة دالة على علمه، منها: عالم، والعليم، والعلام، وأعلم، وعلمناه، ويعلم، وغير ذلك ، كما أن علم الله تعالى لا يشابهه علم، ولا يتخيله عقل؛ إذ إنه مطلق محيط، ينفرد بكنهه رب العزة والجبروت .
أولًا – العلم من صفات الله تعالى
وردت آيات عديدة تبين كثيرًا من صفاته جل شأنه مما اختصت بالعلم، ومن هذه الآيات:
قال الله تعالى :
﴿ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
البقرة 261
﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
آل عمران 34
﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾
البقرة 283
﴿ والله أعلم بما يكتمون ﴾
آل عمران 167
﴿ والله عليم بالظالمين ﴾
البقرة 95
ثانيًا – إسناد العلم إلى الله تعالى
الناظر في القرآن الكريم يجد أن الله تعالى أضاف العلم لنفسه ، من ذلك
قال الله تعالى :
﴿ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾
الأنعام 3
﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا ﴾
الجن: ٢٦
﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾
طه 110
﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
النمل 65
﴿ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ﴾
سبأ 2
﴿ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ﴾
الرعد 8
وفي هذه الآيات دلالةٌ على أن الله تعالى من أخص خصوصياته العلم ؛ وإن ذلك العلم لا يمكن أن يصل إليه مخلوق من المخلوقات مهما علت رتبته عند الله تعالى .
ثالثًا- علم الله مطلق محيط بكل شَيْءٍ
وقد برز ذلك واضحًا في آياتٍ، منها:
قال الله تعالى:
﴿ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾
الأنعام 80
﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
الأنعام: 101
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾
الطلاق 12
﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا ﴾
الجن: ٢6
﴿ إِنَّمَا إِلَٰهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾
طه 98
﴿ إنّ الله لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء ﴾
آل عمران: 5
وقد بينت الآيات السابقة أن الله تعالى أحاط بكل شيء علما ، فلا يخف عليه شيء ، و لا يظهر على غيبه أحدًا .
را بعا – المجالات التي ينفرد بها العلم الإلهي
لقد بين القرآن الكريم كثيرًا من المجالات التي ينفرد بها العلم الإلهي ، فلا يعلم أحدٌ بها غير الله تعالى ، ما يأتى
1- علم الساعة ومتى تقوم
قال الله تعالى:
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي ﴾
الأعراف: ١٨٧
﴿ يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾
الأحزاب 63
فقيام الساعة مختصٌ بعلمه، وموقوف على إرادته.
2- علم نزول الغيث وتقديره
إذ إن الله سبحانه له طلاقة القدرة التي لا تخضع لقوانين الكون، بل يخضعها الله تعالى لتقديره وأمره، فقد تكون كل الظروف مهيأة لنزول الغيث، ولا يقدر الله تعالى ذلك، فلم تلبث أن تكون السماء صافية، وقد يحدث عكس ذلك .
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ﴾
لقمان: ٣٤
3- علم ما في الأرحام
فلا يعلم أحدٌ من الخلق هل الجنين شقيٌ أو سعيد؟ وما هو عمله؟ ومتى رزقه؟ ومتى أجله؟ وهل سيولد حيًا أو ميتًا؟
قال الله تعالى:
﴿ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ﴾
لقمان: ٣٤
4- علم كسب الرزق
ويعلم ما تكسبه كل نفس في غدها ، وكيف سيكون؟ من خير أو شر يعلمه الله تعالى .
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ﴾
لقمان: ٣٤
5- علم موعد موت الإنسان
يعلم الله تعالى بأي أرض سيموت؟ وهل سيموت على الطاعة أم المعصية؟ وهل سيخلف بعده عملًا صالحًا أم سيئًا؟
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾
لقمان: ٣٤
– علم طبيعة الرُّوحِ
قال الله تعالى:
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾
الإسراء: ٨٥
خامسا – الآثار المترتبة على علم الله المطلق
يترتب على علم الله تعالى المطلق آثارٌ، منها:
1- معرفة حسن تقدير الله تعالى لما ينفع العباد
قال الله تعالى:
﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
العنكبوت 16
أن أخلصوا العبادة لله وحده، واتقوا سخطه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، ذلكم خير لكم، إن كنتم تعلمون ما هو خير لكم مما هو شر لكم.
