1- مفهوم الظن

الظن هو درجة من درجات العلم، فهو فوق الشك، ودون اليقين .

قال اللَّهِ تعالى:

( وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ )

الجاثية32

وإذا قيل لكم: إن وعد الله ببعث الناس من قبورهم حق، والساعة لا شك فيها، قلتم: ما ندري ما الساعة؟ وما نتوقع وقوعها إلا توهمًا، وما نحن بمتحققين أن الساعة آتية.

فالظن ميل النفس إلى أحد معتقدين متخالفين، دون أن يكون ميلها بحجة ، ولا برهان.

2- كلمة ظن

    في

القرآن الكريم

وردت كلمة (ظن) وصيغها  في القرآن الكريم (٩٦) مرة  . والصيغ التي وردت، هي:

– الإفراد

وردت ٢٦ مرة

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا ﴾

الجن:٧

– التثنية

وردت ١٥ مرة

قال الله تعالى:

﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ﴾

المطففين:٤

– الجمع

وردت ٢١ مرة

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾

النجم:٢٨

– الصفة المشبهة

وردت  مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ﴾

الفتح:٦

وقد ورد لفظ الظن في القرآن الكريم على عدة معان هى ..

1- الظن بمعنى اليقين

قال اللَّهِ تعالى:

( قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ )

البقرة  249

 ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ. إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ )

الحاقة  19-20

الظن هنا بمعنى العلم واليقين

2- الظن بمعنى الشك

قال اللَّهِ تعالى:

( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ )

البقرة78

أي: يشكون

3- الظن بمعنى التهمة

قال اللَّهِ تعالى:

(وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ  )

الفتح  6

أي: يتهمون الله في حكمه

4- الظن بمعنى التوهم

قال اللَّهِ تعالى:

 ( وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ  )

الجاثية32

أي: ما نعلم ذلك إلا حدساً وتوهماً

5- الظن بمعنى الحسبان

قال اللَّهِ تعالى:

( وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا )

يونس 24

 (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ )

القصص 39

وظنوا: أي حسبوا

6- الظن بمعنى التوقع الصائب

توقع إبليس ضلال معظم البشر

قال اللَّهِ تعالى:

( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ )

سبأ :20

وصدق ظنُّه أو توقعه.

7- الظن بمعنى التوقع الخاطئ

قال اللَّهِ تعالى:

( إن الظن لا يغني من الحق شيئا )

يونس36

أريد بالظن: الاعتقاد الخطأ

وعلى ضوء ما تقدم من معانى الظن في القرآن الكريم، يتبين أن السياق العام للآيات هو الذي يقود إلى تحديد المعنى المراد من لفظ (الظن)

3- كلمات ذات الصلة

  بكلمة ظن

– الشك

الشك هو التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشاك، وهو خلاف اليقين .

– اليقين

اليقين هو العلم بالشيء عن نظر و استدلال، و زوال الشك.

– الحسبان

الحسبان هو التوقَّعً والآنْتظَارلحدوث شيء .

– العلم

العلم هو الاعتقاد الراجح المانع من النقيض ، وهو نقيض الجهل

– الوهم

الوهم هو اعتقاد خاطئ مبني على تفسيرات غير صحيحة للواقع .

4- أنواع الظن

        في

  القرآن الكريم

تتنوع الظنون في القرآن الكريم ، وفيما يلي بيان لها

أولًا: الظن الحسن

الظن الحسن هو ترجيح لاحتمال الخير على احتمال الشر، سواء أكان ذلك في ذات الله أم بين الناس.

أ- حسن الظن بالله

– تعريفه

حسن الظن بالله هو أنْ يوقنَ العبدُ بربّه عز وجلّ خيراً ورحمةً وإحساناً في كل ما يقعُ عليه من أفعالٍ وأقدارٍ في الدنيا والآخرة  ، في هدايته، في رزقه، في صلاح ذريته، في إجابة دعائه، في مغفرة ذنبه ، في كل شيء.

– مواطن حسن الظن بالله

ينبغي للمؤمن أن يحسن ظنه بالله في كل موطن وحال، فإنما نحن بالله، ولا حول ولا قوة لنا إلا به ، ومن أشقى ممن وكله الله إلى نفسه ، وأيُّ هلاكٍ ينتظره ، ويتأكد حسن الظن بالله في مواطن، منها:

1- عند الأزمات والملمات

مثل تقلب الأمور، وغلبة الديون، وضيق العيش ومثل ذلك . وقد ذكر القرآن حال الأنبياء في حال الشدائد العصيبة من حسن ظنهم بربهم ويقينهم وثقتهم بوعده، عقيدة راسخة وليست خواطر عابرة..

