1- مفهوم العتاب

العتاب هو خطاب للمقصر بلطف مذكرًا إياه بما كرهه منه .

2- العتاب

      في

الاستعمال القرآني

ورد الجذر (عتب) في القرآن الكريم (٥) مرات.

والصيغ التي وردت عليها هي:

– الفعل المضارع

ورد 4 مرات

قال الله تعالى:

﴿ فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴾

الجاثية :٣٥

– اسم المفعول

ورد مرة وا حدة

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ ﴾

فصلت :٢٤

3- الألفاظ ذات الصلة

– اللوم

اللوم هو خطاب وتنبيه على أمورٍ واجبة التحقق ويترتب على تركها ضررٌ

قال الله تعالى:

﴿ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾

المائدة 54

يجاهدون أعداء الله، ولا يخافون في ذات الله أحدًا.

– النصيحة

هي كلمة جامعة لإرادة الخير للمنصوح

قال الله تعالى:

﴿ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ﴾

الأعراف 79

– العفو

العفو ترك العقوبة عن المذنب

قال الله تعالى:

﴿ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

البقرة 52

4 – أنواع العتاب

أنواع العتاب في القرآن الكريم لا تخرج عن ثلاثة أنواع وهي:

أولا: عتاب التوجيه

والمقصود من عتاب التوجيه هو أن يوجه الله تعالى عباده رسلا كانوا أو أنبياء أو غيرهم إلى ما يراد منهم في تبليغ ما أنزل الله إليهم من الآيات إلى أممهم حتى يتحلوا بالصبْر فيما يلاقونه في سبيل ذلك من الأذى.

قال الله تعالى:

﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾

هود:12

فلعلك – أيها الرسول لعظم ما تراه منهم من الكفر والتكذيب – تارك بعض ما يوحى إليك مما أنزله الله عليك وأمرك بتبليغه، وضائق به صدرك؛ خشية أن يطلبوا منك بعض المطالب على وجه التعنت، كأن يقولوا: لولا أُنزل عليه مال كثير، أو جاء معه ملك يصدقه في رسالته، فبلغهم ما أوحيته إليك؛ فإنه ليس عليك إلا الإنذار بما أُوحي إليك. والله على كل شيء حفيظ يدَبِّر جميع شؤون خلقه.

ثانيا: عتاب التنبيه

المقصود منه تنبيه عباده إلى ما يحتمل وقوعه منهم لو لم ينبهواإلى ذلك لوقع ذلك الفعل منهم مرة أخرى.

قال الله تعالى:

﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ﴾

التوبة: 43

عفا الله عنك -أيها النبي- عمَّا وقع منك مِن تَرْك الأولى والأكمل، وهو إذنك للمنافقين في القعود عن الجهاد، لأي سبب أَذِنْتَ لهؤلاء بالتخلف عن الغزوة، حتى يظهر لك الذين صدقوا في اعتذارهم وتعلم الكاذبين منهم في ذلك؟

ثالثا: عتاب التحذير

المقصود منه تحذير عباده من عاقبة أمر وقع فيه خطأ في اجتهاد يترتب عليه – لو لم يحذروا منه – ضرر في التشريع والأحكام . ومنه

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴾

النساء: 105

إنا أنزلنا إليك – أيها الرسول- القرآن مشتملا على الحق؛ لتفصل بين الناس جميعًا بما أوحى الله إليك، وبَصَّرك به، فلا تكن للذين يخونون أنفسهم -بكتمان الحق- مدافعًا عنهم بما أيدوه لك من القول المخالف للحقيقة.

5- أغراض العتاب

جعلت الأغراض حسب الأنواع الثلاثة السابقة فجعلت لكل نوع غرضاخاصا به.

– غرض عتاب التوجيه

هونقل المعاتب من حالة كان عليها إلى حالة أخرى، يراد له المصير إليها.

– غرض عتاب التنبيه

هو تنبيه المعاتب إلى عدم الرجوع إلى الذي عوتب عليه حتى لا يتكرر منه ذلك أو يقع فيما هو أكبْر منه.

– غرض عتاب التحذير

التخويف من عاقبة فعل يتوقع ضرره ، وفي أسلوب يحمل شيئا من الشدة يختلف باختلاف مواقف العتاب دون أن يذكر في النص شيء من عقوبة أو وعيد، ويشترك عتاب التحذير مع عتاب التنبيه في أن كلا منهما فيه تخويف من عاقبة مثل هذا الفعل لو تكرر، وينفرد عتاب التحذير عن عتاب التنبيه في أن أسلوب عتاب التحذير لا يخلو من شدة تقربه من الإنذار .

