1- مفهوم الجن

الجن مخلوقات تعيش في ذات العالم ولكن لا يمكن رؤيتها عادة، وهي خارقة للطبيعة التي تدركها حواسنا، لهاعقول وفهم .

2- كلمة الجن

   في

القرآن الكريم

وردت كلمة الجن وصيغها في القرآن الكريم (٣٤) مرة. والصيغ التي وردت هي:

– الاسم الجنس

ورد ٢٢ مرة

قَال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ﴾

الأعراف: ١٧٩

– الجمع

ورد ٥ مرات

قَال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا ﴾

الصافات: ١٥٨

– اسم الفاعل

ورد ٧ مرات

قَال الله تعالى:

﴿ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ﴾

الرحمن: ١٥

وجاء الجن في القرآن الكريم بمعنى الأرواح المستترة عن الحواس.

3- الألفاظ ذات الصلة

– الشيطان

الشيطان هو الشديد البعد عن محل الخير من إنس، أو جن .

قَال الله تعالى:

﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ﴾

الأنعام 112

– الملائكة

هي أجسام نورانية خلقت من النور، لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يتزوجون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.

– الإنس

الأنَسُ خِلاف الجن.

4- خلق الجان وقدراتهم وأصنافهم

تحدث القرآن الكريم عن خلق الجن، وقدراتهم التي وهبهم الله إياها، وعن أصنافهم، وهذا ما سنبيّنه فيما يأتي:

أولًا: خلق الجان وصفاتهم

1- الجن من  مخلوقات الله

قَال الله تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

الذاريات 56

وما خلقت الجن والإنس وبعثت جميع الرسل إلا لغاية سامية، هي عبادتي وحدي دون مَن سواي.

2- خلق الجن متقدم على خلق الإنسان

قَال الله تعالى:

 ﴿ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ﴾

الحجر 27

وخلقنا أبا الجن، وهو إبليس مِن قَبْل خلق آدم من نار شديدة الحرارة لا دخان لها.

3- أصلهم الذي منه خلقوا

فلقد أخبرنا القرآن الكريم بذكر المادة التي خلق منها الجن .

قَال الله تعالى:

﴿ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ﴾

الرحمن: ١٥

وخلق الجن من لهب النار المختلط بعضه ببعض.

قَال الله تعالى:

﴿ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ﴾

الحجر: ٢٧

وخلقنا الجان مِن قَبْل خلق الأنَسُ من نار شديدة الحرارة لا دخان لها تنفذ من المسام .

4- لا يراهم الإنسان

هذا ومن خصائص الجن، أنهم يرون الإنس ولا يراهم الإنس .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ﴾

الأعراف: ٢٧

إن الشيطان يراكم هو وذريته وجنسه من الجن وأنتم لا ترونهم .

5- يتناسلون ولهم ذرية

قَال الله تعالى:

﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ﴾

الكهف 50

أفتجعلونه – أيها الناس- وذريته أعوانًا لكم تطيعونهم وتتركون طاعتي، وهم ألد أعدائكم . وإبليس هو أبو الجن فله ذرية ذكرت معه .

6- لهم قلوباً وأعيناً وآذانا

قَال الله تعالى:

 ﴿ ولقد ذرأنا لجهنَّم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلُّ ﴾

الأعراف 179

ولقد خلقنا للنار -التي يعذِّب الله فيها مَن يستحق العذاب في الآخرة – كثيرًا من الجن والإنس، لهم قلوب لا يعقلون بها، فلا يرجون ثوابًا ولا يخافون عقابًا، ولهم أعين لا ينظرون بها إلى آيات الله وأدلته، ولهم آذان لا يسمعون بها آيات كتاب الله فيتفكروا فيها، هؤلاء كالبهائم التي لا تَفْقَهُ ما يقال لها، ولا تفهم ما تبصره، ولا تعقل بقلوبها الخير والشر فتميز بينهما، بل هم أضل منها؛ لأن البهائم تبصر منافعها ومضارها وتتبع راعيها، وهم بخلاف ذلك، أولئك هم الغافلون عن الإيمان بالله وطاعته.

