1- مقدمة
الجمال ثالث ثلاثة من القيم التي شغلت الفكر البشري منذ بدأت المسيرة الإنسانية على ظهر الأرض ، وتلك القيم هي: الحق والخير والجمال. والله تعالى هو مصدر القيم الثلاثة المذكورة ، فهو
قال الله تعالى:
( فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ )
يونس 32
( إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ )
الطور 28
( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )
البقرة 117
وكثيرة هي النصوص القرآنية التي تؤكد أن الجمال مطلب أساسي لحياة الإنسان، بل هو وسيلته للتعرف على جلال الله وعظمته ، وإذا كانت معرفة الله ضرورية، فطبيعي أن يكون كل ما يؤدي إليها أو يساعد عليها ولو بمثقال ذرة، ضروريا ومؤكدا.
2- مفهوم الجمال
الجمال هو الانسجام والتناسق في تكوين الكائنات أو الأشياء المكوّنه من أجزاء متباينة ، ويحرِّك فينا نوعاً غير إرادي من التأمل، ويشيع لوناً من السرور والسعادة .
3- كلمه الجمال
في
القرآن الكريم
وردت كلمه الجمال وصيغها في القرآن الكريم ثماني مرات ، والصيغ التي وردت، هي:
– مصدر
ورد مرة واحدة
قال الله تعالى:
( وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ )
النحل :6
– صفة مشبهة
وردت 7 مرات
قال الله تعالى:
( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ )
يوسف 18
4- الكلمات ذات الصلة
بكلمه الجمال
1- الحسن
فالحسن هو أحد المعاني المخبوءة في طي لفظ (الجمال)
قال الله تعالى:
﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾
غافر :64
﴿ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾
آل عمران :14
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ﴾
السجدة: 7
2- النضرة
فالشيء النضر هو الطري الجميل الذي يفيض بالرواء والإشراق .
قال الله تعالى:
﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴾
المطففين :24
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾
القيامة: 22- 23
3ـ الزينة
وهي إحدى أشكال بروز وإبراز الجمال، ولها مظاهرها الكثيرة في عالم الطبيعة والكون، وعالم البشر، وغير ذلك .
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ﴾
الصافات: 6
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
الكهف :46
5- أنواع الجمال
في
القرآن الكريم
ينقسم الجمال في القرآن الكريم إلي نوعين ،هما
1- الجمال الحسّي
الجمال الحسّي ظاهر في كلّ مخلوق متناسق، لا عوج في خلقه، ولا اضطراب، ولا تشويه، والله تبارك وتعالى خلق الكون بما فيه ومن فيه على أكمل صورة، وأجملها، وأسماها، وقدّم الله تبارك وتعالى ظواهر هذا الكون الجميل في الكتاب العزيز شواهد على قدرته، ودلائل على ربوبيته، وآيات ناطقة بتوحيده.
أ- عن الأنعام وما فيها من جمال ومتاع
قال الله تعالى:
( ولكُم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون )
النحل:6
وهذه الآية تقدّم صورة للجمال عندما تحسّ به النفس الإنسانية فيملأ جوانبها سعادة ومسرّة . وهذه هي الآية الوحيدة التي تتحدّث عن الجمال الحسّي بلفظ الجمال الصريح. وهُناك آيات أخرى تتحدّث عن الجمال في الكون بغير لفظه.
ب – عن خلق الإنسان
عن وصف مراحل الخلق التي مرّ بها الإنسان
قال الله تعالى:
( ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين )
المؤمنون:14
ولا شكّ في أنّ مخلوقاً لأحسن الخالقين يكون على أرفع مستوى من الجمال والإتقان. و عن ظواهر الجمال في خلق الإنسان وهي تتمثّل في التسوية، والتعديل، والتقويم .