قال الله تعالى:
﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
الملك 22
أفمن يمشي منكَّسًا على وجهه لا يدري أين يسلك ولا كيف يذهب، أشد استقامة على الطريق وأهدى، أَمَّن يمشي مستويًا منتصب القامة سالمًا على طريق واضح لا اعوجاج فيه؟
2- الحذر من عقاب الله تعالى
قال الله تعالى:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ﴾
البقرة: ٢٣٥
واعلموا أن الله تعالى مطلعٌ عليكم، يعلم ما في قلوبكم، ويعلم ما تسرون وما تعلنون. فيجب أن يستشعر الإنسان علم الله تعالى المطلق؛ فيحذر من عقابه وغضبه، فلا يكتم في نفسه إلا كل خير، وفق شرع الله تعالى فضلًا عن القول والعمل.
3- الاعتقاد الجازم أن الشدائد المقدرة من الله تعالى خيرٌ
قال الله تعالى:
﴿ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
البقرة 216
وقد تكرهون شيئًا وهو في حقيقته خير لكم، وقد تحبون شيئًا لما فيه من الراحة أو اللذة العاجلة، وهو شر لكم. والله تعالى يعلم ما هو خير لكم، وأنتم لا تعلمون ذلك.
4- البعد عن الفاحشة
قال الله تعالى:
﴿ أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾
البقرة 77
يجب أن يستشعر الإنسان علم الله تعالى المطلق بما يخفونه وما يظهرونه ؛ فيحذر من عقابه وغضبه ، ويبعد عن الفواحش .
5- علم المخلوقات
إن الله تعالى قد وصف المخلوقات من الملائكة والرسل والمؤمنين والجن والشياطين بأنهم يعلمون؛ فمنهم يَعْلَمُ ويُعَلِّمُ سواء أكان هذا العلم خيرًا كما عند الملائكة والنبيين والمؤمنين، أو كان هذا العلم شرًا كعلم الشياطين، أو كان متوقفًا على ضابطٍ يحله أو يحرمه، كعلم الجن، ثم جاء في وصف المخلوقات من الحيوانات والطيور أنهم يسبحون ولا يعلم أحدٌ تسبيحهم إلا الله تعالى. وسيتم الحديث عنها من خلال النقاط الآتية:
أولًا- الملائكة
وقد بين الله تعالى علم الملائكة في عدد من الآيات ، منها:
قال الله تعالى:
﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾
البقرة: ٣1-32
أن الملائكة لما علمت عجزها عن الإنباء بأسماء الخلق كلهم من دواب، وطيور وغيرهم، عندها بدأت الملائكة جوابها لله تعالى بتنزيهه عن كل نقص، فهو الذي لا يعجزه شيء، ومن ثم فإن أي علمٍ أو قدرةٍ أو تقديرٍ وصلت الملائكة إليه، إنما هو مما علمهم الله تعالى وقدرهم له، ومما أعطاهم الله تعالى به من وجوه الاستطاعة.
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ﴾
الصافات: ١٦٤
وفي هذه الآية إخبارٌ عن الملائكة، بأنه ما منهم ملكٌ إلا له مكانٌ في السماوات مخصوص ، يعتمد ذلك على ما خصه الله تعالى به من علم .
قال الله تعالى:
﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾
الانفطار: ١٢
وفي الآية دليلٌ على أن الملائكة لهم تخصصات في العمل، ومقامات في المرتبة .
ثانيًا – الرسل
وقد ورد في القرآن الكريم نماذج من الأنبياء والمرسلين الذين آتاهم الله تعالى علمًا يكفيهم لتبليغ رسالة الله تعالى، ومن هؤلاء الأنبياء الذين ورد ذكرهم ما يأتي:
1- أبو البشر آدم صلى الله عليه وسلم
قال الله تعالى:
﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ﴾
البقرة: ٣١
2- أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴾
مريم: ٤٣
قال إبراهيم عليه السلام لأبيه : إن الله أعطاني من العلم ما لم يعطك، فاقبل مني، واتبعني إلى ما أدعوك إليه، أرشدك إلى الطريق السوي الذي لا تضلُّ فيه.
3- لوط عليه السلام
قال الله تعالى:
﴿ وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾
الأنبياء: ٧٤
أن الله تعالى آتى نبيه لوطًا عليه السلام القول الفصل والسداد في الحكم، والعلم النافع .
– يوسف عليه السلام
قال الله تعالى:
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾
يوسف: ٢٢
حيث إن النبي يوسف صلى الله عليه وسلم لما بلغ منتهى قوته وشبابه أعطاه الله تعالى فهمًا في الحكم وعلمًا نافعًا .
