1- مفهوم الخوف
الخوف هو شعور بالاضطراب وعدم الأمن نتيجة حدوث مكروه في الحال، أو توقع حدوثه في المستقبل.
2- كلمة الخوف
في
القرآن الكريم
وردت كلمة خوف وصيغها في القرآن الكريم ١٢٤ مرة. والصيغ التي وردت هي:
– الفعل الماضي
ورد 18 مرة
قال الله تعالى:
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
الرحمن:٤٦
– الفعل المضارع
ورد 68 مرة
قال الله تعالى:
﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾
النحل:٥٠
– فعل الأمر
ورد مرة واحدة
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
آل عمران:١٧٥
– المصدر
ورد 34 مرة
قال الله تعالى:
﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾
قريش:٤
– اسم الفاعل
ورد 3 مرات
قال الله تعالى:
﴿ فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ﴾
القصص:١٨
وجاء الخوف في القرآن الكريم على ثلاثة وجوه:
1- الخوف نفسه
قال الله تعالى:
﴿ وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
الأعراف:٥٦
2- القتل أو القتال
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ﴾
النساء:٨٣
أي: القتل
قال الله تعالى:
﴿ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ﴾
الأحزاب :١٩
يعني: انجلى الحرب والقتال.
3- العلم أو الظن
قال الله تعالى:
﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾
البقرة:٢٢٩
يعنى: علمتم أو ظننتم.
3- الكلمات ذات الصلة
بكلمة الخوف
– الخشية
خوف يشوبه تعظيم .
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
فاطر:٢٨
هو الذعر والخوف الشديد من خطر يؤدي إلى فقدان القدرة على الحركة أحيانًا.
قال الله تعالى:
﴿ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ﴾
الكهف : 18
– الشفقة
الشفقة هي ضرب من الرقة وضعف القلب ينال الإنسان، وهي عناية مختلطة بخوف.
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ﴾
المؤمنون:٥٧
– الرهبة
الرهبة طول الخوف واستمراره
قال الله تعالى:
﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾
النحل 51
– الإشفاق
هي صرف الهمة إلى إزالة المكروه عن الناس
– الفزع
انقباض يعتري الإنسان من توقع مكروه عاجل
قال الله تعالى:
﴿ إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ﴾
ص 22
– الأمن
عدم توقع مكروه في الزمان الآتي الأمن ضد الخوف.
قال الله تعالى:
﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾
الأعراف 97
4- أنواع الخوف
في
القرآن الكريم
إن المتدبر في كتاب الله عز وجل يجد أن الخوف ينقسم إلى الأتي :
أولا- الخوف الفطري
الخوف شعور فطري أوجده الله تعالى في النفس البشرية بمن فيهم الأنبياء ؛ ليعين الإنسان على اتقاء الأخطار التي تهدده مما يساعده على الحياة والبقاء، وهو ليس صفة ذم ، لذا فلا يلام عليها الإنسان؛ لأنه مفطور عليه في الغالب. ومن أسباب الخوف التي تصيب الإنسان التالي ..
1- الخوف نتيجة شدة
الموقف وعامل المباغتة
ولقد وصف القرآن الكريم انفعال الخوف عند بعض الأنبياء عليهم السلام نتيجة تعرضهم لمؤثرات مختلفة، ويتجلى ذلك بصورة واضحة في قصص موسى وداود ولوط عليهم السلام:
أ – خوف موسى عليه السلام
ويتجلى ذلك في موقفين:
الموقف الأول: عندما تحولت العصا في يده إلى ثعبان يتحرك يمينًا وشمالًا،
قال الله تعالى:
﴿ يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ﴾
النمل:٩-١٠
لقد فوجىء موسى عليه السلام بمجرد أن ألقى العصا أنها صارت حية كبيرة هائلة مخيفة، تهتز وتضطرب، تسعى وتسير، وتتحرك حركة سريعة مخيفة ولَّى هاربًا من الخوف .
قال الله تعالى:
﴿ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ . قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ . فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَىٰ . قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَىٰ ﴾
طه:٦٥-٦٨
قال السحرة: يا موسى إما أن تلقي عصاك أولا وإما أن نبدأ نحن فنلقي ما معنا. قال لهم موسى: بل ألقُوا أنتم ما معكم أولا فألقَوا حبالهم وعصيَّهم، فتخيل موسى مِن قوة سحرهم أنها حيات تسعى، فشعر موسى في نفسه بالخوف. قال الله لموسى حينئذ: لا تَخَفْ من شيء، فإنك أنت الأعلى على هؤلاء السحرة وعلى فرعون وجنوده، وستغلبهم.
