1- مفهوم الظلمات

الظلمات هي غياب النّور من الأفق، أو المكان ، أو الأمر. وهي ضدّ النّور

قال الله تعالى:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴾

الأنعام 1

( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ )

البقرة 257

2- كلمة الظّلمات

         في

  القرآن الكريم

الاستعمال القرآني

وردت كلمة (ظلم) وصيغها في القرآن الكريم (٢٦) مرة. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد  مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا  ﴾

البقرة:٢٠

– اسم الفاعل

ورد  مرتين

قال الله تعالى:

﴿ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا ﴾

يونس:٢٧

– الجمع

ورد 23 مرة

قال الله تعالى:

﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ ﴾

البقرة:١٧

وجاءت الظّلمات في الاستعمال القرآني على أربعة أوجه:

1- أهوال البر والبحر

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾

الأنعام:٦٣

يعني: أهوال البرّ والبحر.

2- الظّلمات المعروفة

وهي ضد النور

قال الله تعالى:

﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ﴾

الزمر:٦

يعني: ظلمة البطن والرّحم والمشيمة.

3- الشرك

قال الله تعالى:

﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور ﴾ 

البقرة:٢٥٧

يعني: من الشرك إلى الإيمان.

4- الليل

قال الله تعالى:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴾

الأنعام:١

يعني: جعل الليل والنهار.

3- الكلمات ذات الصلة

   بكلمة الظّلمات

– النور

النورهو الضّوء المنتشر الذي يعين على الإبصار

قال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا ﴾

نوح: 16

– الضياء

الضياء هو ما انتشر من الأجسام النّيّرة

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً ﴾

يونس: 5

– الليل

هو الظلام الذي تبتدئ فترته الزّمنيّة من غروب الشمس إلى طلوعها.

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ﴾

يونس: 67

4 – ثنائية الظلمات والنور

ثنائيات الظلمات والنور في القرآن الكريم تخص ، ما يأتي :

أ- الله تعالى جعل

الظلمات والنور

قال الله تعالى:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴾

الأنعام:١

ب – الظلمات والنور

يعني الكفر والايمان

قال الله تعالى:

﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾

إبراهيم 1

كل ما في القرآن من الظلمات والنور يعني الكفر والايمان إلا في الآية الاولى من سورة الانعام فالمراد بها الليل والنهار .

ج- جمعت الظلمات وافرد النور

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ﴾

الرعد ١٦

لان النور عبارة عن الحق ، والحق واحد ، والباطل له وجوه كثيرة .

د- العلاقة بين الظلمات والنور علاقة عكسية

قال الله تعالى:

﴿ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾

الطلاق ١١

فالخروج من الظلمات يعني الدخول في النور ، والابتعاد عن الظلمات يعني الاقتراب من النور .

و- الله تعالى يخرج الناس من الظلمات الى النور

قال الله تعالى:

( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ )

البقرة:257

ان الله تعالى يخرج الناس من الظلمات الى النور رحمة بهم وقد ارسل رسله – عليهم السلام – لهذه الغاية .

قال الله تعالى:

( وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )

المائدة :16

ان الله تعالى يخرج الناس من الظلمات الى النور بتوفيقه .

5- أقسام الظلمات

       في

  القرآن الكريم

تنقسم الظلمات إلى ظلمات حسية وظلمات معنوية، نتناول بيانها فيما يأتي:

أولًا: الظلمة الحسية

1- ظلمات البر والبحر

قال الله تعالى:

﴿ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾

النمل: ٦٣

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾

الأنعام: ٩٧

﴿ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾

الأنعام: ٦٣

2- ظلمات البطون

قال الله تعالى:

﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ﴾

الزمر: ٦

يخلقكم في بطون أمهاتكم طورًا بعد طور من الخلق في ظلمات البطن، والرحم، والمَشِيمَة، ذلكم الله الذي خلق هذه الأشياء، ربكم المتفرد بالملك المتوحد بالألوهية المستحق للعبادة وحده، فكيف تعدلون عن عبادته إلى عبادة غيره مِن خلقه؟

3- ظلمات بطن الحوت

قال الله تعالى:

﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾

الأنبياء: ٨٧

واذكر قصة صاحب الحوت، وهو يونس بن مَتَّى عليه السلام، أرسله الله إلى قومه فدعاهم فلم يؤمنوا، فتوعَّدهم بالعذاب فلم ينيبوا، ولم يصبر عليهم كما أمره الله، وخرج مِن بينهم غاضبًا عليهم، ضائقًا صدره بعصيانهم، وظن أن الله لن يضيِّق عليه ويؤاخذه بهذه المخالفة، فابتلاه الله بشدة الضيق والحبس، والتقمه الحوت في البحر، فنادى ربه في ظلمات الليل والبحر وبطن الحوت تائبًا معترفًا بظلمه؛ لتركه الصبر على قومه، قائلا: لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين.