6- الاتصاف بصفة العقل والإدراك

على لسان أحد الجن

قَال الله تعالى:

﴿ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا ﴾

الجن 11

وأنا منا الأبرار المتقون، ومنا قوم دون ذلك كفار وفساق، كنا فرقًا ومذاهب مختلفة.

ثانيًا: قدرات الجن

قد أخبر القرآن الكريم بأن الله عز وجل منح الجنّ قدرات خاصة ، منها

1- سرعة حركتهم في التنقل

من هذه القدرات سرعة التنقل الفائق، والقوة العظيمة التي تدل على عظمة الخالق سبحانه ، كما جاء في قصة سليمان عليه السلام ، عندما أراد أن يثبت لملكة سبأ عظم ما أعطاه الله عز وجل من نعم عظيمة، وآلاء جليلة .

قال الله تعالى    :

﴿ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ . قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ  ﴾

النمل: ٣٨ – ٤٠

قال سليمان عليه السلام مخاطبًا من سخّرهم الله له من الجن والإنس: أيّكم يأتيني بسرير ملكها العظيم قبل أن يأتوني منقادين طائعين؟ قال مارد قويٌّ شديد من الجن: أنا آتيك به قبل أن تقوم من مجلسك هذا، وإني لقويٌّ على حمله، أمين على ما فيه، آتي به كما هو لا أنقص منه شيئًا ولا أبدله.

2- ارتيادهم للفضاء

علي لسان أحد الجن

قَال الله تعالى:

﴿  وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا ﴾

الجن 9

قالت الجان في معرض الحديث عن استراق الجن لأخبار السماء ورميهم بالشهب : وأنا كنا قبل ذلك نتخذ من السماء مواضع؛ لنستمع إلى أخبارها، فمن يحاول الآن استراق السمع يجد له شهابًا بالمرصاد، يُحرقه ويهلكه.

3- لا تعلم من غيب الله شيئًا

عن وفاة النبي سليمان عليه السلام

قَال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾

سبأ: ١٤

فلما قضينا على سليمان بالموت ما دلَّ الجن على موته إلا الأرَضَةُ تأكل عصاه التي كان متكئًا عليها، فوقع سليمان على الأرض، عند ذلك علمت الجن أنهم لو كانوا يعلمون الغيب ما أقاموا في العذاب المذلِّ والعمل الشاق لسليمان؛ ظنا منهم أنه من الأحياء. وفي الآية إبطال لاعتقاد بعض الناس أن الجن يعلمون الغيب؛ إذ لو كانوا يعلمون الغيب لعلموا وفاة سليمان عليه السلام، ولما أقاموا في العذاب المهين.

4- لا ينفعون الإنس حين

يلوذون بهم بل يرهقونهم

قَال الله تعالى:

 ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴾

الجن 6

وأنه كان رجال من الإنس يستجيرون برجال من الجن، فزاد رجالُ الجنِّ الإنسَ باستعاذتهم بهم خوفًا وإرهابًا ورعبًا. وهذه الاستعاذة بغير الله، التي نعاها الله على أهل الجاهلية، من الشرك الأكبر، الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة النصوح منه. وفي الآية تحذير شديد من اللجوء إلى السحرة والمشعوذين وأشباههم.

5- لا قوة لهم مع قوة الله ولاحيلة

علي لسان أحد الجن

قَال الله تعالى:

 ﴿ وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا ﴾

الجن 12

وأنا أيقنا أن الله قادر علينا، وأننا في قبضته وسلطانه، فلن نفوته إذا أراد بنا أمرًا أينما كنا، ولن نستطيع أن نُفْلِت مِن عقابه هربًا إلى السماء، إن أراد بنا سوءًا.

7- لهم قدرات ومهارات عظيمة

خص الله الجن عن الإنس بأن جعل لهم قدرات ومهارات عظيمة

قَال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ﴾ 

سبأ 13

فقد سخر الله الجن للنبي سليمان عليه السلام فكانوا يبنون له القصور والمحاريب ويصنعون التماثيل ويعملون الجفان الواسعة للطعام وحياض الماء الكبيرة .

