مفهوم التوراة في القرآن الكريم
1- مفهوم التوراة
التوراة هي ما أنزله الله تعالى من الوحي على موسى عليه السلام؛ ليبلغه قومه لعلهم يهتدون به .
قال الله تعالى :
( إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِيهَا هُدٗى وَنُورٞۚ )
المائدة :٤٤
ولقد اعتمد اليهود تسعة وثلاثين سفرًا أطلق عليها اسم (العهد القديم)، ويعتبرونها أسفارًا مقدسة، أي: موصى بها، ويطلقون على خمسة منها إطلاقًا حقيقيًّا اسم التوراة، أو كتب موسى؛ لأنها في زعمهم قد أنزلها الله على موسى عليه السلام وكتبها موسى بنفسه، وهذه الأسفار الخمسة هي: سفر التكوين، وسفر الخروج، وسفر التثنية، وسفر اللاويين، وسفر العدد.
2- كلمة التوراة
في
القرآن الكريم
وردت كلمة التوراة في القرآن الكريم (١٨) مرة. والصيغ التي وردت هي:
– الاسم
ورد ١٨ مرة
قال الله تعالى :
( نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ )
آل عمران :٣
وجاءت كلمة التوراة في القرآن الكريم اسمًا للكتاب الذي أنزله الله على نبيه موسى عليه السلام.
3- الكلمات ذات الصلة
بكلمة التوراة
– القرآن
كلام الله تعالى، المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بواسطة جبريل عليه السلام، المتعبدٌ بتلاوته، المنقولٌ إلينا بالتواتر، المقروءٌ في المصاحف، المبدوء بسورة الفاتحة والمنتهي بسورة الناس .
قال الله تعالى :
( وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَٰكَ سَبۡعٗا مِّنَ ٱلۡمَثَانِي وَٱلۡقُرۡءَانَ ٱلۡعَظِيمَ )
الحجر: 87
– الإنجيل
هو الكتاب المنزل من عند الله تعالى على المسيح عليه السلام، وقد جمعه أصحابه ، و كلمة الإنجيل تعني: البشارة، أو الخبر الطيب، أو الخبر السار.
قال الله تعالى :
( وَلۡيَحۡكُمۡ أَهۡلُ ٱلۡإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِۚ )
المائدة :٤٧
– الزبور
هو كلام الله المنزل وحيًا على رسوله داود عليه السلام ليبلغه لقومه.
قال الله تعالى :
( وَلَقَدۡ فَضَّلۡنَا بَعۡضَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ عَلَىٰ بَعۡضٖۖ وَءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ زَبُورٗا )
الإسراء : 55
– الصحف
هي كلام الله الذي أنزله على نبيه إبراهيم، وتسمى صحف إبراهيم، وكلام الله المنزل على موسى وهو التوراة، وتسمى صحف موسى .
قال الله تعالى :
( إِنَّ هَٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ . صُحُفِ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ )
الأعلى : 18- 19
4 – اقتران التوراة بالإنجيل
في
القرآن الكريم
اقترن ذكر التوراة والإنجيل في القرآن ست مرات؛ منها
قال الله تعالى :
( وَيُعَلِّمُهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ )
آل عمران :٤٨
وفي ذلك إشارة لأمر معين ولحكمة معينة؛ فالتوراة والإنجيل نزلتا على بني إسرائيل، فالرسالة التي أنزلت على عيسى عليه السلام، مكمّلة لرسالة موسى عليه السلام، ومتممة لما جاء في التوراة من تعاليم، موجهة إلى بني إسرائيل، داعية إلى التوحيد والفضيلة والتسامح .
ولهذا كان النصارى متفقين على حفظ التوراة وتلاوتها كما يحفظون الإنجيل
5- الإيمان بأن التوراة كتاب
منزل من عند الله
تعامل المسلمين مع الكتب السماوية ، بمافيها التوراة يجب أن يكون كما يأتي
أولًا- وجوب الإيمان بالكتب المنزلة والكفر بإحداها كفر بها
جاء ذكر الإيمان بالكتب السماوية في القرآن في صيغة الأمر تارة، وصفة للمؤمنين تارة أخرى، وبوصف الكفر لمن لم يؤمن بها تارة ثالثة.