قال الله تعالى:
( يا أيُّهَا الإنسانُ ما غرّك بربِّك الكَريم. الذي خلقك فسوَّاك فعدلك. في أيّ صورة ما شاء ركّبك )
الانفطار:6ـ8
( لّقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ في أحسَنِ تَقْوِيم )
التين:4
ج -عن الجمال في السموات والأرض
قال الله تعالى:
( بديعُ السَّمواتِ والأرضِ )
الأنعام:101
ومعنى هذا تأكيد جوانب الإبداع في أنحاء الكون الكبير. ويقدّم القرآن صوراً بديعة من جمال الكون .
قال الله تعالى:
( أفَلَم ينظُروا إلى السَّماء فَوقَهم كَيفَ بَنينَاهَا وزَيّناهَا وما لها من فروج. والأرضَ مددناها وألقينا فيها رَواسِى وأنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوجٍ بَهِيج. تَبصرةً وذِكرَى لِكلِّ عَبدٍ مُنيب. ونَزّلنَا مِنْ السَّمَاء مَاء مُبَارَكَاً فَأنْبَتْنَا بِه جَنّاتٍ وحَبّ الحَصِيد. والنَّخلَ بَاسِقَات لَهَا طَلعٌ نَضِيد )
ق:6ـ10
فنلمح من مظاهر الجمال التي أبرزتها الآيات كلمة: ( وزيّناها ) ممَّا يجعل الزينة ـ وهي من أبرز عناصر الجمال ـ عنصراً في بناء الكون، وكذا قوله تعالى: ( وما لها من فروج ) ، والاتساق والتكامل من مظاهر الجمال، وكذا قوله تعالى: ( من كل زوج بهيج ) ـ ( حبّ الحصيد ) ـ ( والنخيل باسقات ) ـ ( طلع نضيد )، وهذه العبارات كُلها تصوّر أنماطاً من الجمال لها مغزاها الكبير. وهذه الصّور الجمالية في الكون العظيم تردّدت في عدّة آيات، منها
قال الله تعالى:
( الذي خَلَقَ سَبعَ سَمواتٍ طِباقَاً مَا تَرَى في خَلقِ الرَّحْمَنِ من تَفاوُت فارجِع البَصَرَ هَل تَرَى مِنْ فُطُور. ثم ارجِعِ البَصرَ كرَّتين يَنقلِبُ إليكَ البَصُرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِير. ولقد زيّنا السماء الدُّنيا بمَصابيحَ )
الملك3ـ5
فتناسقُ الخَلقِ، والتنائي عن العَيب، مظهرٌ أصيلٌ للجمال، وتزيين السماء بالنجوم يجعل الجمال هدفاً في الخلق،
قال الله تعالى:
( إنّا زينّا السماء الدنيا بزينة الكواكب )
الصافات:6
2- الجمال المعنوي
لقد جاء الجمال المعنوي في القرآن الكريم مقروناً بأنماط شتّى من السلوك البشري، لقد اقترن الجمال بالأتى
أ – بالصبر
إنّ الصبرَ من أعظم الصفات التي تزداد بها النفس جمالاً وكمالاً، والصبر الجميل هو الذي تزدان النفس فيه باليقين والثقة، وتمتلئ بالأمل، ويغمرها بالرجاء في الله، وتكون بمنأى عن الجزع والسخط على القضاء.
-على لسان يعقوب عليه السلام
قال الله تعالى:
( قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبرٌ جميلٌ والله المستعان على ما تصفون )
يوسف:18
فقد جاءه أبناؤه يخبرونه بأنّ يوسف أكله الذئب، وبرهنوا على قولهم بدمٍّ كذب على قميصه، وبرغم الفاجعة الرهيبة على قلب الأب المؤمن واجه الأمر بأناة بالغة، وثقة عظيمة، جعلته يحسّ أنّ الأمر على غير ما صوّر أبناؤه، وتذرّع بالصبر الجميل .
قال الله تعالى:
( بل سوّلت لكم أنفسُكم أمراً فصبرٌ جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً إنّه هو العليم الحكيم )
يوسف:83
على لسان يعقوب أيضاً، عندما جاءه نبأ احتجاز ابنه الثاني في سجن العزيز بمصر، وبرُغم تتابع المحنة، وعمقها في وجدان الشيخ الرسول، لكن مايزال للصبر الجميل الغلبة على مشاعره .