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَٰلِكَ ﴾

الأنبياء: ٨٢

وسخّرنا لسليمان من الشياطين شياطين يستخدمهم فيما يعجز عنه غيرهم، فكانوا يغوصون في البحر يستخرجون له اللآلئ والجواهر، وكانوا يعملون كذلك في صناعة ما يريده منهم

ثالثًا: تكليف الجن

قد وردت آيات كثيرة في القرآن تدل على تكليف الجن، منها:

1-عبادة الله تعالى الغاية من خلقهم

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

الذاريات: ٥٦ – ٥٧

وما خلقت الجن والإنس وبعثت جميع الرسل إلا لغاية سامية، هي عبادتي وحدي دون مَن سواي .

2- بعث الله تعالى إلى الجن رسل منهم

قال الله تعالى:

﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ﴾

الأنعام: ١٣٠

أيها المشركون من الجن والإنس، ألم يأتكم رسل من جملتكم ، يخبرونكم بآياتي الواضحة المشتملة على الأمر والنهي وبيان الخير والشر، ويحذرونكم لقاء عذابي في يوم القيامة؟ قال هؤلاء المشركون من الإنس والجن: شَهِدْنا على أنفسنا بأن رسلك قد بلغونا آياتك، وأنذرونا لقاء يومنا هذا، فكذبناهم، وخدعت هؤلاء المشركين زينةُ الحياة الدنيا، وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا جاحدين وحدانية الله تعالى ومكذبين لرسله عليهم السلام.

3- قابليتهم للهدى وللضلال

قَال الله تعالى:

﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا . يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ 

الجن 1-2

قل – أيها الرسول-: أوحى الله إليَّ أنَّ جماعة من الجن قد استمعوا لتلاوتي للقرآن، فلما سمعوه قالوا لقومهم: إنا سمعنا قرآنًا بديعًا في بلاغته وفصاحته وحكمه وأحكامه وأخباره، يدعو إلى الحق والهدى، فصدَّقنا بهذا القرآن وعملنا به، ولن نشرك بربنا الذي خلقنا أحدًا في عبادته.

قَال الله تعالى:

﴿ وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا ﴾

الجن 7

وأن كفار الجن حسبوا كما حسبتم- يا معشر الإنس – أن الله تعالى لن يبعث أحدًا بعد موته .

4- لهم جزاء حسب عملهم

قَال الله تعالى:

 ﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا . وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا ﴾

الجن 13- 14

وإنا لما سمعنا القرآن آمنَّا به، وأقررنا أنه حق مِن عند الله، فمن يؤمن بربه، فإنه لا يخشى نقصانًا من حسناته، ولا ظلمًا يلحقه بزيادة في سيئاته. وأنا منا الخاضعون لله بالطاعة، ومنا الجائرون الظالمون الذين حادوا عن طريق الحق، فمن أسلم وخضع لله بالطاعة، فأولئك الذين قصدوا طريق الحق والصواب، واجتهدوا في اختياره فهداهم الله إليه، وأما الجائرون عن طريق الإسلام فكانوا وَقودًا لجهنم.

قال الله تعالى  :

﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ  أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾

الأعراف: ١٧٩

أي: ولقد خلقنا للنار  -التي يعذّب الله فيها من يستحق العذاب في الآخرة- كثيرًا من الجن والإنس، لهم قلوب لا يعقلون بها، فلا يرجون ثوابًا ولا يخافون عقابًا، ولهم أعين لا ينظرون بها إلى آيات الله وأدلته، ولهم آذان لا يسمعون بها آيات كتاب الله فيتفكروا فيها، هؤلاء كالبهائم التي لا تفقه ما يقال لها، ولا تفهم ما تبصره، ولا تعقل بقلوبها الخير والشر؛ فتميز بينهما، بل هم أضل منها؛ لأن البهائم تبصر منافعها ومضارها، وتتبع راعيها، وهم بخلاف ذلك، أولئك هم الغافلون عن الإيمان بالله وطاعته.

