1- مفهوم الرجاء
هو الاستبشار بجود الله وفضله، والطمع في إحسانه وعطائه، مع بذل الجهد وحسن التوكل. وهو نقيض اليأس .
2- كلمة الرجاء
في
القرآن الكريم
وردت كلمة الرجاء وصيغها في القرآن الكريم (٢3) مرة . والصيغ التي وردت هي:
– الفعل المضارع
ورد 21مرة
قال الله تعالى:
( وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ )
النساء: ١٠٤
– فعل الأمر
ورد مرة واحدة
قال الله تعالى:
( يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ )
العنكبوت: ٣٦
– اسم مفعول
ورد مرة واحدة
قال الله تعالى:
( قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا )
هود: ٦٢
وجاء الرجاء في القرآن على وجهين:
1- الأمل والطمع
قال الله تعالى:
﴿ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ﴾
البقرة: ٢١٨
﴿ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ﴾
الإسراء: ٥٧
أي: يأملون ويطمعون في رحمته وجنته.
2- الخوف
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ ﴾
يونس: ٧
يعني: لا يخافون لقاءنا يوم القيامة، فهم لذلك مكذبون بالثواب والعقاب.
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا ﴾
النبأ: ٢٧
أي: لا يخافون حسابًا.
وعند التأمل نجد أن لفظة الرجاء من الأضداد ، فتستعمل بمعنى الأمل والطمع، وبمعنى الخوف، وقرينة السياق تدل على المعنى المطلوب. واسم الرجاء غالباً ما يرد مقروناً بالخوف أو بأحد معانيه في القرآن الكريم .
قال الله تعالى:
﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ﴾
الإسراء: 57
3- كلمات ذات صلة
بكلمة الرجاء
– الأمل
هوتوقع حصول الشيء، وأكثر ما يستعمل فيما يستبعد حصوله
قال الله تعالى:
﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾
الحجر :3
اترك – أيها الرسول – الكفار يأكلوا، ويستمتعوا بدنياهم، ويشغلهم الطمع فيها عن طاعة الله، فسوف يعلمون عاقبة أمرهم الخاسرة في الدنيا والآخرة.
– التمني
طلب حصول الشيء، سواءً كان ممكنًا أو ممتنعًا
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾
النساء : 32
ولا تتمنوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض، في المواهب والأرزاق وغير ذلك، فقد جعل الله للرجال نصيبًا مقدَّرًا من الجزاء بحسب عملهم،
– الخوف
ما يلحق الإنسان من انزعاج وقلق مما يتوقعه من حلول مكروه .
قال الله تعالى:
﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ ﴾
التوبة : 28
4 – الرجاء في حق المؤمنين
وقد ذكر القرآن الكريم أن المؤمنين هم أهل الرجاء، وأهل حسن الظن بالله، الذين جمعوا بين حسن العمل، وحسن الرجاء، إذ الرجاء المحمود لا يكون إلا لمن عمل بطاعة الله، ورجا ثوابه، أو تاب من معصيته، ورجا قبول توبته، فأما الرجاء بلا عمل فهو غرور وتمنٍ مذموم.
ومن صور الرجاء التي أثنى الله بها على المؤمنين:
1- رجاء لقاء الله
فالمؤمن يرجو لقاء الله.
قال الله تعالى:
﴿ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾
العنكبوت: ٥
من كان يرجو لقاء الله، ويطمع في ثوابه، فإن أجل الله الذي أجَّله لبعث خلقه للجزاء والعقاب لآتٍ قريبًا، وهو السميع للأقوال، العليم بالأفعال.
قال الله تعالى:
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾
الكهف: ١١٠
فمَن كان يخاف عذاب ربه ويرجو ثوابه يوم لقائه، فليعمل عملا صالحًا لربه موافقًا لشرعه، ولا يشرك في العبادة معه أحدًا غيره.
2- رجاء اليوم الآخر
ومما ينبغي أن يرجوه المؤمن اليوم الآخر.
قال الله تعالى:
﴿ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾
العنكبوت: ٣٦
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾
الأحزاب: ٢١
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾
الممتحنة: ٦
ورجاء اليوم الآخر كفيل بتحويلهم عما كانوا يرجونه في هذه الحياة الدنيا من الكسب المادي الحرام، بالتطفيف في الكيل والميزان، وغصب المارين بطريقهم للتجارة، وبخس الناس أشياءهم، والإفساد في الأرض، والاستطالة على الخلق.