ب – بالصفح
يقترن الجمال بالصفح، وهو من أسمى الصفات، إذ هو يعني التغاضي عن إساءات الآخرين.
وقد طلبه الله تبارك وتعالى من نبيّه في مواجهة المُعرضين المُكذّبين من قومه .
قال الله تعالى:
( وما خَلَقنَا السَّمواتِ والأرضَ ومَا بَينهما إلاَّ بالحقِّ وإنّ السَّـاعةَ لآتيةٌ فاصفَحِ الصَّفـحَ الجميل )
الحجر:85
والصَّفحُ في حدِّ ذاتِه جَميل، وعندما يتّصف بالجمال يكون صفحاً لوجه الله، لا يجعله صاحبه حديثاً يُذكر به بين النَّاس.
ج – بالهجر
الهجر الجميل الذي يُشعر المهجور بسوء تصرّفه، وضلال سعيه مع استبقاء البرّ به والودّ له .
قال الله تعالي:
( واصبر على مايقولون واهجرهم هجراً جميلاً )
المزمل:10
لقد أساء المشركون إلى الرسول الكريم، وأمر الله في معاملتهم بالهجر مع الصبر .
د – بسراح المرأة من عصمة الزوجية
وسراح المرأة أن تكون في حلّ من رابطة الزوجية، فهو الطلاق، ويَجْمُل السراح عندما تفارق المرأة بيت الزوجية من غير غبن، أو قهر، أو انتقاص للحقوق، بعيداً عن البغي والعدوان.
– في تخيير النبي لزوجاته عندما سألنه التوسعة في النفقة
قال الله تعالي:
( يا أيها النبي قُلْ لأزواجِكَ إن كُنتنّ تُردنَ الحياةَ الدُّنيا وزينتَها فتَعالَين أُمتِعُكن وأسرّحكم سراحاً جميلاً )
الأحزاب:28
– مطالبة الأزواج الذين يطلّقون الزوجات قبل الدخول، بأن يمتّعوا الزوجات، والمُتعة كسوة ملائمة لمكانة المرأة ومستواها الاجتماعي، ثم السراح الجميل دون بغي على الحقوق، وتعقب بالإساءة .
قال الله تعالى:
( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسّوهن فمالكم عليهن من عدّة تعتدّونها فمتِعوهُن وسرِّحوهُن سَراحَاً جَمِيلاً )
الأحزاب:49
هذا هو حديث الجمال في القرآن الكريم، يُعطى مقاييس ثابتة راشدة للجمال المادي، كما يُعطى أبعاداً جديدة للجمال المعنوي، بحيث يتحرّاه الإنسان في إقباله وإعراضه، في حبّه وكراهيته، في ثوابه وعقابه، في منحه ومنعه.
ومن جمال الحياة الثياب؛ يلبسها الإنسان فتستره وتُجمّله،
قال الله تعالى:
( يا بَنِي آدم قد أنزلنا عليكم لِبَاسَاً يُوارِي سُوءاتِكُم ورِيشَاً ولباسُ التَقوَى ذَلك خيرٌ)
الأعراف:26
وهكذا تختم هذه الآية بما يؤكِّد النّظرَة الإسلامية للجَمال، وهي أنّ الجمال المعنوي والنفسي الماثل في الاستمساك بمنهج الدين أولى بالاعتبار، وأجدر بالحرص عليه والأخذ به.
ومع أنّ المنهج الإسلامي يؤثر الجمال المعنوي، وجمال الحياة الباقية، لكنّه يرعى حاجات الإنسان ومطالبه الغالبة في الدُّنيا، بل يغريه بقضائها إغراءاً مُلحّاً في إطار الطيِّب والحلال الذي يزيد الجميل جمالاً
قال الله تعالى:
( يا بني آدم خُذُوا زِينَتكِم عند كُلِّ مَسجدٍ وكُلُوا واشرَبُوا ولا تُسرفُوا إنّه لا يُحبُّ المُسرفين. قُل مَن حرّم زينةَ اللهِ التي أخرجَ لعبادِهِ والطَيِّبَاتِ مِن الرِزق قُل هِي للذين آمنُوا في الحياةِ الدُّنيا خَالِصَةً يومَ القيامة )
الأعراف:31-32
6- الجمال وآثاره
فمن فطرة الإنسان التي خلقه الله عليها أنّه يهوى الجمال، ويترك ذلك عليه آثاراً وبصمات تدغدغ نفسه، وتعمل على داخله، وتتفاعل داخل وجدانه، ومن تلك الآثار .