– عن قول موسى عليه السلام لقومه

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ . قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ . فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ . وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ . وَأَنْجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ . ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ . إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

الشعراء: 61 – 67

– عن قول يعقوب عليه السلام لبنيه

في قصة يعقوب عليه السلام وفقده الطويل ليوسف، وأمله الكبير في لقاءه

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾

يوسف:٨٧

فلم ييأس من روح الله، بل أحسن الظن وعلّق كل ثقته به سبحانه في أنه سيردهم له، ويقر عينه بالاجتماع بهم، على الرغم مما يتعرض له من المصائب المتتالية.

– عن نبينا صلوات ربي وسلامه عليه

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

التوبة:٤٠

فقد أيده الله ونصره يوم أخرجه الكفار من مكة ، وهو ثاني اثنين  وألجؤوهما إلى نقب في جبل ثور بمكة، إذ يقول لصاحبه لما رأى منه الخوف: لا تحزن إن الله معنا بنصره وتأييده، فأنزل الله الطمأنينة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعانه بجنود لم يرها أحد من البشر وهم الملائكة، فأنجاه الله من عدوه وأذل الله أعداءه، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى. وكلمةُ الله هي العليا،، ذلك بإعلاء شأن الإسلام.

2- عند الدعاء

من كانت علاقته بالدعاء قوية هانت عليه المصائب، وتيسرت له السبل، وبورك له في كل شيء يسلكه .

– عن دعاء زَكَرِيَّا عليه السلام

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾

الأنبياء: 89 – 90

– عن يونس عليه السلام

كان قوي الثقة بأن الله لن يضيق عليه في شدته، فحقق الله ما أمّله، ونجاه من همه، وأزال غمه.

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ  وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

الأنبياء:٨٧ -88

3- عند التوبة

يوقن المسلم بسعة رحمة الله، وأنه يقبل التوبة عن عباده وأنه يعفو عن السيئات.

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

الأنعام: 54

فلا يقنط من رحمة الله تعالى وسعة كرمه؛ فإن في القنوط سوء ظن بالله تعالى، وهو أمر محرم.

قال الله تعالى:

 ﴿ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾

الحجر: 56

ب – حسن الظن بالخلق

وكما أنه يجب إحسان الظن بالخالق فكذلك الخلق، لا يظن بهم إلا خيرًا، وأن يحمل ما يصدر منهم على أحسن الوجوه، وإن بدا ضعفها، تغليبًا لجانب الخير على جانب الشر. والله سبحانه قد وجّه عباده بالتثبت، ونهى عن تصديق الوهم، والأخذ بالحدس والظن .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾

الإسراء:٣٦

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾

الحجرات:٦

فالأصل في الإنسان العاقل أن يبني أحكامه ومواقفه على العلم.

ثانيًا: الظن السيئ

1- تعريفه

الظن السيئ هو حمل التصرفات من  أقوال وأفعال ، على محامل السوء والشكوك ، وترجيحه على جانب الخير.

2- النهي عنه

قال الله تعالى:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ )

الحجرات : 12

قال تعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله؛ لأن بعض ذلك يكون إثمًا محضًا، فليجتنب كثير منه احتياطًا

قال الله تعالى:

 ( وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا )

النجم 28

يؤكّد الله تعالى في هذه الآية أنّ الظنّ لا يُجدي شيئاً، ولا يقوم أبداً مقام الحق.

3- أنواعه

أ – سوء الظن بالله

– تعريفه

ظن السوء هو ظن غير ما يليق به سبحانه، وما يليق بحكمته وحمده ووعده الصادق.

ـ مواطن الظن السىء بالله

1- بإنكار الحكمة

ظنهم السىء بأن الله تعالى خلق السماوات والأرض عبثا وباطلا

قال اللَّهِ تعالى:

( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ النَّارِ )

ص27

– ظن النقص بالله تعالى

قال اللَّهِ تعالى:

( وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ  )

فصلت22 – 23

ولكن ظننتم بارتكابكم المعاصي أن الله لا يعلم كثيرًا من أعمالكم التي تعصون الله بها.

