حسب استعمالات القرآن الكريم لا يُشترط في الملحد أن يُنكر وجود الله ، بل يكفيه أن يُعطِّل أو يُنكر صِفةً من صِفاتِ الله سُبحانه  أو يُكذّب بعض المعاني المتعلقة بالإيمان بالخالق.

1- مفهوم الإلحاد

الإلحاد هوالميل عن الحقﹼوالعدول عنه فيمايتعلقﹼ بأسماءاﷲ تعالى أوبيته الحرام أوبآياته الكرام في دلالتها أوفيمن تنزلت عليه .

أما الإلحادالمعاصرفهوإنكاروجوداﷲ،والقول بأن الكون وجدبلاخالق،وأن المادة أزلية أبدية،واعتبارتغيرات الكون قدتمت بالمصادفة،أوبمقتضى طبيعةالمادة وقوانينها .

2- ورود كلمة ألحد

        في

  القرآن الكريم

وقد وردت كلمة ألحد في القرآن (4) مرات . والصيغ التي وردت هي:

– الفعل المضارع

ورد 3 مرات

قَال الله تعالى:

﴿ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾

النحل 103

– المصدر

ورد مرة واحدة

قَال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾

الحج:٢٥

وجاء الإلحاد في القرآن بالمعاني الأتية :

1- إلحاد بمعنى إفساد

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ  وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾

الحج 25

2- يلحد بمعنى  يحرف

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

فصلت 40

3- الملحدون بمعنى  المكذبون

قَال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾

النحل 103

4-  الملحدون بمعنى  العصاة لأحكام الله

قَال الله تعالى:

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

الأعراف 180

3- أنواع الالحاد

        في

   القرآن الكريم

حسب استعمالات القرآن الكريم ينقسم الالحاد إلي الأنواع

الأتية :

أولا- الإلحاد في وجود الله تعالى

هو إنكار وجود الله جل وعلا، واعتقاد أنه ليس للعالم ربٌّ يخلق ويدبر ويميت ويحيي، وليس له إله يعبد ويقصد؛ كما كان أهل الجاهلية يعتقدون .

قَال الله تعالى:

﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾

الجاثية 24

يقولون: إنما الدهر هو الذي يهلكنا، ويُميتنا ويحيينا .

قَال الله تعالى:

﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ﴾

الفرقان: ٣

ثانيا- الإلحاد في آيات الله تعالى

الإلحاد في آيات الله عز وجل، وآيات الله عز وجل هي الدالة على عظمته ووحدانيته

قَال الله تعالى:

( إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير )

فصلت 40

و آيات الله تنقسم إلى قسمين:

أ – الآيات الكونية

فهي ما يتعلق بالخلق والتكوين

قَال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾

الأنبياء 32

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ﴾

الروم 20

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

الروم 21

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾

الروم: 22

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾

الروم 24

والإلحاد فيها أن ينسب خلقها إلى غير الله استقلالًا أو مشاركةً أو إعانةً .

قَال الله تعالى:

﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ﴾

سبأ 22

ومن الإلحاد فيها أيضًا أن ينسب لها الألوهية والتصرف في الكون .

قَال الله تعالى:

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾

فصلت 37

ب – الآيات الشرعية الدينية

فهو ما جاءت به الرسل من الوحي كالقرآن العظيم

قَال الله تعالى:

 ﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾

البقرة 252

والإلحاد فيها له ثلاث صور:

– التكذيب بهذه الآيات

قَال الله تعالى:

 ﴿ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

يونس 95

– الإعراض

قَال الله تعالى:

﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ ﴾

الأنعام: 157

والصدف هو: الإعراض.

– التحريف والتغيير والتبديل

إما بتغيير اللفظ، أو صرف المعنى عن مراده الصحيح الذي أراد الله به

قَال الله تعالى:

﴿ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾

البقرة 75

فمن التحريف جعل الحلال فيها حرامًا، والحرام فيها حلالًا، والحق فيها باطلًا، والباطل فيها حقًّا .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾

النحل: ١١٦

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾

المائدة: ٨٧

ثالثا – الإلحاد في أسماءَ الله تعالى

لقد سمى الله نفسه في القرآن الكريم بأسماء، ووصف نفسه بصفات لا تصح لغيره سبحانه تنزهت أسماؤه وعلت صفاته، ، وأي تعطيل أو تكييف أو تمثيل أو تشبيه فيها هو ضرب من ضروب الإلحاد .