1- السرور
فالإنسان يغمره السرور حين يصادف موقفاً أو شيئاً يبعث فيه ذلك، فهو مخلوق ذو مشاعر، يتأثر ويتفاعل مع ما حوله، وليس آلة صماء لا تعي ما حولها .
قال الله تعالى:
﴿ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾
البقرة: 64
والله يهب المؤمنين في الآخرة السرور الدائم
قال الله تعالى:
﴿ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ﴾
الإنسان: 11
ويعودون إلى أهلهم يظللهم السرور بسحابة دافئة مبتهجة
قال الله تعالى:
﴿ وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴾
الانشقاق: 9
2ـ البهجة
والبهجة والارتياح أثر من آثار الجمال، فمن يشهد الجميل ماثلاً أمامه تتملّكه غبطة، وهذا ما يشعر به من يقف أمام حديقة فيحاء، تتهامس فيها الأشجار، وتتراقص فيها الأغصان، وتتبسّم فيها الزهور، ويتماوج النسيم، وتشدو الطيور، وتترقرق المياه .
قال الله تعالى:
﴿ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ ﴾
النمل :60
وهذا ما يجعل الإنسان يعشق مساقط الماء، ومنابت الشجر، ويدفعه للسفر والتنقّل لمرأى الجمال في البلدان؛ ليغسل عنه وعثاء التعب، وتبتهج روحه بمناظر الملاحة والبهاء.
3- اللذة
وكما للجمال آثار معنوية نفسية ـ كالإعجاب والبهجة والسرور ، له آثار مادية، منها اللذة الحسية لدى الإنسان، فيهفو لتذوّق الشراب العذب، وإمتاع العين بالفتنة المتكشّفة، وغير ذلك ، كتلك التي يعانقها المؤمنون في جنات الخلد، ويعيشونها بكلّ كيانهم .
قال الله تعالى:
﴿ يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ . بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ ﴾
الصافات : 45- 46
﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
الزخرف: 71
﴿ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ ﴾
محمد: 15
4- العجب
وقد يقف الإنسان أمام المنظر الجميل مشدوه البال متعجباً من روعته وبهائه .
قال الله تعالى:
﴿ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ﴾
الفتح 29
مثل زرع أخرج ساقه وفرعه، ثم تكاثرت فروعه بعد ذلك، وشدت الزرع، فقوي واستوى قائمًا على سيقانه جميلا منظره، يعجب الزُّرَّاع .
قال الله تعالى:
﴿ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ﴾
الحديد 20
كمثل مطر أعجب الكفار نباته الناشئ عنه
5- المتاع
والمتاع والمتعة هو الآخر من آثار الجمال، فالمنظر الجميل ممتع للبصر، والصوت المرهف العذب ممتع للسمع، والشذا المعطار ممتع للشم، والعذب الزلال ممتع للذوق، والحرير الناعم الوثير ممتع للحسّ
قال الله تعالى:
﴿ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾
البقرة: 36
﴿ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا. مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾
عبس 31- 32
6- الفتنة
وهي أثر من آثار الجمال، فالإنسان حين يرى الجمال يُفتتن به، وتبدو بعض الأشياء للإنسان كذلك ليمتحن بها، وقد استخدمه القرآن الكريم بمعاني مختلفة منها .
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾
الأنفال: 28
﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾
طه: 131
ولا نريد أن نقول بأنّ كلّ فتنة جميلة، ومسبّبها الجمال، فقد تكون نتيجة شر وشؤم، وإنّما نريد أن نقول بأنّ الجميل يفتن الإنسان .
