1- مفهوم الخشوع

الخشوع معناه السكون والتواضع خوفا من الله تعالى ومحل الخشوع القلب وثمرته تظهر على الجوارح فهي تتبع القلب .

قال اللّه تعالى:

﴿ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴾

طه:١٠٨

أي: سكنت، وكل ساكن خاضع خاشع.

2- الأمربه

قال اللَّهِ تعالى:

( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ )

الحديد16

ألم يحن الوقت للذين صدَّقوا الله ورسوله واتَّبَعوا هديه، أن تلين قلوبهم عند ذكر الله وسماع القرآن .

3- كلمة الخشوع

      في

  القرآن الكريم

وردت كلمة خشع وصيغها في القرآن الكريم ١٨ مرة. والصيغ التي جاءت هي:

– الفعل الماضي

ورد مرة واحدة

قال اللّه تعالى:

﴿ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴾

طه:١٠٨

– الفعل المضارع

ورد مرة واحدة

قال اللّه تعالى:

﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾

الحديد:١٦

– المصدر

ورد مرتين

قال اللّه تعالى:

﴿ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا  ﴾

الإسراء:١٠٩

– اسم الفاعل

ورد١٤ مرة

قال اللّه تعالى:

﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾

الحشر:٢١

وجاء الخشوع في القرآن على أربعة أوجه:

1- التواضع

قال اللّه تعالى:

﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾

البقرة:٤٥

يعني: المتواضعين.

2- سكون الجوارح

قال اللّه تعالى:

﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾

المؤمنون:٢

3- الخوف

قال اللّه تعالى:

﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾

الأنبياء:٩٠

يعني:خائفين.

4- الذل

قال اللّه تعالى:

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ﴾

الغاشية:٢

يعني:ذليلة.

4 – الكلمات ذات الصلة

    بكلمة الخشوع

– الخضوع

إظهار الانقياد والطاعة لذي سلطان.

قال اللّه تعالى:

﴿ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴾

الشعراء 4

– التضرع

التذلّل في وقت الشدّة والخوف، وظهور أثر ذلك في الصوت.

قال اللّه تعالى:

﴿ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾

الأنعام 42

– الوجل

الوجل استشعار الخوف عند بداية شيء ما .

قال اللّه تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾

المؤمنون 60

5 – أسباب الخشوع

الخشوع منشؤه عدة أسباب أشار إليها القرآن الكريم خلال الحديث عن ذلك ، وهذه الأسباب هي :

1- الخوف من الله تعالى

أول أسباب الخشوع هو الخوف من الله عز وجل، والخوف من الله لا يتوفر إلا لمن عرف ربه عز وجل بأسمائه وصفاته، حينها يتولد في النفس استحضار عظمة الله ودوام مراقبته ومعيته، واستحضار عظمة الخالق يثمر في القلب طاعة الله وتوقيره و الخشوع له في كل اللحظات .

قال الله تعالى:

﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ. الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾

البقرة:٤٥-٤٦

2- قراءة القرآن الكريم وتدبره

قال الله تعالى:

﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾

الحشر 21

لو أنزلنا هذا القرآن على جبل من الجبال، ففهم ما فيه مِن وعد ووعيد، لأبصَرْته على قوته وشدة صلابته وضخامته، خاضعًا ذليلا متشققًا من خشية الله تعالى .

3- ذكر الله

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾

الحديد 16

ألم يحن الوقت للذين صدَّقوا الله ورسوله واتَّبَعوا هديه، أن تلين قلوبهم عند ذكر الله .

4- أعمال الخير

كالمعاملات اليومية مع الناس بصدق وأمانة فكلها فيها استحضار لمراقبة رب العالمين، وكذلك الابتعاد عن المعاصي .

قال الله تعالى:

 ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ )

الأنبياء90

5- عذاب يوم القيامة

من الأسباب الموجبة للخشوع ذل عذاب الكفار والمنافقين، وهذا الخشوع هو الذي يقع يوم القيامة، وهو الذي يكون لونًا من ألوان عذابهم، وحينها لا يقع منهم اختيارًا، وإنما يكون إجبارًا، وهذا اللون من الخشوع يختلف عن الخشوع الذي يقع من المؤمنين في الدنيا، وقد ورد هذا في أكثر من آية من الآيات التي تتحدث عن الخشوع.

قال الله تعالى:

﴿ وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ﴾

الشورى:٤٥

وترى -أيها الرسول- هؤلاء الظالمين يُعْرَضون على النار خاضعين متذللين ينظرون إلى النار مِن طرْف ذليل ضعيف من الخوف والهوان.

