1- مفهوم الحق
الحق هو المطابقة والموافقة مع الصواب والصحيح من كل الأمور، والذي يجب التمسك به وعدم تركه ، وهو خلاف الباطل.
قال الله تعالى :
( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ )
يونس : 108
2- كلمة الحق
في
القرآن الكريم
وردت كلمة الحق وصيغها في القرآن الكريم ٢69 مرة . والصيغ التي وردت هي:
– الاسم
ورد ٢٤٧ مرة
قال الله تعالى :
﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾
المؤمنون:٧١
( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا )
البقرة :119
– الفعل
ورد 22
( وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ )
فصلت :25
و كلمة (الحق) ورد ت في القرآن الكريم على معان عدة، نذكر منها:
1- الله تعالى
قال الله تعالى :
﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾
المؤمنون: ٧١
يعني: الله تعالى.
2- القرآن
قال الله تعالى :
﴿ حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ ﴾
الزخرف: ٢٩
يعني: القرآن.
3- الإسلام
قال الله تعالى :
﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ﴾
الإسراء: ٨١
يعني: الإسلام.
4- العدل
قال الله تعالى :
﴿ قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ ﴾
الأنبياء: ١١٢
يعني: بالعدل.
5- التوحيد
قال الله تعالى :
﴿ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ﴾
الصافات: ٣٧
يعني: بالتوحيد.
6- الصدق
قال الله تعالى :
﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ ﴾
الأنعام: ٧٣
يعني: الصدق.
7- الحق الذي يضاد الباطل
قال الله تعالى :
﴿ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾
الأحقاف: ٣
8- الحاجة
قال الله تعالى :
( قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ )
هود:79
أي: ليس لنا فيهن حاجة.
9- الإنجاز والتأكيد
قال الله تعالى :
( وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ )
التوبة :111
أي: ما قضى به سبحانه أمر لا بد منه، ولا محيد عنه.
قال الله تعالى :
( وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا )
الكهف:98
أي: كائناً لا محالة.
10- البيان
قال الله تعالى :
( قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ )
البقرة:71
الآن بيَّنت لنا.
قال الله تعالى :
( وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ )
هود:120
أي: جاءك في هذه السورة بيان لخبر الرسل من قبلك.
11- الحظ والنصيب
قال الله تعالى :
( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ )
الذاريات :19
أي: نصيب مقسوم.
قال الله تعالى :
( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ )
المعارج:24
أي: في أموالهم نصيب مقرر لذوي الحاجات.
12- الأولوية والأحقية
قال الله تعالى :
( وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ )
البقرة:247
أي: نحن أولى بالملك منه.
قال الله تعالى :
( فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ )
التوبة :13
فالله أولى بكم أن تخافوا عقوبته ، وتحذروا سخطه عليكم.
13- الدَّين
قال الله تعالى :
( وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ )
البقرة:282
وليملل المدين على الكاتب ما في ذمته من الدَّين
قال الله تعالى :
( فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا )
البقرة:282
14- وجوب العذاب على الكافرين
قال الله تعالى :
( وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )
السجدة:13
أي: وجب العذاب مني لهم.
قال الله تعالى :
( وَكَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا )
غافر:6
أي: كذلك وجبت كلمة ربك على الذين كفروا بالله.
3- مجالات الحق
فى
القرآن الكريم
1- الحق في مجال العقيدة
يبين القرآن الكريم من خلال الآيات أن أركان الإيمان بدءًا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر كلها حق ، ولا جدال ولا ريب في ذلك.
أولا- الله سبحانه وتعالى هو الحق
الحق هو من صفات الله تعالى ، فهو المتصف بالوجود والدوام والحياة والقيومية والبقاء فلا يلحقه زوال ولا فناء.
قال الله تعالى:
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ﴾
الحج: ٦٢
﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ﴾
طه: ١١٤
﴿ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾
النور: ٢٥
( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ)
الأنعام : 62
( فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ )
المؤمنون :116
أن كل ما سوى الله سبحانه وتعالى – وإن كان موجودًا حقًّا- فإنه لا حقيقة له من نفسه ؛ لأنه من خَلَقَ الله ، والحق الحقيقي هو الموجود الثابت الذي لا يتغير ولا يزول هو الله سبحانه وتعالى.
