مفهوم الضرب في القرآن الكريم

1- مفهوم الضرب

الضرب كلمة تحتاج الى تعريف مثل كلمة جعل وقذف فليس لهذه الكلمات معانى مستقلة فلا معنى لجملة أنا اجعل أو انا اقذف فلابد ان نبين يجعل ماذا؟ او يقذف ماذا ؟

2- كلمة ضرب

         في

    القرآن الكريم

وردت كلمة ضرب في القرآن الكريم 5٧ مرة. والصيغ التي وردت هي:

– فعل أمر

ورد 12 مرة

قَال الله تعالى:

﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ ﴾

الشعراء : 63

– فعل مضارع

ورد 14 مرة

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً ﴾

البقرة : 26

– فعل ماضي

ورد 25 مرة

قَال الله تعالى:

﴿ انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ﴾

الإسراء : 48

– مصد ر

ورد مرة واحدة

قَال الله تعالى:

﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ ﴾

محمد: 4

– أسم فاعل

ورد مرتين

قَال الله تعالى:

﴿ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ ﴾

الصافات : 93

– أسم مفعول

ورد 3 مرات

قَال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ﴾

الحج : 73

وردت كلمة ضرب في القرأن الكريم بالمعاني الأ تية:

1- الضرب بمعنى حكم و قضى

قال الله تعالى:

( وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ )

البقرة : 61

وضربت هنا بمعنى حكم و قضى الله عليهم بالذلة و المسكنة

2- الضرب بمعنى الاذى

يُعنى الإيذاء الجسدي من قبيل الركل والصفع واللطم والجلد بالعصا أو بالسوط وما يشابه ذلك من صور الإيذاء الجسدي.

قال الله تعالى:

﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ ﴾

ص: 44

والضغث هو ملء الكفِّ من أعواد عذوق النخل وما أشبه ذلك، والآية تُرشِد نبيِّ الله أيوب لكيفية الإمتثال لمؤدَّى يمينه حيث أقسم قبل التعافي من بلواه أنْ يضرب زوجته ثم تحرَّج من ذلك فقال اللهُ تعالى له خذ عددًا من الأعواد أو ما أشبهها واضرب بها زوجتك حتى لا تُوجعها .

قال اللهُ تعالى:

 ﴿ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى ﴾

البقرة : 73

وله تعالى لبني إسرائيل الذين جاؤا لموسى عليه السلام لطلب البتِّ في قضية قتيلٍ يجهلون بمن قتله، فأمرهم اللهُ تعالى على لسان موسى عليه السلام أن يذبحوا بقرة وأنْ يأخذوا عضوًا منها ويضربون به القتيل فإنَّه سوف يحيى بذلك ويُخبرهم بمَن قتله .

قَال الله تعالى:

 ( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ  )

الأنفال : 50

 ( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ )

محمد : 27

وهو في وصف لضرب الملائكة لأهل النار , وهو أمر غيبي يحدث في عالم الغيب ولا نقف على كيفية حدوثه فكل ما يحدث في غيب يوم الحساب إنما ورد في القرآن على نحو تمثيلي .

3- الضرب بمعنى الأعراض والتجاهل

قال الله تعالى:

( أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ )

الزخرف : 5

اذا قلنا نضرب الذكر لكم يكون المعنى اى نوصله لكم و اذا قلنا نضرب عنكم الذكر صفحا اى نبعد عنكم الذكر اى نتجاهلكم و نعرض عنكم

4 – الضرب بمعنى القول

قال الله تعالى:

( وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ )

الزخرف :  58

ضربوه لك اى ما قالوه لك الا جدلا

5 – الضرب بمعنى القتل

ضرب شخص بآلة قاتلة فإنها تقتله

قال الله تعالى:

( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ )

محمد : 4

( فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ )

الأنفال : 12

6 – ضرب المثال

الضرب يستخدم أيضا في إعطاء المثال، لأن المثال يعطى لتثبيت موضوعٍ ما في العقل .

