1- مفهوم الذل

هو الهوان والصغار في مقابل من هو أعلى منه . وهو نقيض العزّة التي هي التفوّق والاستعلاء بالنسبة الى غيره الّذى هو دونه .

2- الذل

 في

القرآن الكريم

وردت كلمة ذل في القرآن الكريم ١٨ مرة.

والصيغ التي وردت هي:

– الفعل المضارع

ورد مرتين

قال الله تعالى:

﴿ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَىٰ ﴾

طه:١٣٤

– المصدر

ورد 10مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ﴾

الإسراء:٢٤

– اسم التفضيل

ورد مرتين

قال الله تعالى:

﴿ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ﴾

المنافقون:٨

– الاسم

ورد 4مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ  ﴾

آل عمران:١٢٣

وجاءت كلمة الذل في القرآن على وجهين:

الأول : القلة

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

آل عمران:١٢٣

أي: قليلًا.

الثاني: التواضع

قال الله تعالى:

﴿ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾

المائدة: ٥٤

أي: متواضعين على المؤمنين.

3- الألفاظ ذات الصلة

أ – الصغار

هو الاعتراف بالذل والإقرار به.

قال الله تعالى:

﴿ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾

التوبة: ٢٩

ب – الخزي

الاستحياء من سوء فعله  أوما فعل به من السوء.

قال الله تعالى:

﴿ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

البقرة 85

ج – الخضوع

إظهار الانقياد والطاعة لذي سلطان.

قال الله تعالى:

﴿ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴾

الشعراء 4

4- قانون العز و الذّل

قال الله تعالى:

﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

سورة يونس : 26-27

إن أحسنت لا يستطيع أحد أن يذلك، صدقت، أديت واجبك تماماً، أديت ما عليك من حقوق، كنت أميناً على ما استأمنت عليه، كنت وفياً، أخلصت في عملك، لم تخن أبداً، إحسان مطلق، في حرفتك، في علاقاتك، الزوج مثلاً يدخل إلى البيت ملكاً فإذا اكتشفت زوجته أنه يخونها تسبه وقد تهينه، متى يهان الإنسان؟ متى يذل؟ إذا انحرف، القانون واضح جداً،

5- أنواع الذل 

ينقسم الذل إلى نوعين ، وهما

1- ذل محمود

الذل المحمود الذي يكون مع الخالق عز وجل ثم مع الوالدين ثم مع المؤمنين

أ – الذل مع الله

من أشرف أنواع الذل المحمود هذا الذي يكون مع الخالق عز وجل، وهذا الذل عنوان العز والشرف والنصر في الدنيا والآخرة.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

الذاريات:٥٦

إن الحكمة من خلق الإنسان هي: عبادة الله وحده لا شريك له ، والعبادة تجمع أصلين: غاية الحب بغاية الذل والخضوع  للمعبود عز وجل . فتحقيق الذل إذًا يكون بتحقيق العبودية لله تعالى وحده.

ب – الذل مع الوالدين

قال الله تعالى:

﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا  ﴾

الإسراء:٢٤

وكن لهما ذليلًا رحمة منك بهما، تطيعهما فيما أمراك به مما لم يكن لله معصية، ولا تخالفهما فيما أحبا .

وقد قرن الله تعالى بر الوالدين بعبادته وحده لا شريك له، لأكبر دليل على عظم هذا الأمر.

قال الله تعالى:

﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾

النساء:٣٦

﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾

البقرة:٨٣

وذكر الله بر الوالدين مقرونًا بتوحيده، وإخلاص العبادة له، يدل على شدة تأكد وجوب بر الوالدين والإحسان إليهما إحسانًا تامًا في المعاملة.

ج – الذل مع المؤمنين

وهو بمعنى التراحم والتواضع والعطف، وليس بمعنى التذلل والانكسار على وجه الضعف والخور.