والحق سنة الله تعالى في خلقه وتدبيره ، فقد خلق الله سبحانه وتعالى هذا الكون، ووضع له نواميس، وأوجد له سننًا تدل على حكمته وعلمه سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى:
﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾
الأحزاب: ٦٢
فكل ما يصدرعن الله تعالى من خلق وتدبير حق
أ – هو الذي أنزَّل كتبه على رسله مشتملة على الحق
قال الله تعالى:
( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ )
البقرة 176
ب – هو الذي خلق السموات والأرض بالحق
قال الله تعالى:
( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ )
الأنعام 73
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾
الحجر: ٨٥
ت – هو الذي يحق الحق بكلماته
قال الله تعالى:
﴿ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ﴾
الشورى: ٢٤
( وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ )
الأنعام 73
ث – هو الذي يهدي وحده الضال إلى الحق
قال الله تعالى:
( قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ )
يونس 35
ج – هو الذي وعده بالبعث والجزاء حق
قال الله تعالى:
( أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ )
يونس 55
ثانيا – الملائكة حق
إن عالم الملائكة من عوالم الغيب التي يجب الإيمان بها، و وإنزالهم يكون للخير، ويكون للشر لعقاب مكذبي الرسل .
قال الله تعالى:
﴿ مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ ﴾
الحجر: ٨
أي: تنزيلًا متلبسًا بالحكمة والمصلحة، ولا حكمة في أن نأتيكم بهم عيانًا تشاهدونهم .
ثالثا – الكتب المنزلة حق
إن الله سبحانه وتعالى أنزل على رسله عليهم السلام كتبًا، لهداية الناس إلى طريق العبادة التي ارتضاها لهم، فمنها ما سماها لنا في القرآن الكريم ، ومنها ما لم يسمه لنا، بل ذكرت مجملة .
قال الله تعالى:
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾
الحديد: ٢٥
ومن هذه الكتب السماوية التي أنزلها الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم، والتوراة والإنجيل، والصحف، والزبور، وهي حق من عند الله سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى:
﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾
المائدة: ٤٨
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴾
الزمر: ٢
﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾
آل عمران: ٣
فالكتاب الحق الذي يجب اتباعه هو القرآن الكريم ، فهو حق من كل الوجوه، مشتمل على دلائل التوحيد، وصفات الله عز وجل، وعلى تعظيم الملائكة، وتقرير نبوة الأنبياء، وإثبات الحشر والنشر والقيامة، وكل ذلك مما لا يقبل الزوال .
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾
الحجر: ٩
ومشتمل على شريعة باقية لا يتطرق إليها النسخ والنقض والتحريف.
قال الله تعالى:
﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾
فصلت: ٤٢
وجاءِ الحق في القرآن الكريم في أمور شتى ، منها
أ – الحق في الإخبار عن قصص السابقين
قد ذكر القرآن الكريم أنباء من سبق من الأمم والجماعات والأنبياء
قال الله تعالى:
﴿ كَذَٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ ﴾
طه 99
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ ﴾
الكهف: ١٣
وكذلك يذكر نشأة الكون الأولى، بما لا يدع مجالًا لإعمال الفكر و لا الشك في ذلك ولا ريب.
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ﴾
آل عمران 62
فهذه الآيات وغيرها وردت لتثبت أن ما ذكره القرآن الكريم من أخبار الأمم السابقة حق لا خيال فيه ، وبالتالي فإن القرآن حق . وأن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم حق لا شك في ذلك ولا ريب.
قال الله تعالى:
﴿ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَٰذَا ﴾
هود : ٤٩
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴾
يوسف: ٣
ب – الحق في المثل القرآني
أثبت القرآن الكريم أن الأمثال القرآنية حق من عند الله سبحانه وتعالى
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾
الفرقان: ٣٣
بيَّن سبحانه وتعالى أن الأمثال من حجته البالغة على عباده، وأنه لم يعذب أمة بتكذيبها إلا بعد أن بيَّن لها الأمثال.
