1- تقديم

بين القرآن الكريم أن الإنسان صنفان فقط الخاسرون والرابحون .

قَال الله تعالى:

 ( وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )

العصر 1-3

و بين الله تعالى أن الإنسان عموما خاسر, إلا فئة قليلة منهم هم الرابحون, وقد حددت السورة السابقة من هم الرابحون .

والأن فلنرجع إلى القرآن الكريم ونبحث عن الفئة الأخري وهم الخاسرون الذين هم أكثر الناس .

قَال الله تعالى:

 ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا )

الإسراء :89

( وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ )

الأعراف : 102

( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ )

يوسف : 103

2- مفهوم الخسران

هو فقدان الأعمال والأموال والأهل والأجر والثواب في الدنيا والآخرة، بسبب ضلال السعي والانحراف عن دين الله .

قَال الله تعالى:

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾

الكهف 103- 104

3- كلمة الخسران

       في

  القرآن الكريم

وردت كلمة خسر وصيغها في القرآن الكريم (٦٥) مرة. والصيغ التي جاءت هي:

– الفعل الماضي

ورد ١٥ مرة

قَال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا ﴾

النساء:١١٩

– الفعل المضارع

ورد ٣ مرات

قَال الله تعالى:

﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ﴾

الجاثية:٢٧

– المصدر

ورد ٩ مرات

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

العصر:٢

– اسم فاعل

ورد ٣٤ مرة

قَال الله تعالى:

﴿ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾

الزمر:١٥

– اسم تفضيل

ورد ٤ مرات

قَال الله تعالى:

﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ﴾

النمل:٥

وجاء الخسران في القرآن الكريم على خمسة أوجه:

1- النقص

قَال الله تعالى:

( وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ )

المطففين:٣

أي: ينقصون.

2- الغبن

قَال الله تعالى:

( قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ )

الزمر:١٥

أي: الغبن المبين.

3- العجز

قَال الله تعالى:

( قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ )

يوسف:١٤

أي: إذًا لعجزة.

4- الضلال

قَال الله تعالى:

( وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا )

النساء:١١٩

أي: ضل ضلالًا مبينًا.

5- العقوبة

قَال الله تعالى:

( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )

الزمر:٦٥

أي: في العقوبة.

4 – أسباب الخسران

         في

   القرآن الكريم

جاء في آيات كثيرة ما يبين أسباب الخسران منها الأتي ..

1– الشرك باللَّهِ تعالى

قَال الله تعالى:

( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )

الزمر : 65

ليحبطن عملك: ليبطلن عملك

2- الكفر بالله تعالى

قَال الله تعالى:

( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ )

العنكبوت : 52

3- التكذيب بآيات الله

المقصود بآيات الله، هي كلام الله الموحى به إلى رسله ليبلغوا عنه شرعه ودينه وكذلك العلامات، والأدلة، والبراهين التي أبرزها الله لعباده من أجل هدايتهم

قَال الله تعالى:

 ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ )

الزمر 63

4- الذين لايؤمنون بالآخرة

قَال الله تعالى:

 ( إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ . أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ )

النمل :4-5

5- الكفر بكتاب الله

سواء كفر به كله أو كفر ببعضه، وكثير من الناس قد يرد حكما مما جاء في القرآن ولا يدري أنه برده إياه صار من الخاسرين .

قَال الله تعالى:

( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ  )

البقرة : 121

6 –  الرافضون للإسلام

جزاء من يقبل بغير الإسلام دينًا أنه في الآخرة من الخاسرين؛ لأنه أضاع ما جبلت عليه الفطرة السليمة من توحيد الله والانقياد له ؛ أَنَّ كُلَّ دِينٍ غَيْرَ الْإِسْلَامِ فَهُوَ طَرِيقُ الْخُسْرَانِ .

قَالَ اللهُ تَعَالى:

( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )

آل عمران :85

7- اتخاذ الشيطان وليا

قَالَ اللهُ تَعَالى:

( وَمَنْ يَتَّخِذِ الْشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا )

النساء  :119

من يستجب للشيطان ويتخذه ناصرًا له من دون الله القوي العزيز، فقد هلك هلاكًا بيِّنًا.