– الظن المكذّب بالدين

وذّلك بتقليد الأسلاف في كفرهم

قال اللَّهِ تعالى:

( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ )

الأنعام :116

ما يسيرون إلا على ما ظنوه حقًّا بتقليدهم أسلافهم، وما هم إلا يظنون ويكذبون.

ـ الظن المكذّب بالبعث

عن فرعون و جنوده

قال اللَّهِ تعالى:

( وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ )

القصص 39

2- سوء الظن بالأنبياء

– عن النبى هود عليه السلام

قال اللَّهِ تعالى:

( قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنْ الْكَاذِبِينَ )

الأعراف :66

– عن النبى نوح عليه السلام

قال اللَّهِ تعالى:

( فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ )

هود:27

– عن النبى شعيب عليه السلام

قال اللَّهِ تعالى:

( وَمَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ )

الشعراء:186

– عن قول فرعون تكذيبا لموسى عليه السلام

قال اللَّهِ تعالى:

 ( فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ )

القصص 38

3- سوء الظن بالمسلمين

وهو أن يظن المسلم بأخيه المسلم شراً ويضع سوء الظن في كل تصرفاته وأقواله وفي هذا فقدان الثقة في الجميع وانهيار للمجتمع الإسلامي.

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾

الحجرات:١٢

يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من ظن السوء بالمؤمنين؛ إن بعض ذلك الظن إثم،

5- الظن بين

اليقين و الوهم

الظن وسط بين اليقين والوهم ، وهنا سوف نوضح ذلك

أولا – الظن اليقيني

قد يعبر بالظن عن اليقين فالظن يقع موقع اليقين في الأمور المحققة ، وعندما نتتبع الآيات التي ورد فيها الظن بمعنى اليقين في كتاب الله نجد أنه في معناه أقوى من اليقين فهو علم مالم يعاين؛ بدليل أن ما بعده لا يحتمل الشك أبدًا أو تشوبه ريبة في صحته؛ لأنه من ثوابت العقيدة التي لا مجال فيها للشك والارتياب.

وقد ذكر القرآن صورًا لهذا الظن اليقيني منها:

1- ملاقاة الله

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾

البقرة:٤٦

﴿ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ  وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾

البقرة:٢٤٩

نلحظ ورود فعل الظن فيها جزءًا من سياق الحديث عن عقيدة البعث واستقرارها في نفوس المؤمنين . الَّذِينَ يعلمون أنه لا بد من لقاء الجزاء؛ فيعملون على حسب ذلك.

2- ملاقاة الحساب

إن المؤمن يوقن ويعلم أن الموت ليس نهاية المطاف؛ بل بعده أمور جسام وهو على يقين أن الله يبعث هذه الأجساد من قبورها للعرض والحساب في يوم القيامة .

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ . إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ . فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ﴾

الحاقة :٢٠- 22

أي علمت أني ملاقٍ حسابية لا محالة .

3- وقوع العذاب يوم القيامة

ومن الآيات التي ورد فيها ظن وقوع العذاب يوم القيامة

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا ﴾

الكهف:٥٣

﴿ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ . تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ﴾

القيامة: 24 – 25

﴿ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ﴾

فصلت: ٤٨

4- حصول الهلاك

إذا تتبعنا الآيات التي جاء فيها ظن الهلاك وجدنا أن الظن فيها يقينيًا

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

ألأعراف:١٧١

فبنو إسرائيل لما رأوا الجبل فوقهم أيقنوا أنه سيقع عليهم؛ لأن الجبل لا يثبت في الجو .

5- اللجوء إلى الله

من الآيات التي تبيّن هذا المعنى

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ . وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا  إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾

التوبة:١١٧-١١٨

إن لفظ الظن في هذه الآيات ورد في أمر من الأمور الثابتة في عقيدة المسلم مما يؤكد أنه ظن يقيني .