قال الله تعالى:
﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾
الأنبياء: 35
7- مراتب الجمال
هناك مراتب للجمال قد إستعرضها القرآن الكريم ، وهي
1ـ الجمال المطلق (الكمال)
الجمال المطلق هو الخالي من أيّ شائبة أو عيب أو دنس، وهو جمال من كلّ الجوانب،لا يقبل التخصيص والتقييد بجهة، وتتوفر فيه صفة الجمال تامة كاملة ذاتية لا عبر النسبة والمقارنة بأشياء أخرى، ووفق هذا لا تعطي الرؤية الدينية مثالاً له إلا الله تعالى.
قال الله تعالى:
( وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ )
النحل 60
( وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )
الروم 27
( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )
الشورى 11
2ـ الجمال النسبي (المقيّد)
هو الذي يتغيّر بتغيّر الظروف والأحوال والمقارنات
قال الله تعالى:
( قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا )
مريم: 4
فالنسبي هو الذي يتغيّر لدى المقارنة، فهو بموازنته بشيء آخر يكون جميلاً أوغيرذلك ، فالدنيا وما فيها ما هو ألا جميل نسبي يتأثر بالمقارنات .
قال الله تعالى:
﴿ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ ﴾
الرعد : 26
3ـ الجمال المفقود (اللاجمال)
وكما أنّ هناك أشياء جميلة هناك أشياء قبيحة
قال الله تعالى:
﴿ قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ﴾
المائدة 100
والقبيح هو الذي رُفعت منه صفة الجمال
قال الله تعالى:
﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ . وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ ﴾
القصص 41- 42
8 – مكامن الجمال
لا نستطيع أن نقصر الجمال على شيء بعينه، فكلّ ما يشهد التناسق والتآلف والجاذبية والمتعة للإنسان..، هو جميل فاتن؛ لذلك يذكر القرآن الكريم مظاهر متعددة يكمن فيها الجمال، ومنها:
1- الإنسان
فقد خلقه الله في أحسن تقويم وصورة
قال الله تعالى:
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
التين: 4
﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾
غافر: 64
وحلّى الله الأنثى في الإنسان بسحر أخّاذ مميّز، فالنساء أبدع ما يبزغ في عين الرجال من مكامن الجمال، ويعجبه حسنه، ويأسره .
قال الله تعالى:
﴿ لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ﴾
2ـ البنون
وتدفع غريزة حبّ البقاء الإنسان إلى أن ينضح حبّاً، ويتهلل فرحاً بتحقيق امتداده البشري المستمر في أولاد يحملون اسمه، ويساهمون في مساعدته في الحياة .
قال الله تعالى:
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
الكهف : 46
3ـ المال
والمال ـ بقيمته الاعتبارية والنفعية ـ شيء مما تهشّ له نفس الإنسان
قال الله تعالى:
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
الكهف : 46
كما يحبّ الإنسان المال عموماً
قال الله تعالى:
﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾
الفجر: 20
4- الحيوان
وطبيعة الإنسان أنه يهوى منظر الحيوانات العذب، فتأسره غزالة هيفاء وخيل مطهم وطاووس زاهي الألوان، وهكذا جاءت الحيوانات ـ إلى جانب قيمتها النفعية ـ ليستمتع الإنسان بجمالها، ويتخذها زينة .
قال الله تعالى:
﴿ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ﴾
النحل: 6
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾
النحل: 8
﴿ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾
البقرة : 69
5ـ وجه الأرض
وجه الأرض ـ ولاسيما في الربيع ـ ؛ بهي شائق إنّه جمال فذّ فريد، تتبارى في حلبته الأنهار الرقراقة، والبحار الزاخرة، والأشجار الميّاسة، والورود الفواحة؛ وغير ذلك من صنوف الجمال البديع؛ وتتسابق بينها؛ لتسبي قلب الإنسان، وتمتعه بالنظر، وتأسو جراحه.