6 – الأساليب القرآنية في العتاب

تنوعت أساليب القرآن في الحديث عن العتاب، وسوف نتناولها بالبيان فيما يأتي:

1- أسلوب المؤاخذة الصريح

ومن أشد الآيات الصريحة في العتاب ، عتاب من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، حين حرم على نفسه شيء حلال  ؛ مراعاة لخاطر بعض زوجاته .

قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ  ﴾

التحريم: ١

يا أيها النبي لِمَ تمنع نفسك عن الحلال الذي أحله الله لك، تبتغي إرضاء زوجاتك؟ والله غفور لك، رحيم بك.

2- أسلوب غير صريح

لم يقتصر القرآن الكريم على الأساليب الصريحة في العتاب، بل اشتمل على عدة آيات المراد منها عتاب غير صريح، ومنها

قال الله تعالى :

﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

التوبة:٤٠

عتاب من الله أيضًا للمؤمنين بعد انصراف نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من تبوك ؛ لأن معناها: إن تركتم نصره، فالله يتكفل به؛ إذ قد نصره الله في مواطن القلة، وأظهره على عدوه بالغلبة والعزة.

قال الله تعالى :

﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾

الأعراف:١٠

عتاب من الله تعالى لبني آدم على قلة شكرهم.

قال الله تعالى :

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾

الأحزاب:٢١

عتاب من الله للمتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدير الكلام: لقد كان لكم في رسول الله قدوة حسنةٌ أن تتأسوا به، ولا تتخلفوا عنه، وتصبروا على الحرب ومعاناة الشدائد، لمن كان يرجو ثواب الله، والفوز بالنجاة في اليوم الآخر، وقد قرن الله الرجاء بكثرة ذكر الله.

7- صور من عتاب الله 

جاء فى القرآن الكريم صور من عتاب الله تعالى لخلقه ، منهم

أولا – عتاب الله سبحانه وتعالى لأنبيائه

تحدث القرآن الكريم عن صور من عتاب الله تعالى لأنبيائه، وأن أكثر نوع عاتب به سبحانه أنبياءه هو عتاب التوجيه وعتاب التحذير. وسوف نتناولها بالتوضيح فيما يأتي:

1- عتاب الله سبحانه وتعالى لآدم عليه السلام

عاتب الله آدم عليه السلام لاستجابته لإغواء إبليس .

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ  وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾

الأعراف: ٢٢

عتاب من الله تعالى وتوبيخ وتنبيه على الخطأ، حيث لم يحذرا ما حذرهما الله من عداوة إبليس .

ولكن الأنبياء –عليهم السلام- سرعان ما يعودون ويتوبون، فآدم –عليه السلام-عاد إلى الله وتاب من عصيانه هذا، فدعا بكلمات ألهمها له ربه

قال الله تعالى:

﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

الأعراف:23

والله سبحانه من اسمائه الغفور، فهو يستحيي من العبد إذا رفع له أكف التضرع وطلب المغفرة أن يردها خائبين، فما ظنكم إن كان نبيا،فغفر له سبحانه،

قال الله تعالى:

﴿ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ ﴾

طه:122

2- عتاب الله سبحانه وتعالى لنوح عليه السلام

وهذا نوح عليه السلام لما سأل الله ما ليس له به حق في ابنه أن ينجيه .

قال الله تعالى:

﴿ وَنَادَىٰ نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ . قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾

هود: ٤٥- 46

ونادى نوح ربه فقال: رب إنك وعَدْتني أن تنجيني وأهلي من الغرق والهلاك، وإن ابني هذا من أهلي، وإن وعدك الحق الذي لا خُلْف فيه، وأنت أحكم الحاكمين وأعدلهم . فيحذره الله تعالى ألا يسأل ما لا يعلم لجهله بكفر ابنه ، وأن هذا السؤال ليس لك إنما للجاهلين وأن نهيه الوارد بعده نهي عتابٍ .

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

هود: ٤٧

وبعد أن ذكر الله تعالى هذه الزلة ومعاتبته إياه عليها، ذكر توبته منها، ورجوعه إليه، واستغفاره إياه واعترافه على نفسه بالجهل لها .