– موسى عليه السلام
قال الله تعالى:
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾
القصص: ١٤
لما اشتد بدن النبي موسى صلى الله عليه وسلم وأعطاه الله تعالى حكمًا وعلمًا، أي: عقلًا وفهمًا في الدين، فعلم وحكم قبل أن يبعث نبيًّا.
– محمد صلى الله عليه وسلم
قال الله تعالى:
﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ﴾
النساء: ١١٣
ثالثًا – المؤمنون
وقد ورد ذلك في آياتٍ، منها:
-عن طالوت
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
البقرة: ٢٤٧
قال لهم نبيهم: إن الله اختاره عليكم وهو سبحانه أعلم بأمور عباده، وزاده سَعَة في العلم وقوة في الجسم ليجاهد العدو. والله مالك الملك يعطي ملكه مَن يشاء من عباده، والله واسع الفضل والعطاء، عليم بحقائق الأمور، لا يخفى عليه شيء.
– عن العبد الصالحً
قال الله تعالى:
﴿ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا . قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾
الكهف: 65 -66
فوجدا هناك عبدًا صالحًا من عبادنا ، آتيناه رحمة من عندنا، وعَلَّمْناه مِن لدنَّا علمًا عظيمًا. فسلَّم عليه موسى، وقال له: أتأذن لي أن أتبعك؛ لتعلمني من العلم الذي علمك الله إياه ما أسترشد به وأنتفع؟
– عن لقمان
قال الله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾
لقمان 12
ولقد أعطينا عبدًا صالحًا من عبادنا (وهو لقمان) الحكمة، وهي الفقه في الدين وسلامة العقل والإصابة في القول، وقلنا له: اشكر لله نِعَمَه عليك، ومَن يشكر لربه فإنما يعود نَفْع ذلك عليه، ومن جحد نِعَمَه فإن الله غني عن شكره، غير محتاج إليه، له الحمد والثناء على كل حال.
– عن أهل العلم من المؤمنون
قال الله تعالى:
﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ﴾
الحج 54
وليعلم أهل العلم الذي منحةٌ الله تعالى لهم فيفرقون بعلمهم بين الحق والباطل أن القرآن الكريم هو الحق النازل من عند الله عليك أيها الرسول، لا شبهة فيه، ولا سبيل للشيطان إليه، فيزداد به إيمانهم، وتخضع له قلوبهم. وإن الله لهادي الذين آمنوا به وبرسوله إلى طريق الحق الواضح، وهو الإسلام ينقذهم به من الضلال.
رابعًا – الجن
وقد برز ذلك واضحًا في آيات، منها:
قال الله تعالى:
﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾
سبأ: ١٤
فلما قضينا على سليمان بالموت ما دلَّ الجن على موته إلا الأرَضَةُ تأكل عصاه التي كان متكئًا عليها، فوقع سليمان على الأرض، عند ذلك علمت الجن أنهم لو كانوا يعلمون الغيب ما أقاموا في العذاب المذلِّ والعمل الشاق لسليمان؛ ظنا منهم أنه من الأحياء.
قال الله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴾
الصافات: ١٥٨
وفي هذه الآية دليلٌ على أن الجِنَّةَ يعلمون علم اليقين أنهم سيحضرون بين يدي الله.
خامسًا – الشياطين
قال الله تعالى:
﴿ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾
البقرة: ١٠٢
ولكنَّ الشياطين هم الذين كفروا بالله حين علَّموا الناس السحر؛ إفسادًا لدينهم ؛ فهذا طبيعة ما لدي الشياطين من علم .
سادسًا – الحيوانات والطيور
قال الله تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾
النور: ٤١
إن القرآن الكريم قد بين أن الحيوانات والطيور وكل الخلق يسبحون بحمد ربهم طوعًا وكرهًا، كلٌ بالطريقة التي تتناسب مع طبيعة خلقه، والله تعالى هو وحده الذي يعلم هذه الصلاة وهذا التسبيح منهم.
قال الله تعالى:
﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ . لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ . فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴾
النمل 20- 22
وتفقد سليمان حال الطير المسخرة له وحال ما غاب منها، وكان عنده هدهد متميز معروف فلم يجده، فقال: ما لي لا أرى الهدهد الذي أعهده؟ أسَتَره ساتر عني، أم أنه كان من الغائبين عني، فلم أره لغيبته؟ فلما ظهر أنه غائب قال: لأعذبنَّ هذا الهدهد عذابًا شديدًا لغيابه تأديبًا له، أو لأذبحنَّه عقوبة على ما فعل حيث أخلَّ بما سُخِّر له، أو ليأتينِّي بحجة ظاهرة، فيها عذر لغيبته. فمكث الهدهد زمنًا غير بعيد ثم حضر فعاتبه سليمان على مغيبه وتخلُّفه، فقال له الهدهد: علمت ما لم تعلمه من الأمر على وجه الإحاطة، وجئتك من مدينة “سبأ” بـ “اليمن” بخبر خطير الشأن، وأنا على يقين منه.