1- فصيغة الأمر
قال الله تعالى :
( قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ )
البقرة :١٣٦
2- أما وصف المؤمنين
بأنهم هم الذين يؤمنون بالكتب المنزلة كلها
قال الله تعالى :
( ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ )
البقرة :٢٨٥
3- أما وصف الذين لا يؤمنون بالكتب كلها أو الذين يؤمنون ببعضها ويكفرون ببعض بأنهم كفار
قال الله تعالى :
( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا )
النساء :١٣٦
ومفهوم هذه الآيات وأمثالها، سواء كانت أمرًا مباشرًا أو وصفًا للمؤمنين أو وصفًا للكافرين، هو أن الإيمان بالكتب السماوية كلها أمر واجب لا يتم إيمان المرء إلا به.
إنّ الكتب السماوية كلها تحتوي على حقيقة واحدة، هي الأمر بعبادة الله وحده
قال الله تعالى :
( وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيٓ إِلَيۡهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ )
الأنبياء: ٢٥
والإيمان بالكتب ينقسم إلى:
1- الإيمان الإجمالي
وجوب الإيمان بكلّ كتابٍ أنزله الله تعالى
قال الله تعالى :
( فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ )
الشورى: ١٥
فكل كتاب يجب على العباد أن يؤمنوا به، علموه أم لم يعلموه.
2- الإيمان التفصيلي
وهو الإيمان بكل ما سمى الله من كتبه على وجه التفصيل، وقد علمنا من ذلك: القرآن والتوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم وموسى، وأن لله سوى ذلك كتبًا أنزلها على أنبياءه، لا يعرف أسماءها وعددها إلا الذي أنزلها.
ثانيًا- الإيمان بأن التوراة كتاب منزل من عند الله سبحانه وتعالى
تمتاز العقيدة الإسلامية بالتكامل؛ فهي عقيدة متكاملة، فالإيمان بالكتب السماوية، يتضمن جميع الكتب، ما علمنا وما لم نعلم، ومن هذه الكتب: التوراة؛ فقد وردت آيات كثيرة تتحدث عن إنزال التوراة.
قال الله تعالى :
( نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ )
آل عمران: ٣
( يأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّوۡرَىٰةُ وَٱلۡإِنجِيلُ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ )
آل عمران :٦٥
ولقد ذم الله اليهود حيث لم يؤمنوا بما جاء في توراتهم.
قال الله تعالى :
( وَكَيۡفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ ٱلتَّوۡرَىٰةُ فِيهَا حُكۡمُ ٱللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوۡنَ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۚ وَمَآ أُوْلَٰٓئِكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ )
المائدة :٤٣
إنَّ صنيع هؤلاء اليهود عجيب، فهم يحتكمون إليك -أيها الرسول- وهم لا يؤمنون بك، ولا بكتابك، مع أن التوراة التي يؤمنون بها عندهم، فيها حكم الله، ثم يتولَّون مِن بعد حكمك إذا لم يُرضهم، فجمعوا بين الكفر بشرعهم، والإعراض عن حكمك، وليس أولئك المتصفون بتلك الصفات، بالمؤمنين بالله وبك وبما تحكم به.
ثالثًا – تصديق الإنجيل والقرآن للتوراة المنزلة
جاءت الآيات في القرآن الكريم تؤكد على تصديق القرآن للتوراة.
قال الله تعالى :
( وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ )
البقرة :٩١
( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلۡنَا مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبۡلِ أَن نَّطۡمِسَ وُجُوهٗا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰٓ أَدۡبَارِهَآ أَوۡ نَلۡعَنَهُمۡ كَمَا لَعَنَّآ أَصۡحَٰبَ ٱلسَّبۡتِۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولًا )
النساء :٤٧
( نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ )
آل عمران :٣
يعني بذلك القرآن، أنه مصدّق لما كان قبله من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه ورسله، ومحقق ما جاءت به رسل الله من عنده.