3- عتاب الله سبحانه وتعالى لإبراهيم عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ . إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ . يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ  وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴾

هود: 74–76

قالت رسل الله: يا إبراهيم أعرض عن هذا الجدال في أمر قوم لوط والتماس الرحمة لهم؛ فإنه قد حق عليهم العذاب، وجاء أمر ربك الذي قدَّره عليهم بهلاكهم، وإنهم نازل بهم عذاب من الله غير مصروف عنهم ولا مدفوع.

4- عتاب الله سبحانه وتعالى لموسى عليه السلام

مما ورد في كتاب الله تعالى، ويدل على معاتبته له، أنه سأل الرؤية بغيرإذن من الله تعالى،فتاب ورجع عما طلب .

قال لله تعالى:

﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

الأعراف 143

ولما جاء موسى في الوقت المحدد وهو تمام أربعين ليلة، وكلَّمه ربه بما كلَّمه من وحيه وأمره ونهيه، طمع في رؤية الله فطلب النظر إليه، قال الله له: لن تراني، أي لن تقدر على رؤيتي في الدنيا، ولكن انظر إلى الجبل، فإن استقر مكانه إذا تجلَّيتُ له فسوف تراني، فلما تجلَّى ربه للجبل جعله دكًّا مستويًا بالأرض، وسقط موسى مغشيًّا عليه، فلما أفاق من غشيته قال: تنزيهًا لك يا رب عما لا يليق بجلالك، إني تبت إليك من مسألتي إياك الرؤية في هذه الحياة الدنيا، وأنا أول المؤمنين بك من قومي.

5- عتاب الله سبحانه وتعالى لعيسى عليه السلام

قال لله تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾

المائدة:116

واذكر إذ قال الله تعالى يوم القيامة: يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اجعلوني وأمي معبودين من دون الله؟ فأجاب عيسى -منزِّهًا الله تعالى-: ما ينبغي لي أن أقول للناس غير الحق. إن كنتُ قلتُ هذا فقد علمتَه؛ لأنه لا يخفى عليك شيء، تعلم ما تضمره نفسي، ولا أعلم أنا ما في نفسك. إنك أنت عالمٌ بكل شيء مما ظهر أو خفي.

6- عتاب الله سبحانه وتعالى ليوسف عليه السلام

قال لله تعالى:

﴿ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾

يوسف: 42

وقال يوسف للذي علم أنه ناجٍ من صاحبيه: اذكرني عند سيِّدك الملك وأخبره بأني مظلوم محبوس بلا ذنب، فأنسى الشيطان ذلك الرجل أن يذكر للملك حال يوسف، فمكث يوسف بعد ذلك في السجن عدة سنوات. وسبب بقاء يوسف عليه السلام في السجن بضع سنين هو عقاب من الله سبحانه وعتاب له على استعانته بغيره واستغاثته لمخلوق مثله؛ لأنه طلب من الساقي أن يذكره عند الملك ليخرجه من هذه المحنة ومن هذا الظلم.

7- عتاب الله سبحانه وتعالى لداود عليه السلام

نبي الله داود قد آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب، وجعله خليفة في الأرض ليحكم بين الناس، فهذه مهمته وهذا منصبه .

قال لله تعالى:

﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾

ص 26

يا داود إنا استخلفناك في الأرض وملَّكناك فيها، فاحكم بين الناس بالعدل والإنصاف، ولا تتبع الهوى في الأحكام، فيُضلك ذلك عن دين الله وشرعه.

قال لله تعالى:

﴿ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ . إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ . إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ . قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ  ﴾

ص: 21-24

وهل جاءك – أيها الرسول- خبر المتخاصِمَين اللذَين تسوَّرا على داود في مكان عبادته، فارتاع من دخولهما عليه؟ قالوا له: لا تَخَفْ، فنحن خصمان ظلم أحدنا الآخر، فاقض بيننا بالعدل، ولا تَجُرْ علينا في الحكم، وأرشِدنا إلى سواء السبيل. قال أحدهما: إن هذا أخي له تسع وتسعون من النعاج، وليس عندي إلا نعجة واحدة، فطمع فيها، وقال: أعطنيها، وغلبني بحجته. قال داود: لقد ظلمك أخوك بسؤاله ضم نعجتك إلى نعاجه، وإن كثيرًا من الشركاء ليعتدي بعضهم على بعض، ويظلمه بأخذ حقه وعدم إنصافه مِن نفسه إلا المؤمنين الصالحين، فلا يبغي بعضهم على بعض، وهم قليل. وأيقن داود أننا فتنَّاه بهذه الخصومة، فاستغفر ربه، وسجد تقربًا لله، ورجع إليه وتاب لأنه في حكمه سمع لأحد الخصمين قبل أن يسمع من الآخر .

