1- مفهوم السرّ
اسم لما يكتمه الإنسان ويخفيه ، وهو خلاف الإعلان . ويستعمل في
أ – الأشياء
قال الله تعالى:
﴿ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَىٰ هَٰذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾
يوسف: ١٩
وأسروه بضاعة : أي أخفوا يوسفَ وقالوا: إن هذه بضاعة استبضعناها،والله عليم بما يعملونه بيوسف.
ب – المعاني
قال الله تعالى:
﴿ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ ﴾
يوسف: ٧٧
فأخفى يوسف في نفسه ما سمعه
2- كلمة السر
في
القرآن الكريم
وردت كلمة السر وصيغها في القرآن الكريم (32) مرة . والصيغ التي وردت، هي:
– الفعل الماضي
ورد 10 مرات
قال الله تعالى:
﴿ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ )
المائدة:٥٢
– الفعل المضارع
ورد 7 مرات
قال الله تعالى:
﴿ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ )
التغابن:٤
– فعل الأمر
ورد مرة واحدة
قال الله تعالى:
﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾
الملك:١٣
– المصدر
ورد مرتين
قال الله تعالى:
﴿ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ﴾
نوح:٩
– الاسم
ورد 12مرة
قال الله تعالى:
﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾
طه:٧
وجاء السرّ في القرآن بأنه اسم لما يكتم ويخفى من الأعيان والمعاني من العقائد والنيات والأقوال والأعمال وغيرها.
قال الله تعالى:
﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾
طه:٧
وأبان القرآن أنّ السرّ ضدّ العلانية
قال الله تعالى:
﴿ أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾
البقرة : 77
3- الكلمات ذات الصلة
بكلمة السر
– النجوى
هى إسرار الحديث إلى الغير
قال الله تعالى:
﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ ﴾
المجادلة: 7
– الإخفاء
ستر وكتمان وتغييب الشيء، وأن لا يجعل عليه علامة يهتدى إليه من جهتها .
قال الله تعالى:
﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾
إبراهيم 38
– الكتمان
إخفاء الشيء حتى لا يرى ولا يعلم ؛ والكتمان يختص بالمعاني غالبًا، كالإسرار والإخبار .
قال الله تعالى:
﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾
البقرة: ٢٢٨
﴿ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ﴾
النساء: ٤٢
4 – استواء السر والعلن
في علم الله تعالى
تعد صفة العلم إحدى ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ الذاتية لله جل ذكره .
قال الله تعالى:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
البقرة: ٢٣١
أن الله هو العليم الذي أحاط علمه بالعالم العلوي، والسفلي، ولا يخلو عن علمه مكان، ولا زمان ويعلم الغيب، والشهادة، والظواهر، والبواطن، والجلي، والخفي .
قال الله تعالى:
﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾
الأنعام: ٥٩
وقد جعل الله تعالى العلم بالسر دليلاً على أولهيته سبحانه
قال الله تعالى:
﴿ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾
الأنعام: ٣
كما قد جعل الله تعالى العلم بالسر دليلاً على أن القرآن من عنده
قال الله تعالى:
﴿ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾
الفرقان: ٦
بيَّن الله تعالى أنه يعلم السر والجهر للمؤمنين والكافرين والمنافقين وجميع المخلوقين، وأنه يعلم الضمائر والسرائر كما يعلم الظواهر، وسيجزي كل عامل بعمله يوم القيامة، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
قال الله تعالى:
﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾
طه: ٧
﴿ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾
التغابن: ٤
﴿ أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾
البقرة: ٧٧
﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾
التوبة: ٧٨
ثم أمر الله تعالى المشركين بأن يسروا القول أو يجهروا، وأن ذلك عنده سواء؛ لأن الله عليم بذات الصدور، وأنه يعلم تفاصيل خلقه .
قال الله تعالى:
﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ . أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾
الملك: ١٣ – ١٤
ثم قال تعالى مخبراً عن إحاطة علمه بخلقه واطلاعه عليهم وسماعه كلامهم، ورؤيته مكانهم حيث كانوا وأين كانوا .
قال الله تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
المجادلة : ٧
مطلع عليهم يسمع كلامهم وسرهم ونجواهم ورسله أيضاً ، مع ذلك تكتب ما يتناجون به مع علم الله به وسمعه لهم .
قال الله تعالى:
﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾
التوبة: ٧٨
﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾
الزخرف: ٨٠
﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾
ق: ١٨
أي: رقيب.