قَالَ اللهُ تَعَالى:

( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الْشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الْشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ )

المجادلة  :19

غلب عليهم الشيطان، واستولى عليهم، حتى تركوا أوامر الله والعمل بطاعته، أولئك حزب الشيطان وأتباعه. ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون في الدنيا والآخرة.

8- الردة عن الإسلام

قَال الله تعالى:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ )

آل عمران : 149

يا أيها الذين آمنوا ، إن تطيعوا الذين جحدوا ألوهيتي، ولم يؤمنوا برسلي من اليهود والنصارى والمنافقين والمشركين فيما يأمرونكم به وينهونكم عنه، يضلوكم عن طريق الحق، وترتدُّوا عن دينكم، فتعودوا بالخسران المبين والهلاك المحقق.

9- المسيئون الظن بربهم

قَال الله تعالى:

( وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين )

فصلت : 23

ولكن ظننتم بارتكابكم المعاصي أن الله لا يعلم كثيرًا من أعمالكم التي تعصون الله بها. وذلكم ظنكم السيِّئ الذي ظننتموه بربكم أهلككم، فأوردكم النار، فأصبحتم اليوم من الخاسرين .

10- الظالمون

قَال الله تعالى:

( وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم )

الشورى : 45

وقال الذين آمنوا بالله ورسوله في الجنة، لما عاينوا ما حلَّ بالكفار من خسران: إن الخاسرين حقًا هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة بدخول النار. ألا إن الظالمين- يوم القيامة- في عذاب دائم، لا ينقطع عنهم، ولا يزول.

11- فعل المحرمات

حذّرنا الله سبحانه وتعالى من ارتكاب المحرمات وفعلها، لأنها سبب في خسران الإنسان لدنياه وآخرته، وفي نيل غضب الله وسخطه ، ومن هذه المحرمات الأتى

– سفك الدم الحرام

قَال الله تعالى:

 ﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ ﴾

المائدة :30

– قتل الأولاد خشية الفقر أو العار

قَال الله تعالى:

 ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾

الأنعام:140

– نقض العهد، وقطيعة الرحم، والإفساد في الأرض

قَال الله تعالى:

 ﴿ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ ﴾

البقرة:27

12- الأمن من مكر الله تعالى

يَأْمَنُ الْنَّاسُ مَكْرَ الله تَعَالَىْ أي بأسه ونقمته وقدرته عليهم وأخذه إياهم في حال سهوهم وغفلتهم .

قَال الله تعالى:

﴿ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الخَاسِرُونَ ﴾

الأعراف :99

13- تفضيل الحياة الدنيا على الاخرة

قَال الله تعالى:

 ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ . لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ )

النحل  107-109

14- اللهو عن ذكر الله تعالى

قَال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ ﴾

المنافقون:9

يا أيها الذين آمنوا ، لا تَشْغَلْكم أموالكم ولا أولادكم عن عبادة الله وطاعته، ومن تشغَله أمواله وأولاده عن ذلك، فأولئك هم المغبونون حظوظهم من كرامة الله ورحمته.

15- تَرَكَ الطَّاعَاتِ وَإِتْيَانَ المُحَرَّمَاتِ

قَال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾

المؤمنون :103

ومن قَلَّتْ حسناته في الميزان، ورجحت سيئاته، وأعظمها الشرك، فأولئك هم الذين خابوا وخسروا أنفسهم، في نار جهنم خالدون.

16- التكذيب بالبعث

ومن أصر على كفره وجحوده بالبعث فقد خسر خسرانًا مبينًا.

قَال الله تعالى:

﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾

الأنعام:٣١

17- الصد عن سبيل الله

أنهم الأكثر خسرانًا من غيرهم؛ لأنهم أضافوا إلى جريمة كفرهم، جريمة تكفير غيرهم ممن كانوا يدعونهم إلى الضلال، ويصدونهم عن الإسلام سبيل الهدى والنجاة من النار، وبهذا كانوا أخسرين، أي: شديدي الخسارة

قَال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ . أُولَٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ  يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ . أُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ . لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ﴾

هود:١٩-٢٢

18- طاعة الكافرين

حذّر الله من طاعة المؤمن للكافرين وموالاتهم؛ لأنها تجعله في معصية لله، وقد نهى عن ذلك في آيات كثيرة، منها

قَال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾

آل عمران:١٤٩

19- معاداة الأنبياء

فكل من عادى نبيًّا فهو خاسر في عاجل أمره وآجله؛ لأنه قد عادى الله الذي أرسل أنبياءه لخلقه.

