1- مفهوم الشَّقاء
الشقاء هواستمرار عُسْرُ وعَنَاءٍ و بُؤْسٍ الأنسان في الدنيا والأخرة ، وهونقيض السعادة .
قال الله تعالى:
(مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ )
طه : 2
ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ، أي لتتعب التعب الشديد بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم .
2- كلمة شقي
في
القرآن الكريم
وردت كلمة (شقي) وصيغها في القرآن الكريم (12) مرة فقط . والصيغ التي وردت هي:
– فعل ماضي
ورد مرتين
قال الله تعالى:
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴾
هود : ١٠٦
– الفعل المضارع
ورد 3مرات
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ ﴾
طه : ١١٧
– أفعل تفضيل
ورد مرتين
قال الله تعالى:
﴿ لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى ﴾
الليل: ١٥
– صفة مشبَّهة
ورد مرة واحدة
قال الله تعالى:
﴿ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ﴾
هود: ١٠٥
– اسم فاعل
ورد 3 مرات
قال الله تعالى:
﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾
مريم: ٤
– اسم مفعول
ورد مرة واحدة
قال الله تعالى:
﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ﴾
المؤمنون: ١٠٦
وجاءت كلمة الشقاء في القرآن الكريم بالمعاني الأتية
1- العذاب
قال الله تعالى:
﴿ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ﴾
هود: 105
يوم يأتي يوم القيامة، لا تتكلم نفس إلا بإذن ربها، فمنهم شقي مستحق للعذاب، وسعيد متفضَّل عليه بالنعيم.
2- الحرمان
قال الله تعالى:
﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾
مريم: ٤
قال: رب إني كَبِرْتُ، وضعف عظمي، وانتشر الشيب في رأسي، ولم أكن من قبل محرومًا من إجابة الدعاء.
3- الشقاء نفسة
قال الله تعالى:
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴾
هود: 106
فأما الذين شَقُوا في الدنيا لفساد عقيدتهم وسوء أعمالهم، فالنار مستقرهم، لهم فيها من شدة ما هم فيه من العذاب زفير وشهيق
4- العصيان
قال الله تعالى:
﴿ وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً ﴾
مريم : 32
وجعلني بارًّا بوالدتي، ولم يجعلني متكبرًا ولا شقيًا، عاصيًا لربي.
5- التعب
قال الله تعالى:
﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ﴾
طه 2
ما أنزلنا عليك – أيها الرسول – القرآن؛ لتتعب بالإفراط في مُكابدة الشدائد و التأسّف على قومك.
6- الذنوب
قال الله تعالى:
﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ﴾
المؤمنون: 106
لما بلَّغتهم رسلهم وأنذرتهم قالوا يوم القيامة: ربنا غلبت علينا لذاتنا وأهواؤنا المقدَّرة علينا في سابق علمك، وكنا في فعلنا ضالين عن الهدى.
7- الكفر
قال الله تعالى:
﴿ وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ﴾
الأعلى: ١١
سيتعظ الذي يخاف ربه، ويبتعد عن الذكرى الأشقى الذي لا يخشى ربه، الذي سيدخل نار جهنم العظمى يقاسي حرَّها، ثم لا يموت فيها فيستريح، ولا يحيا حياة تنفعه.
3- موانع الشقاء
في
القرآن الكريم
ورد في القرآن الكريم موانع عدة للشقاء من التزم بها وقاه الله تعالى مَغبة الشقاء ، ومنها
أولا- الدعاء
آيات كثيرة في القرآن تتكلم عن الدعاء وتحقيق معجزات بالدعاء مثل قصة سيدنا زكريا عليه السلام وسيدنا أيوب وسيدنا يونس وتفريج الكرب عنه .
قال الله تعالى:
﴿ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ . وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾
الانبياء. 87 – 90
من موانع الشقاء دعاء رب الأرض والسماء .
قال الله تعالى:
( وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً )
مريم:48
لقد اعتزل نبي الله إبراهيم -عليه السلام- قومه بعد أن لجّوا في طغيانهم، ولدّوا في خصومتهم، وعَتوا عن أمر ربهم، بعد أن استفرغ نبي الله إبراهيم جهده مع قومه ولم يُجدِ ذلك معهم نفعاً اعتزلهم وشرع في الدعاء، والدعاء هنا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة، عسى أن يتقبل الله جهده، وعسى أن يرضى عنه ويكتب له القبول فلا يشقى مع من كُتب عليهم الشقاء.