قال الله تعالى:

﴿ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ﴾

القلم:٤٣

منكسرة أبصارهم لا يرفعونها، تغشاهم ذلة شديدة مِن عذاب الله، وقد كانوا في الدنيا يُدْعَون إلى الصلاة لله وعبادته، وهم أصحَّاء قادرون عليها فلا يسجدون؛ تعظُّمًا واستكبارًا.

قال الله تعالى:

﴿ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ . أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴾

النازعات: ٨-٩

قلوب الكفار يومئذ مضطربة من شدة الخوف، أبصار أصحابها ذليلة من هول ما ترى.

قال الله تعالى:

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ . عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ﴾

الغاشية:٢-٣

وجوه الكفار يومئذ ذليلة بالعذاب، مجهدة بالعمل متعبة، تصيبها نار شديدة التوهج، تُسقى من عين شديدة الحرارة.

6- التأمل

إن أهم حالة من الحالات التي يستطيع الشخص من خلالها أن يصل إلى حالة الخشوع التي يرتجيها هي التأمل في قدرة الله عز وجل في خلقه وفي هذا الكون، ويتأمل نِعمه التي لا تُعدّ ولا تُحصى، والتي أنعم عليه بها، وجعله من أحسن مخلوقات الأرض .

قال الله تعالى:

( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ  إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ  إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

فصلت 39

﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ . تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ . قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ . أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴾

النازعات 6-9

يوم تضطرب الأرض بالنفخة الأولى نفخة الإماتة، تتبعها نفخة أخرى للإحياء.قلوب الكفار يومئذ مضطربة من شدة الخوف، أبصار أصحابها ذليلة من هول ما ترى.

5- مواطن الخشوع

تتلخص مواطن الخشوع كما وردت في القرآن الكريم في ثلاثة مواطن، وهي

1- الخشوع في الصلاة

الخشوع في الصلاة من أهم الأسباب لحصول الفائدة المرجوة منها، وهو لب الصلاة وقلبها النابض، وبدونه ربما لا يحصل المصلي الأجر كاملًا.

قال الله تعالى:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾

المؤمنون:١-٢

قد فاز وظفر بالمطلوب، أولئك المؤمنون الصادقون، الذين من صفاتهم أنهم في صلاتهم خاشعون، بحيث لا يشغلهم شيء وهم في الصلاة عن مناجاة ربهم. وعن أدائها بأسمى درجات التذلل والطاعة.

قال الله تعالى:

﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾

البقرة:٤٥

واستعينوا في كل أموركم بالصبر بجميع أنواعه، وكذلك الصلاة. وإنها لشاقة إلا على الخاشعين.

ثانيًا: الخشوع عند ذكر الله

كذلك من المواطن التي يتأكد فيها الخشوع عند ذكر الله وقراءة القرآن الكريم.

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ﴾

الحديد:١٦

أي: تلين عند الذكر والموعظة وسماع القرآن فتفهمه وتنقاد له وتسمع له وتطيعه.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾

الأنفال:٢

3- الخشوع عند مواقف القيامة

وثالث المواطن التي يتأكد فيها الخشوع هو الخشوع في يوم القيامة ، فقد ورد هذا في آيات عدة، منها

– عن خشوع الأصوات

قال الله تعالى:

﴿ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴾

طه:١٠٨

– عن خشوع الأبصار

عن خشوع أبصار الكفار حين خروجهم من القبور خشية ورعبًا مما سيلاقونه

قال الله تعالى:

﴿ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ ﴾

القمر:٧

﴿ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ . أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴾

النازعات:٨-٩

﴿ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ . خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾

المعارج:٤٣-٤٤

أي: يوم يرون هذه الأحوال والأهوال يستجيبون مسارعين إلى الداعي حيثما أمروا بادروا إليه، ولو كان هذا في الدنيا لكان أنفع لهم ولكن حيث لا ينفعهم.

– خشوع الوجوه

قال الله تعالى:

﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ . وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ﴾

الغاشية:١-2

– الخشوع بسبب ذل العذاب

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ . وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ ﴾

الشورى:٤٤-٤٥

أي: خاشعين خشوعًا ناشئًا عن الذل، أي: ليس خشوعهم لتعظيم الله والاعتراف له بالعبودية؛ لأن ذلك الاعتقاد لم يكن من شأنهم في الدنيا.

6 – ألوان من الخشوع

أولًا – خشوع الجوارح

من معاني الخشوع خشية في القلب من الله تعالى تظهر آثارها على الجوارح، فتجعلها ساكنة مستشعرة أنها بين يدي الله سبحانه.

1- خشوع القلوب

القلوب هي مراكز الخشوع، وهي منشؤه والسبب في حدوثه، والقلوب وإن كانت غير ظاهرة وبالتالي غير ظاهر عليها شيء، لكنها هي مركز التحكم في جميع الجوارح . فإذا خشع القلب خشع السمع، والبصر، والرأس، والوجه، وسائر الأعضاء، وما ينشأ منها حتى الكلام .