قال الله تعالى:

( ويضرب الله الامثل للناس والله بكل شىء عليم )

النور : 35

( واضرب لهم مثلا اصحب القريه اذ جاءها المرسلون )

يس : 13

( انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا )

الإسراء : 48

( فلا تضربوا لله الامثال ان الله يعلم وانتم لا تعلمون )

النحل:  74

( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء )

إبراهيم : 24

ذكرنا وبيَّنَّا ووصفنا لكم الأمثال

7- الضرب بمعنى السفر والانتقال

قال الله تعالى :

 ( للفقراء الذين احصروا فى سبيل الله لا يستطيعون ضربا فى الارض يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف )

البقرة : 273

( سيكون منكم مرضى وءاخرون يضربون فى الارض يبتغون من فضل الله )

المزمل :20

( ان انتم ضربتم فى الارض فاصبتكم مصيبه الموت )  

المائدة :  106

(  وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ )

النساء : 101

8 – الضرب بمعنى التغطية والحجب

قال الله تعالى:

( فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا )

الكهف : 11

فألقينا عليهم النوم العميق، فبقوا في الكهف سنين كثيرة.

قال الله تعالى:

( أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ )

الزخرف :5

أفنُعْرِض عنكم، ونترك إنزال القرآن إليكم لأجل إعراضكم وعدم انقيادكم، وإسرافكم في عدم الإيمان به؟

قال الله تعالى:

( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ )   

النور: 31

وليلقين بأغطية رؤوسهن على فتحات صدورهن

قال الله تعالى:

( فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ )

الحديد: 13

فَفُصِل بينهم بسور له باب، باطنه مما يلي المؤمنين فيه الرحمة، وظاهره مما يلي المنافقين من جهته العذاب.

9 – الضرب بمعنى الجعل والصنع

قال الله تعالى:

( ولقد اوحينا الى موسى ان اسر بعبادى فاضرب لهم طريقا فى البحر يبسا  )   

طه : 77

10- الضرب بمعنى الطرق والدقُّ

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾

النور: 31

وهنا تنهى الآية النساء عن الطرق بالأرجل على الأرض حتى لا يؤدِّي ذلك إلى إلفات انتباه الرجال

قال الله تعالى:

﴿ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ ﴾

البقرة : 60

عن قوله تعالى لموسى اضرب بعصاك الحجر، فضرب، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، بعدد القبائل، ومعنى كلمة الضرب هو الطرق والدقُّ بالعصا على الحجر، فالإنفجار هو أثرُ الضرب الذي هو الطرق بالعصا على الحجر.

قال الله تعالى:

﴿ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ ﴾

الصافات : 93

عن ما فعله إبراهيم بالأصنام أي فمال عليهم ضاربًا لهم بيمينه، ومعنى الضرب هنا  هو الطرق والتهشيم .

3- ضرب المرأة

        في

  القرآن الكريم

قال الله تعالى:

 ( وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً  ﴾

النساء : 43

ضرب المرأة هل يعني إيذاؤها جسديا باللطم وغيره؟ أم إبقاؤها في مكانها أي عدم إخراجها من بيتها ؟ لنفهم هذا جيدا تعالوا لنرى الآيات المتعلقة بالموضوع قسما قسما:

– ( وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ﴾

لأن النشوز هنا هو ( قرار الافتراق ﴾ فما يجب على الزوج الذي يخاف من نشوز زوجته هو أن يتحدث إليها. لهذا كان الأمر الأول هو:

– ( فعظوهن  ﴾

والوعظ  هو التوجه بالأقوال الحسنة بهدف توجيه سلوك المقابل نحو الأحسن .

إذا أصرت المرأة على قرارها بالانفصال، فعلى الزوج أن يمتنع عن مجامعتها

 – ( وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ  ﴾

هجر الزوج لفراش زوجته يوفر إمكانية أن تراجع قرارها كما يمنع إمكانية حملها في الوقت الذي ترغب فيه الافتراق عن زوجها. في هذه المدة لا يمكن للزوج إخراجها من البيت، والأمر بالضرب متعلق بهذا.