ب – خوف داود عليه السلام في موقفه مع الخصمين
قال الله تعالى:
﴿ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ . إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ ﴾
ص:٢١-٢٢
تتحدّث الآيات عن قصة حدثت لداود عليه السلام، وتذكر أن خصمين دخلا عليه مجلسه فى صورة غير مألوفة، إذ تسورا عليه السور، ولم يدخلا من المدخل الطبيعي إليه. ففزع منهما، وتوقع الشر من دخولهما على تلك الصورة، التي يقتحمان عليه فيها مجلسه اقتحامًا، من غير استئذان، ومع ما أتاه الله من الحكم، والملك، والسلطان، والجاه، والجيوش والحراس. يفزع ويخاف، ويتوقع الشر، وحصول المكروه. مما يؤكد أن الخوف انفعال فطري لا يخلو منه أحد مهما كانت قوته وسلطانه أو علت مكانته ومنزلته.
ج – خوف لوط عليه السلام على ضيوفه من قومه المجرمين
قال الله تعالى:
﴿ وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ . إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾
العنكبوت:٣٣-٣٤
تصور هذه الآيات الكرب والضيق والهم والأسى والحزن والخوف الذي أصاب لوطًا عليه السلام عندما جاءته الملائكة في صورة سويّة من صور البشر فخاف عليهم لعلمه خبث فعل قومه وقالوا له: لا تَخَفْ علينا لن يصل إلينا قومك، ولا تحزن مما أخبرناك مِن أنا مهلكوهم، إنَّا منجُّوك من العذاب النازل بقومك ومنجُّو أهلك معك إلا أمرأتك، فإنها هالكة فيمن يهلك مِن قومها. إنا منزلون على أهل هذه القرية عذابًا من السماء؛ بسبب معصيتهم لله وارتكابهم الفاحشة.
2- الخوف نتيجة الضغوط
المتنوعة والشعور بالألم
ويتجلى ذلك في خوف موسى عليه السلام من ضغط فرعون وإفراطه في التعدي.
قال الله تعالى:
﴿ اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي . اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ. فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ . قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَىٰ . قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ ﴾
طه:٤٢-٤٦
اذهب – يا موسى – أنت وأخوك هارون بآياتي الدالة على ألوهيتي وكمال قدرتي وصدق رسالتك، ولا تَضْعُفا عن مداومة ذكري. اذهبا معًا إلى فرعون؛ إنه قد جاوز الحد في الكفر والظلم، فقولا له قولا لطيفًا؛ لعله يتذكر أو يخاف ربه. قال موسى وهارون: ربنا إننا نخاف أن يعاجلنا بالعقوبة، أو أن يتمرد على الحق فلا يقبله. قال الله لموسى وهارون: لا تخافا من فرعون؛ فإنني معكما أسمع كلامكما وأرى أفعالكما،
قال الله تعالى:
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ . وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ . وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ﴾
الشعراء:١2- 14
3- الخوف من المجهول أو غير المعلوم
ويتجلى ذلك في هذه المواقف الثلاثة
– خوف إبراهيم عليه السلام من ضيوفه
قال الله تعالى:
﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ . إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ . فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ . فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ . فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ﴾
الذاريات:٢٤-٢٨
يصور هذا المشهد القرآني وصول مجموعة من الملائكة على صورة رجال إلى منزل إبراهيم عليه السلام، وكان إبراهيم لا يعرفهم، دخلوا عليه منزله، فقام من فوره وقدم لهم طعامًا شهيًّا، فلم تمتد أيديهم إليه، فلما رأى إبراهيم ذلك منهم أحس في نفسه خيفة منهم وفزعًا، أو أدرك ذلك وأضمره إذ شعر أنهم ليسوا بشرًا، أو أنهم ربما كانوا من ملائكة العذاب، والوجس يطلق على ما يعتري النفس من الشعور والخواطر عند الفزع .
2- خوف يعقوب عليه السلام على يوسف من الذئب.