4- ظلمات السحاب

قال الله تعالى:

﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾

النور: ٤٠

أو تكون أعمالهم مثل ظلمات في بحر عميق يعلوه موج، من فوق الموج موج آخر، ومِن فوقه سحاب كثيف، ظلمات شديدة بعضها فوق بعض، إذا أخرج الناظر يده لم يقارب رؤيتها من شدة الظلمات، فالكفار تراكمت عليهم ظلمات الشرك والضلال وفساد الأعمال. ومن لم يجعل الله له نورًا من كتابه وسنة نبيه يهتدي به فما له مِن هاد.

5- ظلمة الليل

أقسم سبحانه وتعالى بالليل عندما يغطي الأرض فيكون ما عليها مظلمًا،

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ﴾

الشمس: ٤

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ ﴾

الليل: ١

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ﴾

الضحى: ٢

وأقسم بالليل إذا سكن بالخلق، واشتد ظلامه

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ ﴾

القصص: ٧١

قل – أيها الرسول-: أخبروني -أيها الناس- إن جعل الله عليكم الليل دائمًا إلى يوم القيامة، مَن إله غير الله يأتيكم بضياء تستضيئون به؟ أفلا تسمعون سماع فهم وقَبول؟

ثانيًا: الظلمات المعنوية

العبد إذا سدّ أمام أذنه وعينه وقلبه أنوار الهدى، عاش في ظلمات الكفر والنفاق والجهل.

1- ظلمة الكفر والنفاق

قال الله تعالى:

﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ ﴾

البقرة: ١٧

حال المنافقين الذين آمنوا  ظاهرًا لا باطنًا ، ثم كفروا، فصاروا يتخبطون في ظلماتِ ضلالهم وهم لا يشعرون، ولا أمل لهم في الخروج منها، تُشْبه حالَ جماعة في ليلة مظلمة، وأوقد أحدهم نارًا عظيمة للدفء والإضاءة، فلما سطعت النار وأنارت ما حوله، انطفأت وأعتمت، فصار أصحابها في ظلمات لا يرون شيئًا، ولا يهتدون إلى طريق ولا مخرج.

قال الله تعالى:

﴿ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾

البقرة: ١٩

أو تُشْبه حالُ فريق آخر من المنافقين يظهر لهم الحق تارة، ويشكون فيه تارة أخرى، حالَ جماعة يمشون في العراء، فينصب عليهم مطر شديد، تصاحبه ظلمات بعضها فوق بعض، مع قصف الرعد، ولمعان البرق، والصواعق المحرقة، التي تجعلهم من شدة الهول يضعون أصابعهم في آذانهم؛ خوفًا من الهلاك. والله تعالى محيط بالكافرين لا يفوتونه ولا يعجزونه.

2- ظلمة الجهل

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

الأنعام: ٣٩

والذين كذبوا بحجج الله تعالى مثلهم في جهلهم، وقلّة علمهم، وعدم فهمهم، كمثل أصمّ، وهو الّذي لا يسمع، أبكم وهو الّذي لا يتكلّم، وهو مع هذا في ظلمات لا يبصر، فكيف يهتدي مثل هذا إلى الطريق؟ أو يخرج مما هو فيه؟. من يشأ الله إضلاله يضلله، ومن يشأ هدايته يجعله على صراط مستقيم.

6 – وسائل النجاة من الظلمات

هناك وسائل للنجاة من الظلمات حسب نوعها ، وهي

أولا – وسائل النجاة من الظلمات الحسية

بيّن القرآن وسائل النجاة من الظلمات الحسية، وسوف نتناولها بالشرح فيما يأتي:

1- ضوء النهار

أخبر سبحانه أنه جعل الشمس مصباحًا مضيئًا يستضيء به أهل الأرض .

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا ﴾

يونس: ٥

﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾

نوح: ١٦

أخبر سبحانه على نفوذ مشيئته، وكمال قدرته في إزالة الضياء الذي طبّق الأرض فيبدله ظلامًا، وكذلك يزيل الظلمة التي عمتهم وشملتهم فتطلع الشمس فتضيء الأقطار، وينتشر الخلق لمعاشهم ومصالحهم

2- النجوم

أخبر سبحانه أنه جعل للناس النجوم علامات، يعرفون بها الطرق ليلًا إذا ضلوا بسبب الظلمة الشديدة في البر والبحر

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾

الأنعام: ٩٧

والله سبحانه هو الذي جعل لكم أيها الناس النجوم علامات، تعرفون بها الطرق ليلا إذا ضللتم بسبب الظلمة الشديدة في البر والبحر، قد بيَّنَّا البراهين الواضحة؛ ليتدبرها منكم أولو العلم بالله وشرعه.

قال الله تعالى ‏:

﴿ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾

النحل‏: ١٦

وأخبر سبحانه أنه خلق للإنسان النجوم؛ ليهتدي بها بالليل في البراري أو في البحار .

3- الدعاء والالتجاء إلى الله

بيّن سبحانه وتعالى للناس في كتابه أنهم إذا ادلهمت بهم الخطوب في البر والبحر لجأوا إليه مخلصين في الدعاء .