قَال الله تعالى:

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون ﴾

الأعراف 180

إن الإلحاد في أسماء الله وصفاته يكون

أ – بالزيادة عليها أو إنقاصها

أن ينكر شيئًا منها أو مما دلت عليه الصفات والأحكام

قَال الله تعالى:

( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا )

الفرقان 60

أن ينكر شيئًا من أسمائه؛ سواء أنكر كل الأسماء، أو بعضها التي تثبت لله ؛ كما أنكر كفار قريش اسم (الله)، واسم (الرحمن)، واسم (الرحيم) .

ب – بالتشبيه

أن من الواجب إمرار الصفات على ظاهرها من غير تشبيهٍ، واعتقاد أنها تليق بجلال الله وكماله، فإذا شَبّهت مِلت عن الواجب.

قَال الله تعالى:

﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾

الشورى: ١١

ج – بتبديلها وتغييرها

تسمية الله بما لم يسمِّ به نفسه .

وصف الله نفسه في القرآن الكريم بأنه الغني والمعطي والكريم، وألحد اليهود في اسمه الغني وصفته، وسموه ووصفوه بالفقير،

قال الله تعالى:

﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا ﴾

آل عمران: ١٨١

ذكر الله إلحاد اليهود في صفاته وتعديهم على ذاته الإلهية بوصفهم الله بالبخل -تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا-، وهو الجواد الكريم المعطي .

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾

المائدة: ٦٤

وقولهم :إنه استراح بعدأن خلق خلقه

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ .  فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ ﴾

ق 38- 39

وما أصابنا من ذلك الخلق تعب ولا نَصَب.

وغيرذلك من الألفاظ التي يطلقها بعض أعداء اﷲ قديما ﹰوحديثاﹰ

رابعا – الإلحاد في شرعه

المخالفة الشديدة فيما يتعلق بحرمات الله وشعائره المقدسة من الأمكنة والأزمنة؛ كارتكاب المحرمات في الحرم المكي وهو يعد من أعظم الأماكن حرمة وتعظيمًا عند الله تعالى .

قَال الله تعالى:

( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ )

آل عمران: ٩٧

وجعل مكة كلها حرمًا آمنا تعظيمًا للبيت الحرام

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ﴾

النمل: ٩١

نهى القرآن الكريم عن كل صور الإلحاد في الحرم

قَال الله تعالى:

 ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ  وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ )

الحج 25

ومن يرد في المسجد الحرام الميْلَ عن الحق ظلمًا فيَعْصِ الله فيه، نُذِقْه مِن عذاب أليم موجع.

ومن صور الإلحاد في الحرم

أ – قتل الصيد في الحرم

نهى القرآن الكريم عن الصيد في الحرم وحال الإحرام،

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾

المائدة: ٩٥

﴿ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ﴾

المائدة: ٩٦

وقتل الصيد في الحرم إلحاد فيه؛ لأنه هتك لحرمة الحرم.

ب – الصد عن المسجد الحرام

الصد عن المسجد الحرام إلحاد فيه، لذا حذر الله من الصد عن الحرم، بصد الناس ومنعهم من الصلاة فيه أو الحج إليه.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ﴾

الحج: ٢٥

ج –  اقتراف المعاصي في الحرم أو الهم بها

اقتراف المعاصي الصغيرة أو الكبيرة في الحرم أو إرادة المعصية والهم بها في الحرم هي إلحاد في الحرم وانتهاك لحرمته وعظمته .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾

الحج: ٢٥

خامسا- الالحاد في القرآن

أ- الالحاد في حقيقة أنّ القرآن وحي من اللّه

قال اللّه تعالى:

( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ )

النحل: 103

ولقد نعلم أن المشركين يقولون: إن النبي يتلقى القرآن مِن بشر مِن بني آدم. كذبوا؛ فإن لسان الذي نسبوا إليه تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أعجمي لا يُفصح، والقرآن عربي غاية في الوضوح والبيان.

ب – التأويل المنحرف لآيات القرآن

ومن صور إلحاد الفرق الضالة التأويل المنحرف لآيات القرآن

قال اللّه تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

فصلت: ٤٠

5- الالحاد في

العصر الحديث

يتركز الالحاد في العصر الحديث في منكري الألوهية ، ويمكن تقسيم المنكرين للألوهية في العصر الحديث إلى ثلاثة أقسام:

أولا- الماديون

إن ادعاء أزلية الكون وقيامه  بنفسه بدون خالق شبهة قال بها الماديون قديما وحديثا . وهذا التصور مردود عليه بما جاء في القرآن الكريم.