8- عتاب الله سبحانه وتعالى لسليمان عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ . قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾

ص: ٣4- 35

أنَّ الله تعالى منح سليمان ولدًا فكان شديد التعلُّق به فكان يخشى عليه أنْ يموت فيفتجع بفقده ، فأراد الله تعالى أنْ يمتحن سليمان في صبره على فقد أعزِّ ما عنده ويمتحن مقدار تسليمه لقضاء الله ورضاه بقدره، فدون سابق إنذارٍ وجد ولده جثَّةً هامدة مُلقاةً على كرسيِّ ملكِه، فهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ﴾ فهو بمعنى ابتلينا وامتحنا صبر سليمان وذلك بقبض روح ولده والذي كان يُشفقُ عليه من الموت ويحرصُ على بقائه، فرغم أنَّ هذا البلاء من شأنه أنْ يبعث عند سائر الناس على الجزع والسخط لكنَّه لم يترك هذا الأثر في نفس سليمان (ع) بل كان تأثير هذا البلاء هو أنَّه قاد نبيَّ الله سليمان (ع) إلى المراجعة والإلتفات إلى أنَّ هذا النحو من التعلُّق ليس محمود العواقب فقد يُفضي بالإنسان إلى أنْ يُشفق من قضاء الله فلا تكون إرادته ورغبتُه واقعةً في سياق إرادة الله تعالى لذلك آب إلى ربِّه واستغفر. فهو لم يسلِّم بقضاء الله وقدره فحسب بل إنَّ هذا البلاء قد قاده إلى الالتفات إلى أنَّ ما كان عليه من التعلُّق الشديد بولده لم يكن ممَّا ينبغي لمثله الوقوع فيه، وهذا هو منشأ استغفاره وأوبته، فإنَّ الأنبياء يستغفرون من مخالفة الأولى.

ونوع هذا العتاب عتاب تنبيهي حتى لايقع فيه مرة أخرى ،لذلك لما استغفره سليمان

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ . فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ . وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ . وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ . هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ . وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ ﴾

ص:35-40

9- عتاب الله سبحانه وتعالى ليونس –عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾

الأنبياء: 87

واذكر قصة صاحب الحوت، وهو يونس بن مَتَّى عليه السلام، أرسله الله إلى قومه فدعاهم فلم يؤمنوا، فتوعَّدهم بالعذاب فلم ينيبوا، ولم يصبر عليهم كما أمره الله، وخرج مِن بينهم غاضبًا عليهم، ضائقًا صدره بعصيانهم، وظن أن الله لن يضيِّق عليه ويؤاخذه بهذه المخالفة، فابتلاه الله بشدة الضيق والحبس، والتقمه الحوت في البحر، فنادى ربه في ظلمات الليل والبحر وبطن الحوت تائبًا معترفًا بظلمه؛ لتركه الصبر على قومه، قائلا: لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين.

قال الله تعالى:

﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ  وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

الأنبياء: 88

فاستجبنا له دعاءه، وخلَّصناه مِن غَم هذه الشدة، وكذلك ننجي المصدِّقين العاملين بشرعنا.

10- عتاب الله سبحانه وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم

عاتب الله سبحانه نبيه في خمسة مواضع من كتابه ، وهي

1- حادثة ابن أم مكتوم

من أوضح ما جاء من العتاب في القرآن قوله تعالى يعاتب رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد جاءه أحد المسلمين يسأله في أمور الدين، وهو الصحابي عبد الله بن أم مكتوم، وكان الرسول ساعتئذٍ صلى الله عليه وسلم في حديث مع طائفة من المشركين مؤملًا أن يفضى به الحديث إلى إيمانهم، فلم يعن بأمر هذا المسلم السائل، بل أعرض عنه عابسًا .