كما هدد الله وتوعد من ينكر علمه بالسر والعلن،
قال الله تعالى:
﴿ لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ﴾
النحل: ٢٣
﴿ فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾
يس: ٧٦
– ألفاظ أخرى
بمعنى السر
وقد وردت آيات تبين أن الله تعالى يستوي عنده السر والعلن بألفاظ أخرى بمعنى السر:
1- بلفظ الكتمان
قال الله تعالى:
﴿ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾
البقرة: ٣٣
﴿ مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾
المائدة: ٩٩
﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ ﴾
الأنبياء: ١١٠
2- بلفظ الإخفاء
قال الله تعالى:
﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
البقرة: ٢٨٤
﴿ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ ﴾
الممتحنة: ١
﴿ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾
الرعد: ١٠
-3 بلفظ الإكنان
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ﴾
البقرة: ٢٣٥
أي: أخفيتم.
ويترتب على أن الله بكل شيء عليم، وأنه يستوي في علمه السر والجهر: أن تظهر صفة المراقبة لله تعالى لدى العبد في السر والعلن، وذلك أن العبد إذا استشعر عظمة علم الله وسعته، وشموله لكل ما خلق الله سبحانه، وأنه يعلم السر والجهر، فإنه يعيش دائماً يراقب الله الذي يعلم السر وأخفى، ويعمل على إصلاح سريرته وعلانيته في كل وقت وحين، كما يدفعه ذلك لأن يجتنب الكبائر والصغائر ويتقي الله في خلوته ووحدته، كما يفعل ذلك في حضرته وشهوده.
5- الإسرار المحمود وميادينه
للإسرار المحمود ميادين نبينها فيما يأتي:
1- الإسرار بالدعوة
تعتبر الدعوة السرية أحد أطوار الدعوة الإسلامية ومبتدأها، في كل وقت وحين، وهي سنة المرسلين والأنبياء جميعاً، وكذلك الدعاة المصلحين، وقد جسد ذلك نبي الله نوح عليه السلام
قال الله تعالى:
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا . فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا. وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا . ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا . ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا . فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴾
نوح: ٥ – ١٠
قال نوح: رب إني دعوت قومي إلى الإيمان بك وطاعتك في الليل والنهار، فلم يزدهم دعائي لهم إلى الإيمان إلا هربًا وإعراضًا عنه، وإني كلما دعوتهم إلى الإيمان بك؛ ليكون سببًا في غفرانك ذنوبهم، وضعوا أصابعهم في آذانهم؛ كي لا يسمعوا دعوة الحق، وتغطَّوا بثيابهم؛ كي لا يروني، وأقاموا على كفرهم، واستكبروا عن قَبول الإيمان استكبارًا شديدًا، ثم إني دعوتهم إلى الإيمان ظاهرًا علنًا في غير خفاء، ثم إني أعلنت لهم الدعوة بصوت مرتفع في حال، وأسررت بها بصوت خفيٍّ في حال أخرى، فقلت لقومي: سلوا ربكم غفران ذنوبكم، وتوبوا إليه من كفركم، إنه تعالى كان غفارًا لمن تاب من عباده ورجع إليه.
2- إسرار الإنفاق
دعت الآيات القرآنية الكريمة ﺇﻟﻰ الإنفاق في السر والجهر؛ فالإنفاق سرّاً حتى لا يقع الإنسان فريسة المباهاة؛ والإنفاق علناً كي يعطي غيره من القادرين أسوة حسنة .
قال الله تعالى:
﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ ﴾
إبراهيم: ٣١
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
البقرة: ٢٧٤
ثم ذكر الله أن الإنفاق في السر والعلانية ، وفي جميع الأحوال والأوقات صفة من صفات أهل الجنة .
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾
فاطر: ٢٩
﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾
البقرة: ٢٧١
3- الإسرار بالدعاء
أمر الله تعالى بالإسرار بالدعاء
قال الله تعالى:
﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ . وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
الأعراف: ٥٥- ٥٦
ادعوا – أيها المؤمنون- ربكم متذللين له خفية وسرًّا، وليكن الدعاء بخشوع وبُعْدٍ عن الرياء. إن الله تعالى لا يحب المتجاوزين حدود شرعه، وأعظم التجاوز الشرك بالله، كدعاء غير الله من الأموات والأوثان، ونحو ذلك. ولا تُفْسدوا في الأرض بأيِّ نوع من أنواع الفساد، بعد إصلاح الله إياها ببعثة الرسل -عليهم السلام- وعُمْرانها بطاعة الله، وادعوه -سبحانه- مخلصين له الدعاء؛ خوفًا من عقابه ورجاء لثوابه. إن رحمة الله قريب من المحسنين.
