1- مفهوم السير

السير هو المضي في الأرض

2- السير

    في

الاستعمال القرآني

وردت كلمة السير وصيغها في القرآن الكريم (٢6) مرة ، والصيغ التي وردت، هي:

– الفعل الماضي

ورد ٤ مرات

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا ﴾

القصص:٢٩

-الفعل المضارع

ورد ١٠ مرات

قال الله تعالى:

﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ﴾

الحج:٤٦

– الفعل الأمر

ورد ٧ مرات

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ﴾

العنكبوت:٢٠

– المصدر

ورد  مرتين

قال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ﴾

سبأ:١٨

– صيغة المبالغة

ورد ٣ مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ ﴾

يوسف:١٩

وجاء السير في الاستعمال القرآني على وجهين:

1- المضي في الأرض

ويشمل السفر

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا ﴾

القصص: ٢٩

أي: مضى بهم وسافر من مدين إلى مصر.

2- المقيل والمبيت

قال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ  سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ﴾

سبأ: ١٨

أي: أنهم كانوا يقيلون ويبيتون ولا يخافون.

3- الألفاظ ذات الصلة بالسير

– السعي

السعي هو المشى في سرعة وقصد إلى هدف ما

قال الله تعالى:

﴿ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ ﴾

القصص:٢٠

– المشي

المشي هو الانتقال من مكان إلى مكان بإرادة .

قال الله تعالى:

﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ﴾

القصص 25

– الضرب

الضرب هو الإسراع إلى السير في الأرض لتجارة أو السفر أوغيرها

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ ﴾

النساء : ١٠١

– السياحة

السياحة هي الذهاب في الأرض والسير فيها

قال الله تعالى:

﴿ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ﴾

التوبة: ٢

4- أغراض السير

        في

القرآن الكريم

مجالات

باستقراء آيات القرآن الكريم المتضمنة للسير في الأرض ، نجد أن أغراض السير ركزت على الأتي

1- السير للنظر في السنن الكونية

السنن الكونية تشمل الجانب المادي من هذا الكون ، وقد وردت الدعوة إلى السير في الأرض والنظر في سنن الله سبحانه وتعالى في تسيير هذا الكون وعمارته .

قال الله تعالى:

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ . قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

العنكبوت: ١٩-٢٠

أولم يعلم هؤلاء كيف ينشئ الله الخلق من العدم، ثم يعيده من بعد فنائه، كما بدأه أول مرة خلقًا جديدًا، لا يتعذر عليه ذلك؟ إن ذلك على الله يسير، كما كان يسيرًا عليه إنشاؤه. قل -أيها الرسول- لمنكري البعث بعد الممات: سيروا في الأرض، فانظروا كيف أنشأ الله الخلق، ولم يتعذر عليه إنشاؤه مبتدَأً؟ فكذلك لا يتعذر عليه إعادة إنشائه النشأة الآخرة. إن الله على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء أراده.

تلك حكمة الأمر بالسير في الأرض، وذلك أثرها في الكشف عن سنة الله في بدء الخلق؛ فالسير في الأرض وسيلةٌ جامعة لمختلف الدلائل ينسجم فيها الحس والعقل، وتتناغم فيها المشاهدة والتأمل، وبها يزول تبلد الحس، فيدرك المتأمل ألا خالق إلا الله سبحانه وتعالى، ولا مبتدئا بالخلق سواه، وأن البعث حق ووقوعه لا ريب فيه.

2- السير للنظر في السنن الاجتماعية

السنن الاجتماعية هي القواعد التي تحكم الإنسان في علاقته بهذا الكون وخالقه ، وهذه السنن تتعلق كلها بدينه وأمره ونهيه ووعده ووعيده. وقد اقترنت بذكر الأمم السابقة . وقد تضمن القرآن الكريم دعوة صريحة إلى السير في الأرض والبحث عن أحوال الماضين وتعرف ما حل بهم وهو الذي يوصل إلى معرفة أسباب صلاح الأمم وفسادها ، وتجنب الأخطاء التي وقعوا فيها وقد حددت آيات السير نطاق النظر في السنن الاجتماعية وهو الأرض، والسبب أنها مسرح الحياة البشرية عليها عاشوا وعليها بنوا وشيدوا، وعليها تركوا آثارهم، فهي مستودع السنن الاجتماعية، وبالسير فيها والنظر إلى آثار الذين خلوا من قبل تحصل العبرة وتتقى أسباب مصارعهم.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا  أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