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا ﴾
الكهف: 7
﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾
الحج: 5
﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ . تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ . وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ . وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ ﴾
ق: 7- 10
6- السماء والنجوم
ومن لوحة الجمال الأرضي الخلاب إلى لوحة الجمال السماوي البديع الآسر، بما يطرّزه من نجوم لألاءة راقصة، لاسيما في الليالي الصافية التي تبدو فيها ناصعة وكأنّها لؤلؤ منثور يزركش ثوب السماء .
قال الله تعالى:
﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾
ق :6
﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ﴾
الملك :5
﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ﴾
الصافات : 6
﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ﴾
الحجر: 16
7ـ القول
والكلام الذي يفوه به الإنسان يحمل بين جوانحه الجمال أو القبح، فالكلمة الطيّبة تستقرّ ولها ثبات ورسوخ في القلب، ولا تلبث أن تنمو وترتفع وتمتد، ثمّ تثمر الجنى الوفير والعطاء الغدق لا في فصل واحد من فصول السنة فحسب، بل في كلّ حين
قال الله تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴾
إبراهيم: 24
ولذلك يأمر الله عباده ـ دوماً ـ باستعمال الأحسن
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾
النساء: 86
﴿ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
النحل : 125
﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
العنكبوت: 46
8 ـ الفعل
والعمل الذي يقوم به الإنسان قد يكون جميلاً أو قبيحاً، والله يأمر عباده بلزوم الفعل الحسن
قال الله تعالى:
﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
فصلت: 34
ومن تلك الأفعال الجميلة الصفح
قال الله تعالى:
﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾
الحجر: 85
وحتى حين يزمع المرء على فراق من كان معهم ومباينتهم يحسن منه أن يكون ذلك بفعل الجميل .
قال الله تعالى:
﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾
المزمل: 10
9ـ الهيئة
حين خلق الله الأشياء جعل لكلّ منها الهيئة الحسنة المناسبة لها
قال الله تعالى:
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
السجدة: 7
والهيئة والقوام والمظهر مما تشكّل الجمال، وتدل على حال صاحبها ومستواه المعيشي، فالثياب الرثة والشعر المغبر المنفوش من المنفّرات، وتدلّ ـ غالباً ـ على أنّ من تتوفر فيه فقير أو بخيل أو مهمل، أو مبتلى.
قال الله تعالى:
﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾
الأعراف: 32
﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾
الأعراف: 31
وفي قبالة أولئك هناك من ينصبّ اهتمامه على جسمه ومظهره فقط، لكنّ قلبه وجوهره قبر حالك خاوٍ من نور الإيمان .
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ﴾
المنافقون: 4
10ـ اللون
أنّ اللون يؤثر فينا وإزاء هذا الرأي أو ذاك يشرق أمامنا قوله تعالى في شأن بقرة بني إسرائيل .
قال الله تعالى:
﴿ قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾
البقرة: 69
فاللون الأصفر في البقرة له مدخلية في ذلك السرور الذي تبعثه في قلوب الناظرين .
قال الله تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ﴾
الزمر 21
و كذلك الزرعً المختلفً ألوانه وأنواعه
11- الله
وعلى هامة وقمة الجمال تأتي الذات الإلهية وصفاتها الحسنى وأفعالها الحكيمة، فالله تعالى هو الجمال المطلق الذي يستمد كلّ جميل منه جماله ورونقه، إنّه واهب الجمال ، وتتحدّث بعض الآيات القرآنية عن جمال الذات الإلهية
قال الله تعالى:
﴿ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾
طه: 73
ويتحدّث قسم آخر من الآيات عن جمال الأسماء والصفات الإلهية
قال الله تعالى:
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى ﴾
طه: 8
كما يأتي قسم ثالث من الآيات ليثبت جمال الأفعال الإلهية ـ كالخلق
قال الله تعالى:
﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾
المؤمنون :14
وعلى نحو الخلق ـ كصفة فعلية لله سبحانه ـ يستقر جمال الأفعال الإلهية كلّها، فالله ـ تبارك وتعالى ـ هو
قال الله تعالى:
﴿ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾
الجمعة 11
﴿ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾
يوسف: 80
﴿ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ﴾
يوسف: 59
﴿ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ﴾
الأعراف 155
﴿ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾
الأنبياء 89
﴿خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾
المؤمنون: 109
و….