قَال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ ﴾

الأعراف:٩0- 92

5- نماذج من الخاسرين

           في

      القرآن الكريم

ورد في القرآن الكريم العديد من نماذج الخاسرين ؛ منها  الآتي

1- قابيل ابن آدم عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ . لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ . إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ. فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

المائدة: 27- 30

واقصص – أيها الرسول – على بني إسرائيل خَبَر ابنَيْ آدم قابيل وهابيل، وهو خبرٌ حقٌ: حين قَدَّم كلٌّ منهما قربانًا -وهو ما يُتَقرَّب به إلى الله تعالى – فتقبَّل الله قُربان هابيل؛ لأنه كان تقيًّا، ولم يتقبَّل قُربان قابيل؛ لأنه لم يكن تقيًّا، فحسد قابيلُ أخاه، وقال: لأقتلنَّك، فَردَّ هابيل: إنما يتقبل الله ممن يخشونه. وقال هابيلُ واعظًا أخاه: لَئنْ مَدَدْتَ إليَّ يدكَ لتقتُلني لا تَجِدُ مني مثل فعْلك، وإني أخشى الله ربَّ الخلائق أجمعين. إني أريد أن ترجع حاملا إثم قَتْلي، وإثمك الذي عليك قبل ذلك، فتكون من أهل النار وملازميها، وذلك جزاء المعتدين. فَزَيَّنت لقابيلَ نفسُه أن يقتل أخاه، فقتله، فأصبح من الخاسرين الذين باعوا آخرتهم بدنياهم.

2- قوم إبراهيم عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ . قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ . فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ . ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ . قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ . أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ. قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ . قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ . وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴾

الأنبياء:62- ٧٠

وجيء بإبراهيم وسألوه منكرين: أأنت الذي كسَّرْتَ آلهتنا؟ يعنون أصنامهم. وتمَّ لإبراهيم ما أراد من إظهار سفههم على مرأى منهم. فقال محتجًا عليهم معرِّضًا بغباوتهم: بل الذي كسَّرها هذا الصنم الكبير، فاسألوا آلهتكم المزعومة عن ذلك، إن كانت تتكلم أو تُحير جوابًا. فأُسقِط في أيديهم، وبدا لهم ضلالهم؛ كيف يعبدونها، وهي عاجزة عن أن تدفع عن نفسها شيئًا أو أن تجيب سائلها؟ وأقرُّوا على أنفسهم بالظلم والشرك. وسُرعان ما عاد إليهم عنادهم بعد إفحامهم، فانقلبوا إلى الباطل، واحتجُّوا على إبراهيم بما هو حجة له عليهم، فقالوا: كيف نسألها، وقد علمتَ أنها لا تنطق؟قال إبراهيم محقِّرًا لشأن الأصنام: كيف تعبدون أصنامًا لا تنفع إذا عُبدت، ولا تضرُّ إذا تُركت؟ قبحًا لكم ولآلهتكم التي تعبدونها من دون الله تعالى، أفلا تعقلون فتدركون سوء ما أنتم عليه؟لما بطلت حجتهم وظهر الحق عدلوا إلى استعمال سلطانهم، وقالوا: حَرِّقوا إبراهيم بالنار؛ غضبًا لآلهتكم إن كنتم ناصرين لها. فأشْعَلوا نارًا عظيمة وألقوه فيها، فانتصر الله لرسوله وقال للنار: كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم، فلم يَنَلْه فيها أذى، ولم يصبه مكروه. وأراد القوم بإبراهيم الهلاك فأبطل الله كيدهم، وجعلهم المغلوبين الأسفلين.

