1- مفهوم الشر

الشر خلاف الخير، وهواسمٌ جامع للأتى :

أ- الرذائل والخطايا ، والسوء، والفساد

قال الله تعالى :

(وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾

الزلزلة : 8

فمن يعمل وزن ذرة خيرًا، ير ثوابه في الآخرة، ومن يعمل وزن ذرة شرًا، ير عقابه في الآخرة.

ب – المصائب والبلايا

قال الله تعالى :

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾

الأنبياء : 35

كل نفس ذائقة الموت لا محالة مهما عُمِّرت في الدنيا. وما وجودها في الحياة إلا ابتلاء بالتكاليف أمرًا ونهيًا، وبتقلب الأحوال خيرًا وشرًا، ثم المآل والمرجع بعد ذلك إلى الله – وحده – للحساب والجزاء.

2- كلمة الشر

     في

القرآن الكريم

وردت كلمة (الشر) وصيغها في القرآن الكريم(٣٠) مرة. والصيغ التي وردت، هي:

– اسم (مفرد)

ورد  29 مرة

قال الله تعالى :

( وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا )

الإسراء :٨٣

– اسم (جمع)

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى :

﴿ وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ ﴾

ص :٦٢

وجاءت كلمة الشر في القرآن الكريم بمعني السوء، أو ما ينفر منه كل أحد.

3- الكلمات ذات الصلة

     بكلمة الشر

– السّوء

فالسوء تأتي بمعنى المنكرات والرذائل، وبمعنى البؤس وبمعنى المصائب والشدائد .

قال الله تعالى :

 ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ )

النمل :62

– المصيبة

هي كل ما يبتلى به الإنسان مما يؤذيه يعتبر مصيبة ولو كان هما أو غما أو غيرهما .

قال الله تعالى :

﴿ فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾

النساء 62

– الضّر

هو الأذًى والشدّة والبلاء وسوء حال .

قال الله تعالى :

( قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً )

المائدة 76

– الخير

الخير ما يرغب فيه الكل ، كالعقل والعدل والفضل والشيء النافع.

قال الله تعالى :

( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ )

البقرة 197

4 – حقيقة الشر

       في

 القرآن الكريم

كما أن لكل شيء حقيقة، فإن للشر حقيقة أيضًا ، فالشر هو نتاج إساءة استخدام المخلوقات الحيَّة للإرادة الحرَّة التي منحها إيَّاها الله ، أنَّ الإرداة الحرة موجودة بالقدر الذي يبرر المسؤولية عن الأعمال وليست بمعنى الإرادة الحرة المطلقة التي تتعارض مع وجود العلم والقدرة الإلهية ، ويزداد الشر عمقًا في المجتمع حيث تنتشر الفردانية والرغبة في تحصيل اللذائذ في الحياة الحالية فقط، فالمعاناة ضروريَّة لتطوُّر الناس الروحاني .

أولًا – علم الله بحقيقة الشر

إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم وحده كل شيء علمًا مطلقًا شاملًا ،

قال الله تعالى :

﴿ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾

الأعراف : 89

والله تعالى وحده العالم بمًا يصدر من العباد

قال الله تعالى :

﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾

النور: 29

و هو وحده العالم بحقيقة الخير والشر ، فيعلم ما يصلح للعباد

قال الله تعالى :

﴿ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ  وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة: ٢١٦

وقد تكرهون شيئًا وهو في حقيقته خير لكم، وقد تحبون شيئًا لما فيه من الراحة أو اللذة العاجلة، وهو شر لكم. والله تعالى يعلم ما هو خير لكم، وأنتم لا تعلمون ذلك.

ثانيًا – نسبية الشر

المقصود بنسبية الشر، ذلك أن الشر الموجود في هذا العالم ليس شرًا مطلقًا، الشر المطلق ليس موجود إنما يوجد شر نسبي، أي شر موظف للخير المطلق، يوجد فقر، آلام، هموم، أحزان، موت أقارب، هذه الشرور نسبية موظفة للخير المطلق ، وهوالذَّي يوجد في العالم الأخر .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

السجدة: ٢١

ولنذيقن هؤلاء الفاسقين المكذبين من العذاب الأدنى من البلاء والمحن والمصائب في الدنيا قبل العذاب الأكبر يوم القيامة، حيث يُعذَّبون في نار جهنم ؛ لعلهم يتوبون إلى الله توبة صادقة فيسعدون بقربه ورحمته.