قال الله تعالى:

 (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ )

الطور35

أخُلِق هؤلاء المشركون من غير خالق لهم وموجد، أم هم الخالقون لأنفسهم؟ وكلا الأمرين باطل ومستحيل فلابد من خالق . فهل المادة التي لا حياة فيها هي التي تخلق الحياة؟

لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها لأن الشيء لا يخلق نفسه، لأنه قبل وجوده معدوم فكيف يكون خالقًا؟!

قال الله تعالى:

( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ )

الأنعام95

هذا إعلان من الله أنه أخرج الحي من الميت، يجب التسليم به؛ لأنه لم يدع أحد إلى الآن ذلك، وإن ادعاء خروج الحياة من اللاحياة بفعل الطبيعة أو بالتولد الذاتي قول يتناقض مع العقل ومع العلم في آن واحد، لاستحالة كون المادة مصدر الحياة؛ لخلوها من الحياة، وما كان خاليا من شىء لا يمكنه مطلقا أن يكون مصدرا له، أما خلو المادة من الحياة بالفعل فشىء ثابت وظاهر؛ لأننا لم نر مادة جامدة أنبتت حياة.

ثانيا – الصدفة

لقد وجد قديما من ذهب إلى أن الحياة نشأت بالصدفة اتفاقا دون أي خالق نتيجة لعمليات عمياء تدور في المادة لبلايين السنين.. إن الكون فيه من الدلائل التي تضيف إلى الخلق والإبداع العناية والقصد من شمس وقمر وجبال وأنهار، وإنسان وحيوان ونبات؛ لأن كل مخلوق خلقه الله إنما خلقه لغاية وخلقه بقدر، وإن غاب عن المخلوقين فلا يغيب عن الخالق جل في علاه

ولا يمكن أن توجد صدفة، لأن كل حادث لا بد له من محدث، ولأن وجودها على هذا النظام البديع، والتناسق المتآلف والارتباط الملتحم بين الأسباب ومسبباتها، وبين الكائنات بعضها مع بعض يمنع منعًا باتًا أن يكون وجودها صدفة، إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف يكون منتظمًا حال بقائه وتطوره؟!

وإذا لم يمكن أن توجد هذه المخلوقات نفسها بنفسها، ولا أن توجد صدفة تعين أن يكون لها موجد وهو الله رب العالمين.

قال الله تعالى:

( قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)

الرعد 16

 ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ )

القمر49

القرآن خاطب العقل البشري ليفكر ويتدبر، وينظر في آيات الله في الكون ليعرف دلالتها . والآيات التي تخاطب العقل وتدعو إلى التأمل والتدبر كثيرة في القرآن نجتزئ بذكر نموذج واحد منها .. الإنسان ..

إن الله – عز وجل – خلق الإنسان في أحسن تقويم،

قال الله تعالى:

( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ )

التين 4

ولفت نظر الإنسان إلى نفسه، وطلب منه أن يتأملها ويتدبر ما فيها من لطيف الصنع وعظيم الغاية

قال الله تعالى:

(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ )

الذاريات21

ويذكر الإنسان بالنعم الظاهرة

قال الله تعالى:

( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ )

الملك 23

وهذه الآية تتحدث عن الإنسان وما أودع الله فيه من ملكات، وأعضاء ..

– حاسة السمع

يوجد في الأذن عشرة آلاف خلية سمعية، ومن خلال نظام معقد يسري من هذه الخلايا ما يسمع.

– حاسة الإبصار

يوجد في كل عين مائة وثلاثون مليونا من الخلايا الملتقطة للضوء تقوم بمهمة إرسال المجموعة التصويرية إلى المخ.

– حاسة الذوق

توجد ثلاثة آلاف من الشعيرات المتذوقة، ولكل منها مسلك عصبي متصل بالمخ، وبواسطة هذه الشعيرات يحس الإنسان بالمذاقات المختلفة، ولولا هذه الشعيرات ما شعر الإنسان بطعم حلاوة أو مرارة.

– حاسة الإدراك والإحساس

توجد أنسجة حسية على امتداد جلد الإنسان فإذا قربنا شيئا حارا فإن ثلاثين ألفا من الخلايا الملتقطة للحرارة تحس بهذه العملية وترسلها إلى المخ، وإذا قربنا شيئا باردا إلى الجلد فإن ربع مليون من الخلايا ترسل هذا الإحساس إلى المخ فيرتعد الجسم، ثم تتسع الشرايين الجلدية فيسرع مزيد من الدم إليها وتزودها بالحرارة.

– مخ الإنسان:

مخ الإنسان يوجد فيه  ألف مليون خلية عصبية، ومن هذه الخلايا تخرج الأنسجة العصبية، ويجري في هذه الأنسجة نظام إرسال واستقبال للأخبار بسرعة سبعين ميلا في الثانية ، ومن خلال هذه الأنسجة نتذوق ونسمع ونرى ونباشر سائر أعمالنا.