6- الثناء على أهل العلم
لقد تعددت الأساليب القرآنية في الثناء على أهل العلم، وفيما يلي بيان ذلك في النقاط الآتية :
أولًا- ارتضاء شهاداتهم على أعظم عقائد الدين
أهل العلم هم أهل الثقة، الذين استشهد الله بهم على العلم الحقيقي الأعظم ألا وهو التوحيد .
قال الله تعالى:
( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )
آل عمران: ١٨
فإن هذه الآية تبين أن أول من شهد أنه تعالى لا إله إلا هو، إنما هو الله جل جلاله، وشهدت الملائكة بعد ذلك، وأولو العلم بعدهم.
ثانيًا- حصر كمال الصفات الطيبة فيهم
وقد برز ذلك واضحًا في عدة آيات
1- أنهم أشد الناس وأكثرهم خشية لله تعالى
قال الله تعالى :
( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )
فاطر: 28
2- أنهم خير البرية
أن العلماء هم الذين يخشون الله تعالى هم خير البرية فينتج أن العلماء هم خير البرية
قال الله تعالى:
( أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ . ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ )
البينة: 7- 8
3- أن منزلتهم أرفع منزلة وأزكاه
قال الله تعالى :
( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )
المجادلة: 11
4- أنه لا يساويهم أحد في منزلتهم ولا رتبتهم .
قال الله تعالى:
( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ )
الزمر: 9
5- أنهم يعقلون من مراد الله ما لا يعقله غيرهم
أهل العلم هم أسرع الناس إدراكاً للحق و إيماناً به
قال الله تعالى:
( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ )
العنكبوت: 43
( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا )
آل عمران: 7
( وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ )
سبأ: 6
( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ )
العنكبوت: 49
6- هم أبصر الناس بالشر ومداخله
قال الله تعالى:
( قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ )
النحل: 27
( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ )
القصص: 80
7- أن الله لم يأمر نبيه بالتزود من شيء إلا من العلم
قال الله تعالى:
( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا )
طه: 114
8- أنهم المرجع عند السؤال والإشكال والمعضلات
قال الله تعالى:
( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )
الأنبياء: 7
7- أهداف العلم
في الإسلام
يقوم العلم في الإسلام على العديد من الغايات والأهداف، فأهدافُ العلم في الإسلام تتوافق مع مشيئة الله الخالق عز وجل، فالعلم حريص على إبراز غايات روحية، وأهداف أخلاقية، ومن أهم اهداف العلم ما يأتي:
1- معرفة الله تعالى والإيمان به
فيقوم الإسلام على أهمية العلم، وليس على التسليم الأعمى، فمن خلال العلم وأهميته يَتعرف الإنسان على ربَّه ويؤمن بالله عز وجل
قال الله تعالى:
( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ )
محمد: 19
2 – التسخير
فخلَق الله الإنسان على هذه الأرض، وسخَّر له المخلوقات جميعها؛ ليرشدها على أحسن وجه كما أمرنا الله سبحانه وتعالى فلن يستطيع الإنسان توجيهها وإرشادها إلا بالعلم الذي يساعده على كشْف أغلب الحقائق، والطاقات التي تساعده على القيام بهذه المهمة الصعبة، فتَظهر هنا أهمية العلم، وكذلك التقدم العلمي الذي يُسخر لنا ما في هذا الكون.
قال الله تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾
الحج: 65
﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
لقمان: 20
3- التربية والتزكية
يقوم العلم على تربية المسلم على الأخلاق الإسلامية الزكية، وعلى ما نصّ عليه من القرآن .