وقد فصل الله تعالى هذا الشر

قال الله تعالى:

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾

البقرة: ١٥٥-١٥٦

إذن يبتلينا الله بألوان الشرور ليختبرنا أنصبر أم نكفر، أنرضى أم نسخط، فمن رضي فله الرضى ، ومن سخط فعليه السخط.

ثالثا – ما يصيب الإنسان مِن شرٌ

فبسبب عمله السيئ

قال الله تعالى:

﴿ مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ﴾

النساء :79

ما أصابك – أيها الإنسان- مِن خير ونعمة فهو من الله تعالى وحده، فضلا وإحسانًا، وما أصابك من جهد وشدة فبسبب عملك السيئ، وما اقترفته يداك من الخطايا والسيئات.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾

النساء :78

ويجب أن يعلم الإنسان أن كل ما يحدث له من عند الله وحده، بقضائه وقدره .

5 – مصادر الشر

       في

القرآن الكريم

يبين القرآن الكريم أن الشر يصدر من المصادر الأتية

أولًا – الشيطان

قال الله تعالى:

﴿ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ﴾

الناس: 4

من أذى الشيطان الذي يوسوس عند الغفلة، ويختفي عند ذكر الله.

قال الله تعالى:

﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ﴾

النمل : 24

وحسَّن لهم الشيطان أعمالهم السيئة التي كانوا يعملونها .

ثانيًا ـ النفس

قال الله تعالى:

﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

المائدة: 30

فَزَيَّنت لقابيلَ نفسُه أن يقتل أخاه، فقتله، فأصبح من الخاسرين الذين باعوا آخرتهم بدنياهم.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾

يوسف : 53

إن النفس لكثيرة الأمر لصاحبها بعمل المعاصي طلبا لملذاتها

ثالثا- الإنسان

أكثر الشرور الموجودة في الدنيا إنّما هي بسبب الإنسان فالقتل والسلب والإغتصاب مِن صنعه. وأن الشيطان قلَّما يؤثر على الإنسان إلا من خلال الناس، و يسيطر على الفرد من خلال الناس، ويغري بعضهم ببعض.

قَال الله تعالى:

﴿ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ )

الفلق: 5

ومن شر حاسد مبغض للناس إذا حسدهم على ما وهبهم الله من نعم، وأراد زوالها عنهم، وإيقاع الأذى بهم.

قَال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ )

الزلزلة: 8

ومن يعمل وزن ذرة شرًا، ير عقابه في الآخرة.

قَال الله تعالى:

﴿ وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ )

ص: 62

وقال الطاغون: ما بالنا لا نرى معنا في النار رجالا كنا نعدهم في الدنيا من الأشرار الأشقياء؟

5 – من أعمال الشر

         في

  القرآن الكريم

إن للشر ميادين، من ولغ فيها ومضى في طريقها هلك إن لم يعاجل بالتوبة الصادقة، وفيما يلي سنلقي الضوء على بعضها للحذر من الوقوع في مسالكها.

أولًا – الكفر

يعد الكفر أساس كل شر، وقد وصف الله تعالى الكافرين بأنهم أكثر الناس شرًا بسبب كفرهم .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾

الأنفال: ٥٥

إن شر ما دبَّ على الأرض عند الله الكفار المصرُّون على الكفر، فهم لا يصدقون رسل الله، ولا يُقرون بوحدانيته، ولا يتبعون شرعه.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾

الأنفال: 22

إنَّ شر ما دبَّ على الأرض – مِنْ خَلْق الله – عند الله الصمُّ الذين انسدَّت آذانهم عن سماع الحق فلا يسمعون، البكم الذين خرست ألسنتهم عن النطق به فلا ينطقون، هؤلاء هم الذين لا يعقلون عن الله أمره ونهيه.

ثانيًا – ترك الأنفاق في سبيل الله

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾

آل عمران : ١٨٠

ولا يظنن الذين يبخلون بما أنعم الله به عليهم تفضلا منه أن هذا البخل خير لهم، بل هو شرٌّ لهم؛ لأن هذا المال الذي جمعوه سيكون طوقًا من نار يوضع في أعناقهم يوم القيامة. والله سبحانه وتعالى هو مالك الملك، وهو الباقي بعد فناء جميع خلقه، وهو خبير بأعمالكم جميعها، وسيجازي كلا على قدر استحقاقه.