قال الله تعالى:
﴿ وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ . وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ ﴾
إبراهيم: ٤٤-٤٥
وبيَّن سبحانه وتعالى أن الأمثال المضروبة في القرآن من أسباب الهداية، وأنه سبحانه وتعالى يهدي بها كثيرًا ممن تدبرها وانتفع بها، ويضل كثيرًا ممن أعرض عنها .
قال الله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾
الإسراء : 89
واقترن لفظ الحق بالأمثال القرآنية ؛ ومنها
قال الله تعالى:
﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ﴾
الرعد: ١٧
ضرب مثلًا للحق والباطل، فشبه الكفر بالزبد الذي يعلو الماء فإنه يضمحل، ويعلق بجنبات الأودية، وتدفعه الرياح، فكذلك يذهب الكفر ويضمحل .
رابعا – الرسل والرسالة حق
أن الرسل حق والرسالة حق من عند الله سبحانه وتعالى، وكل رسالة لاحقة مكملة للرسالة السابقة .
قال الله تعالى:
﴿ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ . بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ﴾
الصافات: ٣٧
وهذه الآية الكريمة ردت على اتهام المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه شاعر ومجنون، بأنه ليس بشاعر ولا مجنون، بل جاءهم بالحق من ربهم، وصدّق المرسلين الذين أُرسلوا من قبله، إذ دعا إلى توحيد الله، كما كان ذلك دعوة كل رسول من رسل الله.
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾
البقرة : 119
إنا أرسلناك – أيها الرسول- بالدين الحق المؤيد بالحجج والمعجزات، فبلِّغه للناس مع تبشير المؤمنين بخيري الدنيا والآخرة، وتخويف المعاندين بما ينتظرهم من عذاب الله .
قال الله تعالى:
﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ﴾
آل عمران : 108
هذه آيات الله وبراهينه الساطعة، نتلوها ونقصُّها عليك -أيها الرسول- بالصدق واليقين.
خامسا – اليوم الآخر وما فيه حق
اليوم الآخر هو يوم القيامة ، ويوم الجزاء ، ويوم العدالة الإلهية ، الذي يبعث الناس فيه للجزاء والحساب؛ وسمي بذلك لأنه لا يوم بعده، حيث يستقر أهل الجنة في منازلهم، وأهل النار في منازلهم .
قال الله تعالى:
(ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا )
النبأ : 39
وقد أثبت القرآن الكريم أن كل هذه الأمور حق
أ- فأثبت أن الموت حق
قال الله تعالى:
﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾
ق: ١٩
ب – كما أثبت القرآن الكريم أن البعث حق
قال الله تعالى:
﴿ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ﴾
ق: ٤٢
ج – أن الجزاء والحساب والميزان حق
قال الله تعالى:
﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
الأعراف: ٨
د – أن الله سبحانه وتعالى يقضي بين الخلائق بالحق
الحق الذي هو العدل، فيدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار
قال الله تعالى:
﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
الزمر: ٧٥
أن الله قضى بين النبيين الذين جيء بهم، وأممها بالعدل، فأسكن أهل الإيمان بالله وبما جاءت به رسله الجنة، وأهل الكفر به وبما جاءت به رسله النار.
قال الله تعالى:
( وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ )
(الواقعة :92- 95),
الّذى لا مجال فيه للشّكّ.
ر- وفي نهاية أن الأحداث التي تجري يوم القيامة تؤكد على أن المالك الحقيقي لهذا الكون هو الله سبحانه وتعالى
قال الله تعالى:
﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَٰنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ﴾
الفرقان: ٢٦
2- الحق في مجال المعاملات
اقترن لفظ الحق بالآيات التي تتناول الحديث عن المعاملات ، التي أكدت على وجوب هذا الحق، سواء كان هذا الحق في المال أو في الحكم والقضاء بين الناس، فلا يكون إلا من منطلق كتاب الله سبحانه وتعالى .
أ – الحق في الحكم و
القضاء بين الناس
لا بد وأن يكون الحكم والقضاء بين الناس مقرونًا بالحق، الذي يتمثل بتنفيذ حكم الله سبحانه وتعالى، ولا يكون القضاء بالحق إلا من منطلق كتاب الله سبحانه وتعالى
قال الله تعالى:
﴿ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ ﴾
غافر: ٢٠
وقد حث القرآن الكريم على وجوب أن يكون القضاء والحكم بين الناس بالحق
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴾
النساء: ١٠٥
ومن الآيات التي أكدت على وجوب اقتران الحكم بين الناس بالحق أى بالعدل والإنصاف
قال الله تعالى:
﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
ص: ٢٦
﴿ إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ ﴾
ص: ٢٢
أي احكم بما يطابق أمر الله، ولا تبعد عن الحق أو تجاوزه .