قال الله تعالى:
﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ . أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ . قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾
يوسف:١١-١٣
منذ اللحظة الأولى التي قصَّ فيها يوسف رؤياه على أبيه يعقوب عليهما السلام، أدرك يعقوب أنه سيكون ليوسف مستقبل مشرق زاهر، فطلب من يوسف ألا يقص رؤياه على إخوته خوفًا من كيدهم ومكرهم، خاصة وأنهم كانوا يرون تعلق يعقوب به وإيثاره عليهم في زعمهم، ثم جاءت اللحظة التي طلب فيها إخوة يوسف من أبيهم أن يرسل معهم يوسف في نزهة للهو واللعب، ووعدوه بحفظه وحمايته، لقد سلّم لهم أبوهم بما طلبوه، ولكنه أظهر لهم بعض مخاوفه، فهو يخشى أن يصيبه مكروه إذا هم غفلوا عنه،
وهذا المشهد يؤكد حصول انفعال الخوف عند يعقوب عليه السلام تجاه ولده وقرّة عينه يوسف عليه السلام، وهذا الأمر طبيعي جدًّا، وهو فطرة بشرية مغروزة في أعماق الآباء تجاه أولادهم .
3- خوف موسى عليه السلام من فرعون وزبانيته بعد قتله القبطي بطريق الخطأ.
قال الله تعالى:
﴿ فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ . فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ . وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ . فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾
القصص:١٨-٢١
تصور هذه الآيات لحظات الخوف والاضطراب التي انتابت موسى بعد قتله للقبطي بطريق الخطأ وانتشار الخبر في قصر فرعون، وخوف موسى من اكتشاف أمره، خاصة بعدما نصحه أحد الناصحين من آل فرعون بالخروج من مصر قبل أن تصل إليه أيدى زبانية فرعون.
ثانيًا – الخوف من الله
ويشمل كل ما يحجز المرء عن محارم الله، ويردعه عن الانزلاق في مستنقع المعاصي والآثام، ويسوقه إلى التوبة النصوح كلما استزله الشيطان أو أصابه رذاذ الغفلة والنسيان.
أ – أسباب الخوف
وهذا الخوف يشمل ثلاثة أمور:
1- الخوف من مقام الله
الخوف من مقام الله يشمل الخوف من عظمته وجلاله وكبريائه، ومراقبته لعبده واطلاعه عليه وإحصائه لأعماله، والخوف من غضبه وسخطه وسطوته، كل ذلك يدفع المؤمن إلى تقوى الله بفعل طاعته واجتناب نواهيه، وزجر نفسه كلما دعته إلى اتباع الهوى ومقارفة السيئات .
قال الله تعالى:
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
الرحمن:٤٦
2- الخوف من عذاب الله
قال الله تعالى:
﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾
الإسراء:٥٧
إن عذاب ربك هو ما ينبغي أن يحذره العباد، ويخافوا منه. فإن غفلة الناس عن عذاب الله تعالى تدفعهم إلى الاستخفاف بحرماته وتضييع أوامره .
قال الله تعالى:
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
الأنعام : 15
ولقد قصَّ علينا القرآن الكريم صورًا من عذاب الله
أ – عذاب الدنيا
قال الله تعالى :
﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾
العنكبوت:٤٠
كانت عقوبه الأمم السابقة التي تمادت في الكفر والجحود والعناد حتى أهلكها الله بعذابه .
ب – عذاب الآخرة
قال الله تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ ﴾
لقمان:33
﴿ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ ﴾
طه:١٢٧
أي: أدوم وأثبت؛ لأنّه لا ينقطع ولا ينقضي .
قال الله تعالى :
﴿ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ﴾
فصلت:١٦
ولشدة عذاب الله عز وجل وخطورته، ذكر القرآن الكريم حرص وخوف عدد من الأنبياء عليهم السلام على أقوامهم وتحذيرهم من الكفر والتكذيب المستحق لعذاب الله الدنيوي والأخروي، فمن ذلك
خوف نوح عليه السلام على قومه
قال الله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ . أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ﴾
هود:٢٥-٢٦
ومن ذلك خوف هود عليه السلام على قومه
قال الله تعالى:
﴿ وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
الأحقاف:٢١
كما حذر شعيب عليه السلام قومه من عذاب ربهم إذا استمروا على عنادهم وكفرهم وتطفيفهم في الميزان .
قال الله تعالى:
﴿ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ﴾
هود:٨٤
3- الخوف من التقصير في الواجبات
لما علم المؤمنون أن ميزان الحساب دقيق يجازي على مثقال الذرة،
قال الله تعالى:
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾
الزلزلة:٧-٨
وأن الكتاب لا يترك خطيئة صغيرة ولا كبيرة، إلا وهي مكتوبة فيه، محفوظة لم ينس منها عمل سر ولا علانية، ولا ليل ولا نهار،
قال الله تعالى:
﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾
الكهف:٤٩
دفعهم ذلك إلى المراقبة الدائمة والمحاسبة المستمرة لجميع أعمالهم خشية أن يتسرب إليها شيء يفسدها أو مخافة ألا يؤدوها على الوجه الأكمل..