– عن حال الداعين
قال الله تعالى:
﴿ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾
الأنعام: ٦٣
قل – أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: من ينقذكم من مخاوف ظلمات البر والبحر؟ أليس هو الله تعالى الذي تدعونه في الشدائد متذللين جهرًا وسرًّا؟ تقولون: لئن أنجانا ربنا من هذه المخاوف لنكونن من الشاكرين بعبادته عز وجل وحده لا شريك له.
وقد راعى نبي الله زكريا عليه السلام أدب الدعاء، وهو إخفاؤه ؛ لكونه أبعد عن الرياء، وأدخل في الإخلاص
قال الله تعالى:
﴿ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا . إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ﴾
مريم: ٣
4- إسرار الغضب
جعل الله سبحانه وتعالى إسرار الغضب وكتمانه مع القدرة على إنفاذه من صفات المتقين .
عن نبي الله يوسف عليه السلام
قال الله تعالى:
﴿ قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴾
يوسف: ٧٧
فقد أسر في نفسه قذفهم له وتحمل القذف ولم يظهر غضباً منها، أسر هذه الفعلة وحفظها في نفسه، ولم يبد تأثره منها، وهو يعلم براءته وبراءة أخيه ، وأعرض عن زجرهم وعقابهم مع أنها طعن فيه وكذب عليه.
6- أنواع الإسرار المذموم
الإسرار المذموم أنواع نتناولها بالبيان في ما يأتي:
1- إسرار الكفر
إن من أخلاق المنافقين إسرار الكفر وإعلان الإيمان، وقد ذكر الله تعالى أن ذلك خلق راسخ ومتجذر فيهم في آيات كثيرة ، منها:
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾
البقرة: ٧٦-٧٧
﴿ وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ ﴾
المائدة : ٦١
فالمنافقون يصانعون المؤمنين في الظاهر، وقلوبهم منطوية على الكفر، ولا نجعت فيهم المواعظ ولا الزواجر، مع أن الله تعالى عليم بما يسرون، وإن أظهروا لخلقه خلاف ذلك، وتزينوا بما ليس فيهم، فإن الله أعلم بهم منهم، وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء، ثم بين الله تعالى أنه سيظهر ذلك يوم القيامة
قال الله تعالى:
﴿ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾
الأنعام: ٢٨
أي: أن الله تعالى يوم القيامة يكشف أسرار المنافقين الذين كانوا يسرون الكفر ويظهرون الإسلام، وأخبر أنهم لو ردوا إلى الحياة الدنيا لعادوا لما نهوا عنه؛ لأن المنافق يخالف قوله فعله، وسره علانيته، ومدخله مخرجه، ومشهده مغيبه.
2- إسرار العداوة والبغضاء
إن إسرار العداوة والبغضاء لأهل الإيمان من أعمال المنافقين، وبالرغم من إسرار المنافقين العداوة والبغضاء وكتمانها في قلوبهم عن المسلمين، إلا أنها تبدو من أفواه المنافقين بالشتيمة والوقيعة ، وما تخفي صدورهم من العداوة والخيانة أكبر: أعظم مما أظهروا .
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ . هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾
آل عمران: ١١٨ – ١١٩
يا أيها الذين آمنوا ، لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين، تُطْلعونهم على أسراركم، فهؤلاء لا يَفْتُرون عن إفساد حالكم، وهم يفرحون بما يصيبكم من ضرر ومكروه، وقد ظهرت شدة البغض في كلامهم، وما تخفي صدورهم من العداوة لكم أكبر وأعظم. قد بيَّنَّا لكم البراهين والحجج، لتتعظوا وتحذروا، إن كنتم تعقلون عن الله مواعظه وأمره ونهيه. ها هوذا الدليل على خطئكم في محبتهم، فأنتم تحبونهم وتحسنون إليهم، وهم لا يحبونكم ويحملون لكم العداوة والبغضاء، وأنتم تؤمنون بالكتب المنزلة كلها ومنها كتابهم، وهم لا يؤمنون بكتابكم، فكيف تحبونهم؟ وإذا لقوكم قالوا -نفاقًا-: آمنَّا وصدَّقْنا، وإذا خلا بعضهم إلى بعض بدا عليهم الغم والحزن، فعَضُّوا أطراف أصابعهم من شدة الغضب، لما يرون من ألفة المسلمين واجتماع كلمتهم، وإعزاز الإسلام، وإذلالهم به. قل لهم -أيها الرسول-: موتوا بشدة غضبكم. إن الله مطَّلِع على ما تخفي الصدور، وسيجازي كلا على ما قدَّم مِن خير أو شر.