ثالثًا – شر القتال

مما لا شك فيه أن القتال فريضة شاقة، والمشقة يكرهها الإنسان ولكنه لا يدري إن وراء المكروه خير ا ووراء المحبوب شرا.

قال الله تعالى:

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة: ٢١٦

فرض الله عليكم – أيها المؤمنون- قتال الكفار، والقتال مكروه لكم من جهة الطبع؛ لمشقته وكثرة مخاطره، وقد تكرهون شيئًا وهو في حقيقته خير لكم، وقد تحبون شيئًا لما فيه من الراحة أو اللذة العاجلة، وهو شر لكم. والله تعالى يعلم ما هو خير لكم، وأنتم لا تعلمون ذلك. فبادروا إلى الجهاد في سبيله.

رابعًا – اقتراف الكبائر

إن الشر هو الذنوب التي تقع من الإنسان و يعاقب عليها ، ومنها الكبائر ، أو شر واقع به من غيره  .

قال الله تعالى:

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾

الشمس: ٧-١٠

أقسم الله بكل نفس وإكمال الله خلقها لأداء مهمتها، فبيَّن لها طريق الشر وطريق الخير، قد فاز مَن طهَّرها ونمَّاها بالخير، وقد خسر مَن أخفى نفسه في المعاصي.

قال الله تعالى:

﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾

النساء: ٣١

إن تبتعدوا – أيها المؤمنون- عن كبائر الذنوب كالإشراك بالله وعقوق الوالدين وقَتْلِ النفس بغير الحق وغير ذلك، نكفِّر عنكم ما دونها من الصغائر، وندخلكم مدخلا كريمًا، وهو الجنَّة.

خامسًا – الحسد

الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء ، وأول ذنب عصي به في الأرض، فحسد إبليس آدم ، وحسد قابيل هابيل.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾

النساء : ٣٢

ولا تتمنوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض، في المواهب والأرزاق وغير ذلك، فقد جعل الله للرجال نصيبًا مقدَّرًا من الجزاء بحسب عملهم، وجعل للنساء نصيبًا مما عملن، واسألوا الله الكريم الوهاب يُعْطِكم من فضله بدلا من التمني. إن الله كان بكل شيء عليمًا، وهو أعلم بما يصلح عباده فيما قسمه لهم من خير.

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾

الفلق 5

يكون الحسد شرًا حين يتمنى الحاسد زوال النعمة عن غيره، ولا يرضى بما قسمه الله له ، ويترتب على حسده أذى بالقلب واللسان والجوارح .

6 – لماذا يبتلينا الله تعالى بالشر؟ 

الشر الذى يصيب البشرمن الله تعالى نوعان : شرٌ دنيوي، وشرٌ أخروي، ولكل نوع منهم أسبابة ، وبيان ذلك فيما يأتي:

أولًا- الشر الدنيوي

إن الشر الدنيوي المتمثل في الأمراض والابتلاءات قد ينزله الله على العباد

لما يأتي :

أ – التمحيص والتنقية

قال الله تعالى:

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾

آل عمران: ١٤٢

يا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- أظننتم أن تدخلوا الجنة، ولم تُبْتَلوا بالقتال والشدائد؟ لا يحصل لكم دخولها حتى تُبْتلوا، ويعلم الله -علما ظاهرا للخلق- المجاهدين منكم في سبيله، والصابرين على مقاومة الأعداء.

ب – أو تكفيرًا للخطايا والسيئات

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾

الشورى : ٣٠

وما أصابكم- أيها الناس- من مصيبة في دينكم ودنياكم فبما كسبتم من الذنوب والآثام، ويعفو لكم ربكم عن كثير من السيئات، فلا يؤاخذكم بها.

ج – أورفعًا للدرجات

قال الله تعالى  :

﴿ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ﴾

الصافات: ١٠4 -١٠6

ونادينا إبراهيم في تلك الحالة العصيبة: أن يا إبراهيم، قد فعلتَ ما أُمرت به وصَدَّقْتَ رؤياك، إنا كما جزيناك على تصديقك نجزي الذين أحسنوا مثلك، فنخلِّصهم من الشدائد في الدنيا والآخرة. إن الأمر بذبح ابنك هو الابتلاء الشاق الذي أبان عن صدق إيمانك.

