1- مفهوم الرشد

الرشد يعني الاهتداء إلى الصَّلاح في أمر الدِّين، وهو الأكثر، والصَّلاح في أمر الدُّنيا أيضًا .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴾

الأنبياء : 51

رشده : أي هداه .

قال الله تعالى:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾

البقرة : 245

الرُّشْدُ: أي الصلاح .

فالرشد هو إصابة وجه الحقيقة هو السداد وهو السير في الإتجاه الصحيح ، وهو حسنُ التصرف في الأشياء، وسداد المسلك في علَّة ما أنت بصدده ، فإذا ارشدك الله فقد أوتيت خيرا عظيما .

2- كلمة الرشد

        في

 القرآن الكريم

وردت كلمة (الرشد) وصيغها في القرآن الكريم (19) مرة . والصيغ التي وردت هي:

– الفعل المضارع

ورد مرة واحدة

قَال الله تعالى:

﴿ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾

البقرة::  186

– مصدر

ورد 9 مرات

قَال الله تعالى:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾

البقرة :  256

– صفة

ورد 9 مرات

قَال الله تعالى:

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ﴾

هود:  78

الرُّشْدَ جاء في القرآن الكريم تقابله عدَّة أمور فصلتها آياته، وهي ..

1- الهداية

قال الله تعالى:

﴿ لَا إِكرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ ﴾

البقرة : 245

2- الصلاح

قال الله تعالى:

﴿ وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا  ﴾

الأعراف :  146

3-  الخير

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﴾

الجن :10

4-  العلم

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا  ﴾

الكهف : 66

5 – النفع

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا  ﴾

الجن: 21

6 – البلوغ

قال الله تعالى:

﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ  ﴾

النِّساء: 5

من هنا يكون للرُّشد معنى الصَّلاح في أمر الدِّين، وهو الأكثر، ومعنى الصَّلاح في أمر الدُّنيا أيضًا.

3- الرُّشْد في حق

    الله تعالى

من صفات أَعمال الله تعالى الرشيدُ فهو الذي أَرْشَد الخلق إِلى مصالحهم أَي هداهم ودلهم عليها ، و هو الذي تنساق تدبيراته إِلى غاياتها على سبيل السداد من غير إِشارة مشير ولا تَسْديد مُسَدِّد .

قال الله تعالى:

﴿ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴾

الكهف: 17

من يوفقه الله للاهتداء بآياته فهو الموفَّق إلى الحق، ومن لم يوفقه لذلك فلن تجد له معينًا يرشده لإصابة الحق؛ لأن التوفيق والخِذْلان بيد الله وحده.

قال الله تعالى:

( وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ )

الأنبياء: 51

ولقد آتينا إبراهيم هداه، الذي دعا الناس إليه من قبل موسى وهارون، وكنَّا عالمين أنه أهل لذلك.

قال الله تعالى:

( وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا )

الكهف: 24

كلما نسيت فاذكر الله؛ فإن ذِكْرَ الله يُذهِب النسيان، وقل: عسى أن يهديني ربي لأقرب الطرق الموصلة إلى الهدى والرشاد.

4- أضداد الرشد 

      في

  القرآن الكريم

يبين القرآن مضادات أو مقابلات لكلمة الرشد لتثبيت المعنى المراد توضيحه، فأسلوب التقابل من الأساليب التي اعتمدها القرآن. والمقابلة في اللغة بمعنى التضاد.

1- الغيُّ

أن المقصود بالرشد هو ما يقابل الغي، فهو بمعنى الهدى في مقابل الضلال والانحراف .

قال الله تعالى:

﴿ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ  ﴾

البقرة : 256

أي تبين الهدى من الضلال

2 – السفه

والبلوغ العقلي أو السداد في الرأي والتصرف يقابله/يضاده السفه

قال الله تعالى:

 ﴿ وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ﴾

النساء:  5

السفهاء أي الذين يسيئون التصرف لجهلهم أو نقص عقولهم . والسفه  مضاد أيضًا لمفهوم العلم .

قال الله تعالى:

 ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾

الأنعام : 140

سفها أي جهلاً وحمقًا.

3 – الضرر

النفع يقابله/يضاده الضرر، و الضرر هو  سوء الحال إما في نفسه لقلة العلم والفضل والعفة، وإما في بدنه لعدم جارحة ونقص، وإما في حالة ظاهرة من قلة مالٍ وجاه. وجاء الضرر مقابل للنفع في مواضع شتى:

قال الله تعالى:

﴿ يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ  ﴾

الحج: 13

﴿ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾

الفرقان: 3

4 – الفساد

أما الصلاح فيقابله الفساد ، والفساد  هو خروج الشيء عن الاعتدال . وجاء الفساد مقابلاً للصلاح في مواضع شتى من القرآن

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ  ﴾

يونس: 80

﴿ اللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ   ﴾

البقرة:  220

5- معايير الرشد

     في

القرآن الكريم

للرشد معايير يجب على الإنسان التأكد من توافرها لديه وتمتعه بها حتى يطمئن إلى بلوغه الرشد .