وأما الجانب الباطني في الإنسان مثل الشعور بالفرح وحزن، وغير ذلك من المدارك والمشاعر التي لا ترى ولا تشاهد

قال الله تعالى:

( وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ )

النجم 43

وبعد هذه الدلائل الكبرى التي أودعها الله في الإنسان يأتي أحدهم ويقول: ائتوني بالماء والهواء وسأخلق الإنسان.. هنا يقول: إني سأخلق فكأن الصنعة لا بد لها من صانع.

ومع هذا الادعاء فلم ينجح أحد إلى الآن في خلق نطفة أو خلية حية فضلا عن الإنسان، وما زال التحدي قائما . ونحن لا نملك إلا أن نردد قول الله

قال الله تعالى:

( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ )

النمل88

( هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ )

لقمان11

ثالثا – التطور

حديثا عرف القول بالتطور و اشتهر وارتبط باسم الإنجليزي تشارلز داروين 1809 – 1882م، الذي ذهب إلى أن الأنواع لم تخلق مستقلة منذ البدء، بل نشأت من أنواع أخرى، وقد اعتمدت نظرية”داروين” في المقام الأول على مجموعة من الحفريات، ومجموعة من الأحياء البحرية، ومن هذه وتلك وجد هناك تشابها عميقا بين الأحياء بعضها وبعض، فخطر له فرض هو أن هذه الأنواع لها أصل واحدا وقد تطورت وتكاثرت وتنوعت في زمن مديد بمقتضى قانون الانتخاب الطبيعي، هذا عن الكائنات الحية.

أما عن الإنسان فقد ترك داروين مسألة الإنسان معلقة، ولكنه عاد فرأى أن ليس هناك من موجب لاستثنائه من قانون التطور.

وهذا التصور مردود عليه بما جاء في القرآن الكريم. أن الله – سبحانه وتعالى – أعلن الإبداع في خلق الأشياء كلها

قال الله تعالى:

 ( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون )

الذاريات49

ومن كل شيء من أجناس الموجودات خلقنا نوعين مختلفين؛ لكي تتذكروا قدرة الله، وتعتبروا.

أن الله – عز وجل – قد سخر من الذين يقولون بالتطورونفى عنهم العلم

قال الله تعالى:

 ( ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم )

الكهف51

فالذين يتحدثون عن تطور الكائنات بعضها من بعض لم يشاهدوا هذه الكائنات، ولو سألنا واحدا منهم هل شاهدت نباتا تحول إلى حيوان؟ سيجيب بالنفي، ولو سألنا آخر هل شاهدت قردا تحول إلى إنسان؟ سيجيب بالنفي.

وحينئذ يقعون في التناقض؛ لأن العلم الذي يبنون عليه إلحادهم ويتبجحون بنتائجه ويقوم على التجربة والحس والمشاهدة يتناقض مع ما يدعونه؛ لأنه يتنافى مع أبسط قواعد البحث العلمي وهو التحقق من صحة الفروض، وهم لم يتحققوا بعد من فروضهم حول التطور، فكيف ينادون بنظرية التطور على أنها حقيقة؟

5- أسباب الإلحاد

سلوك الخلق الإلحاد في الدين عمومًا له أسباب عديدة، وهو سلوك مخالف ومناف للفطرة السليمة ، وأسباب الإلحاد متعددة، ومن هذه الأسباب:

1- الجحود

والجحود يقوم على رفض الإيمان بالرسل، ونكران الآيات التي جاءوا بها، مع علمهم بصدق الرسل.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾

الأنعام: ٣٣

2- الأستكبار

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ . وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾

النمل: ١٣-١٤

إلحادهم انتقاص من الآيات وتكبر عليها، رغم وضوحها وبيانها .

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ﴾

الفرقان: ٢١

وقال الذين لا يؤمِّلون لقاء ربهم بعد موتهم لإنكارهم له: هلا أُنزل علينا الملائكة، فتُخْبِرنا بأن محمدًا صادق، أو نرى ربنا عِيانًا، فيخبرنا بصدقه في رسالته. لقد أُعجِبوا بأنفسهم واستعلَوْا حيث اجترؤوا على هذا القول، وتجاوزوا الحدَّ في طغيانهم وكفرهم.