قال الله تعالى :

 ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ . أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ . وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ . أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَىٰ . أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ . فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّىٰ . وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ . وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَىٰ . وَهُوَ يَخْشَىٰ . فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ  كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ. فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ  ﴾

عبس: ١-١2

ظهر التغير والعبوس في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعرض لأجل أن الأعمى عبد الله بن أم مكتوم جاءه مسترشدا، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم منشغلا بدعوة كبار قريش إلى الإسلام. وأيُّ شيء يجعلك عالمًا بحقيقة أمره؟ لعله بسؤاله تزكو نفسه وتطهر، أو يحصل له المزيد من الاعتبار والازدجار. أما مَن استغنى عن هديك، فأنت تتعرض له وتصغي لكلامه، وأي شيء عليك ألا يتطهر من كفره؟وأمَّا من كان حريصا على لقائك، وهو يخشى الله من التقصير في الاسترشاد، فأنت عنه تتشاغل. ليس الأمر كما فعلت أيها الرسول، إن هذه السورة موعظة لك ولكل من شاء الاتعاظ.

2- تحريم ما أحل الله له

فهذا عتاب من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، حين حرم على نفسه شيء حلال  ؛ مراعاة لخاطر بعض زوجاته .

قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ  ﴾

التحريم: ١

يا أيها النبي لِمَ تمنع نفسك عن الحلال الذي أحله الله لك، تبتغي إرضاء زوجاتك؟ والله غفور لك، رحيم بك.

3- الزواج من زينب رضي الله عنها

فهذا عتاب من الله تعالى له صلى الله عليه وسلم أنه أخفى ما سيبديه ربه تعالى، وأنه خشي من المنافقين وأهل السوء أن يطعنوا فيه عندما يتزوج من مطلقة ابنه بالتبني!

قال الله تعالى :

﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴾

الأحزاب: ٣٧

وإذ تقول – أيها النبي- للذي أنعم الله عليه بالإسلام -وهو زيد بن حارثة الذي أعتقه وتبنَّاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم- وأنعمت عليه بالعتق: أَبْقِ زوجك زينب بنت جحش ولا تطلقها، واتق الله يا زيد، وتخفي -يا محمد- في نفسك ما أوحى الله به إليك من طلاق زيد لزوجه وزواجك منها، والله تعالى مظهر ما أخفيت، وتخاف المنافقين أن يقولوا: تزوج محمد مطلقة متبناه، والله تعالى أحق أن تخافه، فلما قضى زيد منها حاجته، وطلقها، وانقضت عدتها، زوجناكها؛ لتكون أسوة في إبطال عادة تحريم الزواج بزوجة المتبنى بعد طلاقها، ولا يكون على المؤمنين إثم وذنب في أن يتزوجوا من زوجات من كانوا يتبنَّوْنهم بعد طلاقهن إذا قضوا منهن حاجتهم. وكان أمر الله مفعولا لا عائق له ولا مانع.

4- التجاوز عن المتخلفين عن غزوة تبوك

عاتب الله نبيه صلى الله عليه وسلم في قبوله لأعذار المنافقين، وإذنه لهم بالتخلف عن غزوة تبوك .

قال الله تعالى :

﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ . لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ  وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ  ﴾

التوبة: ٤٣- 44

عفا الله عنك -أيها النبي- عمَّا وقع منك ، وهو إذنك للمنافقين في القعود عن الجهاد، لأي سبب أَذِنْتَ لهؤلاء بالتخلف عن الغزوة، حتى يظهر لك الذين صدقوا في اعتذارهم وتعلم الكاذبين منهم في ذلك؟ . ليس من شأن المؤمنين بالله ورسوله واليوم الآخر أن يستأذنوك -أيها النبي- في التخلف عن الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال، وإنما هذا من شأن المنافقين. والله عليم بمن خافه فاتقاه بأداء فرائضه واجتناب نواهيه.

5- الصلاة على المنافقين

عاتب الله نبيه صلى الله عليه وسلم في استغفار الرسول- للمنافقين و الصلاة عليهم

قال الله تعالى :

﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ  ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾

التوبة: ٨٠

استغفر – أيها الرسول- للمنافقين أو لا تستغفر لهم، فلن يغفر الله لهم، مهما كثر استغفارك لهم وتكرر؛ لأنهم كفروا بالله ورسوله. والله سبحانه وتعالى لا يوفق للهدى الخارجين عن طاعته.

قال الله تعالى :

﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾

التوبة ٨٤

ولا تصلِّ – أيها الرسول- أبدًا على أحد مات من المنافقين، ولا تقم على قبره لتدعو له؛ لأنهم كفروا بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وماتوا وهم فاسقون. وهذا حكم عام في كل من عُلِمَ نفاقه. فجعلها صلى الله عليه وسلم خاتمة عمله في هذه المسألة أن لا يصلي على من علم نفاقه وكفره وضرره على الإسلام والمسلمين.

