مفهوم الخليفة في القرآن الكريم

1- مفهوم الخليفة

الخليفة من استخلف مكان من قبله، ويقوم مقامه , والخلافة هي النيابة عن الغير إما لموته وإما لعجزه عن مزاولة عمله وإما لتشريف المستخلف .

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ ﴾

الأنعام: 165

أي مستخلفين في الأرض والخالفة الأمة الباقية بعد السالفة .

2- كلمة خليفة

     في

القرآن الكريم

وردت كلمة خليفة وصيغها في القرآن الكريم 22 مرة. والصيغ التي وردت ، هي:

1- صيغةِ المُفرد

وَردت مرَّتَينِ

قال الله تعالى:

 ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً )

البقرة : 30

( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ )

ص: 26

2- صيغة الجمع

وَردت 7 مرات

وقد ذكرت في القرآن الكريم بلفظة خلائف أو خلفاء.

قال الله تعالى:

( ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ )

يونس: 14

 ( وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ )

الأعراف : 69

– الفعل المضارع

وَرد 5 مرَّاتَ

قال الله تعالى:

﴿ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا )

هود: 57

( وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)

الأعراف: 129

– الفعل الماضي

وَرد 4 مرَّاتَ

قال الله تعالى:

﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ﴾

الأعراف: 150

– فعل الأمر

وَرد مرة واَحدة

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ﴾

الأعراف: 142

– إسم

وَرد 3 مرَّاتَ

قال الله تعالى:

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ﴾

مريم: 59

– إسم مفعول

وَرد مرة واَحدة

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾

الحديد: 7

– إسم فاعل

وَرد مرة واَحدة

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً ﴾

الفرقان: 62

وجاءت الخلافة في القرآن الكريم ، بالمعانى الأتية

1- الخلافة بمعنى الحكم

فالخلافة تعنى هنا الحكم أى الملك  بسلطان من الله أوبما أنزل الله

قَال الله تعالى:

( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ )

ص: 26

يا داود إنا استخلفناك في الأرض وملَّكناك فيها، فاحكم بين الناس بالعدل والإنصاف ..

2- الخلافة بمعنى عطاء الله ورزقه

قَال الله تعالى:

﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾

الحديد: 7

آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأنفقوا مما رزقكم الله من المال واستخلفكم فيه .

3- الخلافة بمعنى مجيء شيء بعد آخر

قَال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً ﴾

الفرقان : 62

فالليل يخلف النهار ، والنهار يخلف الليل بالتبادل و التعاقب .

4- الخلافة بسبب غياب المخلوف

قَال الله تعالى:

( وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي )

الأعراف: 142

أى يكون خليفة له فى قومه فترة غيابه .

5- الخلافة بمعنى تعاقَب مجيء الرسلات

بمعنى أن يخلف قوم النبى من سبقهم من أقوام الأنبياء

– عن هود عليه السلام ، إذ خاطب قومه

قَال الله تعالى:

( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح )

الأعراف: 69

– عن صالح عليه السلام ، إذ خاطب قومه

قَال الله تعالى:

( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ )

الأعراف: 74

3- أهداف الخلافة

       في

  القرآن الكريم

نرى أن القرآن الكريم اقتصر من أهداف الخلافة على الأهداف التالية

1- الاستبدال

قال الله تعالى:

﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ )

الأنعام: 133

وربك -أيها الرسول- الذي أمر الناس بعبادته، هو الغني وحده، وكل خلقه محتاجون إليه، وهو سبحانه ذو الرحمة الواسعة، لو أراد لأهلككم، وأوجد قومًا غيركم يخلفونكم من بعد فنائكم، ويعملون بطاعته تعالى، كما أوجدكم من نسل قوم آخرين كانوا قبلكم.

2- التغيير

قَال الله تعالى:

( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح )

الأعراف: 69

واذكروا نعمة الله عليكم إذ جعلكم تخلفون في الأرض مَن قبلكم من بعد ما أهلك قوم نوح

– عن صالح عليه السلام ، إذ خاطب قومه

قَال الله تعالى:

( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ )

الأعراف: 74

واذكروا نعمة الله عليكم، إذ جعلكم تَخْلُفون في الأرض مَن قبلكم، من بعد قبيلة عاد، ومكَّن لكم في الأرض الطيبة تنزلونها .

