مفهوم البكاء في القرآن الكريم

1- مفهوم البكاء

البكاء حالة تعتري الإنسان من الهم وضيق القلب مع جريان الدمع على الخد .

2- كلمة البكاء

    في

القرآن الكريم

وردت كلمة بكي وصيغها في القرآن الكريم (٧) مرات. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد  مرتين

قال اللهُ تعالى :

﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ﴾

الدخان:٢٩

– الفعل المضارع

ورد ٤ مرات

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾

الإسراء:١٠٩

– اسم الفاعل

ورد  مرة واحدة

قال اللهُ تعالى :

﴿ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا  ﴾

مريم:٥٨

وجاء البكاء في القرآن الكريم بمعني سيلان الدمع عن حزن وغيره.

3- الكلمات ذات الصلة

     بكلمة البكاء

1- الخشوع

إقبال المرء بقلبه على الله في دعائه وصلاته؛ خوفًا وانقيادًا، مع خضوع الجوارح والأعضاء ، والبكاء أثر من آثار الخشوع .

قال اللهُ تعالى :

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾

المؤمنون: 1- 2

2- الضحك

انبساط الوجه من سرور النفس ، والضحك ضد البكاء.

قال اللهُ تعالى :

﴿ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

التوبة: 82

– الغم

الغم يكون بسبب أمرا يضايقك أو يثير قلقك فيصيبك الغم، و الغم شعور إنساني يشبه الحزن بفارق أن الحزن قد يستمر لفترة طويلة بينما الغم يكون وقتيا فقط حين يحدث امر سيء.

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ﴾

طه : 40

– الهم

الهم هو الانشغال بالتفكير في الأمور التي قد تحدث بشكل غير سار، كأن تفكر مثلا أنك ستفقد عملك، أو أنك ستفقد شيئا يهمك أو شخصا عزيزا عليك، و كلما زاد تفكيرك بالامر زاد همك، رغم انه لم يحدث شيء بعد.

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ﴾

آل عمران : 154

وطائفة أُخرى أهمَّهم خلاص أنفسهم خاصة، وضَعُفَتْ عزيمتهم وشُغِلوا بأنفسهم، وأساؤوا الظن بربهم وبدينه وبنبيه .

– الحزن

الحزن هو احد المشاعر الإنسانية ، و هو شعور يصيب الإنسان بعد حدوث أمر غير سار له .

قال اللهُ تعالى :

﴿ إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ﴾

طه: 40

4- الضحك والبكاء من

   دلائل قدرة اللهُ تعالى

في خلق الإنسان وتكوينه من أسرار ظاهرة و باطنة، لم يصل الإنسان نفسه حتى الآن إلى تحديدها، واستكناه حقيقتها ، فهي  دلائل على قدرة الله تعالى .

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾

الذاريات : 21

وما في تركيب خلقكم من العجائب دلائل على قدرة الله تعالى، وعبر تدلكم على وحدانية خالقكم، وأنه لا إله لكم يستحق العبادة سواه، أغَفَلتم عنها، فلا تبصرون ذلك، فتعتبرون به؟

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ ﴾

النجم :٤٣

ذكر الله تعالى في معرض إثبات كمال قدرته وانفراده بالخلق والإيجاد جملة من عجائب صنع الله في خلقه  ، فأودع في  الإنسان خاصية الضحك وخاصية البكاء؛ وهما سر من أسرار التكوين البشري لا يدري أحد كيف هما، ولا كيف تقعان في هذا الجهاز المركب المعقد، الذي لا يقل تركيبه وتعقيده النفسي عن تركيبه وتعقيده العضوي، والذي تتداخل المؤثرات النفسية والمؤثرات العضوية فيه، وتتشابكان، وتتفاعلان في إحداث الضحك، وإحداث البكاء.

