مفهوم التربية في القرآن الكريم
1- مفهوم التربية
التربية هي طريقة لإعداد الإنسان الصحيح والصالح والمتميز بسلوكه الفكري والإنساني والقادر على توظيف مصادر المعرفة لديه في حل مشاكله ومشاكل مجتمعه .
2- كلمة التربية
في
القرآن الكريم
وردت كلمة التربية في القرآن الكريم مرتين. والصيغ التي وردت هي:
– الفعل الماضي
ورد مرة واحدة
قَال الله تعالى:
﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾
الإسراء :٢٤
– الفعل المضارع
ورد مرة واحدة
قَال الله تعالى:
﴿ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ﴾
الشعراء :١٨
وجاءت التربية في الاستعمال القرآني بمعني الحفظ والرعاية.
قَال الله تعالى:
﴿ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ﴾
الشعراء:١٨
أي: ألم ننعم عليك ونقم بتربيتك منذ كنت وليدًا في مهدك ولم تزل كذلك. ولبثت فينا من عمرك سنين .
3- الكلمات ذات الصلة
بكلمة التربية
– التزكية
هي تخليص النفس الإنسانية من كل ما يتعلق بها من شوائب، ونواقص، وسلبيات، وترسيخ الفضائل والقيم النبيلة والأخلاق السامية فيها، وتوجيهها إلى كل ما فيه الخير والصلاح.
قَال الله تعالى:
﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ ﴾
البقرة : 151
– الرعاية
هي المسؤولية والإشراف والحرص والمساعدة والإرشاد والتوجيه.
قَال الله تعالى:
﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ﴾
الحديد: 27
– التأديب
هو التعليم والمعاقبة على الإساءة بقصد الإصلاح
4 – الله تعالى المربي لعباده
الله سبحانه هو المربي للخلق، كما يدل عليه كلمة (الرب). فالرب يستخدم غالباً بشكل مترافق مع الإله لكنه يحمل معنى العناية وتدبير شؤون الخلق .
قَال الله تعالى:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
الفاتحة : 1
﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾
الأعراف : 54
﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ﴾
الأنعام : 164
وقد قسم العلماء والمربون هذه التربية إلى قسمين:
أولًا – تربية عامة
والتربية العامة تشمل نقاطًا ثلاثة ، وهي
1- خلق الله تعالى المخلوقات
قَال الله تعالى:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾
العلق : 1- 2
2- رزقهم
قَال الله تعالى:
﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ﴾
الإسراء: 30
3- هدايتهم
لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا
قَال الله تعالى:
﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى . الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ . وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ ﴾
الأعلى : 1- 3
فالتربية العامة تكون بالنعم التي أنعمها الله على عباده من رزق وإرسال الرسل، فيهدي بهدايته العامة من ينيب إليه، بعد أن عرف النعمة وأحس بجميع الدلائل الكونية والشرعية على أن الله تعالى هو رب البرية، فأناب إليه، ثم هداه تعالى ووفقه.
ثانيًا – تربية خاصة
وهي تربية لأوليائه فيربيهم بالإيمان ويوفقهم له ويكملهم به ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه.
قَال الله تعالى :
﴿ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ﴾
الشورى:١٣
الله يصطفي للتوحيد مَن يشاء مِن خلقه، ويوفِّق للعمل بطاعته من يعلم أنه يصلح للإهتداء برسالته وولايته .
5- الأنبياء عليهم السلام والتربية
الأنبياء عليهم السلام صفوة الخلق اختارهم الله تعالى لأداء الأمانة وتبليغ الرسالة وتربية الناس. فهم عليهم السلام أكثر الناس حاجة للتربية نظرًا للمسؤلية الثقيلة عليهم. فالله سبحانه رباهم تربية خاصة ليكونوا أهلًا للحمل الثقيل. وهم بدورهم حملوا أمانة تربية الناس وإصلاحهم. ومن هنا قسمنا هذا المبحث إلى:
أولا – تربية الله سبحانه للأنبياء
– عن موسى عليهم السلام
قَال الله تعالى :
﴿ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ ﴾
طه :١3
﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾
طه :٤١
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي ﴾
طه : 39
المعنى : أنعمت عليك يا موسى هذه النعم، ومننت عليك هذه المنن، اجتباء مني لك واختيارًا لرسالتي والبلاغ عني والقيام بأمري ونهيي .