قال الله تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾
المؤمنون:٦٠
والذين يجتهدون في أعمال الخير والبر، وقلوبهم خائفة ألا تُقبل أعمالهم، وألا تنجيهم من عذاب ربهم إذا رجعوا إليه للحساب.
ب – آثار الخوف من الله
للخوف من الله آثار إيجابية منها
1- الاستقامة على طاعة الله
واجتناب الكبائر والموبقات
إن الخوف من الله يمنح القلب يقظة تعينه على توقّي عثرات ومزالق الطريق، وتدفعه للاستقامة على طاعة ربه واجتناب كل ما حرمه من الكبائر والصغائر، كما تسوقه إلى التوبة إذا شرد عن الطريق أو غشيته سحب الغفلة.
قال الله تعالى:
﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾
المائدة:٢٨
وقد قص الله علينا في كتابه الكريم خبر ابني آدم عندما تقبل الله قربان أحدهما لصلاحه ولم يتقبل من الآخر لفساده، فعزم الأخير على قتل أخيه حسدًا وحقدًا، فأخبره الأخ الصالح أنه لا يريد أن يتعرض لقتله، لا ابتداء ولا مدافعة بسبب خوفه من الله، والعبرة في هذا الموقف أن الخوف من الله إذا استقر في القلب أورث مراقبة الله عز وجل، والتي بدورها تمنعه من ارتكاب المحرمات، وفعل المعاصي والمنكرات.
2- المسارعة إلى الخيرات
والتنافس في الأعمال الصالحات
تنوعت النصوص القرآنية التي تبين أن الخوف من الله باعث على المسارعة إلى الخيرات والتنافس في القربات.
قال الله تعالى:
﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا . إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾
الإنسان:٧-١٠
ويُطْعِمون الطعام مع حبهم له وحاجتهم إليه، فقيرًا عاجزًا عن الكسب لا يملك من حطام الدنيا شيئًا، وطفلا مات أبوه ولا مال له، وأسيرًا أُسر في الحرب من المشركين وغيرهم، ويقولون في أنفسهم: إنما نحسن إليكم ابتغاء مرضاة الله، وطلب ثوابه، لا نبتغي عوضًا ولا نقصد حمدًا ولا ثناءً منكم. إنا نخاف من ربنا يومًا شديدًا تَعْبِس فيه الوجوه، وتتقطَّبُ الجباه مِن فظاعة أمره وشدة هوله.
3- الانتفاع بالذكرى والإنذار
والتأثر بآيات القرآن
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾
يس:١١
﴿ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾
الأنعام:٥١
تبين الآيات أن أهل الخوف والخشية من الله هم الذين ينتفعون بالإنذار ويستجيبون لمواعظ القرآن وهداياته، فالخوف يرقق قلوبهم، ويطهره من الآفات والأدران، ويمنحهم رؤية واضحة لعواقب الأمور.
4- البكاء من خشية الله
إن القلب إذا مازجته الخشية والخوف من الله، كان رفيقًا رقيقًا خاشعًا مستكينًا، لا تمر عليه آية رحمة أو عذاب إلا أثرت فيه أثرًا بليغًا، فلا ترى صاحبه إلا هطّال الدمع شوقًا وحزنًا، ورغبة فيما عند الله ورهبة من عقابه.
قال الله تعالى:
﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴾
مريم:٥٨
فهم أتقياء شديدو الحساسية بالله، ترتعش وجداناتهم حين تتلى عليهم آياته، فلا تسعفهم الكلمات للتعبير عما يخالج مشاعرهم من تأثر، فتفيض عيونهم بالدموع ويخرون سجدًا وبكيًّا .
ج – جزاء الخائفين من الله
هناك جزاء للخائفين من الله تعالى وذلك
أ – في الدنيا
1- النصر على الأعداء والتمكين في الأرض
قال الله تعالى:
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ . وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ﴾
إبراهيم:١٣-١٤
وهكذا فالخوف من الله يدفع المؤمنين إلى فعل الخيرات وترك المنكرات، والابتعاد عن الفساد والإفساد، والعلو والاستكبار، فهم يريدون التمكين في الأرض من أجل نشر العدل والإصلاح؛ لذا وعدهم الله تعالى بوراثة الأرض والنصر على أعدائه والتمكين لهم.