ثانيا – بر الوالدة
قال الله تعالى:
( وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً )
مريم:32
لا تجد أحداً عاقاً لوالديه إلا وجدته جباراً شقياً
ثالثا – القرآن الكريم
قال الله تعالى:
( طه . مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى . إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى )
طه:1-3
أي: ليس المقصود بالوحي، وإنزال القرآن عليك، وشرع الشريعة، لتشقى بذلك، ويكون في الشريعة تكليف يشق على المكلفين، وتعجز عنه قوى العاملين، وإنما الوحي والقرآن والشرع، شرعه الرحيم الرحمن، وجعله موصلاً للسعادة والفلاح والفوز، وسهَّله غاية التسهيل، ويسَّر كل طرقه وأبوابه، وجعله غذاء للقلوب والأرواح، وراحة للأبدان، فتلقته الفِطَر السليمة والعقول المستقيمة بالقبول والإذعان؛ لعلمها بما احتوى عليه من الخير في الدنيا والآخرة
رابعا – اتباع الهدى
قال الله تعالى:
( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى )
طه: 123
إن من يتبع ما أمر الله تعالى به، ويجتنب ما نهى عنه، فإنه لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة .
قال الله تعالى:
( فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )
البقرة:38
خامسا – خشية الله تعالى
قال الله تعالى:
( فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى . سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى . وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى . الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى .ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى )
الأعلى : 9-13
إن الخشية تعين القلب على الذكر فلا يشقى صاحبه أبداً، والغفلة تشغل القلب عن الذكر وتجعله يبغض أهل الذكر ويتجنبهم وهذا من أكبر مُوجبات الشقاء .
سادسا – التقوى
قال الله تعالى:
( فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى . لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى . الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى . وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى )
الليل: 14-17
إن الشقي هنا هو من كذَّب بما جاءت به الرسل، وتولى عن التصديق بهم والاستجابة لأمرهم، على عكس التقي الذي يتقي الله تعالى في كل شؤونه كبيرها وصغيرها. وبالتقوى يتحقق اليسر والرخاء والنجاة من الشقاء .
قال الله تعالى:
( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا )
الطلاق: 4
سابعا – الصبر
بالصبر تنقلب حياة العبد من الشقاء إلى السعادة ومن الضيق إلى السعة ومن الضعف إلى القوة .
قال الله تعالى:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾
البقرة 155
ولنختبرنكم بشيء يسير من الخوف، ومن الجوع، وبنقص من الأموال بتعسر الحصول عليها، أو ذهابها، ومن الأنفس: بالموت ، وبنقص من الثمرات بقلَّة ناتجها أو فسادها. وبشِّر – أيها النبي- الصابرين على هذا وأمثاله بما يفرحهم ويَسُرُّهم من حسن العاقبة في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾
الزمر 10
إنما يُعطَى الصابرون ثوابهم في الآخرة بغير حدّ ولا عدّ ولا مقدار، وهذا تعظيم لجزاء الصابرين وثوابهم.
وختاما..
( يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ . فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ . خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ . وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ )
هود: 106- 108
4- أسباب الشقاء
في
القرآن الكريم
بدايةً يجب عليك أن تعرف ان هذا الكون يمشي وفق قوانين دقيقة ومحكمة بأمر الله سبحانه وتعالى ، وواجب عليك الايمان بقضاء الله وقدره سواء كنت تشعر بأنه خير أو شر لك ، ويجب عليك ان تعلم ان الله سبحانه وتعالى يختار ما كان فيه الخير لك. يجب علينا انا نلزم أنفسنا بالرضا بما يقضيه الله سبحانه وتعالى ويُقدِّره لنا من الأرزاق والحظوظ، فإنه سبحانه وتعالى أرحم بنا من أنفسنا وأعلم بما يُصلحنا . فمن أسباب الشقاء في القرآن الكريم ، ما يلي
1- البعد عن الله
لا يشقى في الدنيا من اتّبع هدى اللَّهَ
قال الله تعالى:
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ ﴾
طه : 123
فمن اتبع منكم بيان سبيلي وعمل به ولم ينحرف عنه؛ فلا يضلّ عن الحق، ولا يشقى .
