مفهوم التبني في القرآن الكريم

1- مفهوم التبني

هو ضم طفل أجنبي إلى أسرة معينة، وجعله بمنزلة الابن الحقيقي ، له ما له، وعليه ما عليه من واجبات، يثبت له النسب كما يثبت للابن الحقيقي.

2- كلمة التبني

      في

 القرآن الكريم

لم ترد كلمة التبني في القرآن الكريم.

3- الكلمات ذات الصلة

     بكلمة التبني

– الدّعيُ

الدّعيُّ هوالمتهم في نسبه والمنسوب إلى غير أبيه.

قال تعالى:

﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ ﴾

الأحزاب: ٤

أي: من تبنيتموه من أولاد غيركم

– البنوة

البُنُوَّةُ هي العَلاقَةُ التي بَيْنَ الوَلَدِ وأبِيهِ في النَّسَبِ، ويَنْبَنِي عَلَيْها التَّوارُثُ بَيْنَهُما، ويَنْتُجُ عَنْها مَوانِعُ الزَّواجِ، كَما تَتَرَتَّبُ عَلَيْها حُقُوقٌ وَواجِباتٌ. والمُرادُ بِالنَّسَبِ: القَرَابَةُ التِّي سَبَبُهَا الوِلادَةُ.

– الأبوة

الأبوة هى رباطٌ يربط الأب بذريَّته .

– الأمومة

نظام تعلو فِيهِ مكانة الْأُم على مكانة الْأَب فِي الحكم وَيرجع فِيهِ إِلَى الْأُم فِي النّسَب أَو الوراثة .

4- تنزيه الله تعالى عن التبني

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾

الإخلاص: ١-٤

فهذه السورة تشتمل على معرفة ذاته؛ إذ لا يوجد شيء إلا وُجد من شيء ما خلا الله تعالى، فإن ذاته المقدسة لا تماثل شيئًا من الذوات، وصفاته مختصة به فلا تماثل شيئًا من الصفات . لذلك نزّه الله تعالى نفسه عن اتخاذ الولد كما زعمه اليهود والنصارى والمشركون .

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ﴾

البقرة: ١١٦

وقالت اليهود والنصارى والمشركون: اتخذ الله لنفسه ولدًا، تنزَّه الله -سبحانه- عن هذا القول الباطل، بل كل مَن في السموات والأرض ملكه وعبيده، وهم جميعًا خاضعون له، مسخَّرون تحت تدبيره.

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا . لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا . تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا . أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا . وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾

مريم: ٨٨-٩٢

وقال هؤلاء الكفار: اتخذ الرحمن ولدًا. قال تعالى لهم: لقد جئتم – أيها القائلون – بهذه المقالة شيئا عظيمًا منكرًا. تكاد السموات يتشقَّقْنَ مِن فظاعة ذلكم القول، وتتصدع الأرض، وتسقط الجبال سقوطًا شديدًا غضبًا لله لِنِسْبَتِهم له الولد. تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا. وما يصلح للرحمن، ولا يليق بعظمته، أن يتخذ ولدًا؛ لأن اتخاذ الولد يدل على النقص والحاجة، والله هو الغني الحميد المبرأ عن كل النقائص.

5- صورمن التبني

         في

  القرآن الكريم

التبني معروف منذ القدم، وقد أشار القرآن الكريم إليه في المواضع الأتية  :

أولًا – تبني عزيز مصر ليوسف عليه السلام

قص الله تعالى علينا قصة يوسف عليه السلام ، فقد كان أشرف إخوته وأجلّهم وأعظمهم، رأى رؤيا قبل أن يبلغ الحُلم فقصّها على أبيه يعقوب عليه السلام .

قال الله تعالى :

﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ . قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾

يوسف: ٤-٥

فعرف أبوه أنه سينال منزلة عالية، ورفعة عظيمة في الدنيا والآخرة؛ لذلك أمره بكتمانها وألا يقصّها على إخوته؛ كيلا يحسدوه ويكيدوه بأنواع الحيل والمكر.

وقد كان من أمره وأمرهم ما قصّه الله علينا في القرآن الكريم حتى استقر به المقام في بيت عزيز مصر.

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا

يوسف: ٢١

ولما ذهب المسافرون بيوسف إلى “مصر” اشتراه منهم عزيزها، وهو الوزير، وقال لامرأته: أحسني معاملته، واجعلي مقامه عندنا كريمًا، لعلنا نستفيد من خدمته، أو نقيمه عندنا مقام الولد .