رابعًا: أصناف الجن

1- فيهم المؤمن والكافر

إن الجن أصحاب ملل ونحل متباينة، وفيهم المؤمن والكافر، والعادل والظالم، فمنهم الكامل في الاستقامة وعمل الخير، ومنهم من هو دون ذلك، ومنهم البله المغفلون، ومنهم الكفرة، وهم الكثرة الكاثرة.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا ﴾

الجن: ١٤

وأنا منا الخاضعون لله بالطاعة، ومنا الجائرون الظالمون الذين حادوا عن طريق الحق، فمن أسلم وخضع لله بالطاعة، فأولئك الذين قصدوا طريق الحق والصواب، واجتهدوا في اختياره فهداهم الله إليه .

2- إختلاف مللهم ونحلهم

إن الجن أصحاب ملل ونحل متباينة فكان عندهم إيمان مسبق بالرسل السابقة .

قال الله تعالى:

﴿ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

الأحقاف: ٣٠

وهذا يدل على إيمان قوم منهم بالتوراة

3- إختلاف قدراتهم

عن جن سليمان عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴾

النمل: 39

قال مارد قويٌّ شديد من الجن: أنا آتيك به قبل أن تقوم من مجلسك هذا، وإني لقويٌّ على حَمْله، أمين على ما فيه، آتي به كما هو لا أُنقِص منه شيئًا ولا أبدله.

قال الله تعالى:

﴿ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ﴾

الصافات 7

وحفظنا السماء بالنجوم مِن كل شيطان متمرِّد عاتٍ رجيم.

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ﴾

الحج 3

وبعض رؤوس الكفر من الناس يخاصمون ويشككون في قدرة الله على البعث؛ جهلا منهم بحقيقة هذه القدرة، واتباعًا لأئمة الضلال من كل شيطان متمرد على الله ورسله.

5- الإيمان بالجن

الإيمان بالجن من صور الإيمان بالغيب ؛ لأننا لا نراهم ، وقد أفاض القرآن الكريم في الحديث عن الجن وأحوالهم في مواضع كثيرة ، تقرب من أربعين موضعًا، عدا الآيات التي تحدثت عن الشيطان وهي كثيرة ، وانفردت سورة كاملة للحديث عنهم ، وهي سورة الجن . و تحدث القرآن الكريم عنهم فيما يأتي

– استماع نفر من الجن للقرآن

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا . يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾

الجن: ١ – ٢

– وفي معرض الحديث عن نعيم الجنة

قال الله تعالى:

﴿ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ﴾

الرحمن: ٥٦

– وتحدى الله الجن والإنس أن يأتوا بمثل هذا القرآن

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾

الإسراء: ٨٨

– واستنكر القرآن المزاعم التي تقول بأن الجن يعلمون الغيب

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾

سبأ: ١٤

وذلك في معرض الحديث عن موت سليمان عليه السلام

– وفي معرض الحديث عن مَن يستحق العذاب مَنهم

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ﴾

الأعراف 179

وغير ذلك من الآيات التي تحدثت عن أحوال هذا المخلوق. فإنكارهم يكون تكذيبًا لخبر الله عنهم دون حجة أو برهان، وذلك لا يكون إلا من سمات الجاهلين أو الكافرين، ووجودهم بشكل قاطع لا يحتمل التأويل بأي شكل من الأشكال .

6- الجن في الأخرة

الجن مكلفون بأوامر ونواهٍ، فمن أطاع رضي الله عنه وأدخله الجنة، ومن عصى وتمرد له النار

1- أنهم قابلون للإيمان والكفر

قَال الله تعالى:

( وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا . وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا )

الجن 13- 14

2- بعثهم بعد الموت ومحاسبتهم على أعمالهم

قَال الله تعالى:

( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )

هود 119

أنه سبحانه سيملأ جهنم من الجن والإنس الذين اتبعوا إبليس وجنده ولم يهتدوا للإيمان.