قال الله تعالى:

﴿ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾

المائدة:٥٤

وسوف يأتي الله بقوم خير منهم يُحِبُّهم ويحبونه، متواضعًين و رحماء بالمؤمنين أشدَّاء على الكافرين، يجاهدون أعداء الله، ولا يخافون في ذات الله أحدًا.

2 – الذل المذموم

الذُّل المذموم هو التذلل لغير الله على وجه الهوان والضعف والصغار والانكسار والذلة. والذي يكون مع ما يعبد من دونه عز وجل، أو مع الحكام المستبدين، أو مع الشيطان.

أ – مع ما يعبد من دون الله

ما يعبد من دون الله أشياء كثيرة منها

– الهوى

قال الله تعالى:

﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ ﴾

الجاثية :٢٣

أفرأيت من اتخذ دينه بهواه، فلا يهوى شيئًا إلا سيطر عليه ، لأنه لا يؤمن بالله، ولا يحرم ما حرم، ولا يحلل ما حلل، إنما دينه ما هويته نفسه يعمل به، فأصبح هواه إله يعبد من دون عز وجل. ولكل عبد بداية ونهاية فمن كانت بدايته اتباع الهوى كانت نهايته الذل والصغار والحرمان والبلاء المتبوع بحسب ما اتبع من هواه، بل يصير له ذلك في نهايته عذابًا يعذب به .

– الآلهة من دون الله

قال الله تعالى:

﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ﴾

الفرقان: ٣

في هذه الآية تقريع للمشركين بعبادتهم ما دون الله والتنبيه لهم على موضع خطأ فعلهم ببيان أن آلهتهم التي يعبدونها لا تخلق شيئًا، بل هي مخلوقة ومع ذلك فهي لا تملك دفع ضر عن نفسها ولا جلب منفعة إليها، ولا تملك إماتة ولا إحياء ولا بعثًا، والعجيب أنك تراهم يتذللون لهذه الآلهة حتى تجلب لهم النفع.

قال الله تعالى:

﴿ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾

المعارج 44

فاتركهم يخوضوا في باطلهم، ويلعبوا في دنياهم حتى يلاقوا يوم القيامة الذي يوعدون فيه بالعذاب، يوم يخرجون من القبور مسرعين، كما كانوا في الدنيا يذهبون إلى آلهتهم التي اختلقوها للعبادة مِن دون الله، يهرولون ويسرعون، ذليلة أبصارهم منكسرة إلى الأرض، تغشاهم الحقارة والمهانة، ذلك هو اليوم الذي وعدوا به في الدنيا، وكانوا به يهزؤون ويُكَذِّبون.

2- مع الحكام المستبدين

لربما لم تعرف البشرية ذلًا أكثر من ذل الناس لفرعون وجنوده آنذاك، لدرجة أن فرعون قال للناس: أنا ربكم الأعلى.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾

القصص:٤

إن فرعون تكبر وطغى في الأرض، وجعل أهلها طوائف متفرقة، يستضعف طائفة منهم، وهم بنو إسرائيل، بالإذلال والقهر والظلم، فصار يذبح أبناءهم ، ويستعبد نساءهم، إنه كان من المفسدين في الأرض.

3- مع الشيطان

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾

آل عمران: ١٥٥

إن الذين فرُّوا منكم – يا أصحاب  محمد – عن القتال يوم التقى المؤمنون والمشركون في غزوة أحد ، إنما أوقعهم الشيطان في هذة الخطيئة ببعض ما عملوا من الذنوب والتى سهلت سبيل الشيطان عليهم ، ولقد تجاوز الله عنهم فلم يعاقبهم. إن الله غفور للمذنبين التائبين، حليم لا يعاجل من عصاه بالعقوبة.