3- رجاء رحمة الله
ومن أعظم ما يرجوه المؤمن رحمة الله.
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
البقرة: ٢١٨
فهذه الآية بينت أن من صفات المؤمنين أنهم يرجون رحمة الله، بمعنى: أنهم يطمعون في رحمة الله، ويرجون أن يدخلهم الجنة برحمته إياهم، وفضله عليهم.
4- رجاء ثواب الله
ومن أنواع الرجاء المذكورة في القرآن رجاء ثواب الله تعالى.
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾
فاطر: 29- 30
إن الذين يقرؤون القرآن، ويعملون به، وداوموا على الصلاة في أوقاتها، وأنفقوا مما رزقناهم من أنواع النفقات الواجبة والمستحبة سرًّا وجهرًا، هؤلاء يرجون بذلك تجارة لن تكسد ولن تهلك، ألا وهي رضا ربهم، والفوز بجزيل ثوابه؛ ليوفيهم الله تعالى ثواب أعمالهم كاملا غير منقوص، ويضاعف لهم الحسنات من فضله، إن الله غفور لسيئاتهم، شكور لحسناتهم، يثيبهم عليها الجزيل من الثواب.
5- رجاء نصر الله وتأييده
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾
النساء: ١٠٤
ولا تضعفوا في طلب عدوكم وقتاله، إن تكونوا تتألمون من القتال وآثاره، فأعداؤكم كذلك يتألمون منه أشد الألم، ومع ذلك لا يكفون عن قتالكم، فأنتم أولى بذلك منهم، لما ترجونه من الثواب والنصر والتأييد، وهم لا يرجون ذلك. وكان الله عليمًا بكل أحوالكم، حكيمًا في أمره وتدبيره.
6- رجاء أيام الله
ومن أنواع الرجاء المذكورة في القرآن رجاء أيام الله.
قال الله تعالى:
﴿ قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
الجاثية: ١٤
قل – أيها الرسول- للذين آمنوا يعفوا، ويتجاوزوا عن الذين لا يخشون عقوبات الله، مثل عذاب الأمم الخالية إذا هم نالوا الذين آمنوا بالأذى والمكروه؛ ليجزي الله هؤلاء المشركين بما كانوا يكسبون في الدنيا من الآثام وإيذاء المؤمنين.
وقد يطلق أيام الله في القرآن على الأيام التي حصل فيها فضله ونعمته على قوم .
قال الله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾
إبراهيم: ٥
ولقد أرسلنا موسى إلى بني إسرائيل وأيدناه بالمعجزات الدالة على صدقه، وأمرناه بأن يدعوهم إلى الإيمان؛ ليخرجهم من الضلال إلى الهدى، ويذكِّرهم بنعم الله ونقمه في أيامه .
5- الرجاء في حق الكافرين
أخبر الله تعالى عن الكفار أنهم لا يرجون الله، ولا يرجون اليوم الآخر، ولا يرجون ثوابًا ولا حسابًا .
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا . لِلطَّاغِينَ مَآبًا . لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا. لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا . إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا . جَزَاءً وِفَاقًا . إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا ﴾
النبأ: ٢٧
وهذا شأنهم في الحياة الدنيا؛ ولهذا لم يعملوا ليوم القيامة، ولم يوقروا الله، وأهملوا العمل للآخرة .
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ . أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
يونس: ٧
إن الذين لا يطمعون في لقائنا في الآخرة للحساب، وما يتلوه من الجزاء على الأعمال لإنكارهم البعث، ورضوا بالحياة الدنيا عوضًا عن الآخرة، وركنوا إليها، والذين هم عن آياتنا الكونية والشرعية ساهون. أولئك مقرُّهم نار جهنم في الآخرة؛ جزاء بما كانوا يكسبون في دنياهم من الآثام والخطايا.