يوسف: ١٠٩

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ ﴾

الروم: ٤٢

﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ  إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾

فاطر: ٤٤

﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ  كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ ﴾

غافر: ٢١

﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

غافر: ٨٢

﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ﴾

محمد: ١٠

﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾

آل عمران: ١٣٧

﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾

النحل: ٣٦

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾

النمل: ٦٩

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ ﴾

الروم: ٤٢

ولما كان القصد من السير في الأرض هو النظر نظرة تأمل واعتبار بمصائر القرى الظالمة، وكيف كان عاقبتها حين عتت عن أمر ربها وكذبت رسله؛ فقد ناسب أن تساق كسنن اجتماعية تاريخية ثابتة ومطردة ، لا تحابي أمة من الأمم، ولا يستثنى منها أحد، ولذلك جاء الوعيد شديدا لكل من سلك سبيل المكذبين والمجرمين، فتكررت الدعوة إلى النظر والاعتبار بالعاقبة في كل آيات السير .

3- السير ابتغاء الرزق

من مقاصد السير كما حددته نصوص القرآن الكريم ابتغاء الرزق، والأرزاق نوعان

– ظاهرةٌ

للأبدان كالأقوات

– باطنةٌ

للقلوب والنفوس كالمعارف والعلوم

وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون اكتساب الرزق وفق سنة اتخاذ الأسباب، فألهم الحيوانات والطيور أن تتحرك وتتنقل من مكان إلى آخر، وزودها بغرائز وخلق لها أعضاء تمكنها من كسب قوتها، فإذا كانت تلك سنته تعالى في رزق البهائم والعجموات وهي مخلوقات ضعيفة، فإنها في حق الإنسان المكرم أولى، فقد اقتضت سنته في رزق العباد أن يصلهم بأسباب يباشرونها باختيارهم، ويسر لهم تلك الأسباب، ودلهم على مفاتيح الرزق ، ومنها السعي والضرب في الأرض ابتغاء الرزق

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾

الملك: ١٥

سافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

المزمل: ٢٠

فقد ذكرت الآية الكريمة أصحاب الأعذار الذين يشق عليهم قيام ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه ، وهم: المرضى، والضاربون في الأرض للتجارة وطلب المعاش أو ابتغاء الرزق المعبر عنه بفضل الله ، والمجاهدون، فخفف الله عنهم، وكلفهم ما يطيقون، ليقرأوا في صلاة الليل ما تيسر من القرآن .

قال الله تعالى:

﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

الجمعة: ١٠

إذا فرغتم من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم.

5- اقتران السير

      في

 الأرض بالنظر

السير قد ذكر مقترنا بالنظر في كل المواضع بصيغ مختلفة. ولفهم سبب هذا الآقتران ، نجد أن معنى النظر المرتبط بالسير في استعمال القرآن الكريم، هو الرؤية والمشاهدة بالعين، والتأمل والاعتبار بالقلب.

قال الله تعالى :

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ ﴾

الروم: ٤٢

فالدعوة إلى السير ليست مقصودة لذاتها، بل هي مقرونة بهدف هو النظر والتأمل للعظة والاعتبار ، فمن سار في الأرض ومر على آثار الذين خلوا من قبل، ولم يقلب بصره فيها، ويتأمل ببصيرته ما فيها من آيات وعبر، فإنه لم يحقق الهدف من السير

6 – مقاصد السير

ليس السير مجرد مرور أو وقوف على الآثار، ولكن السير المعتبر له مقاصد  ، ورددت في القرآن الكريم ، وهى  ..

1- الاعتبار بمآل المؤمنين ومآل المكذبين

أ -الاعتبار بمآل المؤمنين

قال الله تعالى :

﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾

آل عمران: ١٣٧

يخاطب الله تعالى المؤمنين لـمَّا أُصيبوا يوم “أُحد” تعزية لهم بأنه قد مضت من قبلكم أمم، ابتُلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين فكانت العاقبة لهم، فسيروا في الأرض معتبرين بما آل إليه أمر أولئك المكذبين بالله ورسله.