6- لحظة الفراق ( الموت ﴾

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ . وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ . وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ﴾

القيامة: 26 – 28

فسر الظن بمعنى اليقين؛ لأنه إن كانت الروح قد بلغت التراقي واستبعد وجود الراقي، فلا بد أن الإنسان في هذه الحال قد أدرك بل علم واستيقن أنها آخر ساعة وهي ساعة الفراق

ثانيًا – أوهام مظنونة

الاعتقادات التي لم يقم عليها أي دليل، هي ظنون مجردة من العلم، قائمة على الهوى، مخالفة للشرع، وكلها أوهام؛ وفيما يلي صورًا منها في القرآن:

1- عدم قيام الساعة

الحياة في نظر المشركين هي ما يرونه في الدنيا رأي العين، جيل يموت وجيل يحيا وفي ظاهر الأمر لا تمتد إليهم يد بالموت، إنما هي الأيام تمضي، والدهر ينطوي فإذا هم أموات، فالدهر إذن هو الذي ينهي آجالهم، ويلحق بأجسامهم الموت فيموتون

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾

الجاثية: ٢٤

﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾

المؤمنون: ٣٧

وقد رد الله عليهم ظنهم وزعمهم الباطل بأن هذا يسيرٌ عليه سبحانه

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾

التغابن:٧

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ . بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾

القيامة:٣ -٤

2- دوام الدنيا ونعيمها

هذه الدنيا التي يستغرق فيها بعض الناس، ويضيعون الآخرة كلها لينالوا منها بعض المتاع، ظانين دوامها؛ لا أمن فيها ولا اطمئنان، ولا ثبات فيها ولا استقرار، ولا يملك الناس من أمرها شيئًا إلا بمقدار. وقد ضرب سبحانه المثل لحالها بسرعة تقضيها وزوال نعيمها .

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

يونس: ٢٤

لقد بين الله لنا حقيقة الدنيا، بتقريب المعاني إلى الأذهان، وضرب الأمثال وهي نافعة لمن أعمل فكره وعقله وهداه الله، وأما الغافل المعرض، فهذا لا تنفعه الآيات، ولا يزيل عنه الشك البيان، بل يتعلق بأوهام ظانًا دوام هذه الدنيا، وأن نعيمها لن يزول.

3- الشك في قدرة الله

إن الإيمان بكمال الله وقدرته على كل شيء من أمور العقيدة التي لا بد أن تبنى على اليقين، فهذا الخلق العظيم يحمل دلالة طلاقة قدرة الله تعالى الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. إلا أن بعض الناس قد ساقهم كبرياؤهم و ظنونهم السيئة إلى التعالي على الله والشك في قدرته سبحانه حتى على أنفسهم

– في يهود بني النضير

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾

الحشر: ٢

حينما ظنوا أن حصونهم ستمنعهم من الله، لحصانتها ومنعتها وعزهم فيها، وحسبوا أنه لا يقدر عليها أحد، وقدر الله تعالى وراء ذلك كله، لا تغني عنه الحصون والقلاع، ولا تجدي فيهم القوة والدفاع.

4- عدم نصر الله لأنبيائه وأوليائه

لا يتمّ للعبد إيمان ولا توحيد حتى يعتقد جميع ما أخبر الله به ، وما وعد به من نصر الدين وإحقاق الحق وإبطال الباطل، فاعتقاد هذا من الإيمان، وطمأنينة القلب بذلك من الإيمان. وكل ظن ينافي ذلك فإنه من ظنون الجاهلية النافية للتوحيد؛ لأنها سوء ظن بالله، ونفي لكماله وتكذيب لخبره، وشك في وعده.

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴾

الأحزاب: ١٢

وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم شك، وهم ضعفاء الإيمان: ما وعدنا الله ورسوله من النصر والتمكين إلا باطلا من القول وغرورًا، فلا تصدقوه.

ولقد رد سبحانه على من كان يظن أنه لا ينصر رسله، وأن دينه سيضمحل

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾

إبراهيم: ٤٧

﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ . يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾

غافر:٥١-٥٢

5- عدم علم الله لما يسرون

قد أنكر الله في كتابه من ظن ذلك الظن

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾

الزخرف:٨٠

﴿ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ ﴾

فصلت:٢٢

6- كذب الرسل

فما من نبي دعا قومه إلى الله إلا وجاءهم ببينّة على صدقه في دعواه من حجة عقلية وآية كونية. فمن شكّ أو ظنّ في صدق الرسل وبما جاؤوا به فقد أساء الظن بالله وبرسله إساءة تورده الهلاك في الدنيا والآخرة.