ثانيًا – الشر الأخروي

إن الشر الأخروي المتمثل في شر يوم القيامة وشر النار قد ينزله الله على العباد ، لإن الجزاء من جنس العمل ، فإن الله تعالى عدل لا يظلم مثقال ذرة، فجعل الجزاء من جنس العمل .

قال الله تعالى  :

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾

الزلزلة : ٧-٨

فمن يفعل مقدار ذرة من التراب خيرًا يجده في صحيفته يوم القيامة ويلق جزاءه، ومن يفعل من الشر مقدار ذرة من التراب يجده كذلك ويلق جزاءه عليه.

ويتمثل الشر الأخروي في الأ تى :

1- شر أهوال يوم القيامة

قال الله تعالى:

﴿ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ﴾

الإنسان : ٧

ويخافون عقاب الله في يوم القيامة الذي يكون ضرره خطيرًا، وشره فاشيًا منتشرًا على الناس، إلا مَن رحم الله .

قال الله تعالى:

﴿ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ ﴾

الإنسان : ١١

يخافون عذاب يوم هو يوم القيامة كانت شدائده وأهواله فاشية منتشرة في كل جهة وعامة على كل الناس إلا ما رحم الله، وإنما سميت الأهوال شرًا لكونها مضرة بمن تنزل عليه ولكونها صعبة عليه ، كما تسمى الأمراض وسائر الأمور المكروهة شرورًا.

ب – النار يُعذَّبون فيها

قال الله تعالى  :

﴿ هَٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ . جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾

ص : ٥٥-٥٦

وأما المتجاوزون الحدَّ في الكفر والمعاصي، فلهم شر مرجع ومصير، وهو النار يُعذَّبون فيها، تغمرهم من جميع جوانبهم، فبئس الفراش فراشهم.

7- التحصن من الشر

لقد بين الله لنا في كتابه العزيز كيفية التحصن من الشر ، وهي الإيمان، والذكر والدعاء، الصحبة الصالحة ، وفيما يلي تفصيلًا لذلك:

أولًا – الإيمان

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾

التغابن 11

إن الإيمان مصدر لاطمئنان القلب؛ فمن كان قلبه عامرًا بالإيمان فقد حصن نفسه من شر شياطين الإنس والجن.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾

الأنفال 55

إن شر ما دبَّ على الأرض عند الله الكفار المصرُّون على الكفر، فهم لا يصدقون رسل الله، ولا يُقرون بوحدانيته، ولا يتبعون شرعه.

ثانيًا – الذكر والدعاء

للذكر والدعاء أثرٌ عظيم في طمأنة القلوب .

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾

الرعد : ٢٨

ويهدي الذين تسكن قلوبهم بتوحيد الله وذكره فتطمئن، ألا بطاعة الله وذكره وثوابه تسكن القلوب وتستأنس.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾

الأحزاب : ٤١

يا أيها الذين آمنوا ، اذكروا الله بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم ذِكْرًا كثيرًا، واشغلوا أوقاتكم بذكر الله تعالى عند الصباح والمساء، وأدبار الصلوات المفروضات، وعند العوارض والأسباب، فإن ذلك عبادة مشروعة، تدعو إلى محبة الله، وكف اللسان عن الآثام، وتعين على كل خير.

قال الله تعالى:

﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾

الأعراف : ٥٥

ادعوا -أيها المؤمنون- ربكم متذللين له خفية وسرًّا، وليكن الدعاء بخشوع وبُعْدٍ عن الرياء ، وطلب كشف ما يضره ودفعه.

ثالثًا – الصحبة الصالحة

لقد حذر الإسلام من الصحبة السيئة، لاسيما رفقاء السوء، الذين يجاهرون بالمعاصي ، وحث على اختيار الصحبة الصالحة . فالصحبة الصالحة حصنٌ حصينٌ للمرء من الانزلاق في مزالق الشيطان وشروره .

قال الله تعالى:

﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾

الزخرف: ٦٧

الأصدقاء على معاصي الله في الدنيا يتبرأ بعضهم من بعض يوم القيامة، لكن الذين تصادقوا على تقوى الله، فإن صداقتهم دائمة في الدنيا والآخرة.