ب – الاعتبار بمآل المكذبين

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾

الأنعام: ١١

قل لهم -أيها الرسول-: سيروا في الأرض ثم انظروا كيف أعقب الله المكذبين الهلاك والخزي؟ فاحذروا مثل مصارعهم، وخافوا أن يحلَّ بكم مثل الذي حل بهم.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾

النحل: ٣٦

ولقد بعثنا في كل أمة سبقَتْ رسولا آمرًا لهم بعبادة الله وطاعته وحده وتَرْكِ عبادة غيره من الشياطين والأوثان والأموات وغير ذلك مما يتخذ من دون الله وليًا، فكان منهم مَن هدى الله، فاتبع المرسلين، ومنهم المعاند الذي اتبع سبيل الغيِّ، فوجبت عليه الضلالة، فلم يوفقه الله. فامشوا في الأرض، وأبصروا بأعينكم كيف كان مآل هؤلاء المكذبين، وماذا حلَّ بهم مِن دمار؛ لتعتبروا؟

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ . قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾

الأنعام: ١٠ – ١١

أن الاستهزاء بالرسل عليهم السلام ليس أمرا حادثا، بل قد وقع من الكفار السابقين مع أنبيائهم، فأحاط بهم العذاب الذي كانوا يهزؤون به وينكرون وقوعه. قل لهم -أيها الرسول-: سيروا في الأرض ثم انظروا كيف أعقب الله المكذبين الهلاك والخزي؟ فاحذروا مثل مصارعهم، وخافوا أن يحلَّ بكم مثل الذي حل بهم.

ج – النظر في عاقبة المجرمين

ومن مقاصد السير في القرآن الكريم النظر في عاقبة المجرمين .

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ . لَقَدْ وُعِدْنَا هَٰذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ . قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾

النمل: ٦٧ – ٦٩

وقال الذين جحدوا وحدانية الله: أنحن وآباؤنا مبعوثون أحياء كهيئتنا من بعد مماتنا بعد أن صرنا ترابًا؟ لقد وُعدنا هذا البعث نحن وآباؤنا مِن قبل، فلم نر لذلك حقيقة ولم نؤمن به، ما هذا الوعد إلا مما سطَّره الأولون من الأكاذيب في كتبهم وافتروه. قل – أيها الرسول- لهؤلاء المكذبين: سيروا في الأرض، فانظروا إلى ديار مَن كان قبلكم من المجرمين، كيف كان عاقبتهم ؟ أهلكهم الله بتكذيبهم، والله فاعل بكم مثلهم إن لم تؤمنوا.

2- التفكر في الخلق

قد جاءت نصوص القرآن الكريم تأمر بالتفكر وتثني على المتفكرين ؛ فأصل كل طاعة إنما هو الفكر؛  ومجال التفكر واسع يشمل الآيات المشهودة، فكل ما خلق الله عز وجل في السماوات؛ من شمس وقمر وكواكب، وفي الأرض؛ من بحار وأنهار وجبال وحيوان ونبات، وظواهر طبيعية كالسحاب والأمطار والرياح وغيرها.

قال الله تعالى:

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ  إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

العنكبوت: ١٩-٢٠

أولم يعلم هؤلاء كيف ينشئ الله الخلق من العدم، ثم يعيده من بعد فنائه، كما بدأه أول مرة خلقًا جديدًا، لا يتعذر عليه ذلك؟ إن ذلك على الله يسير، كما كان يسيرًا عليه إنشاؤه. قل – أيها الرسول- لمنكري البعث بعد الممات: سيروا في الأرض، فانظروا كيف أنشأ الله الخلق، ولم يتعذر عليه إنشاؤه مبتدَأً؟ فكذلك لا يتعذر عليه إعادة إنشائه النشأة الآخرة. إن الله على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء أراده.

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

الروم: ٢٧

والله وحده الذي يبدأ الخلق من العدم ثم يعيده حيًا بعد الموت، وإعادة الخلق حيًا بعد الموت أهون على الله من ابتداء خلقهم، وكلاهما عليه هيِّن. وله سبحانه الوصف الأعلى في كل ما يوصف به، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير. وهو العزيز الذي لا يغالَب، الحكيم في أقواله وأفعاله، وتدبير أمور خلقه.