قال الله تعالي:
﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
الجمعة : 2
8- أنواع العلوم
في
القرآن الكريم
القرآن الكريم كتاب هداية في المقام الأول، فإن الله تعالى أنزله لهداية الخلق إلى معرفة الله الحق
قال الله تعالى:
﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾
إبراهيم: 1
ولأتمام الهداية لابد من العلم ، وإنزل القرآن مُفْتَتِحًا بالأمربالقراءة
قال الله تعالى:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
العلق 1
و القرآن يحتوى على نوعين من العلوم ، وفيما يلي بيان ذلك في النقاط الآتية:
أولًا: العلوم الوهبية
ويقصد بالعلوم الوهبية تلك العلوم التي وهبها الله تعالى لخلقه سواء أكانت 1- عن فطرة فطر الله تعالى بها خلقه
قال الله تعالى:
﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ﴾
البقرة: 31
2-عن وحي أوحى الله تعالى به لمن يشاء من عباده
قال الله تعالى:
﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ﴾
النساء 113
ثانيًا: العلوم المكتسبة
وهي العلوم التي تقوى وتزداد بكسب الإنسان من التعلم
قال الله تعالى:
﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
النحل: ٧٨
فإن هذه الآية تبين أنه جل جلاله خلق الخلق ، لا يعلمون أي جانب من جوانب العلم المكتسب، ثم أعطاهم الله تعالى أدوات العلم، وهي: السمع ليسمعوا جوانب العلم ومدركاته، والأبصار لينظروا في ملكوت الله تعالى، فتتحقق بالمران، بعد توفيقه تعالى جوانب متقدمة من العلوم، ثم جعل القلوب ليكون هذا القلب بمثابة المصفاة التي تصفي تلك العلوم المكتسبة، فتبتكر علومًا مما تم اكتسابه، وتأتي الفاصلة القرآنية؛ لتبين أن العلة من خلق الله تعالى للبشر ومن ثم إعطاؤهم أدوات المعرفة هي أن يشكروا الله تعالى على نعمائه.
وتنقسم العلوم المكتسبة إلى قسمين ، هما
أ – علومًا محمودةً
فأما العلوم المحمودة الكسبية فقد وردت في عدة آيات.
قال الله تعالى:
﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
النمل: 61
أعبادة ما تشركون بربكم خير أم الذي جعل لكم الأرض مستقرًا وجعل وسطها أنهارًا، وجعل لها الجبال ثوابت، وجعل بين البحرين العذب والملح حاجزًا حتى لا يُفسد أحدهما الآخر؟ أمعبود مع الله فَعَلَ ذلك حتى تشركوه معه في عبادتكم؟ بل أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون قَدْر عظمة الله، فهم يشركون به تقليدًا وظلمًا.
﴿ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ . أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ . وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾
الشعراء: 132 – 134
فخافوا الله، وامتثلوا ما أدعوكم إليه فإنه أنفع لكم، واخشوا الله الذي أعطاكم من أنواع النعم ما لا خفاء فيه عليكم، أعطاكم الأنعام: من الإبل والبقر والغنم، وأعطاكم الأولاد، وأعطاكم البساتين المثمرة، وفجَّر لكم الماء من العيون الجارية.
ب – مذمومة
وأما العلوم المذموم، فهي
1- التي تدعو لإفساد الدين
قال الله تعالى:
﴿ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾
البقرة: 102
2- التي تبني على الظن
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا لَهُمْ بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾
الجاثية: 24
وما لهؤلاء من علم بذلك، ما هم إلا يتكلمون بالظن والوهم والخيال.
9 – آداب أهل العلم
أشارت آيات العلم الواردة في القرآن الكريم إلى مجموعة من الآداب، منها:
1- الإيقان بأنه فوق كل عالم من هو أعلم منه
قال الله تعالى:
﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾
يوسف: ٧٦
ما من عالم على ظهر الأرض إلا فوقه من هو أعلم منه؛ حتى ينتهي العلم إلى الله تعالى الذي علمه، ومنه بدأ وإليه يعود.
2- إسناد العلم لواهبه عز وجل
قال الله تعالى:
﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾
آل عمران: ٧
حيث تبين هذه الآية أن الراسخين في العلم هم الذين يقولون آمنا بهذا المتشابه، فصدقنا أن علم ذلك لا يعلمه إلا الله.
3- العلماء أكثر الناس خشية لله تعالى
لأنهم الأكثر معرفة له، وبه جل جلاله
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
فاطر: ٢٨
أي: إنما يخاف الله تعالى ويتقي عقابه العلماء؛ لأن من علم قدرة الله تعالى أيقن بالمعاقبة على المعصية فخاف الله واتقاه.
4- التقوى سبب إفاضة العلوم
ثم إن طلاب العلم ينبغي أن يتقوا الله تعالى؛ حتى يعطيهم من العلم
قال الله تعالى:
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
البقرة: ٢٨٢
وخافوا الله في جميع ما أمركم به، ونهاكم عنه، ويعلمكم الله جميع ما يصلح دنياكم وأخراكم. والله بكل شيء عليم، فلا يخفى عليه شيء من أموركم، وسيجازيكم على ذلك.
أحدث التعليقات