والإنجيل أيضًا جاء مصدقًا للتوراة
قال الله تعالى :
( وَمُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيۡكُمۡۚ وَجِئۡتُكُم بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ )
آل عمران: ٥٠
أن عيسى عليه السلام ، كان مؤمنًا بالتوراة مقرًّا بها، وأنها من عند الله ، وكان عاملًا بها لم يخالف شيئًا من أحكامها، إلا ما خفّف الله عن أهلها في الإنجيل، مما كان مشددًا عليهم فيها.
وكذلك الأنبياء كلهم، يصدّقون بكل ما كان قبلهم من كتب الله ورسله، وإن اختلف بعض شرائع أحكامهم، لمخالفة الله بينهم في ذلك
رابعًا- القرآن مهيمنًا على جميع الكتب السابقة
ولقد جاء القرآن مهيمنًا على جميع الكتب السابقة، أي: رقيب عليها، لأنه يشهد بصحتها، ويقرر أصولها، وما يتأبّد من فروعها، ويبيّن أحكامها المنسوخة بتعين وقت انتهاء مشروعيتها
قال الله تعالى :
( وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمُهَيۡمِنًا عَلَيۡهِۖ )
المائدة :٤٨
خامسا – القرآن مكذّب للتوراة المحرفة
أنزل الله التوراة على اليهود، فحرفوها وخلطوا الحق بالباطل.
قال الله تعالى :
( وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ )
البقرة: ٤٢
ولم يتكفل الله بحفظ التوراة، لكنه فند لنا كذب اليهود وافتراءهم عليه وعلى أنبيائه في كثيرٍ من الآيات، نقف على بعض الأمثلة التي وردت في القرآن الكريم :
1- زعمهم أن إبراهيم كان يهودياً
قال الله تعالى :
( يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّوۡرَىٰةُ وَٱلۡإِنجِيلُ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ . هَٰٓأَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ حَٰجَجۡتُمۡ فِيمَا لَكُم بِهِۦ عِلۡمٞ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡمٞۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ . مَا كَانَ إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّٗا وَلَا نَصۡرَانِيّٗا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفٗا مُّسۡلِمٗا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ )
آل عمران 65 – 67
2- زعمهم أنهم أولياء لله من دون الناس
قال الله تعالى :
( قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوٓاْ إِن زَعَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ أَوۡلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ . وَلَا يَتَمَنَّوۡنَهُۥٓ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ)
الجمعة : 6- 7
قل -أيها الرسول- للذين تمسكوا بالملة اليهودية المحرَّفة: إن ادَّعيتم- كذبًا- أنكم أحباء الله دون غيركم من الناس، فتمنَّوا الموت إن كنتم صادقين في ادِّعائكم حب الله لكم. ولا يتمنى هؤلاء اليهود الموت أبدًا إيثارًا للحياة الدنيا على الآخرة، وخوفًا من عقاب الله لهم؛ بسبب ما قدَّموه من الكفر وسوء الفعال. والله عليم بالظالمين، لا يخفى عليه من ظلمهم شيء.
3- زعمهم أنهم مغفورلهم
قال الله تعالى :
( لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا )
النساء : 123
لا يُنال هذا الفضل العظيم بالأماني التي تتمنونها أيها المسلمون، ولا بأماني أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وإنما يُنال بالإيمان الصادق بالله تعالى، وإحسان العمل الذي يرضيه. ومن يعمل عملا سيئًا يجز به، ولا يجد له سوى الله تعالى وليّاً يتولى أمره وشأنه، ولا نصيرًا ينصره، ويدفع عنه سوء العذاب.