3- الإنابة

قَال الله تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾

النور: 55

وعد الله بالنصر الذين آمنوا منكم وعملوا الأعمال الصالحة، بأن يورثهم أرض المشركين، ويجعلهم خلفاء فيها، مثلما فعل مع أسلافهم من المؤمنين بالله ورسله، وأن يجعل دينهم الذي ارتضاه لهم- وهو الإسلام- دينًا عزيزًا مكينًا، وأن يبدل حالهم من الخوف إلى الأمن، إذا عبدوا الله وحده، واستقاموا على طاعته، ولم يشركوا معه شيئًا، ومن كفر بعد ذلك الاستخلاف والأمن والتمكين والسلطنة التامة، وجحد نِعَم الله، فأولئك هم الخارجون عن طاعة الله.

4 – أنواع الاستخلاف

        في

  القرآن الكريم

ينقسم الاستخلاف في القرآن الكريم إلى قسمين ، هما

1- الاستخلاف العام

الاستخلاف العام هو تولية البشر الأرض باعتبارهم قائمين بشؤون العمارة وبناء الحضارة والقدرة على تمنية الحياة وتنويعها واستغلال خيراتها واستثمار مدخراتها، والقدرة على تحقيق العدل والأمن والسلام والارتقاء بالمجتمعات البشرية مادياً ومعنوياً إلى الكمال المقدر لها في الأرض، اللائق بخليقة أكرمها الله تعالى.

قَال الله تعالى:

﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾

هود 61

و الخلافة عامة تقوم على مبدأ الصلاحية والأفضلية والخيرية، وتشمل جنس البشر بكامله .

قَال الله تعالى:

 ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً )

البقرة: 29

على أن سنّة الله جرت بإهلاك المكذبين المنحرفين عن هديه، المفسدين في الأرض . ثم يجيء الله عز وجلّ بأمم أخرى تستخلف بدل الهالكين، لينظر سبحانه وتعالى ماذا سيفعل هؤلاء المستخلفون في الأرض؟ هل يتخذون الهالكين مثلا يتحذى بهم؟ فيستحقّون من العقاب ما استحقّوا، أم ينهجون نهج الحقّ ويقومون بمسؤولية الاستخلاف ومقتضياته من عمارة الأرض بالصلاح والبناء والعدل، واستكشاف ما في الأرض من قوى مدخورة وطاقات وكنوز لخدمة الإنسان نفسه.

قَال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ . ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾

يونس : 13- 14

وهكذا يكون بقاء الاستمرار العمراني الذي ينتقل بين الأمم والأجيال السابقة واللاحقة، ويحقق الرقي الحضاري والازدهار العمراني، دون أن يخرج ذلك عن سنن الله في كونه وخلقه.

2- الاستخلاف الخاص

إن الاستخلاف الخاص يكون للمؤمنين العاملين بمقتضى المنهج الإلهي الذي ارتضاه الله لعباده، ومناطه التوحيد والإيمان والعمل الصّالح؛ ويدخل في هذا كل ما أمر الله عزّ وجلّ به من توفير أسباب القوة، وإعداد العدّة بالوسائل المتاحة لحمل الأمانة الكبرى في الأرض بإعمارها وإصلاحها، وتحقيق الحقّ والعدل والأمان والطمأنينة لساكنيها من الأمم والمجتمعات المختلفة الألوان والأعراق والأجناس، وتحقيق السمو الرّوحي والرقيّ الأخلاقي والمادّي الذي يجعل الإنسان أهلا لهذا التكريم .

قَال الله تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾

النور: 55

﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾

الأنبياء: 105

وإذا فعل هؤلاء المستخلفون عكس ذلك نجد القرآن الكريم يبشرهم بغير ما وعدهم به .

قَال الله تعالى:

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾

مريم :59

فأتى مِن بعد هؤلاء المنعَم عليهم أتباع سَوْء تركوا الصلاة كلها، أو فوتوا وقتها، أو تركوا أركانها وواجباتها، واتبعوا ما يوافق شهواتهم ويلائمها، فسوف يلقون شرًا وضلالا وخيبة في جهنم.

قَال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾

الأعراف : 165

فلما تركوا ما وعظوا به، واستمروا على غيِّهم ، ، أنجى الله الذين ينهون عن معصيته، وأخذ الذين اعتدَوْا بعذاب أليم شديد؛ بسبب مخالفتهم أمر الله وخروجهم عن طاعته.

5- مؤهلات الاستخلاف

        في

 ضوء القرآن الكريم

العلم والهداية مقومان أساسيان للاستخلاف، ولا يمكن الاستغناء عنهما أبدا.