ونخلص مما سبق إلى وجوب الحكم والقضاء بما شرع الله سبحانه وتعالى، وعدم الميل عن الحق والصواب لأي سبب من الأسباب؛ لأن في ذلك وقوعًا في الخطأ الذي يؤدي إلى عدم إعطاء أصحاب الحقوق حقوقهم.
ب – الحق في الأموال
اقترن لفظ الحق بالآيات التي تتناول الحديث عن مصارف المال من زكاة وصدقات، وأكدت الآيات على وجوب إخراج هذا الحق، وتوزيعه على مستحقيه .
– فى المال حق معلوم ونصيب مفروض
قال الله تعالى:
( وَفِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ )
الذاريات : 19
( وَالَّذِينَ فِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ )
المعارج : 25-26
( وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا )
الإسراء : 26
– قرن القرآن الكريم لفظ الحق بالوصية لمن لا يرث
قال الله تعالى:
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾
البقرة : ١٨٠
– بينت الآيات القرآنية أن زكاة الزروع حق يجب إخراجه
قال الله تعالى:
﴿ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾
الأنعام: ١٤١
أي: وآتوا الحق المعلوم فيما ذكر من الزرع وغيره، لمستحقيه من ذوي القربى واليتامى والمساكين، زمن حصاده جملة .
المال حق للفقير على الغنى. ذلك يجعلنا نحرص على الحق، بإخراج حق المال من الزكاة والصدقات، والوفاء بحق الوالدين، وحق الأبناء، وحق الجوار، وسائر الحقوق والواجبات، استعدادًا ليوم الحق يوم لقاء الحق.
ج – الحق بين العباد
حافظ القرآن الكريم على حقوق العباد، فأوجب الله سبحانه وتعالى لهم حقوقًا كثيرة ، أهمها
– حق الحياة
فالحياة منحة ربانية للإنسان وهي الحق الأول له، وبه تبدأ سائر الحقوق، وعند انتهائه تنعدم الحقوق، ويعتبر حق الحياة مكفولًا في الشريعة الإسلامية لكل إنسان، ويجب على سائر الأفراد أولًا، والمجتمع ثانيًا، حماية هذا الحق من كل اعتداء
قال الله تعالى :
﴿ مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾
المائدة: ٣٢
﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾
الأنعام : ١٥١
يتبين لنا أن لفظ الحق اقترن بالآيات الدالة على وجوب الحفاظ على حياة الإنسان وعدم الاعتداء عليها بغير وجه حق، وهذا يدلل على مدى اهتمام القرآن الكريم بحياة هذا الإنسان؛ ليحيا سعيدًا في ظل ما كفل له الله سبحانه وتعالى من حقوق.
– التكافل بين الناس حق
قال الله تعالى :
﴿ فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
الروم: ٣٨
فأعط – أيها المؤمن- قريبك حقه من الصلة والصدقة وسائر أعمال البر، وأعط الفقير والمحتاج الذي انقطع به السبيل من الزكاة والصدقة، ذلك الإعطاء خير للذين يريدون بعملهم وجه الله، والذين يعملون هذه الأعمال وغيرها من أعمال الخير، أولئك هم الفائزون بثواب الله الناجون مِن عقابه.
– حفظً الدَّيْون حق
قال الله تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ﴾
البقرة 282
يا أيها الذين آمنوا إذا تعاملتم بدَيْن إلى وقت معلوم فاكتبوه؛ حفظًا للمال ودفعًا للنزاع. ولْيقُم بالكتابة رجل أمين ضابط، ولا يمتنع مَن علَّمه الله الكتابة عن ذلك، ولْيقم المدين بإملاء ما عليه من الدَّيْن، وليراقب ربه، ولا ينقص من دينه شيئا.
