1- مفهوم الطير

أن الطير اسم لكل ذي جناح يسبح في الهواء .

2- كلمة الطير

     في

   القرآن الكريم

وردت كلمة  الطير وصيغها في القرآن الكريم (٢١) مرة  . والصيغ التي وردت هي:

– الفعل المضارع

ورد مرة واحدة .

قال الله تعالى:

( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ )

الأنعام:٣٨

– اسم

ورد 20 مرة

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ﴾

البقرة:٢٦٠

وجاء الطير في القرآن بمعني كل ذي جناح يسبح في الهواء.

3- الطير آية من

  آيات الله تعالى

أرشد الله تعالى عباده إلى الاعتبار بما في الآفاق من الآيات المشاهدة الدالة على قدرته وعجائب صنعته من المخلوقات .

قال الله تعالى:

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾

فصلت:٥٣

ومن هذه المخلوقات الطير ذلك المخلوق الضعيف، فخلق هذا الطير، وتسخيره في جو السماء، وتسبيحه – وإن كنا لا نفقه ذلك – لدلالة واضحة على كمال قدرته، وآية من آياته جل وعلا على بديع صنعه تبارك وتعالى، بل أن هذا المخلوق قد يكون جندًا من جنوده يرسله الله لإهلاك الظالمين، كما حصل لأصحاب الفيل .

1- الطير تعرف ربها وتوحّده

ويتجلى ذلك فيما حكاه الله عن الهدهد .

قال الله تعالى:

﴿ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ . أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ . اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾

النمل:٢4-٢٦

وجدتُها هي وقومها يعبدون الشمس معرضين عن عبادة الله، وحسَّن لهم الشيطان أعمالهم السيئة التي كانوا يعملونها، فصرفهم عن الإيمان بالله وتوحيده، فهم لا يهتدون إلى الله وتوحيده وعبادته وحده. حسَّن لهم الشيطان ذلك؛ لئلا يسجدوا لله الذي يُخرج المخبوء المستور في السموات والأرض من المطر والنبات وغير ذلك، ويعلم ما تُسرُّون وما تظهرون. الله الذي لا معبود يستحق العبادة سواه، رب العرش العظيم.

2- الإبداع الإلهي

في خلق الطير

لفت الله تعالى نظر العباد، وخاصة المعرضين المكذبين بآياته إلى خلقه، وكمال قدرته في الطير وتحليقه في جو السماء.

قال الله تعالى:

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ﴾

الملك:١٩

أغَفَل هؤلاء الكافرون، ولم ينظروا إلى الطير فوقهم، باسطات أجنحتها عند طيرانها في الهواء، ويضممنها إلى جُنوبها أحيانًا؟ ما يحفظها من الوقوع عند ذلك إلا الرحمن. إنه بكل شيء بصير لا يُرى في خلقه نقص ولا تفاوت.

3- الطيور أمم خلقهم الله

وتكفل بأرزاقهم

وقد أكد الله تعالى على قدرته وعلمه، وسعة إحاطته بمخلوقاته، وإبداعه في الخلق.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾

الأنعام: ٣٨

ليس في الأرض حيوان يَدِبُّ على الأرض أو طائر يطير في السماء بجناحيه إلا جماعات متجانسة الخلق مثلكم. ما تركنا في اللوح المحفوظ شيئًا إلا أثبتناه، ثم إنهم إلى ربهم يحشرون يوم القيامة، فيحاسب الله كلا بما عمل.

4- تسخير الطير يدل على

كمال قدرته وعظمته

حث الله جل وعلا عباده إلى النظر في حالة الطير التي سخرها الله، وسخر لها الجو والهواء، وجعل أجسادهن وخلقتهن في حالة مستعدة للطيران، وهذا يدل على كمال قدرته وعظمته.

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾

النحل:٧٩

ألم ينظر المشركون إلى الطير مذللات للطيران في الهواء بين السماء والأرض بأمر الله؟ ما يمسكهن عن الوقوع إلا هو سبحانه بما خَلَقه لها، وأقدرها عليه. إن في ذلك التذليل والإمساك لَدلالات لقوم يؤمنون بما يرونه من الأدلة على قدرة الله.