فالله ـ سبحانه وتعالى ـ جميل ذاتاً، وجميل صفة، وجميل فعلاً، بما يعود إلى أنواع التوحيد الثلاثة – الذات والصفات والأفعال .
9 – وسائل التجميل
ذكر القرآن الكريم مجموعة من الآليات والوسائل التي تضفي على الشيء الجمال، أو تزيد من مستوى تجليه ، منها
1- الحلية
فالذهب والفضة واللؤلؤ وغيرها أمور جميلة خلقها الله تعالى ، وهي تغدق على لابسها جمالاً ونضارة .
قال الله تعالى:
﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ﴾
فاطر :12
وإذا كان هذا في الدنيا فإنّ المؤمنين في الجنة يحلّون بكلّ جميل
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾
الحج: 23
2- اللباس
قال الله تعالى:
﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾
الأعراف 31
يا بني آدم كونوا عند أداء كل صلاة على حالة من الزينة المشروعة من الثياب .
3- الزخرف
قال الله تعالى:
﴿ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ . وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
الزخرف 34- 35
وجعلنا لبيوتهم أبوابًا من فضة، وجعلنا لهم سررًا عليها يتكئون، وجعلنا لهم ذهبًا، وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
يونس: 24
فالأرض – مع استمرار حركة الزمن- ستزداد جمالاً، ويدفع ذلك كثيرين للركون للدنيا، والاطمئنان بها، والبعد عن الله
10- سمات الجمال
في
القرآن الكريم
تشير الآيات القرآنية إلى مجموعة من السمات أو معايير الجمال،لكي نميّز الجميل من غيره ، منها
1- السلامة من العيوب
فوجود العيب في شيء من شأنه أن يخدش جماليّته أو جزءاً منها، وحين يسلم الشيء من العيب يغدو جميلاً، لذلك جعل الله خلقه – ومن أبرزه السماء البديعة بنجومها الوضّاءة – خالية من العيوب، كوجود شقوق وفتوق مخلة .
قال الله تعالى:
﴿ أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ ﴾
ق : 6
﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ﴾
الملك: 3
2- القصد (الغائية)
ومما يضفي على الشيء سمة الجمال هو أن يأتي لقصد وتحقيق هدف و لا أن يكون عبثاً، ولذلك خلق الله ـ سبحانه وتعالى ـ السماوات والأرض بالحقّ، لا باطلاً دون هدف، ولا لهدف اللعب .
قال الله تعالى:
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾
النحل: 3
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ﴾
ص: 27
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴾
الأنبياء :16
3- التناسق
فالتناسب أو التجانس في الشيء ملمح من ملامح الجمال؛ لذلك خلق الله خلقه وأحسن تقدير ونسبة كل شيء فيه .
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾
القمر: 49
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
السجدة : 7
﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ﴾
طه: 50
﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾
التغابن :3
4- التنظيم
يلتقي التنظيم كسمة جمالية مع التناسق، ولكنّ التنظيم يختصّ بتناسق الأبعاد، بينما تبقى سمة التناسق عامة حيث تشمل تناسق الألوان بعضها مع بعض، أو المادة، أو الصوت .
وقد أشارت آيات القرآن الكريم إلى العديد من الأمثلة للنظام والتنظيم، في سياق وصف الفعل الإلهي أو المدح الإلهي ، لذلك فخلقُ الله في الكون جاء منظماً، فالسماوات سبع طباق .