ثانيا – تربية الأنبياء عليهم السلام لأقوامهم
قامت دعوات الأنبياء عليهم السلام على تكوين الإنسان الذي يوحد الله تعالى ويراقبه في سره وعلانيته، ويسارع في الخيرات، لذلك تبدأ بغرس كلمة الإيمان في النفس وتعمل بوسائل شتى على ترسيخها وتثبيت جذورها في القلب، لأن الإيمان إذا تغلغل في القلب كان قوة ذاتية تدفع الإنسان إلى السلوك القويم والتحلي بالأخلاق الحميدة والاستقامة على طريق الصلاح
قَال الله تعالى :
﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
النحل: ٣٦
والدارس لقصص الأنبياء في القرآن الكريم يجد نماذج عديدة لتربية الأنبياء لغيرهم وتعليمهم بشتى الوسائل. وما عانوه في سبيل أداء مهمتهم على أكمل وجه.
6 – مجالات التربية
في
القرآن الكريم
تتعدد مجالات التربية في القرآن الكريم إلي نماذج عديدة ، وهي ما يلي
أولًا – التربية الإيمانية
التربية الإيمانية هي عملية متدرجة ومقصودة، لتوجيه الإنسان نحو خالقه من خلال مجموعة من المباديء، والقيم المستمدة من الكتاب ، والتي تعمل على النمو السليم المتوازن للروح، والعقل، والنفس، والجسم، وتحدث التكيف الاجتماعي.
قال الله تعالى:
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
الروم :٣٠
والناظر للآيات القرآنية التي تبحث في قضية الإيمان يجد أن هذه الآيات تعمل بشتى الوسائل والأساليب بغرس الإيمان في النفس وترسيخها وتثبيت جذورها في قلب الإنسان، والإيمان يدفع الإنسان إلى التحلي بالأخلاق والاستقامة على الطريق الصحيح.
وقد استخدم القرآن الكريم أساليب عدة لغرس هذا الإيمان في النفس، منها:
1- الأساليب البنائية
فقد ذكر القرآن الكريم أساليب لتقوية الإيمان وتنميته وغرسه في النفوس، منها:
أ – النظر في الآفاق والأنفس
قال الله تعالى:
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾
فصلت: ٥٣
ب – تلاوة آيات القرآن الكريم وتدبر معانيه
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾
الإسراء: ٩
ت – معرفة أسماء الله وصفاته
لاشك أن النظر في الأسماء والصفات بتدبر معانيها ودلالاتها في المخلوقات مما يزيد الإيمان ويقويه.
قال الله تعالى:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
الأعراف: ١٨٠
ث – العبادة
المتمثلة في اتباع الأوامر واجتناب النواهي
قال الله تعالى:
﴿ وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾
الأنعام: ٧٢
ج – التفكر في الموت
فالموت هو الطريق الذي يبعبر من خلاله الإنسان، عند انتقاله من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة
قال الله تعالى:
﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾
الرحمن:٢٦-٢٧
2- الأساليب الوقائية
فالتربية القرآنية لا تقف عند تنمية الإيمان وتقويته، بل تستمر في المحافظة عليه بأساليب أخرى، منها:
أ – التمسك بالكتاب
قال الله تعالى:
﴿ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
الأنعام:١٥٣
ب – التقوى والعمل الصالح
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
الحديد :٢٨
ت – التحلي بالصبر
وللصبر أثر كبير في المداومة على العبادات
قال الله تعالى:
﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
لقمان:١٧
3- الأساليب العلاجية
بعد الأساليب البنائية والأساليب الوقائية، يعالج القرآن الكريم ضعف الإيمان حين يقع المؤمن في الأخطاء بأساليب، منها:
أ – التوبة
فقد ذكر القرآن الكريم في كثير من الآيات هذا الأسلوب منبهًا لهم أنه لا فلاح ولا نجاة لكل مؤمن إلا بالتوبة من الذنوب صغيرها وكبيرها.
قال الله تعالى:
﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾
النور:٣١
ب – الاستغفار
من صفات المتقين إذا وقعوا في ذنب المسارعة إلى الاستغفار؛ لإيمانهم بأن الله غفور رحيم.