6- العقاب بالذل

العقاب بالذل في الدنيا والآخرة من أبشع أنواع العقاب التي تلحق بالمشركين والعصاة من المسلمين، فقد تعددت وتنوعت صور إذلال الله لهم في الدنيا والآخرة، هذا ما سنتعرف عليه من خلال النقاط الآتية:

1- العقاب بالذل في الدنيا

تنوعت صور إذلال الله تعالى للعصاة في الدنيا، ومن تلك الصور:

أ – ضنك الحياة والعيش

قد يعاقب الله تعالى بعض عباده بضنك العيش في الدنيا؛

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ﴾

طه:١٢٤

أي: فإن لهذا المعرض معيشة ضيقة مليئة بالهم والغم والأحزان وسوء العاقبة، حتى ولو ملك المال الوفير، والحطام الكثير.. فإن المعيشة الطيبة لا تكون إلا مع طاعة الله، وامتثال أمره، واجتناب نهيه.

ب – الأسر والخوف والرعب

ومن العصاة من أذلهم الله عز وجل بالرعب والقتل والأسر، وهم العصاة من أهل الكتاب.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ﴾

الأحزاب٢٦

وأنزل الله يهود بني قريظة من حصونهم؛ لإعانتهم الأحزاب في قتال المسلمين، وألقى في قلوبهم الخوف فهُزموا، تقتلون منهم فريقًا، وتأسرون فريقًا آخر.

قال الله تعالى:

﴿ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾

النمل 37

وقال سليمان عليه السلام لرسول أهل “سبأ”: ارجع إليهم، فوالله لنأتينَّهم بجنود لا طاقة لهم بمقاومتها ومقابلتها، ولنخرجنَّهم مِن أرضهم أذلة وهم صاغرون مهانون، إن لم ينقادوا لدين الله وحده، ويتركوا عبادة من سواه.

2- العقاب بالذل في الآخرة

إن ميزان العدل الإلهي في غاية الوضوح والاعتدال، فأهل النار إنما يعاقبون في الآخرة ويلحق بهم الذل والصغار بسبب فسادهم وإشراكهم بالله وكفرهم بآياته ولقائه واتخاذهم آيات الله هزوًا وسخرية، ومن المواقف التي يتعرض فيها العصاة والكفار للذل في الآخرة:

أ- عند قبض أرواحهم

قال الله تعالى :

﴿ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾

الأنفال: ٥٠

﴿ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾

محمد: ٢٧

لو عاينت وشاهدت حال قبض الملائكة أرواح الكفار وانتزاعها، وهم يضربون وجوههم في حال إقبالهم، ويضربون ظهورهم في حال فرارهم،

بما في ذلك من الخزي والنكال .

ب – عند الخروج من القبر

قال الله تعالى :

﴿ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ . خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ  ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾

المعارج: ٤3-٤٤

يوم يخرجون من القبور مسرعين، كما كانوا في الدنيا يذهبون إلى آلهتهم التي اختلقوها للعبادة من دون الله، يهرولون ويسرعون، ذليلة أبصارهم منكسرة إلى الأرض، تغشاهم الحقارة والمهانة، ذلك هو اليوم الذي وعدوا به في الدنيا، وكانوا به يكذبون.

ج- عندما يساقون إلى المحشر

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾

الفرقان:٣٤

يبين الله عز وجل حال المكذبين يوم البعث، فهم يحشرون على وجوههم، تسحبهم ملائكة العذاب يجرونهم على وجوههم، وهذه صورة حسية في غاية الفظاعة والشناعة، تجمع بين العذاب الحسي، والتحقير المعنوي وتوحي بالذلة والمهانة.

قال الله تعالى:

﴿ وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ﴾

الشورى:٤٥

وترى هؤلاء الظالمين قبل أن يدخلوا النار تراهم خاضعين متذللين ينظرون إلى النار مِن طرْف ذليل ضعيف من الخوف والهوان.

د – عندما يدخلون جهنم

الذل الأعظم والهوان الأكبر عندما يدخلون إلى النار

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ . إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ . فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ﴾

غافر٧٠-٧٢

﴿ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ . سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ ﴾

إبراهيم:٤٩-٥٠

نحن أمام مشاهد العذاب المذل المخزي لأهل النار، فهم مقرونون في الأغلال والقيود، سرابيلهم وثيابهم من قطران، وتعلو وجوههم وتضربها النار .