إن من يمعن النظر في الأقوال والأعمال التي عوتب عليها الأنبياء صلوات الله عليهم يجدها لا تخرج عن دائرة الأقوال والأفعال التي تدخل في دائرة الاجتهاد وورود الاحتمالات عليها .

ثانيا – عتاب الله سبحانه وتعالى للمؤمنين

عاتب الله سبحانه عباده المؤمنين في الأمور العظيمة كقسوة القلوب، والمساس ببيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم فحذرهم من العودة إلى مثل هذا الفعل .

1- العتاب في حديث الإفك

وفي حديث الإفك يعاتب الله سبحانه وتعالى المؤمنين ، حين سمعوا هذا الافتراء على عائشة زوجة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم ينفوا هذه التهمة ـ وكان أولى بهم أن يظنوا الخير فيها ـ وهي زوجة نبيهم .

قال الله تعالى :

( لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ .  لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ  )

النور 12- 13

والله تعالى أمرهم أن لا ينشروا أمثال هذه الافتراءات ، بل عليهم أن يسألوا المفترين الطاعنين عن أربعة شهداء ، يشهدون أنهم رأوا رأي العين ما افترَوه على السيدة عائشة ، وإلا فهم كاذبون ، والله تعالى يشهد على كذبهم .

2- العتاب لترك رسول الله قائماً على

المنبر لطلب اللهو و التجارة

قال الله تعالى :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .  وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا.  قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ )

الجمعة: 9 ـ 11

إذا رأى بعض المسلمين تجارة أو شيئًا مِن لهو الدنيا وزينتها تفرَّقوا إليها، وتركوك -أيها النبي- قائمًا على المنبر تخطب، قل لهم- أيها النبي-: ما عند الله من الثواب والنعيم أنفع لكم من اللهو ومن التجارة، والله- وحده- خير مَن رزق وأعطى، فاطلبوا منه، واستعينوا بطاعته على نيل ما عنده من خيري الدنيا والآخرة. فكانت هذه الآية عتاباً مرشداً ، وتأنيباً خفيفاً مناسباً ، يعلّم المسلمين ملازمة الخير الأبدي والفضل الدائم .

3- العتاب للتخلف عن

القتال في سبيل الله

إن الله سبحانه عاتب من تخلف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك حين طابت الثمار والضلال وقد كانت هذه الغزوة في شدة الحر والقيظ، فأنزل الله قرآنا يعاتب فيه المؤمنين،

قال الله تعالى :

 ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ . إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )

التوبة: 38- 39

4- العتاب للتشبه بأهل الكتاب

نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى. . . لما تطاول عليهم الزمن بدّلوا كتاب الله الذي بين أيديهم ، ونبذوه وراء ظهورهم واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ، فعند ذلك قست قلوبهم ، فلا يقبلون موعظة ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد ، فعاتبهم قائلاً : أما حان للمؤمنين أن ترق قلوبهم وتلين لمواعظ الله ، ولما نزل به الكتاب من الآيات الواضحة  .

قال الله تعالى :

 ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ  فَاسِقُونَ  )

الحديد: 16

ثالثا – عتاب الله سبحانه وتعالى لأهل الكتاب

عتاب الله سبحانه للحواريين

قال الله تعالى :

( ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ  وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾

الحديد:27

هذه الآية عتاب للحواريين الذين أعطوا رأفة ورحمة ورهبانية أرادوا بها عبادة الله والتقرب إليه بها ولكنهم لم يحافظوا على هذه الرهبانية وما قاموا مما التزموه حق القيام، بل ضيعوها .

رابعا – عتاب الله سبحانه وتعالى للكافرين

قال الله تعالى :

﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾

النساء:54

بل أيحسدون محمدًا صلى الله عليه وسلم على ما أعطاه الله من نعمة النبوة والرسالة، ويحسدون أصحابه على نعمة التوفيق إلى الإيمان، والتصديق بالرسالة، واتباع الرسول، والتمكين في الأرض، ويتمنون زوال هذا الفضل عنهم؟ فقد أعطينا ذرية إبراهيم عليه السلام -من قَبْلُ- الكتب، التي أنزلها الله عليهم وما أوحي إليهم مما لم يكن كتابا مقروءا، وأعطيناهم مع ذلك ملكا واسعا.

Share This