أ- العلم

المؤهّل الأول لاستخلاف الإنسان في الأرض وعمارتها هو العلم

قَال الله تعالى:

﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾

البقرة 31-33

فقد أعطى المولى جل جلاله الإنسانَ مقوِّماً أساسيا للخلافة في الأرض حين علّم آدم عليه السلام الأسماء كلّها؛ أي أودع في نفسه علم جميع الأشياء بدون تحديد ولا تعيين .

ب- الهدى

المؤهّل الثاني للاستخلاف في الأرض وعمارتها فهو الهدى

قَال الله تعالى:

﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

البقرة: 38

﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ . وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ﴾

طه :123-124

فالآيات الكريمة تشير إلى شرط أساس للخلافة وهو: اتباع هدى الله تعالى، اتقاءً للضلال والشقاء .

6 – هل الإنسان خليفة الله ؟

قَال الله تعالى:

( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً  )

البقرة :30

والمقصود هنا : أي جاعل في الأرض قومًا يخلف بعضهم بعضًا قرنا بعد قرن و جيلا بعد جيل لعمارتها ، وليس المراد أنه خليفة عن الله ، لان الله لا يخلفه غيره ، فإن الخلافة إنما تكون عن غائب ، وهو سبحانه شهيد مدبر لخلقه لا يحتاج في تدبيرهم الى غيره .

قَال الله تعالى:

( الله لا إله إلا هو الحى القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم  )

البقرة :255

(  الله لا إله إلا هو الحى القيوم )

آل عمران: 2

و الإنسان – ككل مخلوق- لا يحمل صفات مماثله لصفات الله , بل هو ناقص فى جميع صفاته و الله سبحانه و تعالى كامل فى جميع صفاته صار تباين كلى .. فكيف تجوز خلافة الناقص للكامل .. ؟ تعالى الله عن المثيل و النظير .

قَال الله تعالى:

 ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )

الشورى: 11

فليس فى القرآن الكريم أى دليل ظاهر أو خفى أو مستنتج .. بأن الإنسان خليفة الله فى الأرض , لأنه قال :

( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً )

البقرة :30

فلا يفهم من هذا القول أن آدم عليه السلام خليفة الله فى الأرض لأنه قال : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) نعم . قال هذا .. إنما لم يقل : إنى جاعل لى فى الأرض خليقة , أو : إنى جاعل فى الأرض خليفة لى . أو خليفتى . فمن أين اتنتجنا أن آدم عليه السلام أو النوع الإنسانى خليفة الله فى الأرض .. ؟ ألا إن شأن الله لأجل و أعظم من ذلك , و تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .

7- الخلافة ليست من أصول

   الحكم فى الإسلام

بمراجعة آيات القرآن الكريم نجد أن الإسلام قد جاء فى شئون الحكم بمبادئ عامة تصلح للتطبيق فى مختلف الأزمنة والأمكنة، ولم يقيد بنظام معين من أنظمة الحكم.

قَال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾

النساء: 58

﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ﴾

الشورى: 38

وحاصل ذلك، أن الخلافة ليست أصلاً فى الإسلام من أصول الحكم. والمبادئ التى يتعين التزامها فى الحكم، مبادئ واضحة جليّة فى عشر آيات قرآنية . وواضح أن الإسلام قد اكتفى بهذه المبادئ العامة، وهى تصلح للحكم والحكومة والحاكم، وتصلح للحياة العامة وما تستلزمه الحياة الخاصة أيضًا. بيد أنه لم يرد فى القرآن الكريم إلزام بشكل ونظام حكومة معينة، ولو أراد الله تعالى أن يلزم المسلمين بشكل ونظام وحكم بعينه، لنص عليه فى القرآن المجيد، وهو سبحانه القائل

﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾

النحل:89

﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ﴾

الأنعام: 114

أن خلو القرآن من تحديد شكل ونظام معين للحكم أن إرادة الله تعالى لم تشأ ذلك، وإلاَّ لنصت عليه. ولو كان النبى، عليه الصلاة والسلام، أراد شيئًا من ذلك، لتحدث به حديثًا صريحًا محددًا، ولو كان يريد استخلافًا فى شكل خليفة وخلافة ـ لأمر بذلك، ولو كان قد أراد أن يستخلف أحدًا بعينه، ما حجزه عن ذلك حاجز ولا حائل، ولكنه عليه الصلاة والسلام فارق إلى ربه، دون أن يستخلف أحدًا، ودون أن يعين أو يحدد خلافة، ودون أن يرسم أى شكل ونظام للحكم على المسلمين اتباعه والالتزام به.

 

 

 

 

Share This