1- مفهوم الحسد
الحسد هو تمني زوال نعمة مّا من يد صاحبها، على أن تتحول إلى الحاسد وتنتقل إليه ، ومحاوله إيقاع الشر بالمحسود ، و لذلك أمر الله بالتعوذ منه .
قال الله تعالى:
﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ . مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ . وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ . وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ . وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾
الفلق : 1- 5
2- كلمة الحسد
في
القرآن الكريم
وردت كلمة (حسد) وصيغها في القرآن الكريم (٥) مرات. والصيغ التي وردت هي:
– الفعل الماضي
ورد مرة واحدة
قال الله تعالى:
﴿ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾
الفلق:٥
– الفعل المضارع
ورد مرتين
قال الله تعالى:
﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾
النساء:٥٤
– المصدر
ورد مرة واحدة
قال الله تعالى:
﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ﴾
البقرة:١٠٩
– اسم الفاعل
ورد مرة واحدة
قال الله تعالى:
﴿ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾
الفلق:٥
وجاء الحسد في القرآن الكريم بمعني تمنّي زوال نعمة المحسود.
3- الكلما ت ذات الصلة
بكلمة الحسد
– المنافسة
مجاهدة النفس للتشبه بالأفضل واللحوق به ، من غير إدخال ضرر على غيره .
قال الله تعالى:
﴿ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾
المطففين: ٢٦
– الإيثار
تفضيل المرء غيره على نفسه.
قال الله تعالى:
﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾
الحشر: 9
– الغبطة
أن يتمنى المرء مثل ما لدي الغير من النعمة من دون أن يتمنى زوالها عنه.
4- مجالات الحسد
في
القرآن الكريم
تعددت مجالات الحسد التي تحدث عنها القرآن الكريم، وهي كما يأتي:
أولًا : الحسد في الدين
كما أن الحسد يكون في متاع الحياة الدنيا، فإنه قد يكون في الدين من النبوة، والرسالة، والصلاح، والتوفيق .
– عن حسد المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم
وذلك على مقام الرسالة
قال الله تعالى:
﴿ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾
الزخرف: ٣١-٣٢
﴿ أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا ﴾
ص: ٨
فقد نظر المشركون إلى النبي صلى الله عليه وسلم نظر حسد على هذه المنزلة التي حباه الله تعالى بها من اختياره رسولًا ونبيًّا قائلين: لماذا أنزل الله هذا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم؟ ولم ينزله على رجل عظيم من القريتين، مكة أو الطائف؟.
ثانيًا: الحسد في نعم الدنيا
يقع الحسد في أمور الحياة الدنيا سواء أكانت مالًا، أم جاهًا، أم منصبًا، أم جمالًا، أم غير ذلك من الجوانب، وهو من جملة الذنوب التي لا يسلم منها إلا المعصومون، وهم الأنبياء. ومن صور الحسد
أ – الحسد على المال
عن قصة قارون
قال الله تعالى:
﴿ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾
القصص: ٧٩
فخرج قارون على قومه في زينته، مريدًا بذلك إظهار عظمته وكثرة أمواله، وحين رآه الذين يريدون زينة الحياة الدنيا قالوا: يا ليت لنا مثل ما أُعطي قارون من المال والزينة والجاه، إن قارون لذو نصيب عظيم من الدنيا.
ب – الحسد علي الحسن والجمال
وفي القرآن الكريم نماذج لذلك، منها
– خبر النسوة مع يوسف عليه السلام
قال الله تعالى:
﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴾
يوسف: ٣٠-٣١
فهؤلاء النسوة فعلن ما فعلن من كيد ومكر وكشف الأسرار غيرة وحسدًا منهن لامرأة العزيز؛ لاستئثارها به دونهن لما سمعن من حسنه وجماله، وكل واحدة منهن تتمنى أن تفوز به ظنًّا منهن أنه صيد سهل كباقي البشر.
وقد جاء التحذير الرباني من هذا السلوك ، في الأية الأتية
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾
النساء: ٣٢
ولا تتمنوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض، من أي أنواع التفضيل، في الوظيفة والمكانة، وفي الاستعدادات والمواهب، وفي المال والمتاع.. وفي كل ما تتفاوت فيه الأنصبة في هذه الحياة ، فقد جعل الله للرجال نصيبًا مقدَّرًا من الجزاء بحسب عملهم، وجعل للنساء نصيبًا مما عملن، واسألوا الله الكريم الوهاب يُعْطِكم من فضله مباشرة بدلًا من إضاعة النفس حسرات في التطلع إلى التفاوت وبدلًا من المشاعر المصاحبة لهذا التطلع من حسد وحقد ومن حنق كذلك ونقمة، وما قد ينشأ عن هذا كله من سوء ظن بالله وسوء ظن بعدالة التوزيع ،إن الله كان بكل شيء عليمًا، وهو أعلم بما يصلح عباده فيما قسمه لهم من خير.
5- صفات النفس
التي تحسد
تتصف النفس التي تحسد بالصفات الأتية
1- خبث النفس وشحها
بالخيرلعباد اللَّهُ تعالى
قَال الله تعالى:
( إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ )
آل عمران 120
فهويحبِ الأدبارلغيره ويبِخل أن يري نعمه اللَّهُ على عباده كأنهم يأخذون ذلك من ملكه .
2- نفس تمتليء
بالغضاء والعداوه
قَال الله تعالى:
( وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ )
آل عمران 119
وإذا خلا بعضهم إلى بعض بدا عليهم الغم والحزن ويعبر عن شدة الغضب بِعَضِّ الأنامل مجازا لما يرون من ألفة المسلمين واجتماع كلمتهم .