قال الله تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾
آل عمران :١٣٥
فالقرآن الكريم -كما رأينا- يولي أهمية خاصة للتربية الإيمانية، مستخدمًا شتى الوسائل والأساليب والطرق. وهذا التنويع في الوسائل كفيل بتحقيق الغاية المنشودة، وهي غرس الإيمان في النفس.
ثانيًا – التربية الأخلاقية
التربية الأخلاقية هي تنشئة الفرد على المباديء الخلقية والفضائل السلوكية والوجدانية التي توجه الفرد من وقت تمييزه، حتى يعتاد الصلاح وترسخ في نفسه القيم، فتكون دافعًا له إلى كل فضيلة وعونًا له على كمال دينه ومروءته وشخصيته .
والمتأمل للقرآن الكريم يرى بوضوح مدى الاهتمام بالتربية الخلقية للإنسان وتوجيهه نحو الخير، وما فيها من توجيهات خير شاهد على ما نقول ، فمنها
أ- التربية على الاستقامة
قال الله تعالى:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾
المؤمنون:١-٧
ب – التربية على القول الحسن
قال الله تعالى:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
الإسراء: ٥٣
ت – التربية على الصدق
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
التوبة: ١١٩
ث – التربية على التواضع
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ . وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾
لقمان: ١٨ – ١٩
ج – التربية على العفة والاحتشام
قال الله تعالى:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ﴾
النور: ٣٠
ح – التربية على الابتعاد عن سوء الظن
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾
الحجرات: ١٢
خ – التربية على الابتعاد عن الغيبه
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ﴾
الحجرات: ١٢
فالتربية الأخلاقية أخذت حيزًا كبيرًا من آيات القرآن الكريم.
ثالثًا- التربية العقلية
العقل هي الأداة التي عن طريقها يسلك الفرد طريق النجاة في الدارين، وعقول الناس تتفاوت في سلوك هذا الطريق. وهذا ما لا خلاف فيه. ولكن العقول قابلة للنماء والتطور والارتقاء حسب استخدامها في مجالها المقدر لها. والارتقاء بها تكون بتدريبها على ممارسة العمليات العقلية من تفكر وتدبر وتأمل . ويدل على أهمية العقل في القران الكريم أنه حث على
أ- التعقل والتفكير في
مخلوقات الله تعالى
وأن الانحراف والضلال نتيجة لعدم التعقل والنظر بالحكمة في الأمور.
قال الله تعالى:
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
الملك :١٠
ب – ذم من لا يستخدمون عقولهم
لذلك نرى الله سبحانه يشبه الذين لا يستخدمون عقولهم بالدواب.
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾
الأنفال : 22
ت – تحرير العقل من المعتقدات الباطلة
وقد حرر القرآن الكريم عقل الإنسان من عوائق عدة تعيقه عن مهامه الموكلة له ؛ فقد حرره من الخرافة والمعتقدات الباطلة التي تتنافى وتكريم الله له وحرره من التبعية والعبودية لغيرالله تعالى.
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾
البقرة: ١٧٠
ث – تحريم جميع المذهبات للعقل
قد بنى القرآن الكريم تربية العقل على ضرورة ترك كل ما يمكن أن يتلفه أو يضره، فحرم الخمر وجميع المذهبات للعقل .
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾
المائدة:٩٠
ج – الدعوة إلى الحوار والإقناع
القرآن الكريم يدعو إلى الحوار والإقناع ويبتعد عن الإكراه
قال الله تعالى:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾
البقرة: ٢٥٦
أي: لم يجر الله أمر الإيمان على الإجبار والقسر ولكن على التمكين والإختيار
مما سبق عرفنا أهم ملامح التربية القرآنية للعقل، وهي: حثه على التفكر في مخلوقات الله، وتحريره العقل البشري من الخرافات والتبعية والجمود واتباع الهوى.
رابعًا- التربية البدنية
عنى القرآن الكريم عناية بالغة بجسم الإنسان ووضع له منهاجًا للتربية السليمة، تتجلى مفردات هذا المنهج في التشريعات والتوجيهات المذكورة في القرآن الكريم. ومن خلال تتبعنا للآيات القرآنية التي تهتم بجسم الإنسان وجدنا ملامح أساسية للتربية البدنية أو الجسمية في القرآن. ومن أبرز تلك الملامح:
أ – رضاعة طبيعية
من حق الطفل أن يرضع رضاعة طبيعية مدة عامين كاملين، حتى ينشأ نشأة سليمة .