2- عدم الرضا بما قسم الله لك
الرضا بجميع قضاء الله وقدره وبكل ما يرزقنا إياه لأنه هو أعلم بنا من أنفسنا أرحم بنا من أمهاتنا وهو أعلم بصلاحنا وبما يناسبنا والله عليم حكيم يرتب الأشياء ويضعها في أماكنها ويقضي للإنسان بما هو أنفع له . ، فإن رضيت بما حققت وبما رزقك الله به أو بما ابتليت به تكون قد حصلت على السعادة، أما عدم الرضا فقد حصلت على الشقاء.
قال الله تعالى:
﴿ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
البقرة: 216
3- ظن السَّوْءِ بالله تعالى
استسلم لله في قضائه وكن على ثقة بأن الله لن يخذلك ، وسيجعل الله بعد ضيق وشدة سَعَة وغنى .
قال الله تعالى:
﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾
الطلاق: 7
ولا تظن السَّوْءِ بالله تعالى ، فقد توعد الظانين به ظنَّ السوء بما لم يتوعد به غيرهم .
قال الله تعالى:
﴿ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ﴾
الفتح: 6
الذين يظنون ظنًا سيئًا بالله ، فعلى هؤلاء تدور دائرة العذاب وكل ما يسوءهم .
قال الله تعالى:
﴿ وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾
فصلت: 23
وذلكم ظنكم السيِّئ الذي ظننتموه بربكم أهلككم، فأوردكم النار، فأصبحتم اليوم من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم.
4- الذنوب والمعاصي
فالمعاصي سبب كل عناء، وإن ما يصيب الناس من ضر وضيق في أبدانهم وذرياتهم وأرزاقهم وأوطانهم إنما هو بسبب معاصيهم وما كسبته أيديهم .
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾
الشورى: 30
وما أصابكم- أيها الناس- من مصيبة في دينكم ودنياكم فبما كسبتم من الذنوب والآثام .
قال الله تعالى:
﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ﴾
النجم 39
لا يحصل للإنسان من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه بسعيه.
5- سرعة اليأس
من أسباب الشقاء سرعة اليأس عند كل مشكلة ، وهذا أخطر داء يُصاب به الإنسان في الحياة .
قال الله تعالى:
( وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ )
يوسف:87
( لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ )
الزمر:53
( قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّون )
الحجر:56
6- الحرص على الدنيا
إنَّ الغالبية العظمى من الناس منهمك في الدنيا لا يفكر إلا فيها، ولا يهمه إلا أمرها. فشدة محبة المال مع شدة طلبه من وجوهه المباحة والمحرمة ، والامتناع عن أداء الحقوق الواجبة، حتى يبلغ به منزلة الشحّ الذي يهلك الأفراد والأسر والمجتمعات. والحريص على الدنيا دائم الهموم ، لا يقنع برزقه، ولا يطمئن لقضاء الله وقدره؛ فلا تنسي حقيقة الدنيا
قال الله تعالى:
( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ )
الكهف 45
واضرب أيها الرسول للناس مثلا بصفة الدنيا التي اغترُّوا بها في بهجتها وسرعة زوالها، فهي كماء أنزله الله من السماء فخرج به النبات بإذنه، وصار مُخْضرًّا، وما هي إلا مدة يسيرة حتى صار هذا النبات يابسًا متكسرًا تنسفه الرياح إلى كل جهة.
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾
العنكبوت 64
وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب، تلهو بها القلوب وتلعب بها الأبدان؛ بسبب ما فيها من الزينة والشهوات، ثم تزول سريعًا، وإن الدار الآخرة لهي الحياة الحقيقية الدائمة التي لا موت فيها، لو كان الناس يعلمون ذلك لما آثروا دار الفناء على دار البقاء.
5- مصير الاشقياء
يبين القرآن الكريم مصير الاشقياء في الدنيا والأخرة .
أ- في الدنيا
إن القرآن الكريم يذكر الأشقياء, ويبين أنهم الذين استحقوا بأعمالهم السيئة
في الدنيا الضلال عن الحق و المعيشة الضيِّقة الشاقة .