قال الله تعالى:

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ﴾

الملك: ١٩

ففي الآية دلالة واضحة ومظهر من مظاهر قدرة الله ووحدانيته، حيث جعل الطير قادرًا على التحليق والطيران في الجو – ما بين السماء والأرض- وهي مذللة لأمر الله تعالى، ما يمسكها إلا الله تعالى، وتلك علامات وعبر ودلالات على القدرة الإلهية، فلولا خلق الطير على وضع يمكنه الطيران، وخلق الجو على حالة يمكن الطيران فيه، لما أمكن ذلك.

5- تسبيح الطير

لله تعالى

ذكر الله جل وعلا تسبيح الطير في أكثر من موضع في محكم كتابه، ومن ذلك ما أنعم الله تعالى به على داوود عليه السلام .

قال الله تعالى:

﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ﴾

الأنبياء :٧٩

ومننَّا على داود بتطويع الجبال تسبِّح معه إذا سبَّح، وكذلك الطير تسبِّح، وكنا فاعلين ذلك.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ . وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً  كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ ﴾

ص:١٨-١٩

إنا سخَّرنا الجبال مع داود يسبِّحن بتسبيحه أول النهار وآخره، وسخرنا الطير معه مجموعة تسبِّح، وتطيع تبعًا له.

قال الله تعالى:

﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾

الإسراء:٤٤

تُسَبِّح له – سبحانه – السموات السبع والأرضون، ومَن فيهن مِن جميع المخلوقات، وكل شيء في هذا الوجود ينزه الله تعالى تنزيهًا مقرونًا بالثناء والحمد له سبحانه، ولكن لا تدركون -أيها الناس- ذلك. إنه سبحانه كان حليمًا بعباده لا يعاجل مَن عصاه بالعقوبة، غفورًا لهم.

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾

النور:٤١

ألم تعلم – أيها النبي – أن الله يُسَبِّح له مَن في السموات والأرض من المخلوقات، والطير صافات أجنحتها في السماء تسبح ربها؟ كل مخلوق قد أرشده الله كيف يصلي له ويسبحه. وهو سبحانه عليم، مُطَّلِع على ما يفعله كل عابد ومسبِّح، لا يخفى عليه منها شيء، وسيجازيهم بذلك.

6- الطير جند من

جنود الله تعالى

قد يرسلها الله لإهلاك الظالمين المعتدين، كما حصل لأصحاب الفيل عندما أرادوا هدم الكعبة، فأرسل الله عليهم أضعف جنوده وهو الطير .

قال الله تعالى:

﴿ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ . تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ . فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ﴾

الفيل: ٣- 5

وبعث عليهم طيرًا في جماعات متتابعة، تقذفهم بحجارة من طين متحجِّر. فجعلهم به محطمين كأوراق الزرع اليابسة التي أكلتها البهائم ثم رمت بها.

4- الطير في القصص القرآني

القصص في القرآن الكريم من أصدق القصص .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾

النساء: ٨٧

و هي من أحسن القصص وذلك لاشتمالها على أعلى درجات الكمال في البلاغة وجلال المعنى .

قال الله تعالى:

﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴾

يوسف: ٣

وأنفع القصص وذلك لتمام مطابقتها على الواقع ..

قال الله تعالى:

﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾

يوسف:١١١

لقد كان في نبأ المرسلين الذي قصصناه عليك وما حلَّ بالمكذبين عظة لأهل العقول السليمة. ما كان هذا القرآن حديثًا مكذوبًا مختلَقًا، ولكن أنزلناه مصدقًا لما سبقه من الكتب السماوية، وبيانًا لكل ما يحتاج إليه العباد من تحليل وتحريم، ومحبوب ومكروه وغير ذلك، وإرشادًا من الضلال، ورحمة لأهل الإيمان تهتدي به قلوبهم، فيعملون بما فيه من الأوامر والنواهي.

وذلك لقوة تأثيرها في إصلاح القلوب والأعمال والأخلاق، وقد ذكر الله جل وعلا من القصص في كتابه الكريم قصص الطير سواء مع بعض أنبيائه عليهم السلام، أو مع ابني آدم عليه السلام، وسوف نتحدث عن ذلك بشيء من التفصيل، مع بيان أهم الدروس والعبر من هذه القصص.