1- الاستسلام للقواعد والضوابط الإلهية

تتجلى معايير الرشد فى إقبال الفرد على الدين والتدين، وذلك بالخروج عن طوع هواه وشهواته إلى مطاوعة فرائض الدين وآدابه، الراشد هو من يهرب من العجب والغرور والكبر ويبادر بالاستسلام لقواعد الدين وآدابه، فلا يتناقض مع الشريعة ولا يتخلى عن الآداب الحسنة .

قال الله تعالى:

( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ )

البقرة: 186

وإذا سألك – أيها النبي- عبادي عني فقل لهم: إني قريب منهم، أُجيب دعوة الداعي إذا دعاني، فليطيعوني فيما أمرتهم به ونهيتهم عنه، وليؤمنوا بي، لعلهم يهتدون إلى مصالح دينهم ودنياهم. وفي هذه الآية إخبار منه سبحانه عن قربه من عباده، القرب اللائق بجلاله.

قال الله تعالى:

﴿ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا ﴾

الجن : 14

أى أن الإسلام والاستسلام للقواعد والضوابط الإلهية هو أول علامات الرشد، وأول مظاهر الاستسلام هو ترك المحرمات فلا يشرك بربه ولا يتسبب فى الإضرار بأى مخلوق.

2- تحصيل العلم من مصدره

فليحرص الراغبون فى الرشادة والرشد على التعلم مع التيقن من سلامة المصدر وقيمة المعلومة وأهميتها للدنيا والآخرة.

– عن موسى عليه السلام و العبد الصالح

حكى القرآن الكريم أن نبى الله موسى عليه السلام رحل رحلة طويلة متحملا الغربة ووعثاء السفر لسبب واحد هو طلب العلم من مصدره..

قال الله تعالى:

 ( قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا )

الكهف: 66

فسلَّم عليه موسى، وقال له: أتأذن لي أن أتبعك؛ لتعلمني من العلم الذي علمك الله إياه ما أسترشد به وأنتفع؟

3- تبين وجه الحق فى كل ما يسمع

من علامات الرشد أن يتعود الإنسان التأكد والتيقن ولا يندفع وراء كل خبر أو قول، فالراشد يحرص دائما على تبين وجه الحق فى كل ما يسمع، ولا يتورط فى نقل المفتريات والأكاذيب.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ . إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ﴾

هود : 96 – 97

أرسلنا موسى إلى فرعون وأكابر أتباعه وأشراف قومه، فكفر فرعون وأمر قومه أن يتبعوه، فأطاعوه، وخالفوا أمر موسى، وليس في أمر فرعون رشد ولا هدى، وإنما هو جهل وضلال وكفر وعناد.

4- العمل بهدى القرآن الكريم

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا . يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾

الجن:  1-2

قل – أيها الرسول -: أوحى الله إليَّ أنَّ جماعة من الجن قد استمعوا لتلاوتي للقرآن، فلما سمعوه قالوا لقومهم: إنا سمعنا قرآنًا بديعًا في بلاغته وفصاحته وحكمه وأحكامه وأخباره، يدعو إلى الحق والهدى، فصدَّقنا بهذا القرآن وعملنا به، ولن نشرك بربنا الذي خلقنا أحدًا في عبادته.

6- أسباب فقدان

   طريق الرشاد

1- الشرك بالله

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا . قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ﴾

الجن:  20- 21

قل – أيها الرسول- لهؤلاء الكفار: إنما أعبد ربي وحده، ولا أشرك معه في العبادة أحدًا. قل- أيها الرسول- لهم: إني لا أقدر أن أدفع عنكم ضرًا، ولا أجلب لكم نفعًا .

2- التكبر في الأرض

قال الله تعالى:

( سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ . وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  )

الأعراف: 146- 147

سأصرف عن فَهْم الحجج والأدلة الدالة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي، والمتكبرين على الناس بغير الحق، فلا يتبعون نبيًا ولا يصغون إليه لتكبرهم، وإنْ يَرَ هؤلاء المتكبرون عن الإيمان كل آية لا يؤمنوا بها لإعراضهم ومحادَّتهم لله ورسوله، وإن يروا طريق الصلاح لا يتخذوه طريقًا، وإن يروا طريق الضلال، أي الكفر يتخذوه طريقًا ودينًا؛ وذلك بسبب تكذيبهم بآيات الله وغفلتهم عن النظر فيها والتفكر في دلالاتها.

3- الكفر

قال الله تعالى:

( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )

البقرة: 256

لكمال هذا الدين واتضاح آياته لا يُحتاج إلى الإكراه عليه ، فالدلائل بينة يتضح بها الحق من الباطل، والهدى من الضلال. فَمَن يكفر بكل ما عُبِد من دون الله ويؤمن بالله، فقد ثبت واستقام على الطريقة المثلى، واستمسك من الدين بأقوى سبب لا انقطاع له. والله سميع لأقوال عباده، عليم بأفعالهم ونياتهم، وسيجازيهم على ذلك.

 

Share This