– الاعتداء على الناس
مجانب للحق
قال الله تعالى :
﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾
الأعراف 33
إنما حَرَّم الله القبائح من الأعمال، ما كان منها ظاهرًا، وما كان خفيًّا، وحَرَّم المعاصي كلها، ومِن أعظمها الاعتداء على الناس، فإن ذلك مجانب للحق
4- موقف الناس من الحق
انقسم الناس منذ بدء الخليقة إلى فريقين
قال الله تعالى:
﴿ فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ﴾
الأعراف: 30
جعل الله عباده فريقين: فريقًا وفَّقهم للهداية إلى الحق ، وفريقًا وجبت عليهم الضلالة عن الحق .
أ- قسم اتبع الحق
قسم اتبع الحق الذي أراده الله سبحانه وتعالى، وتمسك به، وجاهد في سبيله، وابتلي لأجل ذلك في ماله وبدنه وأهله، وما حاد عن هذا الطريق، وهؤلاء هم الأنبياء والرسل عليهم السلام ومن تبعهم ورضي بالمنهج الذي جاءوا به من عند الله سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا ﴾
القصص : 53
﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ ﴾
الحج : 54
﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾
الحج : 78
ب – قسم كذب بالحق
وقسم آخر أبى إلا أن يكون مع الساقطين المتخاذلين المعادين لله ولرسله ولدينه وللمؤمنين، وهؤلاء هم أتباع الشيطان من الكفرة والمنافقين، وغيرهم، الذين يقفون في طريق الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، فيحاربونهم بشتى السبل والوسائل التي يستطيعونها؛ لأنهم يعلمون أن في ارتقاء دعوة الحق هلاكًا وخذلانًا لهم.
قال الله تعالى:
﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴾
المؤمنون: 70
﴿ فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾
الأنعام :5
﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَٰذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ ﴾
يونس: ٧٦
﴿ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾
الأنعام: ٦٦
5- الصراع بين الحق والباطل
في
ضوء القران الكريم
يتصف الصراع بين الحق والباطل بالصفات الأتية
1- الصراع بين الحق والباطل
سنة من سنن الله عز وجل
يقررالقرآن إن الصراع بين الحق والباطل سنة من سنن الله التي بنى عليها ذلك الكون، فلله عز وجل في ملكوته العظيم وكونه الفسيح سننٌ لا تتبدل ونواميس لا تتحول
قال الله تعالى :
( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا )
فاطر: 43
ومن تلك السنن الربانية سنة التدافع و الصراع بين الحق والباطل ، و بين الخير والشر و عن الآيات التي تقرر هذه الحقيقة
قال الله تعالى :
( كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ )
الرعد: 17
( وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ )
الكهف: 56
( ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ )
محمد: 3
والصراعَ بين الحق والباطل لم يُرفع بموت الرسل عليهم الصلاة والسلام، بل هو سنةٌ ماضية باقية ما بقي على وجه الأرض طائفة على الحق ظاهرة .
قال الله تعالى :
( وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا )
البقرة: 217
(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى )
البقرة: 120
2- تنوّع أسلحةٍ الباطل
في صراعه مع الحق
القران الكريم يحدِّثنا عن أسلحةٍ متنوّعةٍ يلجأ إليها الباطل ليواجه الحقّ، وعمليَّة التّدرّج في استخدام تلك الأسلحةٍ .
أ- تشويه صورة قادة الحقّ والتَّشكيك فيهم
قال الله تعالى :
( قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ )
الأعراف : 60
( إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ )
الأعراف : 66
ب- الإعراض عن سماع الحقّ و
الصدّ عن محاولة سماعه
ويتم ذلك بالتشويش على الحق و على دعاته حتى لا يسمعهم احد ولا يهتدى احد إلى الحق
قال الله تعالى :
( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ )
فصّلت: 26
وفي تجربة النبيّ نوح مثال على الصّدّ
قال الله تعالى :
( وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا )
نوح: 7
ج- استخدام سلاح الجدال والتّنفنّن بالكلام ليدحض الحقّ
قال الله تعالى :
( وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا )
الكهف : 56
( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ )
الأنعام :
هـ – تشويه رسالة الحقِّ نفسها
بعيداً عمَّن أتى بها، بتحريف مضمونها، وبتشويه أهدافها، والتَّخويف من نتائجها، وترويج إشاعات مضلَّلة حولها
قال الله تعالى :
( وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً )
الفرقان : 5
( قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى )
طه : 63
3- العاقبة للحق
يخبرنا القرآن في آيات كثيرة أن النصر دوماً في جانب الطرف الذي يدافع عن الحق، وأن الهزيمة في النهاية واقعة في جانب الطرف المدافع عن الباطل.