6- الأسباب التي تورث الذل

إن الوقوع في الذل من أعظم المصائب التي يقع بها كثير من الناس، وهذا الوقوع لا يكون عبثًا أو صدفةً، إنما ينتج عن أسباب كثيرة، نتعرف عليها من خلال النقاط الآتية:

1- الشرك بالله تعالى والابتداع في الدين

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا  وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ﴾

الأعراف: ١٥٢

أي: إن الذين كفروا بالله عز وجل واتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم، وسيصيبهم هوان وذلة عقوبة من الله في الدنيا قبل الآخرة.

فالإيمان بالله تعالى القائم على التوحيد يجعل المؤمن يستمد عزته ومنعته وقوته من ربه عز وجل، ومن فقد الإيمان بالله عز وجل والاعتزاز بعزته، واعتمد على عزةٍ من الناس فهو ذليل؛ لأنه فقد الإذعان لأحكام الله تعالى، فحقت عليه كلمة الذلة .

2- محادة الله ورسوله

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ ﴾

المجادلة: ٢٠

إن من أسباب الوقوع في الذل محادة الله ورسوله، ومخالفة أوامره ونواهيه، فالكفار المعاندون الذين يحاربون الحق ويعادون الإسلام هم من أذل خلق الله تعالى، ولا يوجد أحدٌ أذل منهم.

3- الاعتزاز بغير الله تعالى

قال الله تعالى:

 ( يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ )

المنافقون: 8

يقول هؤلاء المنافقون: لئن عُدْنا إلى “المدينة” ليخرجنَّ فريقنا الأعزُّ منها فريق المؤمنين الأذل، ولله تعالى العزة ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين بالله ورسوله لا لغيرهم، ولكن المنافقين لا يعلمون ذلك؛ لفرط جهلهم.

4- استمراء المعاصي وتسويف التوبة

قال الله تعالى:

 ( ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ )

آل عمران: 112

لما ذكر تعالى حلول العقوبة بهم من ضرب الذلة والمسكنة، والمباءة بالغضب، بيَّن علة ذلك، فبدأ بأعظم الأسباب في ذلك، وهو كفرهم بآيات الله. ثم ثنَّى بما يتلو ذلك في العظم، وهو قتل الأنبياء، ثم أعقب ذلك بما يكون من المعاصي، وما يتعدَّى من الظلم

5- التَّكبر والأنفة عن قبول الحق

ورد الكبر في القرآن في أكثر من موضع، وصرحت آيات عديدة بالمنع من التكبر مطلقًا، وبذمه وذم المتخلقين به .

قال الله تعالى:

﴿ لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ﴾

النحل: ٢٣

من تعاظم وتكبر ودعا الناس إلى إطرائه في المدح والتعظيم والخضوع والرجاء، وتعليق القلب به خوفًا ورجاءً والتجاءً واستعانةً، فقد تشبه بالله ونازعه في ربوبيته وإلهيته، وهو حقيق بأن يهينه غاية الهوان، ويذله غاية الذل، ويجعله تحت أقدام خلقه.

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴾

الأعراف: ١٣

يبين الله عز وجل أن الإذلال والخزي هو مصير كل من يتكبر على أوامر الله تعالى، فعندما استكبر إبليس بإبائه السجود، كان مصيره الطرد من الجنة التي هي مكان المطيعين المتواضعين من الملائكة، لأنها لا تقبل عاصيًا متكبرًا. وعاقبه الله تعالى بالإذلال والهوان .

6- اتباع هوى النفس

وقد ورد ذم الهوى في آيات عديدة من القرآن الكريم، منها

قال الله تعالى:

﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾

الفرقان:٤٣

﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾

الجاثية:٢٣

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾

القصص:٥٠

لكلِّ عبد بداية ونهاية، فمن كانت بدايته اتباع الهوى كانت نهايته الذُّل والصغار والحرمان والبلاء المتبوع بحسب ما اتبع من هواه، بل يصير له ذلك في نهايته عذابًا يعذب به في قلبه.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ﴾

النازعات:٤٠

أي: أما من تذكر مقامه للحساب بين يدي الله عز وجل، وأدرك مقدار عظمته وقهره، وجبروته وسطوته، وجنب نفسه الوقوع في محارمه، فالجنة مثواه وجزاؤه .