4- وصفهم الله عز وجل بأن يده مغلولة
قال الله تعالى :
( وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغۡلُولَةٌۚ غُلَّتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْۘ بَلۡ يَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيۡفَ يَشَآءُۚ )
المائدة :64
قالت اليهود : يد الله محبوسة عن فعل الخيرات، بَخِلَ علينا بالرزق والتوسعة، وذلك حين لحقهم جَدْب وقحط. غُلَّتْ أيديهم، أي: حبست أيديهم هم عن فِعْلِ الخيرات، وطردهم الله من رحمته بسبب قولهم. وليس الأمر كما يفترونه على ربهم، بل يداه مبسوطتان لا حَجْرَ عليه، ولا مانع يمنعه من الإنفاق، فإنه الجواد الكريم، ينفق على مقتضى الحكمة وما فيه مصلحة العباد.
5- وصفهم الله عز وجل بالتعب
وقد ردّ الله عز وجل عليهم، وبيّن بطلان قولهم هذا
قال الله تعالى :
( وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٖ )
ق :٣٨
6- قولهم إن الله فقير
لم يكتف اليهود بالتجرؤ على أنبيائهم فحسب، بل بلغ الكبر والغرور فيهم أن قالوا في حق الله ما لا يليق به سبحانه وتعالى، ونعتوه بالفقر، سبحانه وتعالى عما يقولون، فهو الغني الكريم الجواد جل في علاه، ولقد أخبر الله سبحانه في كتابه عن سماعه لما افتراه اليهود
قال الله تعالى :
( لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ )
آل عمران: ١٨١
3- قولهم عزير ابن الله
استحق اليهود القتال من الله، وذلك بافترائهم على الله عز وجل الذي لم يلد ولم يولد، فافتروا عليه بأن عزيرًا ابن الله، وعزير هو حبر من أحبار بني إسرائيل أوتي حفظ التوراة وعلمها.
قال الله تعالى :
( وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَى ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِۖ ذَٰلِكَ قَوۡلُهُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡۖ يُضَٰهِـُٔونَ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ )
التوبة : ٣٠
6 – أسماء ما إنزل علي
موسى عليه السلام
لقد أنزل الله على النبيين الرسالات، واختص موسى عليه السلام بالأتي
– التوراة
قال الله تعالى :
( إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِيهَا هُدٗى وَنُورٞۚ )
المائدة: ٤٤
– الصحف
قال الله تعالى :
( إِنَّ هَٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ . صُحُفِ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ )
الأعلى :١٩
– الألواح
قال الله تعالى :
( وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِي ٱلۡأَلۡوَاحِ مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡعِظَةٗ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ )
الأعراف: ١٤٥
ولم يثبت بخبرٍ صحيح أن التوراة غير الألواح وغير الصحف، بينما كثير من المفسرين اعتبروها شيئًا واحدًا.
7- صفات التوراة في القرآن
لقد وصف الله التوراة في القرآن الكريم بصفات عديدة؛ فقد وصفها بأنها هدى، وأنها نور، كما وصفها بالفرقان، والضياء، والذكر، والرحمة، وفيما يلي تفصيلٌ لتلك الصفات:
1- هدى
قال الله تعالى :
( إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِيهَا هُدٗى )
المائدة: ٤٤
فيها هدىً إلى الحق والصواب بما فيه من الأحكام .
2- نور
قال الله تعالى :
( إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِيهَا هُدٗى وَنُورٞۚ)
المائدة: ٤٤
فيه جلاء ما أظلم عليهم، و بيان ما التبس من الأحكام
3- فرقان
قال الله تعالى :
( وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ )
البقرة: ٥٣
الفرقان هو الكتاب الذي يفرق بين الحق والباطل.
4- ضياء
قال الله تعالى :
( وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ٱلۡفُرۡقَانَ وَضِيَآءٗ وَذِكۡرٗا لِّلۡمُتَّقِينَ )
الأنبياء: ٤٨
وجعل التوراة ضياء يستضاء به، ويتوصل به إلى السبيل النجاة
5- ذكر
قال الله تعالى :
( وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ٱلۡفُرۡقَانَ وَضِيَآءٗ وَذِكۡرٗا لِّلۡمُتَّقِينَ )
الأنبياء :٤٨
الذّكر: بمعنى الوعظ والتنبيه ، أو ذكر ما يحتاج الناس إليه في مصالح دينهم
6- رحمة
قال الله تعالى :
( وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةًۚ )
هود :١٧
ورحمة لمن كان منهم ضالًّا لينجيه الله به من الضلالة .