قال الله تعالى:
﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾
البقرة: ٢٣٣
ب – تناول الأطعمة الطيبة
تناول الحلال من الأطعمة الطيبة لإشباع حاجات الجسم، والبعد عن الحرام.
قال الله تعالى:
﴿ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا ﴾
المائدة:٨٨
كلوا من رزقه الذي ساقه إليكم، بما يسره من الأسباب، إذا كان حلالًا لا سرقةً ولا غصبًا ولا غير ذلك من أنواع الأموال التي تؤخذ بغير حق، وكان أيضًا طيبًا، وهو الذي لا خبث فيه
ت – تناول الأطعمة الحلال
وحفاظًا على سلامة الجسم، يجب الابتعاد عن أكل الميتة ولحم الخنزير وكل ما يضر الجسم أكله .
قال الله تعالى:
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾
المائدة :٣
ث – عدم الأسراف في الطعام والشراب
قال الله تعالى:
﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾
الأعراف 31
ج – إشباع الحاجة الجنسية بالطريقة الشرعية
وإشباع الحاجة الجنسية بالطريقة الشرعية كما أمر الله تعالى والبعد عن اللذة المحرمة.
قال الله تعالى:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ﴾
الروم:٢١
ح – الاهتمام بتقوي الجسم
كما أمر الله تعالى بالاهتمام بالقوة وأولها طبعا قوة الجسم بممارسة الرياضة وكل ما يحفظ صحة الأنسان .
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾
القصص: 26
فمن غير الصحة فلا سعي في الا رض ولا عمل
قال الله تعالى:
﴿ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ﴾
البقرة: 247
قال لهم نبيهم: إن الله اختاره عليكم وهو سبحانه أعلم بأمور عباده، وزاده سَعَة في العلم وقوة في الجسم ليجاهد العدو.
خَ – الاهتمام بالرعاية الصحية والنظافة في المأكل والمشرب والملبس
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾
البقرة:٢٢٢
إن الله يحب عباده المكثرين من الاستغفار والتوبة، ويحب عباده المتطهرين الذين يبتعدون عن الفواحش والأقذار.
7- خصائص التربية
في
القرآن الكريم
يتسم منهج التربية في القرآن الكريم بخصائص مميزة ، نستعرضها في ما يلي :
أولًا- الربانية
من أهم خصائص التربية في القرآن الكريم: الربانية. فالإنسان من خلق الله سبحانه، وليس هناك أعلم من الله عزوجل به.
قال الله تعالى:
﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾
الملك 14
وأساس التربية الربانية أنها تنزيل من الله سبحانه وتعالى. فهي تقوم على أسس ربانية، فتأتي مبرأة من كل عيب وقصور .
قال الله تعالى:
﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﴾
النحل :٨٩
ومن معاني الربانية في التربية: تربية الإنسان على التحرر من الأهواء والأشخاص وعدم الخضوع والإنقياد إلا لله وحده .
قال الله تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
الأنعام :١٦٢
ثانيًا- التدرج
التدرج سنة كونية ابتداءً في إنشاء هذا الكون؛ فالله سبحانه لم ينشأ الكون دفعة واحدة مع القدرة عليه، بل خلق السماوات والأرض في ستة أيام.
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾
الأعراف : 54
والتدرج في التربية أسلوب يدلّ على حكمة صاحبه، وقدرته على التلطف في مخاطبة العقول والأفهام، فينتقل من فكرة إلى فكرة، معتمدًا على المحاكمة العقلية، والحجة المقنعة، والبرهان الواضح.
قال الله تعالى:
﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾
الإسراء : 106
وأنزلنا إليك -أيها الرسول- قرآنًا بيَّناه وأحكمناه وفَصَّلناه فارقًا بين الهدى والضلال والحق والباطل؛ لتقرأه على الناس في تؤدة وتمهُّل، ونَزَّلْناه مفرَّقًا، شيئًا بعد شيء، على حسب الحوادث ومقتضيات الأحوال.