3 – عصاتهم يدخلون النار

قَال الله تعالى:

( قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ )

الأعراف 38

( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ  )

الأعراف 179

( لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )

السجدة 13

4- أن الطائعين منهم يدخلون الجنة

قَال الله تعالى:

( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ . فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ )

الرحمن:46-47

ولمن اتقى الله من عباده من الإنس والجن، فخاف مقامه بين يديه، فأطاعه، وترك معاصيه، جنتان.

قَال الله تعالى:

﴿ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ﴾

الرحمن: 56

يدل ذلك على تأتي الطمث منهم؛ لأن طمث الحور العين إنما يكون في الجنة .

7- موقف الإنسان من الجن

يجب على الإنسان المسلم بأن يؤمن بالأ تى

1- الجن مخلوق من مخلوقات الله تعالى

قال الله تعالى:

﴿ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ﴾

الحجر: ٢٧

2- مأمور بطاعة الله ومنهي عن معصيتة

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

الذاريات 56

3- أن الجن فيهم المسلم والكافر

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا . وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ﴾

الجن : 14 – 15

4- الكفار من الجن يزيّنون للإنسان المعاصي

حاكيًا عن إبليس

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾

الحجر: ٣٩

5- ويشكّكون المسلم في الله عز وجل

حاكيًا عن إبليس

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا ﴾

الجن : 4

وأن سفيهنا- وهو إبليس- كان يقول على الله تعالى قولا بعيدًا عن الحق والصواب .

6- الجن ليس له سلطان بقهر الإنسان على فعل المعصية

في هذا الشأن حاكيًا عن الشيطان

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ  وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

إبراهيم: ٢٢

فهذا هو الشيطان في الآخرة يعلن في صغار وانكسار تخليه عن أتباعه الذين أطاعوه فيما زيّن لهم من المعاصي، ويوضّح لهم أنه لم يكن له سلطان يجبر هؤلاء على ما كان سببًا في دخولهم جهنم

7- والمسلم يعلم أن الجنّ لا تقدر على شيء إلا بإرادة الله

حاكيًا عن أحد الجنّ

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا ﴾

الجن : 12

وأنا أيقنا أن الله قادر علينا، وأننا في قبضته وسلطانه، فلن نفوته إذا أراد بنا أمرًا أينما كنا، ولن نستطيع أن نُفْلِت مِن عقابه هربًا إلى السماء، إن أراد بنا سوءًا.

8- الجنّ لا تعلم من غيب الله شيئًا

قال الله تعالى:

﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا . إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ﴾

الجن: ٢٦- ٢٧

هو سبحانه عالم بما غاب عن الأبصار، فلا يظهر على غيبه أحدًا من خلقه، إلا من اختاره الله لرسالته وارتضاه، فإنه يُطلعهم على بعض الغيب، ويرسل من أمام الرسول ومن خلفه ملائكة يحفظونه من الجن؛ لئلا يسترقوه ويهمسوا به إلى الكهنة .

9- المسلم يؤمن بأن الله سبحانه يحفظه من الجن وإيذائه

فعلى المسلم أن يكون دائم الصلة بالله عز وجل ، فمن كان في كنف الله عز وجل حماه الله من شياطين الإنس والجن، فهو نعم المولى ونعم النصير.

قال الله تعالى:

﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾

الرعد: ١١

لله تعالى ملائكة يتعاقبون على الإنسان من بين يديه ومن خلفه، يحفظونه بأمر الله من الجن وغيرهم .

10- أما الذين يبتعدون عن طريق الله، فمن السهل على الجن أن يؤذوهم

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾

الحجر: 42

إن عبادي الذين أخلصوا لي لا أجعل لك سلطانًا على قلوبهم تضلُّهم به عن الصراط المستقيم، لكن سلطانك على مَنِ اتبعك مِنَ الضالين المشركين الذين رضوا بولايتك وطاعتك بدلا من طاعتي.

 

 

 

Share This