– ( وَاضْرِبُوهُنَّ )

فإذا كان الضرب يأتي بمعنى الإيذاء الجسدي من قبل الزوج لزوجته حتي تتخلي عن حقها في استخدام صلاحيتها في الافتراق ، فلا يتفق هذا مع القسمُ التالي من الآية:

– ( فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً )

الطاعة في العربية تعني: قبول شيء من القلب وتنفيذه، وضدها الإكراه، وفعل شيء نتيجة الضرب (بمعنى الإيذاء الجسدي) يعني القيام به تحت الإكراه. وقوله تعالى “فإن أطعنكم” بعد قوله “واضربوهن” يمنع إمكانية إعطاء الضرب معنى الإيذاء الجسدي.

إذا ما معنى الضرب فى الآية ؟؟

إذا تتبعنا معانى كلمة (ضرب) فى المصحف وفى صحيح لغة العرب، نجد أنها تعنى فى غالبها المفارقة والمباعدة والانفصال والتجاهل، خلافاً للمعنى المتداول الآن لكلمة ضرب، فمثلا الضرب باستعمال عصا يستخدم له لفظ (جلد)، والضرب على الوجه يستخدم له لفظ (لطم)، والضرب على القفا (صفع) والضرب بقبضة اليد (وكز)، والضرب بالقدم (ركل)، وفى المعاجم وكتب اللغة والنحو لو تابعنا كلمة ضرب لنرى مثلاً فى قول: (ضرب الدهر بين القوم) أى فرّق وباعد بينهم، و(ضرب عليه الحصار) أى عزله عن محيطه، و(ضرب عنقه) أى فصلها عن جسده.

فالضرب إذن يفيد المباعدة والانفصال والتجاهل، وهنالك آيات كثيرة فى القرآن تتابع نفس المعنى للضرب أى المباعدة .

قال الله تعالى:

( وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أن أَسْرِ بِعِبَادِى فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِى الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى )

طه : 77

أى أفرق لهم بين الماء طريقاً

قال الله تعالى:

( فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أن اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ )

الشعراء: 63

أى باعد بين جانبى الماء

قال الله تعالى:

( لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِى سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِى الأَرْضِ )

البقرة : 273

أى مباعدة وسفر وهجرة إلى أرض الله الواسعة

قال الله تعالى:

( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ )

المزمل : 20

أى يسافرون ويبتعدون عن ديارهم طلباً للرزق

قال الله تعالى:

( فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ )

الحديد: 13

أى فصل بينهم بسور

ويُقال فى الأمثال (ضرب به عُرض الحائط) أى أهمله وأعرض عنه، وذلك المعنى الأخير هو المقصود فى الآية.

أما الآية التى تحض على ضرب الزوجة

( فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَ)

فالآية تحض على الوعظ ثم الهجر فى المضجع والاعتزال فى الفراش، أى لا يجمع بين الزوجين فراش واحد، وإن لم يُجْدِ ذلك ولم ينفع، فهنا (الضرب) بمعنى المباعدة والهجران والتجاهل، وهو أمر يأخذ به العقلاء من المسلمين، وأعتقد أنه سلاح للزوج والزوجة معاً فى تقويم النفس والأسرة والتخلص من بعض العادات الضارة التى تهدد كيان الأسرة التى هى الأساس المتين لبناء المجتمع الإسلامى والإنسانى .

قال الله تعالى:

( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً )

النساء: 19

( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً )

الروم : 21

 ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ )

البقرة : 228

( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) 

الطلاق : 6

فهل بعد تلك الايات يأمر الله بضرب الزوجة ؟؟

الدين الإسلامي والذى لا يسمح بإيذاء قطة ، لا يمكن أن يسمح بضرب وإيذاء وإهانة الأم والأخت والزوجة والابنة.

 

Share This