ثانيًا- تبني فرعون لموسى عليه السلام

أن فرعون رأى في منامه كأن نارًا قد أقبلت من نحو بيت المقدس، فأحرقت دور مصر وجميع القبط ولم تضر بني إسرائيل. فلما استيقظ هاله ذلك، فجمع الكهنة والسحرة، وسألهم عن ذلك فقالوا: هذا غلام يولد من هؤلاء، يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه، فلهذا أمر بقتل الغلمان وترك البنات.  ثم إن فرعون لما أكثر من قتل ذكور بني إسرائيل خافت القبط أن يُفنى بنو إسرائيل، فيَلُون هم ما كانوا يلونه من الأعمال الشاقة؛ فأمر فرعون بقتل الولدان عامًا وتركهم عامًا، ووُلد موسى عليه السلام في العام الذي يُقتل فيه الولدان، فأُلهمت أمه وأُلقي في خلدها ونُفث في روعها

قال الله تعالى:

﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾

القصص: ٧

وهكذا ذهب به الماء إلى دار فرعون ولما رأته امرأة فرعون أوقع الله محبته في قلبها وقالت لزوجها:

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا

القصص: ٩

وقالت امرأة فرعون لفرعون: هذا الطفل سيكون مصدر سرور لي ولك، لا تقتلوه؛ فقد نصيب منه خيرًا أو نتخذه ولدا .

ثالثا – تبني رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد

وهو زيد بن حارثة كان من سبي الجاهلية اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وأعتقه وتبناه .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ﴾

الأحزاب : 37

وإذ تقول -أيها النبي- للذي أنعم الله عليه بالإسلام – وهو زيد بن حارثة الذي أعتقه وتبنَّاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم- وأنعمت عليه بالعتق: أَبْقِ زوجك زينب بنت جحش ولا تطلقها .

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ﴾ 

الأحزاب : 37

فلما قضى زيد منها حاجته، وطلقها، وانقضت عدتها، زوجناكها؛ لتكون أسوة في إبطال عادة تحريم الزواج بزوجة المتبنى بعد طلاقها، ولا يكون على المؤمنين إثم وذنب في أن يتزوجوا من زوجات من كانوا يتبنَّوْنهم بعد طلاقهن إذا قضوا منهن حاجتهم .

6- أساليب القرآن في إبطال التبني

إتخذ القرآن الكريم عدة خطوات لإبطال التبني ، وهي

أولًا- نفي البنوة عن المتبنَّى

فقد حرص الإسلام على صفاء النسب، فالنسب لا يثبت إلا بولادة حقيقية ناشئة من علاقة غير محرمة؛ لذلك نفى الإسلام أن يكون التبني سببًا لثبوت النسب .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ . ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ﴾

الأحزاب: ٤-٥

وما جعل الله الأولاد المتَبَنَّيْنَ أبناء في الشرع،ولا يثبت النسب بالتبني من قول الشخص للدَّعِيِّ: هذا ابني، فهو كلام بالفم لا حقيقة له، ولا يُعتَدُّ به، انسبوا أدعياءكم لآبائهم، هو أعدل وأقوم عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم الحقيقيين فادعوهم إذًا بأخوَّة الدين التي تجمعكم بهم، فإنهم إخوانكم في الدين ومواليكم فيه

ثانيًا – بيان الأم الحقيقية

قال الله تعالى:

﴿ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ﴾

المجادلة: ٢

أي: إنما أمه التي ولدته ، فأمهاتهم على الحقيقة اللائي ولدنهم، فلا يشبّه بهن في الحرمة إلا من ألحقها الله بهن وهن:

أ – أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى:

﴿ النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾

الأحزاب: ٦

قررت الآية الأمومة لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك حرمة له وتشريفًا لقدره صلى الله عليه وسلم. فهن منزّلات منزلة الأمهات في تحريم نكاحهن، واستحقاق تعظيمهن .

ب – الأم من الرضاع

في شأن المحرمات من النساء

قال الله تعالى:

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ﴾

النساء: ٢٣

أي: وُحِّرمت عليكم أمهاتكم اللاتي أرضعنكم، فإنها تُسمّى أمه من الرضاع مادام تغذى بلبنها .

أما الأم من التبني فهي أمومة مصنوعة تؤتي ثمارها وتنكشف حقيقتها إذا ما دارت الأيام،

– عن امرأة العزيز

قال الله تعالى:

﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ . وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾

يوسف: ٢٣

ولولا أنه نبي معصوم لوقع في الخطأ أو المحظور، فألهمه الله أن الفرار من هذا الموقف هو الخير.

هذا ما حدث مع نبي، إذًا فمن يفلت من الوقوع في المعصية مع التبني واستباحة العورات، مع أن أحدهم ليس من محارم الآخر، مما يكون سببًا للوقوع في المعاصي.