3- قوم شعيب عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ . فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ . الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ ﴾

الأعراف:٩0- 92

وقال السادة والكبراء المكذبون الرافضون لدعوة التوحيد إمعانًا في العتوِّ والتمرد، محذرين من اتباع شعيب: لئن اتبعتم شعيبًا إنكم إذًا لهالكون. فأخذَتْ قومَ شعيب الزلزلةُ الشديدة، فأصبحوا في دارهم صرعى ميتين. الذين كذَّبوا شعيبًا كأنهم لم يقيموا في ديارهم، ولم يتمتعوا فيها، حيث استؤصلوا، فلم يبق لهم أثر، وأصابهم الخسران والهلاك في الدنيا والآخرة. هذه الجملة متضمنة لبيان خسران القوم المكذبين، وهل هناك خسران أشد من أن يخسر الإنسان نفسه، بعذاب في الدنيا والآخرة؟

6- وسائل النجاة

    من الخسران

الفائز أو الرابح هو المستثني من الخاسرين , و يجب أن يتحلى بالصفات الأ تيه ..

1- الإيمان والعمل الصالح

أول وسيلة من وسائل النجاة من الخسران يدور حول تحقيق الإيمان والعمل والصالح

قال الله تعالى:

﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ﴾

الجاثية 30

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ . أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ. الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  ﴾

المؤمنون 1- 11

2- طاعة الله ورسله

والدين إذا لم يصل بصاحبه إلى الخضوع والانقياد لله تعالى كان رسومًا وتقاليد لا تجدي شيئًا، بل تزيد النفوس فسادًا، والقلوب ظلامًا، ويكون حينئذٍ مصدر الشحناء والعداوة بين الناس في الدنيا، ومصدر الخسران في الآخرة بالحرمان من النعيم المقيم، والعذاب الأليم

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾

النور 52

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾

الأحزاب 71

3- التوبة من المعاصي

قال الله تعالى:

﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

النور 31

وارجعوا- أيها المؤمنون- إلى طاعة الله فيما أمركم به من الصفات الجميلة والأخلاق الحميدة، واتركوا الصفات الرذيلة؛ رجاء أن تفوزوا بخيري الدنيا والآخرة.

4- التواصي بالصبر

فضيلة الصبر من أبرز الأخلاق التي عني بها القرآن العظيم، ويعتبر من دلائل صدق الإيمان، والطريق الموصل إلى ذلك هو: لزوم الصبر، الذي هو حبس النفس عما نكرهه، من ترك المعاصي، ومن الصبر على المصائب، وعلى الأوامر الثقيلة على النفوس، فأمرهم الله بالصبر على جميع ذلك، وهو ما يوصلهم إلى الفلاح .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

النحل:٩٦

5- التواصي بالحق

من صفات المؤمن الذي يسعى لنيل رضا الله ورضوانه والفوز بجنته، أنه يحرص كل الحرص على التزام الحق في كل حياته وأمورها، ويحرص على دعوة الآخرين للتواصي بالحق

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

العصر:2- 3

6 – تقوي الله

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

المائدة 35

يا أيها الذين آمنوا ، خافوا الله، وتَقَرَّبوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه، وجاهدوا في سبيله؛ كي تفوزوا بجناته.

قال الله تعالى:

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

البقرة 189

واخشوا الله تعالى في كل أموركم، لتفوزوا بكل ما تحبون من خيري الدنيا والآخرة.

7- تزكية النفس

وقد جاء الإسلام يدعو إلى تزكية النفوس وتطهيرها؛ حتى تكون كريمة الأخلاق، نبيلة السجايا، فلم تدع خلقًا كريمًا إلا رغّبت فيه، كالصدق، والوفاء بالعهد، والجود، والصبر، إلى غيرها من الأخلاق الكريمة، ولم تدع خلقًا ذميمًا إلا حذّرت منه، كالكذب والبخل والتجسس والنميمة إلى غيرها من الأخلاق الذميمة .

قال الله تعالى:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّىٰ ﴾

الأعلى: 14

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾

الشمس: 9- 10

قد فاز مَن طهَّرها ونمَّاها بالخير، وقد خسر مَن أخفى نفسه في المعاصي.

قال الله تعالى:

﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

الحج 77

وافعلوا الخير كصلة الرحم ومكارم الأخلاق لعلكم تفوزون بالبقاء في الجنة.

8 – ذكر الله

قال الله تعالى:

﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

الأنفال 45

﴿ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

الأعراف 69

فاذكروا نِعَمَ الله الكثيرة عليكم؛ رجاء أن تفوزوا الفوز العظيم في الدنيا والآخرة.

 

Share This