قال الله تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ﴾
نوح: 15
وكذلك الحال مع الأرضين
قال الله تعالى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ﴾
الطلاق: 12
ويتجلى التنظيم في الأرض بأتم روعته، فالمطر ينزل، وتخرج الأرض نباتاتها التي كانت مخبوءة في البذور، ويسفر الثمر متراكباً، وترسل النخيل عذوقها الدانية، وتتدلى عناقيد العنب، و حبات الزيتون والرمان
قال الله تعالى:
﴿ وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾
الأنعام :99
11- أسباب زوال الجمال
هناك مجموعة من أسباب التي من شأنها أن تزيل رونق الجمال، وتخسف البهاء الساكن في الأشياء، ومنها:
1ـ العوامل الطبيعية
فالشمس والرياح والرطوبة تبلي كلّ جديد، وتنخر جسد الحُسن والجمال، وهكذا يذوي الشجر، وتخبو ابتسامة الزهر، وتغيض المياه، وتبهت الألوان في الرسوم واللوحات،
قال الله تعالى:
﴿ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا ﴾
الكهف : 45
وهذه حال الحياة الدنيا التي لا تستطيع أن تقاوم عوامل التغيّر والتفسّخ والزوال، فلا الجبل العاتي يقاوم عوامل التعرية، ولا الأشجار تقاوم عتو تبدّل الفصول، ولا المياه تصرع بواعث الجفاف.
2- تقادم الزمن
فبمرور الزمن ينطفئ سحر الخدود وفتنة العيون وطراوة الملمس
قال الله تعالى:
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ﴾
مريم: 4
﴿ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ﴾
الروم: 54
3 ـ العوامل التشريعية (المعصية)
أنّ الطاعة لله تنشّط عالم التكوين لصالح الإنسان، فتغدق عليه السماء مياهها، وتخرج له الأرض معدنها وكنوزها وخيراتها، ويمده الله بأموال وبنين .
قال الله تعالى:
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ﴾
نوح 10- 12
فكذلك الحال مع المعصية، فالمعصية والذنوب لها آثار تكوينية دنيوية تسفع بيدها القاسية فاعل الذنب في الدنيا، وتسلب منه نعمة الجمال الذي وهبه الله أن يتقلب فيه .
قال الله تعالى:
﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ . فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾
سبأ :15- 16
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾
الروم: 41
3ـ العوامل الاجتماعية (الظلم والتجاوز)
وقد وضع الله لكلّ شيء حداً ودائرة لا يصح الخروج من ربقته، حدود الإنسان تجاه نفسه، وحدوده تجاه الآخرين، وحدوده تجاه الطبيعة، لكنّ الإنسان طالما كسر القيد، وتخطى الحدود.
فكم أنعم الله على أحد، فاطمأنّ للنعمة وكفر بالله، واستغلّ النعم ضد الله، وراح يتمادى علواً وفساداً، وحمل الظلمَ والتجاوز معولاً يهدم به كلّ شيء، يهدم به حياته، ويتطاول به على الآخرين .
قال الله تعالى:
﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا . وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا . قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا . لَٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا . وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا . فَعَسَىٰ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا . أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا . وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ﴾
الكهف 35- 42
12- القائمون على عملية التجميل
وتجميل الأشياء عملية يقوم بها عديدون كلّ بحسبه ، ومنهم .
1ـ الله
فالله ـ سبحانه وتعالى ـ زين الجميل المعنوي (كالأيمان) والمادي (كأنواع متع الحياة )
قال الله تعالى:
﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾
الحجرات 7
﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾
الأعراف 32
2ـ الشيطان
وفي الطرف المقابل يقف الشيطان ـ العدو المبين للإنسان، والذي يتحيّن به الفرص ـ يجمّل له القبيح؛ ليغريه به ويوقعه في شراكه الوبيلة
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾
الأنعام : 43
﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾
الحجر: 39
3ـ الأصحاب
وأصحاب الإنسان وأصدقاؤه لهم الدور الكبير في تزيين الأشياء له؛ ليمهِّدوا له طريق الإغراء .
قال الله تعالى:
﴿ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾
فصلت: 25
4ـ الشركاء
والذين يتخذهم الإنسان شركاء متبَعِين، يسلم لهم عقله وقلبه، ويجعلهم القدوة في فعله وسلوكه، قد يقومون بتجميل أقبح الأشياء وأفظعها، فهل يمكن أن يرى أحد أنّ قتل أولاده وفلذات أكباده شيء جميل؟!
قال الله تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾
الأنعام : 137
أحدث التعليقات