5- أسباب البكاء

        في

 القرآن الكريم 

البكاء عملية معقدة تتفاعل في إحداثها عوامل داخلية عضوية ونفسية وفطرية، وأخرى خارجية وفق سنة الله تعالى في ربط الأسباب بمسبباتها. والأسباب التي وردت في القرآن الكريم  فتثير البكاء وتحمل عليه ،هي

أولًا – البكاء لسماع آيات الله

والتأثر بمواعظه

يعد البكاء لسماع آيات الله تعالى من أعظم أوصاف أنبياء الله تعالى وعباده المتقين، ولذلك مدحهم الله به في مواضع من كتابه العزيز، منها:

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا . وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا  ﴾

الإسراء: 107- 109

إن العلماء الذين أوتوا الكتب السابقة مِن قبل القرآن، وعرفوا حقيقة الوحي، إذا قرئ عليهم القرآن يخشعون، فيسجدون على وجوههم لله سبحانه وتعالى. ويقول هؤلاء الذين أوتوا العلم عند سماع القرآن: تنزيهًا لربنا وتبرئة له مما يصفه المشركون به، ما كان وعد الله تعالى من ثواب وعقاب إلا واقعًا حقًا. ويقع هؤلاء ساجدين على وجوههم، يبكون تأثرًا بمواعظ القرآن، ويزيدهم سماع القرآن ومواعظه خضوعًا لأمر الله وعظيم قدرته.

قال الله تعالى:

﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا

مريم :٥٨

فقد ذكر الله أن هؤلاء المنعم عليهم من النبيين إذا تتلى عليهم آيات الله خروا سجدًا وبكيًا، استكانة لله، وتذللًا وخضوعًا لأمره وانقيادًا. والمراد بآيات الرحمن أدلة الله وحججه التي أنزلها عليهم في كتبه.

قال الله تعالى:

﴿ أَفَمِنْ هَٰذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ ﴾

النجم :  59-٦0

وبهذا يتبين أن البكاء لسماع القرآن سمة العلماء وأمارة الشوق والمحبة، وحري بكل سالك إلى الله تعالى أن يجتهد في تحصيل وبلوغ هذه المنزلة.

ثانيًا – البكاء لمعرفة الحق

وهو بكاء العارفين بالله تعالى، العالمين بأمره، المسارعين إلى مغفرته ورضوانه حينما تتجلى لهم الحقائق، وتلوح لهم البصائر. و يأتي الموقف الذي حكاه الله تعالى عن بعض قساوسة ورهبان النصارى صورة مجلية لهذا النوع من البكاء، إذ لما سمعوا بينات القرآن وبصائره تتلى عليهم، فاضت أعينهم بالدمع تعبيرا عن تأثرها العميق بهذا الحق.

قال الله تعالى:

﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ . وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ . وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ﴾

المائدة :٨٢- 84

هذه صفة تشمل كل من علم الحق من النصارى وكانوا على شريعة عيسى من أهل الإيمان، فلما بعث الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم آمنوا به. وزادهم ما نزل من القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم إيمانا وتصديقا. وكان سبب البكاء هو ما عرفوه من الحق ، أي أنهم كانوا لنفاذ بصائرهم، وعظم مداركهم يحسون بأنهم كانوا في ضلال فعرفوا الطريق، وكانوا في ظلام فاستناروا وكانوا في حيرة فاطمأنوا.

ثالثًا – البكاء لفوات الخير وتحسرا عليه

مشهد آخر من مشاهد البكاء يقصه القرآن الكريم عن نفر من المومنين ، لم يجدوا نفقة تعينهم على الخروج إلى الجهاد وقتال العدو مع المومنين، ولذلك لم يجدوا حيلة ولا اهتدوا إلى سبيلٍ للجهاد ، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع، حزنا على حالهم، وتحسرا على ما فاتهم من فضل الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

قال الله تعالى:

﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾

التوبة : 91- 92

وكذلك لا إثم على الذين إذا ما جاؤوك يطلبون أن تعينهم بحملهم إلى الجهاد قلت لهم: لا أجد ما أحملكم عليه من الدوابِّ، فانصرفوا عنك، وقد فاضت أعينهم دَمعًا أسفًا على ما فاتهم من شرف الجهاد وثوابه؛ لأنهم لم يجدوا ما ينفقون، وما يحملهم لو خرجوا للجهاد في سبيل الله.