قال الله تعالى:

﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ  قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ . أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾

النمل 62- 63

أعبادة ما تشركون بالله خير أم الذي يجيب المكروب إذا دعاه، ويكشف السوء النازل به، ويجعلكم خلفاء لمن سبقكم في الأرض؟ أمعبود مع الله ينعم عليكم هذه النعم؟ قليلا ما تذكرون وتعتبرون، فلذلك أشركتم بالله غيره في عبادته. أعبادة ما تشركون بالله خير أم الذي يرشدكم في ظلمات البر والبحر إذا ضللتم فأظلمت عليكم السبل .

ثانيا – وسائل النجاة من الظلمات المعنوية

بيّن القرآن الكريم وسائل النجاة من الظلمات المعنوية، وسوف نتحدث عنها فيما يأتي:

1- الإيمان بالله عز وجل وطاعته

قال الله تعالى:

﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

الأنعام: ١٢٢

أوَمن كان ميتًا في الضلالة هالكا حائرا، فأحيينا قلبه بالإيمان، وهديناه له، ووفقناه لاتباع رسله، فأصبح يعيش في أنوار الهداية، كمن مثله في الجهالات والأهواء والضلالات المتفرقة، لا يهتدي إلى منفذ ولا مخلص له مما هو فيه؟ لا يستويان، وكما خذلتُ هذا الكافر الذي يجادلكم -أيها المؤمنون- فزيَّنْتُ له سوء عمله، فرآه حسنًا، زيَّنْتُ للجاحدين أعمالهم السيئة؛ ليستوجبوا بذلك العذاب.

قال اللّه تعالى:

﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾

البقرة 257

الله يتولى المؤمنين بنصره وتوفيقه وحفظه، يخرجهم من ظلمات الكفر، إلى نور الإيمان.

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾

الأحزاب: ٤٣

هو الذي يرحمكم ويثني عليكم وتدعو لكم ملائكته؛ ليخرجكم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الإسلام، وكان بالمؤمنين رحيمًا في الدنيا والآخرة، لا يعذبهم ما داموا مطيعين مخلصين له.

2- اتباع شرع الله وكتابه المنزل

قال اللّه تعالى:

﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾

إبراهيم: ١

﴿ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾

الحديد: ٩

﴿ رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾

الطلاق: ١١

فالمقصد من إنزال الكتاب: إخراج البشرية من الظلمات، ظلمات الوهم والخرافة، وظلمات الأوضاع والتقاليد، وظلمات الحيرة في تيه الأرباب المتفرقة، وفي اضطراب التصورات والقيم والموازين؛ لتخرج البشرية من هذه الظلمات كلها إلى النور، النور الذي يكشف هذه الظلمات، يكشفها في عالم الضمير، وفي دنيا التفكير، ثم يكشفها في واقع الحياة والقيم والأوضاع والتقاليد.

وعن غاية إرسال موسى عليه السلام بالآيات

قال اللّه تعالى:

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾

إبراهيم: ٥

7- عاقبة البقاء في الظلمات

وضّح القرآن الكريم عاقبة البقاء في الظلمات؛ ليتجنبها العباد، وسوف نبيّنها فيما يأتي:

1- الحيرة

قال اللّه تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ ﴾

الأنعام 39

والذين كذبوا بحجج الله تعالى صمٌّ لا يسمعون ما ينفعهم، بُكْمٌ لا يتكلمون بالحق، فهم حائرون في الظلمات، لم يختاروا طريق الاستقامة.

ب – الضلال

قال اللّه تعالى:

﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾

الأنعام 122

أوَمن كان ميتًا في الضلالة هالكا حائرا، فأحيينا قلبه بالإيمان، وهديناه له، ووفقناه لاتباع رسله، فأصبح يعيش في أنوار الهداية، كمن مثله في الجهالات والأهواء والضلالات المتفرقة، لا يهتدي إلى منفذ ولا مخلص له مما هو فيه؟ لا يستويان.

ج – تعطل وسائل الإدراك

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ﴾

الرعد: ١٦

فهل يستوي البصير الذي يرى بالنور الذي ألهمه الله إياه، فتكشفت له حكمة ربه في الأيات الكونية، واستعملها في منافع الخلق، كمن في الجهل منغمس فيه؟

3- عدم الاعتبارمن التاريخ

قال الله تعالى:

﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا  فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾

الحجّ : ٤٦

أفلم يَسِر المكذبون في الأرض ليشاهدوا آثار المهلكين، فيتفكروا بعقولهم، فيعتبروا، ويسمعوا أخبارهم سماع تدبُّر فيتعظوا؟ فإن العمى ليس عمى البصر، وإنما العمى المُهْلِك هو عمى البصيرة عن إدراك الحق والاعتبار.

4- التخلف عن ركب الحضارة

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ  وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾

الحديد: ٩

فمن أراد الانتفاع بعقله فيما ينفعه وينفع الخلق فعليه بالتأمل والتفكر في آيات الله المسطورة في كتابه، وآيات الله المبثوثة في كونه فهما مفتاحا التحضر في الدنيا والسعادة في الآخرة؛ لأن ظلمات العقل وفساده أكثر خطورة على الحضارة من الأمراض المعدية التي قصر علماء الصحة والأطباء اهتمامهم عليها حتى الآن.

Share This