8 – الأحكام التشريعية في التوراة
جاء في التوراة العديد من الأحكام التشريعية نذّكر منها الأتي :
أولًا – الأمر بأخذ التوراة بقوة
لقد أمر الله بني إسرائيل بأخذ التوراة وما فيها بقوة، وذلك في آيات عدة.
قال الله تعالى :
( وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱسۡمَعُواْۖ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَأُشۡرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا يَأۡمُرُكُم بِهِۦٓ إِيمَٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ )
البقرة :٩٣
خذوا ما افترضناه عليكم في كتابنا من الفرائض، فاقبلوه، واعملوا باجتهاد منكم في أدائه، من غير تقصير ولا توان .وبعد أخذ الميثاق عليهم بقوة ورفع الجبل فوق رؤوسهم نكثوا العهود والمواثيق كعادتهم، بل وتبجحوا في ذلك الأمر، وأقروا بالعصيان، وعبدوا العجل كفرًا وجورًا؛ فكيف يتصور الإيمان من أخلافهم.
ثانيًا- الأحكام التشريعية في التوراة
إن التوراة كتاب الله أنزله على نبيه موسى ليحكم بين الناس، فهو كتاب إلهي يحتوي على تشريعات ربانية، وقد ذكر لنا القرآن الكريم بعضًا منها في الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل.
قال الله تعالى :
( وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانٗا وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ . وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَآءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ )
البقرة: ٨٣-٨٤
( وَلَقَدۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَبَعَثۡنَا مِنۡهُمُ ٱثۡنَيۡ عَشَرَ نَقِيبٗاۖ وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمۡۖ لَئِنۡ أَقَمۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَيۡتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرۡتُمُوهُمۡ وَأَقۡرَضۡتُمُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّكُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ فَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ )
المائدة :١٢
لقد تضمن ميثاق الله معهم: ألا يعبدوا إلا الله، القاعدة الأولى للتوحيد المطلق، وتضمن الإحسان إلى الوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين، وتضمن خطاب الناس بالحسنى، وفي أولها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كذلك تضمن فريضة الصلاة، وفريضة الزكاة، وهذه في مجموعها هي قواعد الإسلام وتكاليفه.
ثالثًا- أثر عمل اليهود بالتوراة في زمانهم
اشتملت الكتب السماوية على كل ما يصلح أحوال الناس في دنياهم وأخراهم، وما التزم قوم بما أنزل الله عليهم وأقاموا شرع الله فيهم إلا كانوا أسعد الناس في دنياهم وأخراهم، وينطبق هذا الأمر على جميع الشرائع السماوية ، ونلمس هذا الأمر في القرآن الكريم فقد جاء في حق بني إسرائيل .
قال الله تعالى :
( وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَكَفَّرۡنَا عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأَدۡخَلۡنَٰهُمۡ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ . وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُواْ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۚ مِّنۡهُمۡ أُمَّةٞ مُّقۡتَصِدَةٞۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ سَآءَ مَا يَعۡمَلُونَ )
المائدة: ٦٥-٦٦
وهكذا يبدو من خلال الآيتين: أن الإيمان والتقوى وتحقيق منهج الله في واقع الحياة البشرية في هذه الحياة الدنيا، لا يكفل لأصحابه جزاء الآخرة وحده- وإن كان هو المقدم وهو الأدوم – ولكنه كذلك يكفل صلاح أمر الدنيا، ويحقق لأصحابه جزاء العاجلة.. وفرة ونماء وحسن توزيع وكفاية..
9 – الربانيون والأحبار وحفظ التوراة
ميّز الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم عن سائر الكتب بأن تعهد بحفظه.