1- قصة ابني آدم مع الغراب

أخبر الله جل وعلا في محكم كتابه ما جرى بين ابني آدم ، وكيف عدا أحدهما على الآخر، فقتله بغيًا عليه وحسدًا له، فيما وهبه الله من النعمة، وتقبل القربان الذي أخلص فيه لله عز وجل، ففاز المقتول بوضع الآثام، وخاب القاتل ورجع بالصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة ، فقيض الله تعالى غرابًا لتعليم القاتل كيف يدفن أخاه.

قال الله تعالى:

﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴾

المائدة :٣١

لما قتل قابيلُ أخاه لم يعرف ما يصنع بجسده، فأرسل الله غرابًا يحفر حفرةً في الأرض ليدفن فيها غرابًا مَيِّتًا؛ ليدل قابيل كيف يدفن جُثمان أخيه؟ فتعجَّب قابيل، وقال: أعجزتُ أن أصنع مثل صنيع هذا الغراب فأستُرَ عورة أخي؟ فدَفَنَ قابيل أخاه، فعاقبه الله بالندامة بعد أن رجع بالخسران.

2- قصة إبراهيم عليه السلام

وإحياء الطير

سأل إبراهيم عليه السلام ربه جل وعلا أن يريه كيف يحيي الموتى، فأجابه الله تعالى لما طلب، فكان هذا المشهد .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا  وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

البقرة :٢٦٠

واذكر – أيها الرسول- طلب إبراهيم من ربه أن يريه كيفية البعث، فقال الله له : أَوَلم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن أطلب ذلك لأزداد يقينًا على يقيني، قال: فخذ أربعة من الطير فاضممهن إليك واذبحهن وقطعهن، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءًا، ثم نادِهن يأتينك مسرعات. فنادى إبراهيم عليه السلام، فإذا كل جزء يعود إلى موضعه، وإذا بها تأتي مسرعة. واعلم أن الله عزيز لا يغلبه شيء، حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.

3- يوسف عليه السلام

وتأويل رؤيا الطير

ذكر الله عز وجل ما جرى بين يوسف عليه السلام والفتيان اللذين كانا معه في السجن،

قال الله تعالى:

﴿ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾

يوسف:٣٦

ودخل السجن مع يوسف فَتَيان، قال أحدهما: إني رأيت في المنام أني أعصر عنبًا ليصير خمرًا، وقال الآخر: إني رأيت أني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه، أخبرنا – يا يوسف – بتفسير ما رأينا، إنا نراك من الذين يحسنون في عبادتهم لله، ومعاملتهم لخلقه.

قال الله تعالى:

﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾

يوسف :٤١

يا صاحبيَّ في السجن، إليكما تفسيرَ رؤياكما: أما الذي رأى أنه يعصر العنب في رؤياه فإنه يخرج من السجن ويكون ساقي الخمر للملك، وأما الآخر الذي رأى أنه يحمل على رأسه خبزًا فإنه يُصْلب ويُتْرك، وتأكل الطير من رأسه، قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان وفُرغ منه.

4- داود عليه السلام والطير

أخبر الله جل وعلا بما أنعم على عبده ورسوله داود عليه السلام، وبما أتاه من الفضل العظيم، ومن ذلك تسبيح الطير معه إذا سبح .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا  يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ﴾

سبأ:١٠

ولقد آتينا داود نبوة، وكتابًا وعلمًا، وقلنا للجبال والطير: سبِّحي معه، وألنَّا له الحديد، فكان كالعجين يتصرف فيه كيف يشاء.

قال الله تعالى:

﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ . إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ . وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ ﴾

ص :١7-١٩

واذكر عبدنا داود صاحب القوة على أعداء الله والصبر على طاعته، إنه توَّاب كثير الرجوع إلى ما يرضي الله. إنا سخَّرنا الجبال مع داود يسبِّحن بتسبيحه أول النهار وآخره، وسخرنا الطير معه مجموعة تسبِّح، وتطيع تبعًا له.