ثالثًا – زواج النبي من زينب

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴾

الأحزاب: ٣٧-٣٨

فلما قضى زيد منها حاجته، وطلقها، وانقضت عدتها، زوجناكها؛ لتكون أسوة في إبطال عادة تحريم الزواج بزوجة المتبنى بعد طلاقها، ولا يكون على المؤمنين إثم وذنب في أن يتزوجوا من زوجات من كانوا يتبنَّوْنهم بعد طلاقهن إذا قضوا منهن حاجتهم. وكان أمر الله مفعولا لا عائق له ولا مانع. وكانت عادة التبني في الجاهلية، ثم أُبطلت

قال الله تعالى:

﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾

الأحزاب: 5

7-  بدائل التبني في الإسلام

شرع الإسلام بدائل للتبني تغني عنه، ومن تلك البدائل:

أولًا- الأخوة والولاء في الدين

تعددت آيات القرآن الكريم التى تنص على وجوب موالاة المؤمنين ، وأنَّ الولاء إنما يكون بالحق والعدل الموافق لمرضاة الله تعالى، بعيدًا عن الظلم والجور .

قال الله تعالى:

﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾

التوبة: ٧١

﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ﴾

الأحزاب: ٥

﴿ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴾

الأحزاب: ٦

فمن أهم صفات أهل الإيمان الولاية ، فإنهم يتولى بعضهم بعضًا في النصرة والحماية والمحبة والتأييد ؛ لأنهم جمعتهم الرحمة والمودة، والإخلاص لله تعالى وللحق .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

الحجرات: ١٠

وتلك الخاصيّةَ من أهم الروابط التي تجعل من ذلك المجتمع مجتمعا مترابطاً متماسكاً، تسوده روابط المحبة والنصرة، فالناس يحتاج بعضهم إلى بعض في كل شئون الحياة، وهم في مجموعهم قوة متماسكة لا تبدو في تمامها واكتمالها إلا بقوة كل فرد من أفرادها وسعادته، أما الذين تحول ظروف الحياة بينهم وبين تمتعهم بالحقوق التي كفلها الإسلام، فاعتبر المجتمع هو المسئول عن تحقيقها لهم.

ثانيًا – كفالة اليتامى

كفالة اليتيم أمر قد رغبنا الإسلام فيه ترغيبا شديدا ووعد عليه بالجنة ، ووصي باليتيم خيرا ، وحذر من الإساءة إليه، والآيات في ذلك كثيرة ، منها

قال الله تعالى:

﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ ﴾

البقرة: ٨٣

﴿ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾

البقرة: ٢١٥

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾

البقرة: ٢٢٠

﴿ وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ﴾

النساء: ٢

﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ . فَكُّ رَقَبَةٍ . أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ. يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ﴾

البلد: ١١-١٥

وقد نهى الله تعالى عن إساءة معاملة اليتيم، ونهره إذلاله وإهانته، والعبوس في وجهه .

قال الله تعالى:

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ . وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ . كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴾

الفجر: ١٥-١٧

﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ﴾

الضحى: ٩

﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ . فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾

الماعون: ١-٢

وكفالة اليتيم هي أن يجعل الرجل اليتيم في بيته أو أن يتكفل به في غير بيته دون أن ينسبه إليه  ، وليعلم كافل اليتيم أن الإنفاق عليه، وتعليمه، وتربيته، باب عظيم من أبواب الخير والرزق والبركة في الدنيا والآخرة .

ثالثًا – بنوة الرضاعة

فالبنوة بالرضاع شاملة للذكر والأنثى، وبالتالي فالطفلً إذا رضع من امرأة خمس رضعات معلومات صار إبن من الرضاع لها ولزوجها صاحب اللبن، وأخ من الرضاع لجميع أبناء وبنات تلك المرأة المرضعة.

قال الله تعالى:

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ ﴾

النساء: ٢٣

ورعاية  الأم  بالرضاعة لهذا الطفلً ، وتربيتها له أمر طيب، وعمل مبرور، وقربة عظيمة، ولكن الواجب الحذر من التبني، فإنه مُحرَّم ، ومن عادات الجاهلية التي جاء الشرع بتحريمها .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ﴾

الأحزاب:4

8- سبب تحريم التبني في الإسلام

إن تحريم الإسلام وسائر الأديان السماوية للتبني له أسباب ، وهي

1- أن التبني مخالف للفطرة الإنسانية وكذب، فإنّ جعل شخص ولدًا وهو ليس بمولود له، هو افتراء على الحقيقة وضد الطبيعة الإنسانية؛ ذلك أن الأبوة والأمومة ليست ألفاظًا تُردّد ولا عقدًا يُعقد فحسب، إنما هو ارتباط لحم ودم، وارتباط علاقة الوراثة للخصائص التي تحملها النطفة وعلاقة المشاعر الطبيعية الناشئة عن كون الولد بضعة حية من جسم والده الحي، فهذه هي علاقات الدم والأبوة والبنوة الواقعية؛ لذلك قرر القرآن الكريم أن التبني ليس إلا بنوة بالأفواه، لا بالطبع والفطرة والحقيقة، والكلام لا يغيّر واقعًا، ولا ينشيء علاقة، فإقامة العلاقات الحقيقية لا تكون إلا على أساس الولادة الحقيقية وليس على أساس التبني.