قال الله تعالى :
( إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ )
الحجر :٩
فالقرآن وحده هو الذي تعهد الله بحفظه، أما التوراة والإنجيل وسائر الكتب المنزلة، فقد أوكل الله حفظها إلى أهلها من الأحبار والرهبان والربانيين، ولم يتكفل بحفظها، ولما ترك حفظها لهم صار حالها إلى ما صارت إليه، من التغيير والتبديل والتحريف، وفيما يلي تفصيل ذلك:
أولًا – تكليف الله للربانيين والأحبار بحفظ التوراة والعمل بها
لقد كلّف الله الربانيين والأحبار حفظ التوراة
قال الله تعالى :
( إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِيهَا هُدٗى وَنُورٞۚ يَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُواْ مِن كِتَٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيۡهِ شُهَدَآءَۚ فَلَا تَخۡشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخۡشَوۡنِ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِـَٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗاۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ )
المائدة :٤٤
ولقد كلف الله اليهود أحبارًا وشعبًا بحفظ التوراة والعمل بها فضيعوها.
ثانيًا- ذم القرآن للربانيين والأحبار لعدم حفظهم التوراة
ولقد ذمّ الله الربانيين والأحبار الذين استحفظهم التوراة فضيّعوها ولم يطبقوا أحكامها، ووصفهم وصفًا شنيعًا.
قال الله تعالى :
( مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢاۚ بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ )
الجمعة: ٥
ثالثا- تحريف التوراة
1- تحريف اليهود للتوراة
المنزلة على موسى
لم يكتف الأحبار والرهبان بتضييع التوراة، وعدم حفظها والعمل بها، وهذه في حد ذاتها جريمة، لكنهم اقترفوا جريمة أعظم؛ ذلك أن بدلوها وحرفوها واعتدوا على كلام الله، فبدلوه بما يناسب مآربهم، ويخدم مصالحهم، وكتبوها بأيدهم، ومزجوها بكلامهم، ثم قالوا هي من عند الله، أخبرنا الله في ست آيات صريحة عن تحريف التوراة بأيدي هؤلاء الأحبار والرهبان، وقد توعدهم الله بالويل والطرد من رحمة الله.
قال الله تعالى :
( أَفَتَطۡمَعُونَ أَن يُؤۡمِنُواْ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَسۡمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ )
البقرة: ٧٥
(منَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ )
النساء :٤٦
( فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ لَعَنَّٰهُمۡ وَجَعَلۡنَا قُلُوبَهُمۡ قَٰسِيَةٗۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ )
المائدة :١٣
( وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْۛ سَمَّٰعُونَ لِلۡكَذِبِ سَمَّٰعُونَ لِقَوۡمٍ ءَاخَرِينَ لَمۡ يَأۡتُوكَۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ مِنۢ بَعۡدِ مَوَاضِعِهِۦۖ يَقُولُونَ إِنۡ أُوتِيتُمۡ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمۡ تُؤۡتَوۡهُ فَٱحۡذَرُواْۚ )
المائدة :٤١
يحرّفون الكلم عن مواضعه: يميلونه عنها ويزيلونه؛ لأنهم إذا بدلوه ووضعوا مكانه كلمًا غيره، فقد أمالوه عن مواضعه التي وضعها اللّه فيها، وأزالوه عنها
تحريفهم الكلم: تحريفهم بسوء التأويل .
2- واجب المسلمين تجاه التوراة
نحن يجب أن نؤمن بتوراة موسى كل الإيمان، ونؤمن بأنها حرفت ولم تحفظ، وأن القوم أخفوا منها شيئًا وكتبوا أشياء، وضاع منها الكثير، وما بين يديهم لا يخلو من بعض الحق، وعلى المسلم أن يحترمها ولا يهينها ولا يدنسها؛ لأنها قد تحتوي في طياتها على شيء من بقايا كلام الله الذي لم يحرف.