3- الجهل

عدم المعرفة وسوء التقدير

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾

البقرة: ١١٨

وقال الجهلة: هلا يكلمنا الله مباشرة ليخبرنا أنك رسوله، أو تأتينا معجزة من الله تدل على صدقك. ومثل هذا القول قالته الأمم من قبلُ لرسلها عنادًا ومكابرة؛ بسبب تشابه قلوب السابقين واللاحقين في الكفر والضَّلال، قد أوضحنا الآيات للذين يصدِّقون تصديقًا جازمًا؛ لكونهم مؤمنين بالله تعالى، متَّبعين ما شرعه لهم.

4- المرض القلبي

ليس المقصد هنا المرض العضوي، وإنما المرض المعنوي

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ﴾

البقرة: ٨٨

قالوا: قلوبنا في أكنة وأغطية وغلف، وكأن الإلحاد مرض قلبي يجعل على قلوبهم غشاوة تحجب عنهم الإيمان.

6- أساليب القرآن

      في

  إبطال الإلحاد

اتبع القرآن الكريم العديد من الأساليب المتنوعة في إبطال الإلحاد، وإيراد الأدلة والبراهين؛ لدحض الإلحاد، والرد على المنكرين لوجود الله، ومنها

1- دلالة الآيات الكونية

على خالقها ومبدعها

وقد جاء الأمر فِي القرآن أمرًا عامًا؛ بالتفكر والآعتبار بما في السموات والأرض من آيات الله البينات .

قال الله تعالى:

 ( قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

يونس: 101

( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْض رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ . هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ )

لقمان: 10-11

وقد يأتي أمرًا خاصًا

– النظر باعتبار إلى الطعام

قال الله تعالى:

( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ ﴾

عبس: 24- 32

فليتدبر الإنسان: كيف خلق الله طعامه الذي هو قوام حياته؟

– النظر باعتبار إلى خلق الإنسان

قال الله تعالى:

( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ  ﴾

الطارق 5

فلينظر الإنسان مِمَّ خُلِقَ؟ نظر اعتبار

قال الله تعالى:

 ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهِا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ . وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ )

الروم: 21-23

ب – إهتداء الفطرة إلى

خالقها ومبدعها

الفطرة هي الصفات الخَلقية الأولية التي منحها الله تعالى للإنسان وغرسها في طبيعته.

قال الله تعالى:

 ( فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )  

الروم30

إن كل إنسان تمر به لحظات ومواقف يخرج من داخله نداء الفطرة قويًّا بارزًا، ليدله على الحقيقة الكبرى، يظهر ذلك في أوقات الشدة والمحنة، فإن القلب يفزع إلى خالقه، ويلجأ إلى بارئه عند حلول الحوادث العظام والخطوب الجسام، لكن إذا انتهت لحظات الاضطرار، وذهبت الشدة والمحنة والخوف والقلق؛ إذا بالإنسان يعرض عن نداء الفطرة، ويسلم نفسه لداعي الشيطان والنفس والهوى، ويغتر بصحته وجاهه وماله وسلطانه .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ﴾

الإسراء 67

﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

يونس 12

﴿ فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

الزمر 49

الإقرار والاعتراف بالخالق فطري ضروري في نفوس الناس، وإن كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته حتى يحتاج إلى نظر تحصل له به المعرفة

قال الله تعالى:

﴿ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾

إبراهيم: 10

ج- مخاطبة العقل البشري

كما خاطب القرآن الوجدان البشري ليوقظه إلى حقيقة الألوهية، فإنه كذلك يخاطب العقل البشري ليفكر ويتدبر، وينظر في آيات الله في الكون ليعرف دلالتها، وإليك نماذج من الأسئلة التي ترد على العقل ليتفكر ويتدبر.

هل يمكن أن يوجد هذا الكون الهائل بغير خالق؟

هل يمكن أن يدبر شئون هذا الكون الضخم إلا إله قادر عليم حكيم؟

هل يمكن أن يكون لهذا الإله شريك في الملك، أو شريك في التدبير؟

هل هذا الإله يمكن أن يعجز عن أمر من أمور الخلق، أو التدبير أو الرزق، أو الإحياء أو الإماتة، أو البعث أو الجزاء؟

كل هذه أسئلة حارت فيها العقول، وعجزت عن إجابتها الأفهام؛ لأنها اعتمدت على أفكار إلحادية مسبقة تنكر وجود الخالق – سبحانه وتعالى – تلك القيود التي كبلت العقول عن أن تنطلق في رحاب الخلق لتستدل به على الخالق، وطمست على الأفهام، فلم تتفتح لتدرك مظاهرة القدرة ودلائل الإعجاز في بديع صنع الله في الآفاق وفي الأنفس .

Share This