3- إسرار المكر والكيد
إن إسرار المكر والكيد لله ولرسله وللمؤمنين في كل وقت وحين هو من أخلاق الكافرين والمنافقين، ولا يكون المكر والكيد إلا في سرٍّ وخفيةٍ، وهو على أنواع:
1- المكر والكيد بآيات الله
وذلك بالطعن فيها وتكذيبها والاحتيال في دفعها
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ﴾
يونس: ٢١
وإذا أذقنا المشركين يسرًا وفرجًا ورخاءً بعد عسر وشدة وكرب أصابهم، إذا هم يكذِّبون، ويستهزئون بآيات الله، قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين المستهزئين: الله أسرع مكرًا واستدراجًا وعقوبة لكم. إن حَفَظَتَنا الذين نرسلهم إليكم يكتبون عليكم ما تمكرون في آياتنا، ثم نحاسبكم على ذلك.
2- المكر والكيد برسل الله تعالى والمؤمنين
دلت الكثير من الآيات على مكر وكيد الكافرين والمنافقين برسل الله تعالى والمؤمنين .
قال الله تعالى:
﴿ وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْس وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾
الرعد: ٤٢
ولقد دبَّر الذين من قبلهم المكايد لرسلهم، كما فعل هؤلاء معك، فلله المكر جميعًا، فيبطل مكرهم، ويعيده عليهم بالخيبة والندم، يعلم سبحانه ما تكسب كل نفس من خير أو شر فتجازى عليه. وسيعلم الكفار – إذا قدموا على ربهم- لمن تكون العاقبة المحمودة بعد هذه الدنيا؟ إنها لأتباع الرسل. وفي هذا تهديد ووعيد للكافرين.
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾
الأنفال: ٣٠
واذكر -أيها الرسول- حين يكيد لك مشركو قومك بـمكَّة ؛ ليحبسوك أو يقتلوك أو ينفوك من بلدك. ويكيدون لك، وردَّ الله مكرهم عليهم جزاء لهم، ويمكر الله، والله خير الماكرين.
قال الله تعالى:
﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾
آل عمران: ١٢٠
ومن عداوة هؤلاء أنكم -أيها المؤمنون- إن نزل بكم أمرٌ حسن مِن نصر وغنيمة ظهرت عليهم الكآبة والحزن، وإن وقع بكم مكروه من هزيمة أو نقص في الأموال والأنفس والثمرات فرحوا بذلك، وإن تصبروا على ما أصابكم، وتتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، لا يضركم أذى مكرهم. والله بجميع ما يعمل هؤلاء الكفار من الفساد محيط، وسيجازيهم على ذلك.
3- المكر والكيد بين المسلمين بعضهم لبعض
وهذا محرم ولا يجوز
قال الله تعالى:
﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾
يوسف: ٥
﴿ فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾
يوسف: ٢٨
4- الإسرار بالمودة للكافرين
بيَّن الله تعالى بأن من يسرّ من المسلمين إلى المشركين بالمودة فقد جار عن قصد السبيل التي جعلها الله طريقاً إلى الجنة ومحجة إليها،
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾
الممتحنة: ١
يا أيها الذين آمنوا ، لا تتخذوا عدوي وعدوكم خلصاء وأحباء، تُفْضون إليهم بالمودة، فتخبرونهم بأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، وسائر المسلمين، وهم قد كفروا بما جاءكم من الحق من الإيمان بالله ورسوله وما نزل عليه من القرآن، يخرجون الرسول ويخرجونكم- أيها المؤمنون- من “مكة”؛ لأنكم تصدقون بالله ربكم، وتوحدونه، إن كنتم- أيها المؤمنون- هاجرتم مجاهدين في سبيلي، طالبين مرضاتي عنكم، فلا توالوا أعدائي وأعداءكم، تُفْضون إليهم بالمودة سرًّا، وأنا أعلم بما أخفيتم وما أظهرتم، ومن يفعل ذلك منكم فقد أخطأ طريق الحق والصواب، وضلَّ عن قصد السبيل.