قال الله تعالى:
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾
الفرقان:٣٢
وقال الذين كفروا: هلا أنزل القرآن على محمد جملة واحدة كالتوراة والإنجيل والزبور! قال الله سبحانه وتعالى: كذلك أنزلناه مفرقًا؛ لنقوِّي به قلبك وتزداد به طمأنينة، فتعيه وتحمله، وبيَّنَّاه في تثبت ومُهْلَة.
ثالثًا- الشمول والتكامل
والعموم والإتمام وعدم الاحتياج إلى غيره، من أهم خصائص التربية في القرآن الكريم. فالشمول في التربية القرآنية تعني: أنها تتناول كل جوانب الحياة، وتهتم بالإنسان ككل، روحه وجسمه وعقله ونفسه. وأنها تشمل كل الأزمنة والأمكنة. وهذا ما ذكره القرآن الكريم في أكثر من آية .
قال الله تعالى:
﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾
الأنعام :٣٨
﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾
النحل : 89
رابعًا – الواقعية
الواقعية تعني مراعاة الطاقة المتوسطة المقدورة لجماهير الناس والإعتراف بالضعف البشري، وبالدوافع البشرية، وبالحاجات الإنسانية؛ نفسية أو مادية . وطاقة الإنسان محدودة، فلم يكلفه الله سبحانه إلا في حدود طاقته
قال الله تعالى:
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾
البقرة :٢٨٦
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾
التغابن :16
خامسًا- الوسطية
فالتربية الإسلامية توازن بين الأشياء، وتميل إلى أن تكون هناك نقطة توازن بين جوانب الحياة المختلفة، فهي توازن بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة، كما توازن بين الحياة المادية والحياة الروحية.
قال الله تعالى:
﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾
القصص :٧٧
﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾
المزمل : 20
فاقرؤوا في الصلاة بالليل ما تيسر لكم قراءته من القرآن، علم الله أنه سيوجد فيكم مَن يُعجزه المرض عن قيام الليل، ويوجد قوم آخرون يتنقَّلون في الأرض للتجارة والعمل يطلبون من رزق الله الحلال، وقوم آخرون يجاهدون في سبيل الله؛ لإعلاء كلمته ونشر دينه، فاقرؤوا في صلاتكم ما تيسَّر لكم من القرآن .
8 – مقاصد التربية
في
القرآن الكريم
التربية في القرآن الكريم تسعى إلى تحقيق غايات ومصالح ومقاصد شتى، نذكر فيما يلي أبرزها:
أولًا: المحافظة على الفطرة من الانحراف
قال الله تعالى:
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
الروم: ٣٠
فأقم -أيها الرسول أنت ومن اتبعك- وجهك، واستمر على الدين الذي شرعه الله لك، وهو الإسلام الذي فطر الله الناس عليه، فبقاؤكم عليه، وتمسككم به، تمسك بفطرة الله من الإيمان بالله وحده، لا تبديل لخلق الله ودينه، فهو الطريق المستقيم الموصل إلى رضا الله رب العالمين وجنته، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الذي أمرتك به – أيها الرسول- هو الدين الحق دون سواه.
ثانيًا- تربية العقل على التدبر والتفكر
تهدف التربية القرآنية إلى ترقية عقل الإنسان من خلال تأهيله للإيمان بالله كما تؤهله للبحث عن حقائق الأشياء ومعرفة مكانه من هذا الكون، وترتفع به لإدراك الحق.
قال الله تعالى:
﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾
يونس:١٠١
وقد ذم الله تعالى الذين لا يتفكرون
قال الله تعالى:
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾
يوسف:١٠٥
إنهم لفرط كفرهم يمرون على الآيات التي تكون سببًا للإيمان ولا تؤثر فيهم .
وقد زخرت الآيات القرآنية ببيان إعمال العقل في التفكير، فالقرآن يربي الإنسان على إعمال عقله في التفكير في مخلوقات الله عزوجل، وذلك ليعلمه الدقة وكيفية الاستدلال والاستنتاج، وهذا هو المعني في تربية العقل والذهن ومطالبته بالتدبر والتفكير والاستنتاج القياسي والاستقرار.