– عن قوم هود

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾

الأعراف:٦٦

– عن قوم صالح عليه السلام

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾

هود:٦٢

– قوم شعيب عليه السلام

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ . وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ . فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾

الشعراء:١٨٥-١٨٧

– قوم موسى عليه السلام

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ﴾

هود:١١٠

قد تشابهت أقوالهم في تكذيب الرّسل؛ لأنّ ضلالة المكذّبين متّحدة، وشبهاتهم متّحدة ؛ فكأنّهم لقّن بعضهم بعضًا

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ . أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾

الذاريات :52 – 53

6 – آثار الظن

أولًا: آثار حسن الظن

1- المبادرة بالتوبة إلى الله

إذا أحسن العبد ظنه بربه؛ فإنه يسعى للمبادرة إلى طلب عفوه، ورحمته، ورجائه، ومغفرته ، حسن الظن بالله من أقوى ما يدفع به القنوط؛ فالمؤمن حين يصيبه الغم والهم من ذنب اقترفه، يعلم بحسن ظنه أنه لا يغفر الذنوب إلا الله فيبادر بالتوبة .

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ . فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ  وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ ﴾

ص:٢٤ – 25

ولاشك أن نبي الله داود عليه السلام كان حسن الظن بالله تعالى حينما أيقن أنه سبحانه سيغفر له ذنبه، فبادر عليه السلام في الإنابة له والاستغفار .

2- حسن العمل

إنّ من أحسن الظن أحسن العمل.

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ . الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾

البقرة:٤٥-٤٦

ومن أحسن الظن بربه فأيقن صدق وعده، وتمام أمره، اجتهد في العمل لهذا الدين العظيم، فالعبد إنّما يحمله على حسن العمل حسن ظنه بربه أن يجازيه على أعماله ويثيبه عليها ويتقبلها منه.

3- الشعور بالطمأنينة

إنّ المؤمن حين يحسن الظن بربه لا يزال قلبه مطمئنًا ونفسه آمنة تغمرها سعادة الرضا بقضاء الله وقدره وخضوعه لربه سبحانه.

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ  وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾

البقرة : 249

4- النجاة من الشدائد

لن يجد المؤمن في أوقات الشدة مثل حسن الظن بالله؛ ينير له طريق الأمل والثبات والغلبة، فالذي يحسن الظن بربه-وخاصة في الملمات- يعلم أنه سبحانه لن يضيعه مهما طال الوقت، و بذلك لن يكون أمامه إلا الصبر ليظفر بالنصر.

– نبي الله يونس عليه السلام

كان حسن الظن بالله، وهو في أحلك أوقات الحرج والضيق، فكان له من حسن ظنه مخرج من ضيقه، ونجاة من حرجه، ويسر من عسره، وفرج من كربته .

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

الأنبياء:٨٧- 88

ثانيا – آثار سوء الظن

1- الوقوع في العقوبة والإثم

لا شك أن سوء الظن بالناس في حقيقته إيذاء للمظنون بهم. ثم إنه قد يؤدي سوء الظن بصاحبه حين يريد أن يتحقق أو يتأكد من صحة ما ظن أن يقع في سلسلة طويلة من المعاصي والسيئات من غيبة وتجسس ونحوه

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ  وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ  وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾

الحجرات:١٢

فالإثم هو الذنب الذي يستحق فاعله العقوبة عليه، فإن بقاء ظن السوء بالقلب، لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك، بل لا يزال به، حتى يقول ما لا ينبغي، ويفعل ما لا ينبغي.

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾

الأحزاب: ٥٨

3- الخسارة

يالخسارة من وقع في الأوهام والظنون السيئة؛ لقد أردتهم تلك الظنون وجعلتهم يخسرون كل شيء حتى أنفسهم، وسوف يخسرون منازلهم في الجنة يرثها عنهم المؤمنون، ويرثون هم المؤمنين منازلهم في النار ذلك هو الخسران المبين.

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ . وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

فصلت: ٢٢-٢٣

﴿ فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

الأعراف:٣٠

وبيّن سبحانه أنهم بسبب ذلك الظن هم أخسر الناس أعمالًا

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾

الكهف: ١٠٣-١٠٤

4- الوقوع في الهاوية والعذاب الشديد

من أعظم الذنوب عند الله إساءة الظن به ؛ ولهذا توعد الله سبحانه الظانّين به ظن السوء بما لم يتوعد به غيرهم.

قال اللَّهِ تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴾

ص:٢٧

﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾

الفتح: ٦

فدائرة السوء والعذاب تحيط بهم من كل جانب في الدنيا والآخرة، إضافة إلى غضب الله، ولعنته، واستحقاق جهنم.

 

 

Share This