5- الطير من جند سليمان عليه السلام

ورث سليمان عليه السلام أباه في علمه ونبوته وملكه، وزاده الله ملكًا عظيمًا لم يحصل لأحد قبله ولا بعده، فقد سخر الله له الريح تجري بأمره، والجن والشياطين يعملون له من الأعمال ما يشاء، ومن الجنود الإنس والجن والطير،وقد وصف الله تعالى جنوده وهم منتظمون في سيرهم واجتماعهم بتدبير عجيب ونظام غريب، ومن تلك الجنود المنتظمة الطير.

قال الله تعالى:

﴿ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ  ﴾

النمل:١٧

جمع لسليمان عليه السلام جنوده الكثيرة الهائلة المتنوعة من بني آدم، ومن الجن والشياطين ومن الطيور، فهم منتظمون غاية التنظيم في سيرهم ونزولهم وحلهم وترحالهم، قد استعد لذلك وأعد له عدته، وكل هذه الجنود مؤتمرة بأمره لا تقدر على عصيانه ولا تتمرد عنه.

وتفقد  سليمان عليه السلام جنوده الكثيرة الهائلة المتنوعة ، لما كان عليه حفظهم جميعًا، ومنعه إياهم عن الانتشار في الأرض والتفرق، لما على كل ملك وأمير حفظ رعيته وحاشيته، والتفقد عن أحوالهم وأسبابهم . حتى أنه تفقد الطير لينظر هل هي ملازمة لمراكزها وأماكنها أم لا .

قال الله تعالى:

﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ . لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴾

النمل:٢٠- 21

وتفقد سليمان حال الطير المسخرة له وحال ما غاب منها، وكان عنده هدهد متميز معروف فلم يجده، فقال: ما لي لا أرى الهدهد الذي أعهده؟ أسَتَره ساتر عني، أم أنه كان من الغائبين عني، فلم أره لغيبته؟ فلما ظهر أنه غائب قال: لأعذبنَّ هذا الهدهد عذابًا شديدًا لغيابه تأديبًا له، أو لأذبحنَّه عقوبة على ما فعل حيث أخلَّ بما سُخِّر له، أو ليأتينِّي بحجة ظاهرة، فيها عذر لغيبته.

6- عيسى عليه السلام وخلق الطير

أجرى الله عز وجل على يد عيسى عليه السلام الكثير من المعجزات والآيات الدالة على صدق رسالته، وأنه رسول الله تعالى إلى بني إسرائيل، وقد أخبر الله جل وعلا في محكم كتابه عن هذه الآيات، ومنها خلق الطير حيث كان يصنع من الطين شكلًا على هيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيكون طيرًا حيًّا بإذنه سبحانه وتعالى.

عن عيسى عليه السلام مخاطبًا قومه .

قال الله تعالى:

﴿ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾

آل عمران:٤٩

ويقول لهم: إني قد جئتكم بعلامة من ربكم تدلُّ على أني مرسل من الله، وهي أني أصنع لكم من الطين مثل شكل الطير، فأنفخ فيه فيكون طيرًا حقيقيا بإذن الله .

فهنا أعمال ثلاثة: اثنان منها لعيسى عليه السلام، والثالث لله تعالى جل جلاله وعظمت قدرته، أما اللذان لعيسى فهما: تصوير الطين كهيئة الطير، والنفخ فيه، وأما الثالث الذي هو من عمل الله تعالى وحده، فهو خلق الحياة في هذه الصورة التي صورها عيسى عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾

يس:٨٢

5- الطير في المثل القرآني

أشاد الله سبحانه وتعالى بالأمثال في محكم كتابه الكريم، مبينًا أنه اشتمل على كل مثل من الحق يحتاجه الناس، وأن السبيل قد استبان بتلك الأمثال،

﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ﴾

الكهف:٥٤

﴿ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ﴾

محمد: ٣

وما بقي على الناس إلا أن يتفكروا بها ويتذكروا.

قال الله تعالى:

﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

الحشر:٢١

وقد بين جل وعلا أنه ضرب للناس أمثالهم التي يتعرفون بها على الهدى والضلال، والخير والشر، والحق والباطل، وما آل إليه أهلها من العواقب الحميدة، أو النهايات الوخيمة.