رابعًا – البكاء بسبب نزول المصائب وتتالي الأحزان

من أسباب البكاء الواردة في القرآن الكريم الحزن الشديد على فقد حبيب من الأحبة، وهذا كان حال نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام؛ فقد فجع بفقد ولده يوسف عليه السلام، وظل يندبه لسنين طويلة، ثم تتالت عليه الأحزان بفقد ابنه الآخر، فثوى إلى معزل، واستأنف البكاء والتفجع حتى ابيضت عيناه.

قال الله تعالى:

﴿ وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾

يوسف :٨٤

وأعرض يعقوب عنهم، وقد ضاق صدره بما قالوه، وقال: يا حسرتا على يوسف وابيضَّتْ عيناه، بذهاب سوادهما مِن من شدة بكائه فهو ممتلئ القلب حزنًا، ولكنه شديد الكتمان له.

خامسًا – بكاء الحسرة والندم ونزول العذاب

توعد الله المنافقين بالبكاء المرير يوم القيامة، حسرة على تضييع حدود الله، وندامة على اتخاذ آياته هزؤا، ومعاقبة لهم على تخلفهم عن رسول الله، وفرحهم بخذلان المؤمنين.

قال الله تعالى:

﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا  لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ . فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

التوبة:٨١-٨٢

فالآيات القرآنية السابقة متضمنة إخبارًا بحقيقة ضحك وبكاء المنافقين، فإنهم مهما ضحكوا وتمتعوا في هذه الدنيا، فإن ذلك يعد قليلًا، بالنظر إلى ما ينتظرهم من عذاب الآخرة ، وما يعقبه من حسرة وبكاء دائم .

سادسًا – البكاء المصطنع

وهو بكاء بسبب الكذب والمخادعة .

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ . وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ . قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾

يوسف :15- 17

هذا كان شأن أبناء يعقوب لما ألقوا أخاهم يوسف في غيابات الجب، جاءوا أباهم باكين أو متباكين، ومعهم قميصه مضمخا بالدماء؛ ليوهموه أنهم صادقون في نسبة افتراسه للذئب؛ ولأنهم كاذبون، فقد جاءوا في ظلمة العشاء ليكونوا أجرأ على الاعتذار بالكذب .

7- بكاء السماء والأرض

قال الله تعالى:

﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ﴾

الدخان:٢٩

نفت هذه الآية أن تكون السماء والأرض بكت على قوم فرعون، فاقتضى أن للسماء والأرض بكاء..

8- الفوائد الروحية للبكاء

         في

    القرآن الكريم 

الفوائد الروحية المعدودة للبكاء في القرآن الكريم ، هي الأتي

١ – البكاء دليل الصدق والإخلاص

أوضح مثال لذلك دموع البكائين المشار إليهم آنفًا التي فاضت شوقا للجهاد في سبيل الله، وتحسرا على فوات الطاعة.

قال الله تعالى:

﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾

التوبة : 91- 92

٢ – البكاء من سمات الخاشعين،

ومن علامات الخائفين

ولقد حكى الله تعالى عن أنبيائه عليهم الصلاة و السلام أنهم إذا تليت عليهم آيات الرحمن، خشعت قلوبهم، واهتزت جوارحهم، فخروا على أذقانهم ساجدين لعظمة الله، باكين من خوفه تعالى .

قال الله تعالى:

﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴾

مريم:٥٨

وكذلك يفعل المنعم عليهم من العلماء، والصالحين، والعارفين

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا . وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا  ﴾

الإسراء:١٠٧-١٠٩

٣ – البكاء دليل المعرفة و التبصر

قال الله تعالى:

﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ . وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ . وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ﴾

المائدة :٨٢- 84

سبق ذكر أحوال الرهبان والقساوسة، ومسارعتهم إلى الإنابة والخضوع لأمر الله، وقد دل فيض الدمع وسكب العبرات على امتلاء قلوبهم بالمعرفة، واستبصارهم للحقائق الإيمانية التي يتنكر لها كثير من عميان البصائر.

 

 

 

Share This