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾

الحديد: ١٦

ألم يحن الوقت للذين آمنوا ، أن تلين قلوبهم عند ذكر الله وسماع القرآن، ولا يكونوا في قسوة القلوب كالذين أوتوا الكتاب من قبلهم- من اليهود والنصارى- الذين طال عليهم الزمان فبدَّلوا كلام الله، فقست قلوبهم، وكثير منهم خارجون عن طاعة الله .

2- خشوع الوجوه

يأتي في المرتبة التالية من خشوع القلوب خشوع الوجوه

قال الله تعالى:

﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ . وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ . عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ . تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً ﴾

الغاشية:١-٤

هل أتاك -أيها الرسول- خبر القيامة التي تغشى الناس بأهوالها؟وجوه الكفار يومئذ ذليلة بالعذاب، مجهدة بالعمل متعبة، تصيبها نار شديدة التوهج،

3- خشوع الأبصار

إذا كان أساس الخشوع في القلب، ثم تتبعه في ذلك جوارح الإنسان فإن الأبصار من الجوارح التي تتأثر تأثرًا مباشرًا بما في القلوب

قال الله تعالى:

﴿ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ﴾

القلم:٤٣

﴿ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ . خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾

المعارج:٤٣-٤٤

﴿ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ . أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴾

النازعات:٨-٩

وبقليل من التأمل في هذه الآيات السابقة ندرك أن جميع الآيات التي وردت في خشوع الأبصار تتحدث عن خشوع أبصار الكفار من أثر ذل العذاب يوم القيامة، وهذا يجعلنا نروض أبصارنا على الخشوع، فلا نطلق لها العنان تنظر إلى ما يحلو لها، هنا وهناك دونما رقيب أو حساب، وإنما نعودها على النظر إلى الحلال، ونستعملها في طاعة الله .

4- خشوع الأصوات

صحيح أن الأصوات ليست من الجوارح؛ لكنها تصدر عن جارحة من الجوارح وهي اللسان، فتسكن تلك الجوارح

قال الله تعالى:

﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴾

طه:١٠٨

في ذلك اليوم يتبع الناس صوت الداعي إلى موقف القيامة، لا محيد عن دعوة الداعي؛ لأنها حق وصدق لجميع الخلق، وسكنت الأصوات خضوعًا هيبة وخوفًا من الرحمن، فلا تسمع منها إلا صوتًا خفيًا خافتًا.

والعاقل الكيس الذي يمسك بزمام لسانه الذي تصدر عنه الأصوات في الدنيا، فلا يطلقه إلا في الخير، وما يرضي ربه تبارك وتعالى ، فمن يفعل ذلك يأطر لسانه على الخشوع في الدنيا طواعية قبل الخشوع في الآخرة قسرًا، فيعود لسانه على الخشوع وصوته على السكون .

ثانيا :  خشوع الكائنات

الخشوع لله تعالى ليس مقصورًا على الإنسان وأعضائه، وإنما يعم جميع مخلوقات الله عز وجل ، فالكل مخلوق له خشوعه الذي يليق به، والذي يتناسب معه

1- خشوع الأرض

عن خشوع الأرض ككائن من الكائنات ورد

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ  ﴾

فصلت:٣٩

ومن علامات وحدانية الله وقدرته: أنك ترى الأرض يابسة لا نبات فيها، فإذا أنزلنا عليها المطر دبَّت فيها الحياة، و أخرجت من جميع ألوان الزروع والثمار .

2- خشوع الجبال

قال الله تعالى:

﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

الحشر:٢١

لو أنزلنا هذا القرآن على جبل من الجبال، ففهم ما فيه مِن وعد ووعيد، لأبصَرْته على قوته وشدة صلابته وضخامته، خاضعًا ذليلا متشققًا من خشية الله تعالى. وتلك الأمثال نضربها، ونوضحها للناس؛ لعلهم يتفكرون في قدرة الله وعظمته.

7- صفات الخاشعين

ومن صفات الخاشعين في القرآن الكريم ، الأتي

1- اليقين بلقاء الله

يأتي هذا الوصف للخاشعين، وهو يقينهم بلقاء ربهم ويقينهم بالرجوع إليه واضح وصريح في القرآن الكريم.

قال الله تعالى:

﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ . الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾

البقرة:٤٥-٤٦

والمتأمل في هذا الكلام يدرك أن يقين هؤلاء بلقاء ربهم وخوفهم من الوقوف بين يدي ربهم تبارك وتعالى كان سببًا في خشوعهم وتذللهم وانكسارهم له سبحانه في الدنيا؛ لأنهم آمنوا بالبعث وأيقنوا بالرجوع إليه عز وجل للحساب.