قال الله تعالى :
( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ . فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ )
الأعراف: 117 -119
( لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ )
الأنفال: 8
( وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا )
الإسراء: 81
( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق )
الأنبياء:18
( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ )
الأنبياء: 18
( قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ )
سبأ: 49
( وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ )
الشورى: 24
( وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ . لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ )
الأنفال : 7 – 8
( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ )
الروم: 47
( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ )
غافر: 51
ونصر الله لهم لأنهم على الحق لأن الإيمان حق والكفر باطل.
6- الأسباب التي تعين
على القيام بالحق
من الأسباب التي تعين على القيام بالحق ما يأتي:
1- الاستقامة على الدين القويم
والصراط المستقيم
فالمؤمن لا بد وأن يستقيم على دين الله سبحانه وتعالى، وقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم بذلك
قال الله تعالى:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾
هود: ١١٢
فاستقم -أيها النبي- كما أمرك ربك أنت ومن تاب معك، ولا تتجاوزوا ما حدَّه الله لكم، إن ربَّكم بما تعملون من الأعمال كلها بصير، لا يخفى عليه شيء منها، وسيجازيكم عليها.
2- اللجوء إلى الله تعالى
والافتقار إليه
هو الله تعالى العاصم من كل الفتن، والعبد ليس له غنى عن ربه عز وجل مهما بلغت مكانته وعلت منزلته .
قال الله تعالى:
﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا . وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ﴾
الإسراء: ٧3- ٧٤
ولقد قارب المشركون أن يصرفوك – أيها الرسول- عن القرآن الذي أنزله الله إليك؛ لتختلق علينا غير ما أوحينا إليك، ولو فعلت ما أرادوه لاتخذوك حبيبًا خالصًا. ولولا أن ثبَّتناك على الحق، وعصمناك عن موافقتهم، لَقاربْتَ أن تميل إليهم ميلا قليلا من كثرة المعالجة ورغبتك في هدايتهم.
3- بعد الإنسان عن محارم
الله سبحانه وتعالى
خوفه وخشيته من الله عز وجل، وعدم الانجرار وراء شهواته وأهوائه؛ حتى يستطيع القيام بالحق المكلف به.
قال الله تعالى:
﴿ فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
يونس : 23
فلما أنجاهم الله من الشدائد والأهوال إذا هم يعملون في الأرض بالفساد وبالمعاصي. يا أيها الناس إنما وَبالُ بغيكم راجع على أنفسكم، لكم متاع في الحياة الدنيا الزائلة، ثم إلينا مصيركم ومرجعكم، فنخبركم بجميع أعمالكم، ونحاسبكم عليها.
4- ملازمة أهل الحق
لأنهم يأمرونه بالمعروف، وينهونه عن المنكر
قال الله تعالى:
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾
الكهف: ٢٨
5- أن يعلم أن الموت حق
فلا يجبن ولا يخاف، ويكون ذلك دافعًا له على القيام بالحق
قال الله تعالى:
﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾
الأعراف: ٣٤
6- الثبات وعدم التراجع عن الحق
وهذا ما حصل مع سحرة فرعون عندما عرفوا الحق ورأوا نوره الساطع، لم يهتموا بوعيد فرعون، ولم يلقوا لتهديده بالًا لما قال لهم
قال الله تعالى:
﴿ قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ ﴾
طه: ٧١
فكان ردهم عليه منبعث من قوة يقينهم وصلابة إيمانهم
قال الله تعالى:
﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾
طه: ٧٢
7- أن يكون على معرفة بسيرة الأنبياء
والصالحين من عباد الله
وهم الذين بذلوا الغالي والرخيص في سبيل نصرة الحق والقيام به، وأخذ العبرة والعظة منها .
قال الله تعالى:
﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾
هود: ١٢٠
أحدث التعليقات