قال الله تعالى:
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا . يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا . وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾
الفرقان: ٢١ – 23
وقال الذين لا يؤمِّلون لقاء ربهم بعد موتهم لإنكارهم له: هلا أُنزل علينا الملائكة، فتُخْبِرنا بأن محمدًا صادق، أو نرى ربنا عِيانًا، فيخبرنا بصدقه في رسالته. لقد أُعجِبوا بأنفسهم واستعلَوْا حيث اجترؤوا على هذا القول، وتجاوزوا الحدَّ في طغيانهم وكفرهم. يوم يرون الملائكة عند الاحتضار، ويوم القيامة، على غير الصورة التي اقترحوها لا لتبشرهم بالجنة، ولكن لتقول لهم: جعل الله الجنة مكانًا محرمًا عليكم. وقَدِمْنا إلى ما عملوه مِن مظاهر الخير والبر، فجعلناه باطلا مضمحلا لا ينفعهم كالهباء المنثور، وهو ما يُرى في ضوء الشمس من خفيف الغبار؛ وذلك أن العمل لا ينفع في الآخرة إلا إذا توفر في صاحبه: الإيمان بالله، والإخلاص له.
قال الله تعالى:
﴿ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
يونس: ١١
ولو يعجِّل الله للناس إجابة دعائهم في الشر كاستعجاله لهم في الخير بالإجابة لهلكوا، فنترك الذين لا يخافون عقابنا، ولا يوقنون بالبعث والنشور في تمرُّدهم وعتوِّهم، يترددون حائرين
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
يونس: ١٥
وإذا تتلى على المشركين آيات الله التي أنزلناها إليك -أيها الرسول- واضحات، قال الذين لا يخافون الحساب، ولا يرجون الثواب، ولا يؤمنون بيوم البعث والنشور: ائت بقرآن غير هذا، أو بدِّل هذا القرآن: بأن تجعل الحلال حرامًا، والحرام حلالا والوعد وعيدًا، والوعيد وعدًا، وأن تُسْقط ما فيه مِن عيب آلهتنا وتسفيه أحلامنا، قل لهم -أيها الرسول-: إن ذلك ليس إليَّ، وإنما أتبع في كل ما آمركم به وأنهاكم عنه ما ينزله عليَّ ربي ويأمرني به، إني أخشى من الله -إن خالفت أمره- عذاب يوم عظيم وهو يوم القيامة.
6- أساليب القرآن
في
الحديث عن الرجاء
تتنوع أساليب القرآن الكريم في الحث على الشيء المرغوب فيه، فتارةً بالأمر الصريح به، وتارةً بالنهي عن ضده، وتارةً بذكر ثوابه، ونجد هذا التنوع في الأسلوب في الحث على الرجاء، حيث جاء في القرآن على النحو الآتي:
1- الأمر به
أن من أساليب القرآن في الحث على الرجاء الأمر به،
﴿ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾
العنكبوت: ٣٦
وأرسلنا إلى ﴿ مدين ﴾ أخاهم شعيبًا، فقال لهم: يا قوم اعبدوا الله وحده، وأخلصوا له العبادة، ما لكم من إله غيره، وارجوا بعبادتكم جزاء اليوم الآخر، ولا تكثروا في الأرض الفساد والمعاصي، ولا تقيموا عليها، ولكن توبوا إلى الله منها وأنيبوا.
2- الثناء على فاعله
ومن وسائل القرآن الكريم في الحث على الشيء الثناء على فاعله، والقائم به، وقد حث الله تعالى في القرآن الكريم على أهل الرجاء، الراجين للقاء الله، وحسن ثوابه.
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
البقرة: ٢١٨
إن الذين صَدَّقوا بالله ورسوله وعملوا بشرعه والذين تركوا ديارهم، وجاهدوا في سبيل الله، أولئك يطمعون في فضل الله وثوابه. والله غفور لذنوب عباده المؤمنين، رحيم بهم رحمة واسعة.
3- ذم تاركه
ومن وسائل القرآن الكريم في الحث على الشيء ذم تاركه؛ فقد ذم القرآن الكريم الذين لا يرجون الحساب .
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا . لِلطَّاغِينَ مَآبًا . لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا .لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا . إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا . جَزَاءً وِفَاقًا . إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا ﴾
النبأ: ٢٧
وهذا خبر عن أصحاب النار بأن من صفاتهم أنهم كانوا في الدنيا لا يرجون الحساب.
4- النهي عن ضده
ومن وسائل القرآن الكريم في الحث على الشيء النهي عن ضده، فقد نهى الله تعالى في القرآن الكريم عن اليأس والقنوط، الذين هما نقيض الرجاء والأمل،
قال الله تعالى:
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
الزمر: ٥٣
أن النهي عن الشيء أمر بضده.