2- منع اغتصاب الأنساب وتجريد الطفل من نسبه الأصلي

قال الله تعالى:

﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾

الأحزاب: ٥

3- الإسلام يقوم في جميع علاقاته الاجتماعية على أساس من الحق والعدل ورعاية الحقيقة، وهذا يقتضي نسبة الولد إلى أبيه الحقيقي، لا لأبيه المزعوم أو المزوّر، والحق أحق أن يُتّبع.

4- الواجب على الوالد أن ينسب ابنه إليه لا إلى غيره، فيكون التبني ظلمًا للوالد الحقيقي، وإهدارًا لمعنوياته، ومساسًا بكرامته وحقوقه.

5- التبني مجرد تحقيق نسب مزعوم أو قول باللسان، لا أساس له من شرع أو منطق أو حكمة ثابتة، وحينئذ لا تكون نسبة الولد إلى غير أبيه الصحيح نسبة صحيحة، وإنما هي مزوّرة.

6- بنسخ نظام التبني وإبطال آثاره بطل النسب عن طريق التبني، فلا يجوز لأحد أن يفعله لأي سبب كان، فما يفعله بعض الناس اليوم من تبني بعض اللقطاء أو مجهولي النسب بحجة الرحمة به والعطف عليه وتربيته أو غيرها من الأسباب، لا تجعله حلالًا؛ بل يبقى حرامًا، ولا يترتب على الولد بالتبني أي آثار شرعية، ولا أيّ حكم من أحكام البنوة الحقيقية.

7- إن المتبنَّى سيكتشف الحقيقة آجلًا أو عاجلًا، ومن ثَمَّ ستسبب له اضطرابات نفسية، وينشأ نشأة غير طبيعية؛ لأنه يدرك أن أباه الحقيقي تخلى عنه.

9- آثار التبني ومفاسده

 في الماضي والحاضر

تتضح  آثار التبني ومفاسده فيما يأتي:

1- أنه مخالف للفطرة البشرية والطبيعة الإنسانية؛ لما فيه من الكذب والزور واختلاط الأنساب.

2- فيه ظلم للوالدين الحقيقين، وإهدار لمعنوياتهما، ومساس بكرامتهما وحقوقهما.

3- يؤدي إلى تحريم ما أحل الله من النكاح بتحريم زوجة المتبنَّى على المتبنِّي أو أولاده، وبالعكس.

4- قد يؤدي إلى الزواج بالمحارم لانقطاع صلة المتبنَّى بأسرته الأصلية.

5- فيه اعتداء على المحرمات باختلاط زوجة المتبنِّي وبناته وجميع محارمه بهذا المتبنَّى، والخلوة بهن، والسفر معهن.

6- التبني فيه مشاركة الآخرين حقوقهم المالية من النفقة والميراث، فهو أخذ حق مالي بغير وجه شرعي.

7- قد يُتخذ التبني ذريعة للكيد بأحد الورثة؛ لحرمانه من حقه الذي خصّصه الشرع له.

8- المتبنَّى غالبًا لا يوجد لديه انتماء حقيقي لأسرته المتبناة ولا لمجتمعه الذي يعيش فيه؛ لأنه يعرف أنه غريب عنهم، وقد يتخلون عنه لأي ظرف أو عند أول طارئ يطرأ عليهم.

9- قد يكون التبني بدون موافقة الزوجين ﴿ المتبنِّي وزوجته ) مما يجعل المتبنَّى في وضع مأساوي؛ لأنه يلاقي من الطرف الذي لا يوافق على تبنيه الذل والهوان، وينشأ نشأة معقّدة.

10- تخلّي المتبنَّى عن جنسيته الأصلية؛ لأنه تبع لجنسية المتبنِّي له، وتبعًا لذلك تخلّيه عن الأعراف والتقاليد التي تؤمن بها أسرته الأصلية.

11- بما أن الله تعالى جعل في كل جسد من جينات مورثة ما هو ظاهر في شكله وأخلاقه وكثير من تصرفاته؛ فإن هذا ينعكس سلبًا على المتبنَّى فيما لو كان متبنيه من بلد آخر، وعادات وتقاليد مختلفة تمامًا، مما يجعله يصطدم بالقيم الاجتماعية والدينية.

12- إذا كان المتبنَّى فتاة، فقد يمارس من تبنّاها معها الفاحشة؛ لعدم وجود الحاجز المعنوي الذي يتولد عند المرء بسبب القرابة القريبة المحرّمة، وعندما يكون ذكرًا فقد يقع في الفاحشة مع أحد محارم متبنيه.

 

Share This