قال الله تعالى:

﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ . أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾

الروم: ٨-٩

أولم يتفكر هؤلاء المكذِّبون برسل الله ولقائه في خلق الله إياهم، وأنه خلقهم، ولم يكونوا شيئًا. ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا لإقامة العدل والثواب والعقاب، والدلالة على توحيده وقدرته، وأجل مسمى تنتهي إليه وهو يوم القيامة؟ وإن كثيرًا من الناس بلقاء ربهم لجاحدون منكرون؛ جهلا منهم بأن معادهم إلى الله بعد فنائهم، وغفلةً منهم عن الآخرة. أولم يَسِرْ هؤلاء المكذبون بالله الغافلون عن الآخرة في الأرض سَيْرَ تأمل واعتبار، فيشاهدوا كيف كان جزاء الأمم الذين كذَّبوا برسل الله كعاد وثمود؟ وقد كانوا أقوى منهم أجسامًا، وأقدر على التمتع بالحياة حيث حرثوا الأرض وزرعوها، وبنَوْا القصور وسكنوها، فعَمَروا دنياهم أكثر مما عَمَر أهل “مكة” دنياهم، فلم تنفعهم عِمارتهم ولا طول مدتهم، وجاءتهم رسلهم بالحجج الظاهرة والبراهين الساطعة، فكذَّبوهم فأهلكهم الله، ولم يظلمهم الله بذلك الإهلاك، وإنما ظلموا أنفسهم بالشرك والعصيان.

7- أساليب الحث على

 السير للتأمل

تعددت وتنوعت أساليب القرآن الكريم في الحث على السير، تأكيدا لأهمية موضوع السير، وإثارة انتباه القارئ والسامع.

1- أسلوب الأمر

أمر القرآن الكريم بالسير في الأرض للتأمل للأعتبار

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾

الأنعام 11

فقد طلب منهم أن يسيروا في الأرض ليروا نهاية المكذبين، فتطمئن قلوبهم لصدق وعد الله تعالى بنصر المؤمنين وإهلاك الكافرين .

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾

النمل 69

قل – أيها الرسول- لهؤلاء المكذبين: سيروا في الأرض، فانظروا إلى ديار مَن كان قبلكم من المجرمين، كيف كان عاقبة المكذبين للرسل؟ أهلكهم الله بتكذيبهم، والله فاعل بكم مثلهم إن لم تؤمنوا.

2- أسلوب الاستفهام

حين نستقرئ آيات السير نلاحظ أن أكثرها جاء بأسلوب الاستفهام ، منها

قال الله تعالى:

﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾

يوسف: ١٠٩

﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾

الروم: ٩

8 – المخاطبون بالسير للتأمل

الآيات الواردة في موضوع السير، قد خاطبت طائفتين ، هما

1- المؤمنين

خاطب القرآن الكريم المؤمنون ودعاهم إلى السير في الأرض

قال الله تعالى:

﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾

آل عمران: ١٣٧

يخاطب الله المؤمنين لـمَّا أُصيبوا يوم ﴿ أُحد ﴾ تعزية لهم بأنه قد مضت من قبلكم أمم، ابتُلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين فكانت العاقبة لهم، فسيروا في الأرض معتبرين بما آل إليه أمر أولئك المكذبين بالله ورسله.

2- مخاطبة المكذبين

يمثل خطاب المكذبين من الكفار والمشركين أغلب آيات السير ، وهي تدور في مجملها حول الأُ تي

1- تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ . قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾

الأنعام: ١٠-١١

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

يوسف: ١٠٩

2- إنكار البعث

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ . لَقَدْ وُعِدْنَا هَٰذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ . قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾

النمل: ٦٧ – ٦٩

﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ . أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ . أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾

الروم: ٧ – ٩

تلك نماذج من آيات السير في القرآن الكريم التي خوطب بها المكذبون للنبي صلى الله عليه وسلم والمنكرون للبعث ، وما تحمل من النذر لكل من يسلك هذا السبيل، فيحل عليه العذاب ، كما حل بالأمم التي كذبت رسلها، فجعلها الله عبرة لمن يعتبر.

Share This