2- قبول الدعاء
قال الله تعالى :
﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
الأعراف:٥٦
هناك ارتباط وثيق بين الخوف من الله وقبول الدعاء، وكيف لا والخوف يحمل صاحبه على الجد في الطاعات والاجتهاد في العبادات، فكلما وهن عزمه أو فترت همته ساقه الخوف إلى الجد في الطاعات والبعد عن السيئات، فهو يتقلب دائمًا بين خوفه من ربّه وطمعه فى رحمته.
3- التوفيق للهداية
قال الله تعالى:
﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾
البقرة:١٥٠
أي الواجب على المرء في كلّ أفعاله أن ينصب بين عينيه: خشية عقاب اللّه، وأن يعلم أنّه ليس في يد الخلق شيءٌ البتّة، وأن لا يكون مشتغل القلب بهم، ولا ملتفت الخاطر إليهم. فهذا هو الطريق للهدى والثبات على المنهج الحق، وتجنب الضلال، ومشابهة الأعداء والتلقي منهم خشية منهم، فالخوف من الله رأس كل خير، وأساس كل هداية.
ب – في الآخرة
1- المغفرة والأجر الكبير
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾
الملك:١٢
إن الذين يخافون ربهم، فيعبدونه، ولا يعصونه ، ويخشون العذاب في الآخرة قبل معاينته، لهم عفو من الله عن ذنوبهم، و مضاعفة أجرهم لما يعملون من حسنات .
2- الفوز بالجنة وحصول
الأمن في الآخرة
قال الله تعالى:
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ﴾
النازعات :٤٠-٤١
وأمَّا مَنْ خاف القيام بين يدي الله للحساب، ونهى النفس عن الأهواء الفاسدة، فإن الجنة هي مسكنه.
قال الله تعالى:
( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )
السجدة : 16- 17
3- نيل رضا الله عز وجل
قال الله تعالى :
﴿ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾
البينة:٨
جزاؤهم عند ربهم يوم القيامة جنات إقامة واستقرار في منتهى الحسن، تجري من تحت قصورها الأنهار، خالدين فيها أبدًا، رضي الله عنهم فقبل أعمالهم الصالحة، ورضوا عنه بما أعدَّ لهم من أنواع الكرامات، ذلك الجزاء الحسن لمن خاف الله واجتنب معاصيه.
ثالثا – الخوف من غير الله
وهو الخوف الذي لم يكن من الله، ولا من صفاته المقتضية للهيبة والخشية، ولا من معاصي العبد وجناياته، بل يكون لغير ذلك من الأمور. وقد ذكر القرآن الكريم صورًا من الخوف المذموم، نذكر منها:
1- الخوف من الشيطان
تعددت النصوص القرآنية التي تحذر من عداوة الشيطان ، ودعت عباد الله إلى عدم الخوف من كيده ومكره، كما دعتهم إلى عدم الاستجابة لوساوسه التي يلقيها عبر أوليائه من الكافرين والمنافقين لتوهين عزيمة المؤمنين.
قال الله تعالى :
﴿ إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
آل عمران: ١٧٥
إنَّما المثبِّط لكم في ذلك هو الشيطان جاءكم يخوِّفكم أنصاره، فلا تخافوا المشركين؛ لأنّهم ضعاف لا ناصر لهم، وخافوني بالإقبال على طاعتي إن كنتم مصدِّقين بي، ومتبعين رسولي.
قال الله تعالى :
﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
البقرة:٢٦٨
يستغل الشيطان خوف كثير من الناس من الفقر ليمنعهم من الإنفاق في سبيل الله ومرضاته، ويغريهم بالبخل، ويصيبهم بالهم والقلق الدائمين، فينغص عليهم عيشهم، ويحرمهم من السكينة والطمأنينة.
قال الله تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾
الأعراف: ٢٠١
إن الذين اتقوا الله مِن خلقه، فخافوا عقابه بأداء فرائضه واجتناب نواهيه، إذا أصابهم عارض من وسوسة الشيطان تذكَّروا ما أوجب الله عليهم من طاعته، والتوبة إليه، فإذا هم منتهون عن معصية الله على بصيرة، آخذون بأمر الله، عاصون للشيطان.