قال الله تعالى:

﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا. يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ﴾

الفرقان: ٢٧-٢٨

يوم يَعَضُّ الظالم لنفسه على يديه ندمًا وتحسرًا قائلا يا ليتني صاحبت رسول الله محمدًا صلى الله عليه وسلم واتبعته في اتخاذ الإسلام طريقًا إلى الجنة، ويتحسَّر قائلا يا ليتني لم أتخذ الكافر فلانًا صديقًا أتبعه وأوده. لقد أضلَّني هذا الصديق عن القرآن بعد إذ جاءني.

قال الله تعالى   :

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾

الكهف: ٢٨

واصبر نفسك – أيها النبي- مع أصحابك مِن فقراء المؤمنين الذين يعبدون ربهم وحده، ويدعونه في الصباح والمساء، يريدون بذلك وجهه، واجلس معهم وخالطهم، ولا تصرف نظرك عنهم إلى غيرهم من الكفار لإرادة التمتع بزينة الحياة الدنيا، ولا تُطِعْ من جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا، وآثَرَ هواه على طاعة مولاه، وصار أمره في جميع أعماله ضياعًا وهلاكًا.

8 – موقف الإنسان

    إذا مسه الشر

الشر المقصود في هذا المبحث هو الشدائد والابتلاءات ؛ لذا ينقسم الناس في موقفهم من الشدائد إلى قسمين: موقف مذموم وموقف محمود.

أولًا – الموقف المذموم

1- الإنسان الكافر

والموقف المذموم عند الشدائد يصدر عن الكافرين.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا ﴾

الإسراء: ٨٣

والإنسان الكافر إذا أصابته النعمة بطر وتكبر، وإن أصابته الشدة يئس وقنط، وكل إنسان يعمل على نهجه وطريقته في الهدى والضلال .

2- الإنسان الذي يعبد الله

على حرف

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾

الحج: ١١

ومن الناس مَن يدخل في الإسلام على ضعف وشكٍّ، فيعبد الله على تردد، فإن أصابه رخاء وسعة في العيش سكن واستبشر بهذا الخير والدين فعبد الله، وإن أصابه شر وبلاء في جسمه أو ضيق في معيشته ارتد ورجع إلى الكفر.

قال الله تعالى:

﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ﴾

النساء: ١٤٣

وخلاصة ذلك أن من الناس من ليس له ثبات في أمر دينه، بل هو متأرجح مضطرب مذبذب، يعبد الله على وجه التجربة انتظارا للنعمة، فإن أصابه خير بقي مؤمنا، وإن أصابه شر من سقم أو ضياع مال أو فقد ولد ترك دينه وارتد كافرًا.

ثانيًا – الموقف المحمود

وهذا الموقف لا يصدر إلا من أهل الإيمان فهم يتلقون هذه الشدائد والابتلاءات بقلوب صابرة مطمئنة وعامرة بالإيمان بقضاء الله وقدره راضية عن الله تعالى، فالمؤمن يراقب نفسه ويوجهها إلى ما يحب الله ويرضى.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾

البقرة 155- 156

ولنختبرنكم بشيء يسير من الخوف، ومن الجوع، وبنقص من الأموال بتعسر الحصول عليها، أو ذهابها، ومن الأنفس: بالموت أو الشهادة في سبيل الله، وبنقص من الثمرات بقلَّة ناتجها أو فسادها. وبشِّر -أيها النبي- الصابرين على هذا وأمثاله بما يفرحهم ويَسُرُّهم من حسن العاقبة في الدنيا والآخرة. من صفة هؤلاء الصابرين أنهم إذا أصابهم شيء يكرهونه قالوا: إنَّا عبيد مملوكون لله، مدبَّرون بأمره وتصريفه، يفعل بنا ما يشاء، وإنا إليه راجعون بالموت، ثم بالبعث للحساب والجزاء.

9- مواقف محمودة

        من

 القصص القرآني

– موقف إبراهيم عليه السلام.