7- مُوالاة الكافرين

قال الله تعالى:

 ( الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا )

النساء:139

الذين يوالون الكافرين، ويتخذونهم أعوانًا لهم، ويتركون ولاية المؤمنين، ولا يرغبون في مودتهم. أيطلبون بذلك النصرة والمنعة عند الكافرين؟ إنهم لا يملكون ذلك، فالنصرة والعزة والقوة جميعها لله تعالى وحده.

8- التَّحَزُّب والتَّفَرُّق وتنافر القلوب

جاءت نصوص عديدة في الشريعة تحذر من التحزب والتفرق، لما لذلك من أثر سلبي من ضعف قوة المسلمين، وذهاب عزهم ولحوق الذُّل والمهانة بهم.

قال الله تعالى:

 ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)

آل عمران:103

وتمسَّكوا جميعًا بكتاب ربكم وهدي نبيكم، ولا تفعلوا ما يؤدي إلى فرقتكم.

قال الله تعالى:

 ( وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ )

الأنفال: 46

والتزموا طاعة الله وطاعة رسوله في كل أحوالكم، ولا تختلفوا فتتفرق كلمتكم وتختلف قلوبكم، فتضعفوا وتذهب قوتكم ونصركم

9- ترك الجهاد

من أهم أسباب الوقوع في الذلة والمهانة ترك الجهاد في سبيل الله

فيتسلط عليهم العدو لعدم تأهبهم واستعدادهم له . ويجب أن لايخاف المؤمنون من ..

أ – الموت

قال الله تعالى:

( قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ )

آل عمران 154

قل لهم: إن الآجال بيد الله، ولو كنتم في بيوتكم، وقدَّر الله أنكم تموتون، لخرج الذين كتب الله عليهم الموت إلى حيث يُقْتلون،

ب – قلة العدَد والعتاد

قال الله تعالى:

( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )

ولقد نصركم الله -أيها المؤمنون- بـ “بدر” على أعدائكم المشركين مع قلة عَدَدكم وعُدَدكم، فخافوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لعلكم تشكرون له نعمه.

7- أسباب رفع الذل

أن الوقوع في الذل لا يكون صدفة، إنما من خلال أسباب يفعلها الانسان توقعه في الذل، كان لا بد أن نتعرف على الأسباب التي ترفع الذل عنه. ومن تلك الأسباب:

1- الإيمان بالله والمداومة على العمل الصالح

قال الله تعالى:

﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

يونس:٢٦

للمؤمنين الذين أحسنوا عبادة الله فأطاعوه فيما أمر ونهى، الجنةُ ، والمغفرةُ والرضوان، ولا يغطي وجوههم كما يلحق أهل النار من الذلة والهوان والصغار. هؤلاء المتصفون بهذه الصفات هم أصحاب الجنة ماكثون فيها أبدًا.

2- التمسك بدين الله ، وتطبيق شريعته

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَىٰ ﴾

طه 134

ولو أنَّا أهلكنا هؤلاء المكذبين بعذاب من قبل أن نرسل إليهم رسولا وننزل عليهم كتابًا لقالوا: ربنا هلا أرسلت إلينا رسولا من عندك، فنصدقه، ونتبع آياتك وشرعك، مِن قبل أن نَذلَّ ونَخزى بعذابك.

3- البعد عن إرتكاب الذنوب

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾

يونس 27

والذين عملوا السيئات في الدنيا فكفروا وعصَوا الله لهم جزاء أعمالهم السيئة التي عملوها بمثلها من عقاب الله في الآخرة، وتغشاهم ذلَّة وهوان.

Share This