2- الخوف من الأعداء
إن الخوف من العدو أمر طبيعي إذا دفع المؤمن إلى الاستعداد والتجهز لهذا العدو، أما إذا تجاوز الخوف الحدود ودعا أصحابه إلى الجبن والفرار أو الاستسلام فهذا هو الخوف المذموم الذي يعاقب عليه صاحبه .
قال الله تعالى :
﴿ أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
التوبة:١٣
﴿ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ﴾
المائدة:٣
الآن انقطع طمع الكفار من دينكم أن ترتدوا عنه إلى الشرك بعد أن نصَرْتُكم عليهم، فلا تخافوهم وخافوني.
قال الله تعالى:
﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
يونس:١٠٧
وكيف يخاف المؤمن من أعدائه وهو يوقن بأن الله عز وجل وليه وناصره، صاحب القدرة النافذة والعزة الحقيقية، بيده الآجال والأرزاق، بيده وحده الأمر كله من خير وشر،
قال الله تعالى:
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
آل عمران:١٧٣
فلم يزدهم إرجاف المرجفين وتثبيط المخذّلين إلا إيمانًا وتسليمًا.
3- الخوف من الموت المؤدي للنكوص
عن الجهاد والفرار من التكاليف
إن الخوف من الموت خوف طبيعي أو فطري لا يلام عليه العبد إلا إذا كان سببًا لترك واجب، أو فعل محرم. فالخوف من الموت محفز قوي لأصحاب القلوب الحية يدفعها للمسارعة إلى الخيرات والبعد عن المعاصي والسيئات، كما يسوقها إلى التوبة كلما حادت عن الصراط المستقيم.
أما إذا أدى الخوف من الموت إلى الجبن والخور، وترك تكاليف الجهاد، فهو خوف مذموم.
قال الله تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾
البقرة:٢٤٣
يقص الله تعالى علينا قصة الذين خرجوا من ديارهم فرارًا من الموت، إما بسبب الخوف من العدو، أو بسبب وباء عام كالطاعون ونحوه، فأماتهم الله تعالى، ثم أحياهم، ليروا هم وكل من خلف بعدهم أن الإماتة إنما هي بيد الله تعالى لا بيد غيره، فلا معنى لخوف خائف، ولا لاغترار مغتر.
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ﴾
آل عمران 145
﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ﴾
الجمعة 8
﴿ قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ ﴾
الأحزاب 16
إن الحذر من الموت لا يجدي، وإن الفزع والهلع لا يزيدان حياة، ولا يمدان أجلًا، ولا يردان قضاءً، وإن الله هو واهب الحياة، وهو آخذ الحياة، وإنه متفضل في الحالتين: حين يهب، وحين يسترد، والحكمة الإلهية الكبرى كامنة خلف الهبة وخلف الاسترداد. وإن مصلحة الناس متحققة في هذا وذاك، وإن فضل الله عليهم متحقق في الأخذ والمنح سواء.
4- الخوف المجاوز لليأس والقنوط
أن الخوف إذا زاد عن حده، وأورث القنوط واليأس من رحمة الله ، فإن هذا الخوف مذموم، و إساءة أدب على رحمة الله تعالى التي سبقت غضبه وجهل بها. لذا تنوعت النصوص القرآنية التي تدعو المؤمن إلى الجمع بين الخوف والرجاء .
قال الله تعالى:
﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴾
الحجر:٤٩-٥٠
كما حذر تعالى عباده من اليأس من روحه والقنوط من رحمته.
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾
يوسف:٨٧
﴿ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾
الحجر:٥٦
إنه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون؛ الضالون عن طريق الله الذين لا يحسون رحمته، ولا يستشعرون رأفته وبره ورعايته؛ فأما القلب الندي بالإيمان، المتصل بالرحمن، فلا ييأس ولا يقنط مهما أحاطت به الشدائد، ومهما ادلهمت حوله الخطوب، ومهما غام الجو وتلبد، وغاب وجه الأمل في ظلام الحاضر وثقل هذا الواقع الظاهر؛ فإن رحمة الله قريب من قلوب المؤمنين المهتدين، وقدرة الله تنشئ الأسباب كما تنشئ النتائج، وتغير الواقع كما تغير الموعود .
قال الله تعالى:
﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾
الزمر:٣٦
فالله عز وجل هو الذي يتولى رعاية عباده الصالحين، فمن ذا الذي يجرؤ أن يمس أولياء الله بسوء وهم في كنفه وعنايته؟
أحدث التعليقات