وقد ذكر الله الطير في المثل القرآني ليبين حال المشرك بالله في بعده عن الهدى وهلاكه، بالذي يهوي من السماء فتتخطفه الطير من كل جانب.

قال الله تعالى :

﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾

الحج:٣١

وهذا مثل ضربه الله للكافر في بعده عن الحق، فأعلم اللّه أن بعد من أشرك به من الحق، كبعد من خرّ من السماء، السماء فاختطفته الطير في الهواء ومزقته في حواصلها، أو عصفت به الريح فسقط في مكان عميق .

6- الطير والتشاؤم

كانت العرب أكثر الناس طيرة وسمى التشاؤم تَطَيُّرًا؛ لأنه من قبل كان من دأبهم أنهم إذا خرجوا مسافرين فمروا بطائر زجروه، أي: رموه بحجر ونحوه، فإن مرّ سانحًا بأن مر من ميامن الشخص إلى مياسره تيمنوا به، وإن مر بارحًا بأن مر من المياسر إلى الميامن تشاءموا منه. والتشاؤم دأب الكفرة من قبل، حيث كانوا يتطيرون ويتشاءمون بالأنبياء والرسل عليهم السلام .

– عن قوم صالح عليه السلام.

قال الله تعالى:

﴿ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ﴾

النمل:٤٧

قال قوم صالح له: تَشاءَمْنا بك وبمن معك ممن دخل في دينك، قال لهم صالح: ما أصابكم الله مِن خير أو شر فهو مقدِّره عليكم ومجازيكم به، بل أنتم قوم تُخْتَبرون بالسراء والضراء والخير والشر.

– عن قوم موسى عليه السلام.

قال الله تعالى:

﴿ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

الأعراف :١٣١

فإذا جاء فرعونَ وقومَه الخِصْبُ والرزقُ قالوا: هذا لنا بما نستحقه، وإن يُصِبْهم جدب وقحط يتشاءموا، ويقولوا: هذا بسبب موسى ومَن معه. ألا إنَّ ما يصيبهم من الجدب والقحط إنما هو بقضاء الله وقدره، وبسبب ذنوبهم وكفرهم، ولكن أكثر قوم فرعون لا يعلمون ذلك؛ لانغمارهم في الجهل والضلال.

– كذلك قال أهل مكة لرسول اللّه

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ﴾

النساء: ٧٨

وإن يحصل لهم ما يسرُّهم من متاع هذه الحياة، ينسبوا حصوله إلى الله تعالى، وإن وقع عليهم ما يكرهونه ينسبوه إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم جهالة وتشاؤمًا، وما علموا أن ذلك كله من عند الله وحده، بقضائه وقدره، فما بالهم لا يقاربون فَهْمَ أيِّ حديث تحدثهم به؟

– عن أصحاب القرية حيث تشاءموا كذلك برسلهم

قال الله تعالى:

﴿ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ . قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ﴾

يس :١٨-١٩

قال أهل القرية: إنا تَشَاءَمْنا بكم، لئن لم تكُفُّوا عن دعوتكم لنا لنقتلنكم رميًا بالحجارة، وليصيبنكم منَّا عذاب أليم موجع. قال المرسلون: شؤمكم وأعمالكم من الشرك والشر معكم ومردودة عليكم، أإن وُعظتم بما فيه خيركم تشاءمتم وتوعدتمونا بالرجم والتعذيب؟ بل أنتم قوم عادتكم الإسراف في العصيان والتكذيب.

7- الطير في الجنة

الجنة هي الجزاء العظيم، والثواب الجزيل، الذي أعده الله لأوليائه وأهل طاعته، وهي نعيم كامل لا يشوبه نقص، ولا يعكر صفوه كدر . وفي الجنة ما تشتهيه الأنفس من المآكل والمشارب.

قال الله تعالى:

﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

الزخرف:٧١

وقد أباح الله لهم أن يتناولوا من خيراتها وألوان طعامها ما يشتهون، ومن ذلك لحوم الطير.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ﴾

الواقعة:٢١

 

Share This