قال الله تعالى:
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾
محمد :٢٤
ثالثًا- إعداد الإنسان الصالح
تهدف التربية القرآنية إلى إعداد الإنسان الصالح الفاضل ذي الخلق القويم والعزيمة القوية، القادر على التلاؤم مع حياة المجتمع الذي ينتمي إليه وممارسة دوره النافع فيه، وهو الذي يكون بحق خليفة الله في هذه الأرض؛ لذا ينبغي أن يكون هذا الإعداد شاملًا لجوانب حياته كافة الخاصة والعامة في الدنيا والاخرة.
قال الله تعالى :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
فصلت : 33
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾
البينة : 7
وقد حدد الله تعالى معيار الإنسان الصالح في سورة العصر، وجمعه في نقاط أربعة:
قال الله تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
العصر:١-٣
9- من أساليب التربية
في
القرآن الكريم
إن الأساليب التربوية في القرآن الكريم كثيرة متعددة، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
أولًا – القدوة الحسنة
القرآن الكريم أبدى اهتمامًا بالقدوة الحسنة مبينًا تأثيرها في الإيمان، وأمر المسلمين بالتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الله تعالى:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾
الأحزاب: ٢١
ويتجلى هذا الأسلوب في القرآن الكريم بإبراز النماذج الحسنة في التأريخ لكي يقتدي بهم المؤمنون، وكذلك تسليط الضوء على النماذج السيئة من أفراد وجماعات للتحذير منهم ومن أفعالهم.
قال الله تعالى:
﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ﴾
الممتحنة: 4
ثانيًا – الحوار
استخدم القرآن الكريم في آياته ولأغراض تربوية عدة أسلوب الحوار ، وذلك لتنبيه الغافل أو إرشاد لمسترشد، أو إفحام لمعاند . و هناك كثير من نماذج الحوار في قصص الأنبياء مع أقوامهم، وقصص الأقوام السابقين، والحوار بين الله سبحانه وإبليس، والحوار مع الملائكة حول خلق آدم والسجود له، وكل ذلك يدلنا على أهمية الحوار واستخدامه في الحياة.
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ . وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ . قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾
البقرة : 30 – 33
ثالثًا – القصص
اهتم القرآن الكريم بالقصة، ونظرًا للأثر الكبير للقصة على أفهام سامعيها، وكونها وسيلة ناجحة وتربوية، وللميل الفطري للقصة لما لها من تأثير كبير نفسي والأخلاقي في التربية وتهذيب النفس البشرية ، وذكرها بأساليب متنوعة مستخدمًا كل أنواعها.
قال الله تعالى:
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴾
يوسف :٣
فقد سمى الله سبحانه قصة يوسف بأحسن القصص لما اشتملت عليه من مواعظ ودروس وعبر في كيفية التعامل الأب مع الأولاد، ومواجهة النفس والشيطان وغيره من العبر.
رابعًا – الترغيب والترهيب
آيات الترغيب والترهيب في القرآن الكريم أكثر من أن تحصى. فقد استخدم القرآن الكريم لكل عمل صالح ترغيبًا فيه بيان ثوابه، وعلى فعل كل سيئة ترهيبًا يتضمن بيان عقابه، سواء كان العقاب في الدنيا أو في الآخرة.
– في الترغيب في العمل الصالح
قال الله تعالى:
﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾
الأنعام: ١٦٠
– في الترهيب من عمل السيئات
قال الله تعالى:
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
الجاثية : 21
خامسًا- ضرب الأمثال
ضرب المثل من الأساليب التربوية الناجحة، فهو يعتمد على تصوير المعاني وتحليلها بضرب الأمثلة والتشبيهات، وهذا الأسلوب له دور في التربية أبلغ أثرًا من مجرد التلقين المباشر، لأنه يثير عواطف المتلقي ويحرك مشاعره، ويجسد المعاني مما يجعله تسهل في الفهم وترسخ في الذهن .
قال الله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾
الزمر: 27
﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾
العنكبوت:٤٣
سادسًا – العبر والمواعظ
اهتم القرآن الكريم بأسلوب الموعظة كعامل محفز وباعث على أعمال الخير.
قال الله تعالى:
﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾
النحل :١٢٥
﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾
النساء : ٦٣
أحدث التعليقات