أن المراد بالظن هنا العلم واليقين

قال الله تعالى:

﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ . لِيَوْمٍ عَظِيمٍ . يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

المطففين:٤- ٥

أي: ألا يعتقد أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم.

قال الله تعالى:

﴿ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾

الحاقة:٢٠

أي: علمت أني ملاقٍ حسابيه، وملاقاة الخاشعين لربهم معناها الحشر إليه بعد الموت، ومجازاتهم على ما قدموا من عمل.

2- المسارعة في الخيرات

ورد في القرآن الكريم أكثر من آية تبين أن الخاشعين من صفاتهم أنهم يرجون نعيم الله عز وجل ويخافون عذابه، فحينما يتذللون يدعون ربهم خوفًا وطمعًا، رغبًا ورهبًا.

قال الله تعالى:

﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾

الأنبياء ٨٩-٩٠

إذن فمن يخشع لربه عز وجل في الدنيا يخشع وهو متلبس بالخوف من عذاب ربه، طامعًا في رحمته وجنته، فمن صفاته أنه في حله وترحاله على حالة من الحالتين الخوف أو الرجاء.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾

الأحزاب:٣٥

3- الاستعانة بالصبر والصلاة

من صفات الخاشعين لله عز وجل استعانتهم بالصبر والصلاة بعد استعانتهم بالله، فالصبر يجعلهم يتحملون المشقات في فعل الطاعات، والمكاره في البعد عن السيئات، والصلاة تصلهم بخالقهم، فيتحركون ويسكنون مستشعرين مراقبة ربهم لهم.

قال الله تعالى:

﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾

البقرة:٤٥

وبَيَّنَ القرآن الكريم أن الاستعانة بالصبر والصلاة شاقة ثقيلة إلا على الخاضعين لطاعته الخائفين سطوته المصدقين بوعده ووعيده

8- آثار الخشوع

آثار الخشوع كثيرة، نسلط الضوء على أبرزها فيما يلي:

1- الخشوع يوصل إلى الفوز والفلاح

فأهل الخشوع هم أهل الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة.

قال الله تعالى:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾

المؤمنون:١-٢

فالخشوع في الصلاة من أسباب فلاح أهل الإيمان، الذين هم في صلاتهم إذا قاموا فيها خاشعون، وخشوعهم فيها تذللهم لله فيها بطاعته وقيامهم فيها بما أمرهم بالقيام به.

2- الخشوع يوصل إلى اليقين بلقاء الله

من آثار الخشوع أنه يوصل لليقين بلقاء الله عز وجل، وهذا الأثر في حقيقته يحمل ضمنًا أكثر من أثر؛ فهو موصل للإيمان بالغيب، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالجنة والنار والثواب والعقاب، وكل مافي اليوم الآخر.

قال الله تعالى:

﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ . الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾

البقرة:٤٥-٤٦

أي: يعلمون أنهم محشورون إليه يوم القيامة معروضون عليه، وأنهم إليه راجعون، أي: أمورهم راجعة إلى مشيئته يحكم فيها ما يشاء بعدله، فلهذا لما أيقنوا بالمعاد والجزاء سهل عليهم فعل الطاعات وترك المنكرات.

3- الخشوع من أسباب حصول الأجر من الله

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾

آل عمران:١٩٩

4- الخشوع من أسباب مغفرة الذنوب

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾

الأحزاب:٣٥

مغفرة الذنوب حاصل لهم بما يقومون به من أعمال صالحات والتي من أهمها الخشوع.

5- الخشوع من أسباب الاستجابة الدعاء

قال الله تعالى:

﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾

الأنبياء:٨٩-٩٠

6- الخشوع من أسباب الخضوع لله

فالدور الهام للخشوع يتمثل في تأثيره على مشاعر صاحبه، ، مما يزيد لديها منسوب الإيمان والخضوع.

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا. وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾

الإسراء:١٠٧-١٠٩

7- الخشوع من أسباب خشية الله

فالخشوع باعث على خشية الله والفزع إلى ذكره، وهذا أثر إيماني مهم؛ لأنه يبعث على استقامة العبد في كل أموره وتصرفاته.

قال الله تعالى:

﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ  وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾

الزمر:٢٣

8- الخشوع من أسباب دخول الجنة

والخشوع والسكينة والتذلل بين يدي الرب تبارك وتعالى من أسباب دخول الجنة،

قال الله تعالى :

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾

الْمُؤْمِنُونَ 1-2

قد فاز المصدِّقون بالله العاملون بشرعه. الذين من صفاتهم أنهم في صلاتهم خاشعون، تَفْرُغُ لها قلوبهم، وتسكن جوارحهم.

 

 

 

 

 

Share This