قَال الله تعالى:
( وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا )
آل عمران 120
وإن وقع بكم مكروه من هزيمة أو نقص في الأموال والأنفس والثمرات فرحوا بذلك .
3- الكبر
قَال الله تعالى:
( لِيَقُولُوا أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا )
الأنعام 53
إستحقار من نال النعمه والأنفه منه
6- أسباب إعتبار
الحسد من الكبائر
هناك من الأسباب التى تجعل الحسد من الكبائر، منها
1- السخط على
قضاء الله
قَال الله تعالى:
( قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )
آل عمران 73
قل لهم – أيها الرسول- إن الفضل والعطاء والأمور كلها بيد الله وتحت تصرفه، يؤتيها من يشاء. والله واسع عليم، يَسَعُ بعلمه وعطائه جميع مخلوقاته، ممن يستحق فضله ونعمه.
2- إنكارعدل
الله وحكمته
قَال الله تعالى:
( وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ )
النحل 71
والله فَضَّل بعضكم على بعض فيما أعطاكم في الدنيا من الرزق، فمنكم غني ومنكم فقير
3- كراهية نعمته التي
قسمها بين عبادة
قَال الله تعالى:
( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ )
النساء 54
( وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ )
النساء 32
ولا تتمنوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض، في المواهب والأرزاق وغير ذلك لئلا يؤدى إلى التحاسد والتباغض
7- شر الحسد
في
القرآن الكريم
قَال الله تعالى:
( وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ )
الفلق 5
الحاسد عندما يتحول حسده إلي بغض و البغض إلي حقد ثم يجدّ في إزالة نعمة من يحسده ، وإيقاع المحسود في الضررهذا هو شر الحاسد إذا أنفذ حسده ، و من صور ذلك الشر الناتج عن الحسد في القرآن الكريم ،الأتي
أ – حسد ابنَيْ آدم
قَال الله تعالى:
( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )
المائدة 27
واقصص -أيها الرسول- على بني إسرائيل خَبَر ابنَيْ آدم قابيل وهابيل، وهو خبرٌ حقٌ: حين قَدَّم كلٌّ منهما قربانًا – وهو ما يُتَقرَّب به إلى الله تعالى – فتقبَّل الله قُربان هابيل؛ لأنه كان تقيًّا، ولم يتقبَّل قُربان قابيل؛ لأنه لم يكن تقيًّا، فحسد قابيلُ أخاه، وقال: لأقتلنَّك، فَردَّ هابيل: إنما يتقبل الله ممن يخشونه.
قَال الله تعالى:
( فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ )
المائدة 30
فْتحول الحسد إلي شر فْقتل أخاه
ب – حسد أخوة يوسف
قَال الله تعالى:
( إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ )
يوسف: 8- 9
فقد تحول حسدهم لاخيهم إلى غيظ ثم إلى حقد ثم فى النهاية إلى إرتكاب الشر .
قَال الله تعالى:
﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ﴾
يوسف: 10
8- علاج الحسد
ومن وسا ئل علاج الحسد ، الأتي
1- الإخلاص لله تعالى
إن إخلاص المسلم لله تعالى من القربات والطاعات التي يتحصل بها الحفظ والحماية من الله لعباده المخلصين
قَال الله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾
يوسف: ٢٤
2- الإيمان بقضاء الله تعالى وقدره
الله سبحانه قدّر الأشياء قبل إيجادها ، فلا يحدث حدث في العالم إلا وهو صادر عن علمه تعالى، وقدرته وإرادته دون خلقه، وأن الخلق ليس لهم فيها إلا نوع اكتساب، ومحاولة ونسبة، وإضافة، وأن ذلك كله إنما حصل لهم بتيسير الله تعالى، وبقدرته، وتوفيقه، وإلهامه .
قَال الله تعالى:
﴿ وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾
المجادلة 10
وليس ذلك بمؤذي المؤمنين شيئًا إلا بمشيئة الله تعالى وإرادته.
3- تقوى الله والتوكل عليه
إن تقوى الله عز وجل وحفظه والتوكل عليه، والالتجاء بكنفه وتفويض الأمر إليه تمثّل أمرًا عظيمًا في الاستشفاء من الآفات والأمراض بعمومها،
قَال الله تعالى:
﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾
الطلاق: ٣
إذا أراد أن يتخلص من الآفات والمسببات، من الحسد وآثاره، فقد وجب عليه أن يجعل من تقوى الله والتوكل عليه سلاحًا مانعًا؛ ليتحقق له الخير والسعادة والعيش براحة ودون مكدرات.
4- الدعاء
إن الدعاء سلاح قوي وله أثر فعّال، ويكون بالاتصال المباشر مع الله عز وجل من غير وساطة بين العبد وربه
قَال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾
البقرة: ١٨٦
5- التوبة
قد يغفل الإنسان أحيانًا، وخاصة عندما يتعلق قلبه بالدنيا وأمورها، فيكون التنبيه والتحذير من الله عز وجل للإنسان ليرعوي ويعود إليه سبحانه، فمنهم من يعتبر ومنهم من يتمادى
قَال الله تعالى:
﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾
الشورى: ٣٠
فأي مصيبة كانت من مصائب الدنيا، كالمرض وسائر النكبات، سببها معاصيكم التي اكتسبتموها .
أحدث التعليقات