قال الله تعالى :
( قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ )
البقرة: ١٣٦
10- عيسى عليه السلام والتوراة
عيسى ابن مريم عليه السلام، أحد أنبياء الله الكرام، ومن أولي العزم من رسله، أرسله الله إلى بني إسرائيل، وعلمه التوراة والإنجيل، وأخبر أنه جاء مصدقًا لما في التوراة .
قال الله تعالى :
( وَقَفَّيۡنَا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم بِعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡإِنجِيلَ فِيهِ هُدٗى وَنُورٞ وَمُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَهُدٗى وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ )
المائدة: ٤٦
إلا أنه نسخ بعض أحكامها، وأباح لأتباعه بعض ما حرم فيها.
قال الله تعالى :
( وَمُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيۡكُمۡۚ )
آل عمران: ٥٠
أن عيسى عليه السلام كان مصدقًا بما في التوراة، وجاء ليحلَّ بوحي من الله بعض ما حرَّمه الله علي بني إسرائيل تخفيفًا من الله ورحمة .
11- صفات الرسول الكريم
وأتباعه في التوراة
فلقد جاءت صفات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصفات الذين على دينه في التوراة، إلى أن وصل الحد ببني إسرائيل أن يعرفوه كما يعرفون أبناءهم.
قال الله تعالى :
( ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ )
البقرة: ١٤٦
وفيما يلي بيان لبعض صفاته وصفات الذين معه كما وردت في التوراة.
أولًا- صفات الرسول الكريم في التوراة
إنّ وصف النبي في التوراة واضحٌ وضوح الشمس في رابعة النهار، ويدل على ذلك
قال الله تعالى :
( ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ )
الأعراف:١٥٧
هذه الرحمة سأكتبها للذين يخافون الله ويجتنبون معاصيه، ويتبعون الرسول النبي الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، الذي يجدون صفته وأمره مكتوبَيْن عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالتوحيد والطاعة وكل ما عرف حُسْنه، وينهاهم عن الشرك والمعصية وكل ما عرف قُبْحه، ويُحِلُّ لهم الطيبات من المطاعم والمشارب والمناكح، ويُحرِّم عليهم الخبائث منها كلحم الخنزير، وما كانوا يستحلُّونه من المطاعم والمشارب التي حرَّمها الله، ويذهب عنهم ما كُلِّفوه من الأمور الشاقة كقطع موضع النجاسة من الجلد والثوب، وإحراق الغنائم، والقصاص حتمًا من القاتل عمدًا كان القتل أم خطأ، فالذين صدَّقوا بالنبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم وأقروا بنبوته، ووقروه وعظَّموه ونصروه، واتبعوا القرآن المنزل عليه، وعملوا بسنته، أولئك هم الفائزون بما وعد الله به عباده المؤمنين.
ثانيًا – صفات أتباع النبي عليه السلام في التوراة
جاء وصف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل، ذلك الجيل الذي نصر النبي صلى الله عليه وسلم وآزره، كما أخبرنا القرآن الكريم
قال الله تعالى :
( مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِي ٱلۡإِنجِيلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطۡـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِنۡهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمَۢا )
الفتح :٢٩
محمد رسول الله، والذين معه على دينه أشداء على الكفار، رحماء فيما بينهم، تراهم ركعًا سُجَّدًا لله في صلاتهم، يرجون ربهم أن يتفضل عليهم، فيدخلهم الجنة، ويرضى عنهم، علامة طاعتهم لله ظاهرة في وجوههم من أثر السجود والعبادة، هذه صفتهم في التوراة. وصفتهم في الإنجيل كصفة زرع أخرج ساقه وفرعه، ثم تكاثرت فروعه بعد ذلك، وشدت الزرع، فقوي واستوى قائمًا على سيقانه جميلا منظره، يعجب الزُّرَّاع؛ ليَغِيظ بهؤلاء المؤمنين في كثرتهم وجمال منظرهم الكفار. وعد الله الذين آمنوا منهم بالله ورسوله وعملوا ما أمرهم الله به، واجتنبوا ما نهاهم عنه، مغفرة لذنوبهم، وثوابًا جزيلا لا ينقطع، وهو الجنة.
أحدث التعليقات