قال الله تعالى:
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ ﴾
طه: 123
قال الله لآدم وحواء: انزلا من الجنة أنتما وإبليس، فهو عدو لكما وأنتما عدوان له، فإن جاءكم مني بيان لسبيلي: فمن اتبع منكم بيان سبيلي وعمل به ولم ينحرف عنه؛ فلا يضلّ عن الحق، ولا يشقى في الآخرة بالعذاب.
قال الله تعالى:
( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا. قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى )
طه:123-126
قال الله تعالى لآدم وحواء: اهبطا من الجنة إلى الأرض جميعًا مع إبليس، فأنتما وهو أعداء، فإن يأتكم مني هدى وبيان فمن اتبع هداي وبياني وعمل بهما فإنه يرشد في الدنيا، ويهتدي، ولا يشقى في الآخرة بعقاب الله. ومن تولَّى عن ذكري الذي أذكِّره به فإن له في الحياة الأولى معيشة ضيِّقة شاقة -وإن ظهر أنه من أهل الفضل واليسار، ويحشر يوم القيامة أعمى عن الرؤية وعن الحجة.
ب – في الأخرة
إن القرآن الكريم يذكر الأشقياء, ويبين أنهم الذين استحقوا بأعمالهم السيئة النار وبئس القرار, فالاشقياء هم أصحاب النار .
قال الله تعالى:
﴿ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴾
هود: 106
يوم يأتي ذلك اليوم لا تتكلم أي نفس بحجة أو شفاعة إلا بعد إذنه، والناس فيه نوعان: شقي يدخل النار، وسعيد يدخل الجنة.
قال الله تعالى:
﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ﴾
المؤمنون: 106
قالوا: ربنا غلب علينا ما سبق في علمك من شقاوتنا، وكنا قومًا ضالين عن الحق.
قال الله تعالى:
﴿ وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَىٰ ﴾
الأعلى: 11
ويبتعد عن الموعظة وينفر منها الكافر؛ لأنه أشد الناس شقاءً في الآخرة لدخوله في النار.
قال الله تعالى:
﴿ فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ . لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى ﴾
الليل: 15
فحذّرتكم – أيها الناس – من نار تتوقد إن أنتم عصيتم الله.
6- طريق السعادة
من مجموع الآيات التي ذكرناها يتضح أن السعادة الحقيقية لا تكون إلا لأهل الإيمان بالله , فلا سبيل إلى السعادة إلا بالأتي
1- طاعة الله
قال الله تعالى:
﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ ﴾
طه 123
2- الأعمال الصالحة
قال الله تعالى:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
النحل: 97
مَن عمل عملا صالحًا ذكرًا كان أم أنثى، وهو مؤمن بالله ورسوله، فلنحيينه في الدنيا حياة سعيدة مطمئنة، ولو كان قليل المال، وذلك بالقناعة و الرزق الحلال ، ولنجزينَّهم في الآخرة ثوابهم بأحسن ما عملوا في الدنيا.
3- الشكر على النعم
قال الله تعالى:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
النساء: 147
ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم نعمه وآمنتم بالله ورسوله، فإن الله سبحانه غني عمَّن سواه، وإنما يعذب العباد بذنوبهم.
4- الصبر على الابتلاء
قال الله تعالى:
﴿ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
النحل: 96
ولنُثِيبنَّ الذين تحمَّلوا مشاق التكاليف ثوابهم بأحسن أعمالهم، فنعطيهم على أدناها، كما نعطيهم على أعلاها تفضُّلا.
5- الاستغفار من الذنوب
قال الله تعالى:
﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ ﴾
هود: 52
ويا قوم اطلبوا مغفرة الله والإيمان به، ثم توبوا إليه من ذنوبكم، فإنكم إن فعلتم ذلك يرسل المطر عليكم متتابعًا كثيرًا، فتكثر خيراتكم، ويزدكم قوة إلى قوتكم بكثرة ذرياتكم وتتابع النِّعم عليكم .
وختاما ..
قال الله تعالى:
( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ )
هود:108
ثم يأتي اللفظ الصريح ليؤكد أن السعادة في قمتها يوم يرضى الله تعالى عن عباده المؤمنين فيبوئهم الجنة .
أحدث التعليقات