5- الإسرار بمواعدة النساء بالزواج
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾
البقرة : ٢٣٥
ولا إثم عليكم – أيها الرجال – فيما تُلَمِّحون به مِن طلب الزواج بالنساء المتوفَّى عنهنَّ أزواجهن، أو المطلقات طلاقًا بائنًا في أثناء عدتهن، ولا ذنب عليكم أيضًا فيما أضمرتموه في أنفسكم من نية الزواج بهن بعد انتهاء عدتهن. علم الله أنكم ستذكرون النساء المعتدَّات، ولن تصبروا على السكوت عنهن، لضعفكم؛ لذلك أباح لكم أن تذكروهن تلميحًا أو إضمارًا في النفس، واحذروا أن تواعدوهن على النكاح سرًا بالزنى أو الاتفاق على الزواج في أثناء العدة، إلا أن تقولوا قولا يُفْهَم منه أن مثلها يُرْغَبُ فيها الأزواج، ولا تعزموا على عقد النكاح في زمان العدة حتى تنقضي مدتها. واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فخافوه، واعلموا أن الله غفور لمن تاب من ذنوبه، حليم على عباده لا يعجل عليهم بالعقوبة.
7- عدم إفشاء الأسرار
والمحافظة على الأسرار أمانة عظيمة يجب الوفاء بها، وقد حثّنا الشرع عليها، وحذّرنا من فشو الأسرار والتفريط فيها .
قال الله تعالى:
﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾
الإسراء: ٣٤
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾
المعارج: ٣٢
فعلى من أودع سرًّا أن يحافظ عليه ولا يفشيه أبدًا، وإلا أصبح خائنًا،
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
الأنفال: ٢٧
نهى الله المؤمنين أن يخونوا أماناتهم فيما بينهم، أو فيما أسر الرسول إليهم من السر، وهم يعلمون أن الخيانة ليست من شأن الكرام، بل هي من شأن اللئام .
8- السر يوم القيامة
تنكشف أسرار الناس يوم القيامة فلا يخفى منه على الله شيء، وهذا ما سنبينه في النقاط الآتية:
1- انكشاف السرائر
في يوم القيامة تنكشف السرائر، ويعرض الناس على عالم السر والنجوى، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، بل هو عالم بالظواهر والسرائر والضمائر، وفي ذلك اليوم يعرض العباد على الله لحسابهم، فلا يخفى على الله تعالى من أعيانهم وأعمالهم وأحوالهم وأمورهم شيء، فهو يعلم السر وأخفى،
قال الله تعالى:
﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾
الحاقة : ١٨
﴿ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾
غافر: ١٦
﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾
إبراهيم: ٣٨
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾
غافر: ١٩
وانكشاف السرائر يوم القيامة لا يقتصر على الأعمال فقط، بل تنكشف عقائد المنافقين الذين كانوا يسرون الكفر، ويظهرون الإسلام، ويبدى لهم يوم القيامة ما كانوا يخفون من قبل،
قال الله تعالى:
﴿ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾
الأنعام: ٢٨
2- إسرار الندامة
أخبر الله تعالى أن الكافرين يسرون الندامة يوم القيامة، والندامة: الحسرة لوقوع شيء أو فوت شيء .
قال الله تعالى:
﴿ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾
يونس 54
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
سبأ: ٣٣
وإسرار الندامة يوم القيامة أي: أظهروها وأعلنوها على ما فاتهم من الكفر والعصيان .
أن الندامة تظهر يوم القيامة جهراً .
قال الله تعالى:
﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا . يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾
الفرقان: ٢٧ – ٢٩
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ . فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
الملك: ١٠- ١١
9- المحاسبة على السر
الله تعالى له ملك السماوات والأرض وما فيهن وما بينهن، وهو المطلع على ما فيهن، بحيث لا تخفى عليه الظواهر، ولا السرائر والضمائر، وإن دقت وخفيت .
قال الله تعالى:
﴿ قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾
آل عمران: ٢٩
﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾
طه: ٧
﴿ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ﴾
غافر: ١٦
وفي يوم القيامة تختبر وتكشف السرائر ويُمَيَّز الصالح منها من الفاسد
قال الله تعالى:
﴿ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ﴾
الطارق: ٩
الله سبحانه وتعالى سيحاسب عباده على ما فعلوه وما أخفوه في صدورهم،
قال الله تعالى:
﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
البقرة: ٢٨٤
واختبار سرائر الصدور يظهر ما كان في القلوب من خير وشر على صفحات الوجوه ،
قال الله تعالى:
﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾
آل عمران: ١٠٦
أحدث التعليقات