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ . فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ . وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ﴾

الصافات: ١٠٢-١٠٦

فلقد ابتلى الله إبراهيم ابتلاءً شديدًا، أمره بأن يذبح ولده الحبيب، وكان ذلك الولد عزيزا على أبيه ، وقد جاء من الله بعد الدعاء وبشارة الملائكة به ، فكان له مزيد فضل، ومع ذلك فقد صدع إبراهيم لأمر ربه، وقد كان هذا الابتلاء ابتلاءً بالشر والمكروه.

2- موقف يوسف عليه السلام.

حين تعرض للعديد من الشدائد والابتلاءات ، فصبر على تآمر إخوته عليه وهو صغير ، فعانى الحرمان من حنان والده، وصبر على محاولة امرأة العزيز إغواءه بارتكاب الفاحشة، وصبره على السنوات التي قضاها في السجن.

على لسانه بعد أن اجتمع بأخيه الشقيق بعد فراق طويل

قال الله تعالى:

﴿ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾

يوسف : ٩٠

3- موقف أيوب عليه السلام.

ابتلي أيوب عليه السلام بأنواع البلاء فصبر، وكان قد أصيب في ماله وأهله وبدنه، أذهب ماله فصبر، ثم أهلك أولاده فصبر، ثم سلط البلاء والمرض جسمه فصبر، فعند ذلك تضرع إلى الله تعالى فكشف عنه ضره.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾

الأنبياء: ٨٣

10- جزاء الأشرار

الله عز وجل حكمٌ عدل جعل الجزاء من جنس العمل، وهنا سنتناول شيئًا من جزاء الأشرار في الدنيا والآخرة.

أولًا: جزاء الأشرار في الدنيا

وفي قصص الأنبياء مع أقوامهم عبرة  تدل علي مصير الأشرار الذين ازداد طغيانهم وعقابهم في الدنيا.

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ . إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ . الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ. وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ . وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ. الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ . فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ . فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ . إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾

الفجر: ٦-١٤

عددت الآيات أقوامًا عتاة متمردين جبارين خرجوا عن طاعة الله تعالى، كذبوا رسلهم، وجاوزوا الحد في الشر والظلم والطغيان، وأكثروا من المعاصي والآثام فأنزل الله عليهم ألوانًا شديدة من العذاب .

قال الله تعالى:

﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾

العنكبوت: ٤٠

فأهلكت عادٌ بالريح، وثمود بالصيحة، وفرعون وجنوده بالغرق.

قال الله تعالى    :

﴿ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾

الأنعام : ٩٣

ولو أنك أبصرت هؤلاء المتجاوزين الحدَّ وهم في أهوال الموت لرأيت أمرًا هائلا والملائكة الذين يقبضون أرواحهم باسطو أيديهم بالعذاب قائلين لهم: أخرجوا أنفسكم، اليوم تهانون غاية الإهانة، كما كنتم تكذبون على الله، وتستكبرون عن اتباع آياته والانقياد لرسله.

ثانيًا : جزاء الأشرار في الآخرة

وإذا كان ذلك حال عذابهم في الدنيا فما بال العذاب الذي ينتظرهم في الآخرة، لا شك أنه أشد وأخزى .

قال الله تعالى :

﴿ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾

القلم : ٣٣

1- جزاء الأشرار في الحياة البرزخية

قال الله تعالى:

﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾

غافر: ٤٦

لقد أصابهم الغرق أولا وهلكوا، ثم يُعرضون علي النار صباحًا ومساء إلى وقت الحساب، ويوم تقوم الساعة يقال: أدخلوا آل فرعون النار؛ جزاء ما اقترفوه من أعمال السوء.

2- جزاء الأشرار يوم القيامة

توعد الله الأشرار بألوان من العذاب في نار جهنم ؛ منها

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾

الفرقان: ٣٤

أولئك الكفار هم الذين يُسحبون على وجوههم إلى جهنم، وأولئك هم شر الناس منزلة، وأبعدهم طريقًا عن الحق.

قال الله تعالى:

﴿ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ . يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ  ﴾

الحج: ١٩- 20

فالذين كفروا يحيط بهم العذاب في هيئة ثياب جُعلت لهم من نار يَلْبَسونها، فتشوي أجسادهم، ويُصبُّ على رؤوسهم الماء المتناهي في حره، ويَنزِل إلى أجوافهم فيذيب ما فيها، حتى ينفُذ إلى جلودهم فيشويها فتسقط .

 

 

Share This