5- اقتران الرجاء بالخوف
ومن وسائل القرآن الكريم في الحث على الشيء، والترغيب فيه، والدعوة إليه، قرنه بشيء مأمور به، ومرغب فيه، وعطفه عليه ، ومن هذا قرن الرجاء بالخوف الذي هو مطلوب، ومأمور به
قال الله تعالى:
﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾
الإسراء: ٥٧
وهذا في سياق مدح عباد الله الصالحين أنهم جمعوا بين رجاء ما عند الله من الثواب، والخوف من العذاب، فلما قرن بين هاتين الصفتين دل على الحث عليهما، والدعوة إليهما، بحيث يكون حال العبد بين الخوف و الرجاء .
6- الاستفهام
ومن وسائل القرآن الكريم في الحث على الشيء المحبوب إلى الله، والترغيب فيه، والدعوة إليه، الإنكار على عدم فعله، والاستفهام والتعجب من تركه.
قال الله تعالى:
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا . مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ﴾
نوح: ١0- 13
فلماذا لا ترجونه وتعظمونه وتوقرونه، وهو خالقكم ورازقكم، ومحييكم ومميتكم، وإليه معادكم؟
7- وسائل تحقيق المرجو
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم بعض الوسائل لتحقيق المرجو، منها:
– العمل الصالح
من وسائل تحقيق المرجو العمل الصالح
قال الله تعالى:
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾
الكهف: ١١٠
فمن كان يرجو لقاء الله وثوابه ورضوانه وجنته فليعمل، ولا يكتفي بالرجاء المجرد عن العمل، فإن الرجاء الخالي عن العمل عجز وضعف، وأمانٍ باطلة .
2- ترك المعاصي والسيئات
وهكذا من يرجو النجاة من عقاب الله عليه أن يترك عموم المعاصي والسيئات، وإلا كان رجاؤه خائبًا، إذ كيف ينجو من العقاب وهو قد فعل كل الأعمال التي يستحق بها العبد عقاب الله وعذابه
قال الله تعالى:
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ﴾
النازعات: ٤٠-٤١
3- الدعاء
أن من أعظم وسائل الحصول على ما يرجوه العبد من خيرات الدنيا والآخرة الدعاء،
قال الله تعالى:
﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ . فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾
آل عمران 38
8- آثار الرجاء
الرجاء عبادة قلبية عظيمة؛ لها آثار جليلة، وفوائد كبيرة، وثمار عديدة، تعود على العبد في حياته، وبعد مماته، ومن هذه الثمار والآثار:
1- زيادة الإيمان
من آثار الرجاء زيادة الإيمان
قال الله تعالى:
﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ﴾
الإسراء: ٥٧
أولئك الذين يدعوهم المشركون من الأنبياء والصالحين والملائكة مع الله، يتنافسون في القرب من ربهم بما يقدرون عليه من الأعمال الصالحة، ويأمُلون رحمته ويخافون عذابه .
2- يؤدي إلى العمل
إن الرجاء يؤدي إلى العمل والسعي لمرضات الله بالعبادات والطاعات وفعل الخيرات .
قال الله تعالى:
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾
الكهف: ١١٠
في الدنيا ربما يحصل الإنسان على ما يرجو بغير عمل، بالوساطة مثلًا، أو بالرشوة، أو بالاحتيال، أما الرجاء فيما عند الله في الآخرة من الفضل والرضوان والرحمة والعفو، فإنه لا يكون إلا بالعمل والبذل والطاعة؛
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
البقرة : 218
إن الذين آمنوا والذين تركوا ديارهم، وجاهدوا في سبيل الله، أولئك يطمعون في فضل الله وثوابه. والله غفور لذنوب عباده المؤمنين، رحيم بهم رحمة واسعة.
قال الله تعالى:
﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ﴾
الزمر: 9
أهذا الكافر المتمتع بكفره خير، أم من هو عابد لربه طائع له، يقضي ساعات الليل في القيام والسجود لله، يخاف عذاب الآخرة، ويأمُل رحمة ربه؟
3- الصبر
ومن آثار الرجاء الصبر، فالراجون لما عند الله يوم القيامة من الأجر والثواب، هم أكثر الناس صبرًا؛ لما يصيبهم في الدنيا من البلاء والمصائب .
قال الله تعالى:
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
الزمر : 53
﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾
يوسف: ٨٧
ولا تقطعوا رجاءكم من رحمة الله، إنه لا يقطع الرجاء من رحمة الله إلا الجاحدون لقدرته، الكافرون به.
أحدث التعليقات